25 – البابا ديسقوروس – Dioscorus – الأستاذ أشرف صالح


25 - البابا ديسقوروس - Dioscorus

[تابع بطاركة القرن الخامس الميلادي].

25 - البابا ديسقوروس - Dioscorus

444م - 454م

مقدمة

بعد نياحة البابا "كيرلس الكبير" [عمود الدين]، إجتمع أساقفة الكنيسة القبطية، ولفيف من الشعب والأكليروس من أجل إختيار من سيُخلفه على الكاتدراء المرقسي، فكان إتفاق الآراء بالإجماع على إختيار إبن شقيقة البابا كيرلس الأول - وتلميذه - وكان يُدعى "ديسقوروس"، وكان ثابتاً في التمسك بالعقائد الإيمانية الأرثوذكسية، شديد الحرص على أن لاينحاد عنها، أو يعارضها.

الجلوس على الكاتدراء المرقسي

لقد إرتقى الكرسي المرقسي في مسرى سنة 179 ش. و444 م. في عهد ثيؤدوسيوس قيصر الصغير خليفة للقديس كيرلس، وترجع قصة إختياره عندما إنتقل الأنبا كيرلس عامود الدين إلى عالم الأحياء سنة 435 م. أن اتفقت كلمة الإكليروس والشعب على إنتخاب تلميذه وسكرتيره ديسقوروس ليخلفه على الكرسي المجيد.

وما أن تمت رسامة الأنبا ديسقوروس حتى بعث برسالة الشركة إلى أخوته الأساقفة.

أعمال البابا ديسقورس

مقاومة البدعة النسطورية

عملاً بالتقليد الذي أرساه سلفاؤه، وكان من ضمن المهنئين له، والكاتبين إليه ثيئودريته أسقف قورش، وكان عجيبًا أن يكتب هذا الأسقف للبابا الإسكندري لأنه كان من أكبر المناصبين العداء للأنبا كيرلس في موقفه ضد البدعة النسطورية مع أنه كان متفقا معه في وجوب التمسك بالعقيدة الأرثوذكسية.

وقد أخذ دريت يتملقه ويمتدح فضائله وبخاصة رقته ودعته وكان هذا الخطاب غريبا من ثيئود دريت، الذي إنقلب فيما بعد خصم عنيد!، فسلك بإزاء ديسقوروس الملك عينه الذي سلكه بإزاء كيرلس، ومن المؤلم حقا هذا العداء للبابا وبين الإسكندريين لأنه كان عالما قويم الإيمان لم يكن بالرجل الذي يستطيع أن يفرق بين المبدأ وبين الشخص الذي يدين بهذا المبدأ، فهو لم يكن يدافع عن أمر شخصي، ولكن عن الإيمان الأرثوذكسي. وقد وقف الأنبا ديسقوروس أمام دوسنوس أسقف إنطاكية عندما علم بأنه سمح لثيئود دريت النسطوري بأن يعظ المؤمنين، فأحس بأن واجبه أن يحضّ هؤلاء المؤمنين ضد التعاليم الإتباعية، فأرسل رسالتين إلى الأسقف الأنطاكي بخصوص هذا الشأن. وقد اقترنت نواياه بالنية المتقدة والشجاعة المتناهية وسرعة البديهة، وقد تعلم في مدرسة الإسكندرية التي تخرج منها جميع البارزين من رجال عصره، فنبغ في العلوم الروحية والفلسفة، ولما كان متصفاً بهذه الفضائل كلها، فقد كان خير من يخلف البابا كيرلس العظيم.

25 - البابا ديسقوروس - Dioscorus

البابا ديسقورس.

أهم الأحداث المعاصرة

أحداث من داخل الكنيسة [إنقسام الكنيسة]

ما إن جلس البابا ديسقوروس على الكرسي البطريركي، حتي بدأت العواصف والتيارات المضادة للسلام في داخل الكنيسة، وإنتشرت القلاقل والإنزعاجات التي تكتف الكنيسة من كل جانب والإنقسامات التي تهددها في كل مكان، وأن مصالحة معلمه كيرلس مع يوحنا الأنطاكي لم تأتى بالعلاج الشافي لإزالة تلك الاضطرابات الكنائسية التي نجمت عن تعليم نسطور الهرطوقي، وعن تجند أشهر علماء الشرق له. وكان مركز بطريركية ديسقوروس حرجًا جدًا وأصبح محسودًا ومكروهًا نظراً لما حازه من أنظار الملوك إليه وما حازه من المجد بسبب رده على الطائفة أو الشيعة النسطورية. وبالرغم من وجود هذه الخصومات إلا أنه كان هناك مؤيدين في جهات أخرى خلاف الشرقيين المعادين وكانت أسباب عداوتهم تزداد من يوم لآخر لهذا المركز، بسبب أمران: أحدهما ظهور هرطقة جديدة والثاني، تعطش البابا للرئاسة المزعومة.

أي انه يمكن القول في أيام هذا البابا إنشطرت الكنائس المسيحية إلى شطرين وهما: ذو الطبيعة الواحدة - وذو الطبيعيتين. ولم تكن الكنائس المسيحية على وفاق مع بعضها؛ والسبب طمع أساقفة رومية، ورغبتهم في السيادة العامة على الكنيسة المسيحية في كل العالم، ولم يكن الأسقف الروماني يخشى بطش أحد من رؤساء الكنائس سوى بابا الإسكندرية.

وأن القسطنطينية مع كونها عاصمة المملكة الجديدة، ولكن بطاركتها كانوا ضعيفي الشوكة وكثيراً ما تدخّل بطاركة الإسكندرية وأساقفة رومية في شئونها، ومع ذلك احتفظت الإسكندرية بمقام الرئاسة. ولقد سعى أسقف رومية سعيا متوصلاً للإتحاد مع بابا الإسكندرية، كما يظهر ذلك من خطاب أرسله للبابا ديسقوروس في شهر يونيه سنة 445م، يلتمس فيه المؤاخاة والعمل على التداخل في الأمور سويًا، ما دام الاثنان متساويان في التربية والدرجة، ولكن بابا الإسكندرية ضرب بخطابه عرض الحائط وهذا لما يعلمه من غايته الدنيئة.

البدع والهرطقات المعاصرة

1 - بدعة أوطاخي [البدعة الأوطاخية]

كان في أيام البابا ديسقوروس، أرشمندريت رئيس دير في القسطنطينية إسمه أوطاخي عدو لدود لم يكتف بما حدده المجمع الثالث المسكوني ضد تعليمه، بل تطرف في تعبيره عن سر التجسد إلى أن قال: "أن هناك طبيعة واحدة للمسيح، وأن جسده مع كونه جسد إله ليس مساويًا لجسدنا في الجوهر، لأن الطبيعة البشرية على زعمه قد ابتلعت واندثرت في الطبيعة الإلهية".

أوطاخي

أوطاخي.

2 - بدعة ذوريتوش [توابع بدعة أوطاخي]

فثار ذوريتوش أسقف كورش الذي أشتهر باعتناقه لمذهب نسطور، وتطوع للدفاع عنه، وأخذ يكتب ضد أوطاخي ويشهد بتعليمه حتى بلغ الأمر للبابا ديسقوروس، فظن أن النسطوريين الذين كسر شوكتهم سلفه القديس كيرلس، يتحفزون للقيام، فخوفًا من أن يضيع مجهودات سالفيه. وكما هو معروف عن فساد مبدأ ثاودوريثوش، وتعريضه برسائل القديس البابا كيرلس الأول، كتب ضده للقيصر ثيؤدوسيوس الثاني، مظهر الخوف من أن الكنيسة الأنطاكية أوشكت أن تكون كلها نسطورية. ولشدة الثقة بغيرة آباء الكنيســـة القبطية على سلامة الأيمان، فقد أصدر الإمبـــراطور ثيؤدوسيوس أمرًا ضد الكنيسة الإنطاكية، وحظر على ثاوذوريتوش الخروج من دائرة إبروشيته. أما بخصوص بابا الإسكندرية، فلما رأوا أن السماء والأرض تعلنان حقه، ادعوا زورًا وبُهتانًا بأنهم حرموه ونفوه لأنه شريك أوطاخي!، وتلك تهمه كاذبة، فالكنيسة القبطية تشجب أوطاخي وتعتبره هرطوقياً، والفرق ظاهر بين إعتقادات أوطاخي واعترافات وأقوال البابا ديسقوروس، وتم عمل مجمع منكرًا فيها الإمتزاج والإحتفاظ والاستحالة بكل صراحة، ورفض أوطاخي مادام حائدًا عن استقامة الأيمان العام، وتبعته في ذلك الكنائس التي كان منها كالكنيسة القبطية والسريانية وغيرها. وذكر البابا ديسقوروس في كتاب: "إعترافات الآباء" يقول: "يجب علينا أن نقلع ونخرج عن كل من يقول أن الله الكلمة تألم بلاهوته أو مات، نحن لا نؤمن هكذا بل أن الله الكلمة صار جسداً بحق وبقى بلا ألم ولا موت بالجملة بلاهوته". "ولكن قوماً يظنون ويقولون أننا إذا قلنا أن المسيح تألم بالجسد لا باللاهوت نوجد هذا القول موافقين لمجمع خلقيدونية ونحن نجيبهم، ونقول: [إذا كان أهل مجمع خلقيدونية يعترفون أن الله تألم بالجسد لا باللاهوت فإننا نوافقهم]"، ثم يختم البابا كلامه بطبيعة واحدة للأقنوم الواحد الذي هو الإبن الواحد المتجسد، مُستشهدًا بالقديس البابا أثناسيوس ـ كما تقدم ـ وبالقديس البابا كيرلس.

الأباطرة المعاصرون للخدمة

[تابع أباطرة القسم الشرقي المعاصرين للخدمة].

Theodosius II - الإمبراطور ثيؤدوسيوس الثاني

408 م – 450م

Theodosius II  - الإمبراطور ثيؤدوسيوس الثاني
.

Marcian  - الإمبراطور مركيان

Marcian - الإمبراطور مركيان

450 م – 455م

إستشهاد القديس البابا ديسقورس

وكانت نياحته في جزيرة غاغرا - Gagra بعد أن جاهد الجهاد الحسن عن الأمانة الأرثوذكسية، وذلك أنه لما دعي إلى المجمع الخلقدوني بأمر الملك مرقيان، رأى جمعًا كبيرًا من أساقفة يبلغ عددهم ستمائة وثلاثين أسقفًا، فقال ما هو الذي تنقصه الأمانة حتى اجتمعت هذه الجماعة العظيمة؟، فقالوا له أن هذه الجماعة اجتمعت بأمر الملك، فقال أن كان هذا المجمع بأمر السيد المسيح، فأنا أحضره، وأتكلم بما يتكلم به الرب على لساني وان كان قد اجتمع بأمر الملك، فليُدبر الملك مجمعه كما يريد، وإذ رأى أن لاون بطريرك رومية قد علم أن للمسيح طَبيعتين ومشيئتين من بعد الإتحاد، انبرى لدحض هذا المعتقد الجديد فقال: "إن المسيح واحد، هو الذي دعي إلى العرس كإنسان، وهو الذي حول الماء خمرًا كإِله، ولم يفترق في جميع أعماله"، وإستشهد بقول البابا كيرلس "إن اتحاد كلمه الله بالجسد، كاتحاد النفس بالجسد، وكاتحاد النار بالحديد، وان كانا من طبيعتين مختلفتين، فبإتحادهما، صارا واحدًا - كذلك - السيد المسيح مسيح واحد، ورب واحد، طبيعة واحدة، مشيئة واحدة". فلم يجسر أحد من المجتمعين في المجمع أن يقاومه وقد كان فيهم من حضر مجمع أفسس الذي إجتمع على نسطور وأعلموا الملك مرقيان والملكة بلخاريا، أنه لم يخالف أمركما في الأمانة إلا ديسقورس بطريرك مدينة الإسكندرية. فاستحضراه هو والمتقدمين في المجمع من الأساقفة، واستمروا يتناقشون ويتباحثون إلى أخر النهار، والقديس ديسقورس لا يخرج عن أمانته، فشق ذلك على الملك والملكة، فأمرت الملكة بضربه على فمه، ونتف شعر لحيته، ففعلوا ذلك، فأخذ الشعر والأسنان التي سقطت، وأرسلها إلى الإسكندرية قائلًا: هذه ثمرة الإيمان، أما بقية الأساقفة فإنهم لما رأوا ما جرى لديسقورس، وافقوا الملك، لأنهم خافوا أن يحل بهم ما حل به، فوقعوا بأيديهم على وثيقة الاعتقاد بأن للمسيح طبيعتين مختلفتين مُفترقتين، فلما علم البابا ديسقورس بذلك الأمر، أرسل في طلب الطومس أو الإقرار الذي كتبوه)،) زاعمًا أنه يريد أن يوقع مثلهم، فلما قرأه كتب في أسفله بحرمهم، وحرم كل من يخرج عن الأمانة المستقيمة، فإغتاظ الملك وأمر بنفيه إلى جزيرة غاغرا Gagra، ونفي معه القديس مقاريوس - أسقف إدكو، وإثنان آخران، وظل المجمع بخلقيدونية. وقد روى أن البابا ديسقوروس ومن كان معه من الأساقفة المصريين شرعوا في منفاهم ينشرون نور الإنجيل ويبشرون أهل ذلك المكان، وقد أظهر الله على أيديهم آيات وعجائب. وحدث أن تاجرًا مصريًا زار البابا ديسقوروس في منفاه، فتألم لما شاهد ما وصل إليه من الاحتقار، فذكره البابا بما أصاب يسوع من الهوان. كما أعطى التاجر تلميذ البطريرك قطعة ذهبية ذات قيمة، لكي يُنفق منها على معلمه، ووعد أن يرسل غيرها فلما علم البابا ديسقوروس بذلك قطع القطعة ووزعها على فقراء المكان. ومما أجراه هناك من المعجزات أن أعمى طلب منه بحرارة أن يسمح له بنقطة دم يمسح بها نفسه، فشرط له القديس جزأ من جسمه وأعطاه من دمه وما أن دهن به وصلى عليه ففاز بالشفاء الكلى. وارتفع شأن البطريرك الإسكندري في عيون أهل منفاه بعد أن كانوا يعاملونه بقسوة وأصبح موضوع احترامهم وإكرامهم.


الموضوع الأصلي متاح من خلال موقع المؤلف هنا https://kingdomoftheearth.blogspot.com/

التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح
التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح