08 – البابا مركيانوس – Markianos – الأستاذ أشرف صالح


8 - البابا مركيانوس - Markianos

146 م – 155م

مقدمة

إن البابا مركيانوس - وفقاً للمصادر التاريخية الكنسية - من مواليد مدينة الأسكندرية في تاريخ غير مُحدد على وجه الدقة.

وقد حدث أنه بعد نياحة البابا أومانيوس في سنة 146 م، إجتمع الآباء الأساقفة مع الشعب بثغر الإسكندرية، وتشاوروا فيما بينهم من أجل إختيار من سيقيمونه على الكرسي الباباوي المرقسي عوضًا عنه، فوقع اختيارهم جميعًا على رجل بار هو: "مركيانوس"، لعلمه وتقواه فأقام على الكرسي تسع سنين وشهرين و26 يومًا، مداومًا على تعليم رعيته حارسًا لها من التعاليم الغريبة.

الجلوس على الكاتدراء المرقسي بعد نياحة البابا "أومانيوس"، إجتمع الآباء مع الشعب بثغر الإسكندرية وتشاوروا من يقيمونه علي الكرسي عوضًا عنه، فوقع إختيارهم جميعًا علي مركيانوس، لعلمه وتقواه فأقام علي الكرسي تسع سنين وشهرين و26 يومًا، مداومًا علي تعليم رعيـــته حارسا لها من التعاليم الغريبة.

الأباطرة الرومان المعاصرون للخدمة

الإمبراطور أنطونيوس بيوس

138م - 161 م

الإمبراطور أنطونيوس بيوس
.

مشاهير الشخصيات المعاصرة

القديس إيريناوس

ولد القديس إيريناوس - والذي يشير إسمه إلى "السلام" - في حوالي العام 140م في آسيا الصغرى، وقد إتبع، في شبابه الأول، في إزمير، تعليم الأسقف القديس والعلاٌمـــة بوليكاريوس - (23 شباط)، الذي نقـل التراث المُقتبـل من القديس الرسـول.

يوحنا الحبيب، هكذا تعلم حفظ الأمانة للتراث الرسولي في الكنيسة - من هنا قوله: "لقد جعل الله في الكنيسة الرسل والأنبياء والآباء والمعلمين وما سوى ذلك مما يمت بصلة إلى الروح القدس، من هذا الروح يقطع كل الذين رفضوا اللجوء إلى الكنيسة، فحرموا أنفسهم الحياة بعقائدهم الفاسدة وأعمالهم المختلة، فإنه حيث الكنيسة هناك، أيضاً، يكون روح الله، وحيث يكون روح الله هناك تكون الكنيسة وكل النعمة، والروح هو الحقيقة".

بعد أن أقام في رومية، كَهُنَ في كنيسة ليون في بلاد الغال (فرنسا). وفي زمن إضطهاد الإمبراطور ماركوس أوريليوس - في حدود العام 177م - وبصفته كاهن تلك الكنيسة، نقل إلى البابا ألفتاريوس، في رومية، الرسالة العجيبة التي وجهها الشهداء القديسون في ليون إلى المسيحيين في آسيا وفيرجيا، يصفون فيها جهاداتهم المجيدة لدحض شيعة مونتانوس الهرطوقية. والحق أن الشهداء يقوون على ضعف الجسد ويحتقرون الموت بقوة الروح القدس. فإن بذل النفس هو الشهادة السامية للحق وعلامة غلبة الروح القدس على الجسد وعربون رجائنا بالقيامة. إثر عودته إلى ليون خلف القديس بوتينوس الأسقف الذي إقتبل الشهادة (2 حزيران)، رأساً لكنائس ليون وفيينا - كأسقف - إستلم إيريناوس من التقليد الرسولي "موهبة الحق الأكيدة" ليذيع ويفسر الإنجيل. وقد كرس القديس إيريناوس حياته - مذ ذلك الحين - للشهادة الحق، على غرار الشهداء، لذا علم: "علينا أن نحب بأقصى غيرة ما هو من الكنيسة والإمساك، بقوة، بتقليد الحق". وقد عمل القديس إيريناوس بهمة لا تعرف الكلل في هداية الشعوب البربرية إلى الإيمان. وقد شملت رعايته كل الكنيسة، وزعلى هذا، فقد كتب إلى أسقف رومية، فيكتور (189 – 198)، بإسم أساقفة بلاد الغال [فرنسا الحالية]، وقد كان متقدماً بينهم، ليقنعه بعدم قطع الشركة مع كنائس آسيا الصغرى التي كانت تحتفل بعيد الفصح في اليوم الرابع عشر من شهر نيسان، فلأن هذه العادة القديمة، إنتقلت من الذين تقدمونا، فحفظوها، وحفظوا السلام حيٌال الآخرين، فإنه لا شيء يلزم بفرض الوحدة في الممارسة، كما قال، لأن "الخلاف في الصوم يؤكد الإتفاق في الإيمان".

هذا - وتعود شهرة القديس إيريناوس، إلى مؤلفه "ضد الهرطقات" الذي يتناول فيه الغنوصيين ذوي الاسم الكاذب، هؤلاء هم الذين يستمدون معرفتهم المزعومة من التركيبات الذهنية المنحرفة والأساطير. والغنوصة Gnose، معناها: (المعرفة) القديس إيريناوس، بعد أن شاء أن ينقض طروحات الغنوصيين مبيناً هذيانيتها، يؤكد أن الغنوصة الأصلية هي العطية الفائقة للمحبة التي يُسبغها الروح القدس على المسيحيين في البنية الحية للكنيسة. فقط في الكنيسة بإمكاننا أن نرتشف الماء الزلال الذي يجري من الجنب المطعون للمسيح ليعطي حياة أبدية. ولم تكن كل التعاليم الأخرى - سوى آبار مشققة لا تضبط ماء. سعي قديس الله إلى دحض الهرطقات كان مناسبة لبسط إيمان الكنيسة القويم. ولقد إبتعد إيريناوس، عن اتجاه الفلسفة الهيلينية والثنائية التي تقيمها بين الجسد والنفس ليؤكد تعليم القديس يوحنا الحبيب أن "الكلمة صار جسداً". وكان هذا لإبراز معنى ما كان الإنسان من أجله. فإن آدم الأول أبدع من الطين بيدي الله، الكلمة والروح، كصورة لله طبقاً لنموذج جسد المسيح الممجد، وأن نسمة حياة أعطيت له لكي يتقدم من كونه على صورة الله إلى صيرورته على مثال الله. ولكن إذ خدعه الشيطان العزول سقط في الموت لكن الله لن يتخل عنه إذ رمى، منذ الأزل، إلى إشراكه في المجد. إعلانات ونبوءات العهد القديم، وخصوصاً تجسد الكلمة وموته وقيامته وصعوده المجيد، يشكل المراحل الضرورية لتدبير الله الخلاصي في التاريخ. لأن الكلمة كان له، نصب عينيه، أبداً، هذا المُرام الأخير الذي من أجله خُلق الإنسان، تجسد مستعيداً في ذاته آدم الأول. وكما أن آدم الأول "ولد من أرض عذراء، ولكن بعصيان حواء العذراء سقط في الخطيئة بالخشبة (خشبة شجرة معرفة الخير والشر)، أتى المسيح إلى العالم بطاعة العذراء مريم وعلق على خشبة الصليب." أعطى نفسه مقابل نفسنا وجسده مقابل جسدنا، ومد روح الآب ليحقق الوحدة والشركة بين الله والناس، مُنزلاً الله في الناس بالروح القدس، ومُصعداً الإنسان إلى الله بتجسده، إن كلمة الله الذي خلق العالم مرتباً إياه، بصورة غير منظورة، في شكل صليب، أظهر ذاته، في الوقت المحدد، على الصليب لكي يجمع في جسده كل الكائنات المبعثرة ويأتي بها إلى معرفة الله، وإذ ظهر، لا في مجده السَنيٌ، بل كإنسان، أبرز في ذاته صورة الله مستعادة ومتشوفة، من جديد، إلى المثال. وقد غذانا من جسده لكيما متى اعتدنا أن نأكل ونشرب كلمة الله وتشددنا بخبز الخلود قاربنا معاينة الله التي تُسبغ عدم الفساد. "مستحيل أن نحيا من دون الحياة، وليست هناك حياة من غير اشتراك في الله. هذا الاشتراك في الله قائم في معاينة الله وإقتناء وداعته... فإن مجد الله هو الإنسان الحي وحياة الإنسان هي معاينة الله...".

وبالنسبة للقديس إيريناوس، فهو تلميذ من تلاميذ الرُسُل، وعلى ذلك - فقد كان تعليمه ينحصر في الإعتراف باللاهوت، من مُنطلق المحبة الإلهية، رافضاً في الوقت ذاته - فكرة تأليه للإنسان في شخص المسيح المخلص. وقد كان تعليمه يحمل في مضمونه عُمق أكبر من مجرد دحض مبدأ العقيدة العرفانية الباطلة للغنوصيين، إذ شكل البذار الذي توسع فيه الآباء اللاحقون في كتاباتهم الملهمة من الله.

بعد تدخل إيريناوس السلامي لدى فيكتور، أسقف رومية، واصل أعماله لتثبيت الكنيسة. وقد ورد أنه قضى شهيداً خلال حملة اضطهاد الإمبراطور سبتيموس ساويروس للمسيحيين، حوالي السنة 202م، لكن لم يحفظ التاريخ لنا أي تفصيل في هذا الشأن. أودع جسده مدفن كنيسة القديس يوحنا التي صارت، فيما بعد، على اسمه. كذلك ورد أن البروتستانت، سنة 1562م، بعثروا رفاته ورفات القديسين الشهيدين أبيبودوس وألكسندروس هناك.

البدع والهرطقات المُعاصرة.

البدعة الغنوصية:

تُشتق كلمة الغنوصية من الكلمة اليونانية: gnw,sij، والتي تُعني "المعرفة"، ذلك أنها تدل على المعرفة السريّة لله التي يدّعي أتباع هذا المذهب إمتلاكها. أما الغنــــوصيّة - فتدلّ على البدع التي ظهرت في القرنيـــــن: الثاني والثالث، والتي أنشأت، إنطلاقاً من بــــحوث العرفـــان (المعرفة السريّة)، أنظمة فكريّة تخلط مــذاهب التصوفية اليهوديّة والثنــــائية الزرادشتية بالعقائـــد المسيحيّة، بالإضافة لأتـجاهات ميتــــافيزيقية أفلاطونية وأفلاطونية جديدة.

ومع إعلان هذه الجماعات عن نفسها كمسيحية - إلا أنها أفسدت روح المسيحيّة، بإعترافها، بشكل جذريّ أو ملطّف، بثنائية تطابق بين الشرّ والمادّة، أو الجسد أو الأهواء، وبين الخير ومادّة "روحّية" صادرة عن عالم آخر، وتقتصر فاعليّتها على بعض "المختارين" الذين اعترفوا بالعرفان بانتمائهم إلى ذلك العالم "الآخر". حوربت هذه البدعة منذ بداياتها فتلاشت في نهاية القرن الثالث. أما عن تعاليم البدعة الغنوصية، فهي تتلخص في إعتمادها على الكثير من الأساطير، وذلك لشرح نشوء العالم المادي مِن الإله الواحد المجهول، فهم يقولون بأن كائنات إلهيّة إنبثقت عن الله الواحد، وهي ذات كيان أدنى منهُ، آخر هذه الكائنات كانت "الحكمة" التي كانت تريد رؤية الله الذي لا يُرى، فجرَّت على نفسها عقوبة من إله أدنى شرير هو الكائن الوسيط المسؤول عن خلق العالم المادي والبشر. لكن الله أراد أن يفدي البشر الماديين، فنفخ فيهم شعلة إلهية. الإله الشرير هو إذاً إله العهد القديم الذي كان يريد دائماً إبقاء الإنسانية في عبودية الجهل، كي لا تستطيع بلوغ المعرفة، على هذا تشهد بعض فقرات الكتاب المقدس كطرد آدم وحواء من الفردوس والطوفان.

وبعض الغنوصيين كانوا يرفضون أسرار الكنيسة، أما آخرون، فكانوا يقبلون المعمودية والإفخارستيا كوسائل معرفة، هذا بالإضافة لبعض الطقوس السحريّة والأناشيد التي كانت تهدف لإرضاء الله وخلاص الإنسان عند موتهِ من الأرواح الشريرة التي تريد خطف نفسه لتسجنها من جديد في جسدٍ آخر. وتتباين الشيع الغنوصية بين التشدد الأخلاقي والتساهل، ففكرة احتقار المادة والجسد كانت تقود البعض لتمارين تقشفية صارمة تصل لدرجة تحريم الزواج والإنجاب، لكن البعض الآخر كان يقف موقفاً لا مبالياً للقيمة الأخلاقية لأي عمل يقوم بهِ الإنسان بواسطة جسده!. وعن مصادر البدعة الغنوصية، فيمكن الدارسون والباحثون في تلك البدعة، الإطلاع على مؤلفات آباء الكنيسة، فقد كان أولئك يكتبون للدفاع عن الإيمان القويم ضد هذه الجماعات الهرطوقية، فكانوا يستشهدون ببعض أقوال الغنوصيين التي كانت مدوّنة آنذاك، ولم تصل إلينا. وفي عام 1945 م - إكتُشفت في مصر بمنطقة ناج حمادي، مكتبة غنوصية كاملة، مكونة من خمسين مؤلّفاً باللغة القبطية القديمة، كان هذا الإكتشاف مهماً جداً في العودة إلى المصادرة الأصلية في دراسة الغنوصية. أما عن آثار البدعة الغنوصية على المدى الطويل، وحتى وقتنا المُعاصر، فهناك عناصر غنوصية متعددة نجدها اليوم بين الصابئيين المندائيين، وهي شيعة تسكن حالياً في جنوبي العراق وإيران. وقد أثّرت الغنوصية أيضاً في الأديان الثنائية - مثل المانية في القرون الأولى وجماعة الكاتار في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. هذا - ولم تزل توجد أفكار غنوصية في العقيدة الثيوصوفية (ظهرت في القرن التاسع عشر الميلادي)، وفي أفكار فلسفية معاصرة - نذكر منها على سبيل المثال: الوجوديّة، والعدميّة، وفي نظريات كارل غوستاف - Gustav Carl.

النياحة

لما أكمل البابا "ماركيانوس" سعيه الصالح، تنيح بسلام في اليوم السادس من شهر طوبه، من سنة 154 م.


الموضوع الأصلي متاح من خلال موقع المؤلف هنا https://kingdomoftheearth.blogspot.com/

التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح
التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح