41 – البابا إسحق – Isaac – الأستاذ أشرف صالح


[بطاركة القرن السادس الميلادي].

41 - البابا إسحق - Isaac

690 م – 692 م

مقدمة

تؤكد المصادر الأولية في تاريخ البطاركة السكندريين، ما يفيد أن البابا "إسحق" من مواليد (شبرا) من أعمال الغربية، وفي مرجع آخر، ورد أنه ولد في البُرلس، ولكن جاء إتفاق المصادر التاريخية على أنه نشأ في أسرة ثرية، ومن أبوين غنيين، وتلقي تعليمه في المدرسة، وكان نابغًا في العلم، سالكاً في البر والتقوى، حتى عُيِّنَ كاتبا في الديوان، فنال ثقة الجميع، وأصبح معروفًا بالصفات الحسنة عند جميع الناس، ولكنه على الرغم من ذلك الثراء الذي نشأ وترعرع فيه، كان متقشفاً في معيشته، وكان يرتدي ملابساً غاية في البساطة "لباس من الشعر، يرتدي فوقه رداءاً فاخراً".

وقد حدث أن طلب والدا البابا إسحق وهو في مقتبل العمر، أن يزوجاه لإقامه نسل، ولكنه أبى، وظهرت أغراضه السامية عندما إستقال من وظيفته، وقصد الذهاب إلى دير أبى مقار، حيث ترهبن هناك، متتلمذاً على يد الأسقف زكريا.

وكان وجهه جميلاً وطلعته بهية وصفاته حسنه؛ إذ كان من ذات شرف، ولكن خشى الأسقف زكريا سطوة أهله، فأرسله إلى المطرانية، لكي يقيم بها عند أحد الكهنة الأفاضل حتى يقف على حقيقية أمره.

في تلك الأثناء كان أهله يبحثون عنه في كل مكان، ولا سيما في الأديرة، حتى كلفوا البطريرك أن يساعدهم في البحث عنه، ولكن دون جدوى، فحزنوا حزنًا شديدًا.

ثم إستدعاه الأسقف زكريا، وألبسه الإسكيم الرهباني cxhma، ووضعه تحت أشراف وإرشاد رجل يدعى الأنبا إبراهيم، الذي أمره أن يختفي في دير (باماهو)، حتى ينتهي الانزعاج الذي سَبَّبَه غيابه عن أهله، وقد إستمر في ذلك الجبل مدة ستة أشهر، وأراد أن يزور أهله حتى لا يتعبوا في البحث عنه.

فعرض الأمر على الشيخ الأنبا إبراهيم وأقنعه به، فسارا معًا إلى بلدته حتى صارا بالقرب منها وقت غروب الشمس، ووصلا إلى مكان يملكه واحد من أهله، فباتا فيه وسأله عن أحوال أهله ومعارفه وما يجرى لهم بعد فراقه، وعرفه بنفسه، وطلب إليه أن يستدعي له رجلًا يدعى الشماس فليوثاؤس من أقربائه، وتقابل معه وطلب منه أن يخبر أهله بمجيئه بشرط أن يضمن له حجزهم والسماح له بالعودة إلى ديره، فقبل وانطلق إلى والديّ إسحق وأخبرهما بالأمر، فذهبا مع جمع كثيرًا إلى مكان إقامته، حيث كانوا في سرور كثير، وطلبوا أن يبقى عندهم شهرا فقبل.

ثم رجع إلى معلمه الأسقف زكريا ايغومانس ذلك الدير، والذي إرتقى فيما بعد إلى كرسي أسقفية مدينة سياس، وقد أرسله إلية البطريرك وصار تحت عنايته، وقد كان مجتهدا في أعماله في الكتابة والنسخ، فأشٌرَكه معلمة معه في خدمة البيعة.

معارضة الوالي لرسامته الباباوية

بعد نياحة البطريرك إجتمع الأساقفة وفي مقدمتهم الأنبا غريغوريوس أسقف القدس - الأنبا يعقوب أسقف اروط، والأنبا يوحنا أسقف نيقوس، وجماعة من الشعب، وتشاوروا مع كهنة الإسكندرية، ومع الأرخن كاتب الوالي على أن يقدموا الشماس جرجس من سخا بطريركًا، بدون اخذ رأي الوالي، وكان حينئذٍ عبد العزيز ابن مروان، وقالوا: "إن سألنا الوالي نقول له أننا أقمنا جرجس بطريركًا بوصاية سلفه البابا يوحنا".

ثم أخذوا الشماس، ورسموه قسًا وألبسوه إسكيم الرهبنة، وأذاعوا الخبر بأنه غدًا يُقام بطريركًا، وغاب عن ذاكرتهم قول الرب: "في قلب الإنسان أفكار كثيرة ولكن مشورة الرب هي تثبت" (أمثال 19: 21).

ولما كان الغد إجتمعوا بأرشيذياكون المدينة مرقس، وهو رجل فاضل، فمنعهم وقال لهم لا أرسمه إن لم تحضروا يوم الأحد كما جرت العادة.

وحينئذٍ - وصل قوم أتباع الوالي، وطلبوا أخذ البطريرك الذي رسموه ليمضوا به إلى والى مصر، فساروا به - وهناك - ظهر أن الذي أوصى به البابا يوحنا هو إسحق لا جرجس، فغضب الوالي وأمر بتقديم مَنْ سبقت الوصاية عليه، وقد حاول الشماس أن يدفع أموال لإستمالة الوالي إلى صفّه، ولكنه لم يقبل، فقطعه الأساقفة من درجته ثم عادوا إلى الإسكندرية، ووضعوا الأيادي على الأب إسحق، وأجلسوه على الكرسي في 8 طوبة سنه 406 ش - الذي يوافق 3 يناير سنة 690 م، وفي عهد خلافة عبد الملك بن مروان.

الجلوس على الكرسي الباباوي المرقسي

لما جلس البابا إسحق على الكرسي الباباوي المُرقسي أتم واجباته، وإعتنى بالبيعة الكبيرة للقديس مرقس، حيث رمَّم جدرانها، وجدد مقر البطريركية بمدينة الإسكندرية، وجدد كنائس كثيرة، وبنى بيعة بحلوان، وقد حضر للبطريرك وفد إحدى ممالك السودان يشكو له من سوء الحالة في البلاد، ويقول له أنهم لم يبق عندهم من الأساقفة ما يكفي للخدمة الدينية، ويطلب منه أن يُعيِّن مَنْ يلزم إليه الحاجة.

مقدمة أهم الأحداث المعاصرة للخدمة

الخلاف بين مملكتي النوبة والحبشة

كان قد حدث في ذلك الوقت، خلافاً بين ملكي النوبة والحبشة إذ أن الأول كان مسيحيًا بالإسم، وإتفق مع المسلمين على محاربة الملك الثاني، وكان غرضه المحصول على العبيد المخصصين للجزية السنوية!، فخشي البطريرك أن يرسل أساقفة، فيصيبهم أذى من وراء ذلك الخلاف، وكتب للملكين أن يصطلحا ويكفا عن المُشاحنة، وكتب لملك النوبة الذي أوضح عداوته للمسيحيين يقول له: "إن عليك مسئولية عُظمى من الله إذ عملت على تعطيل الخلاص، وتسببت في خراب الكنائس الجنوبية وإضمحلالها"، وحذَّره من التحالف مع المسلمين.

والي مصر يحكم بقطع رأس البابا إسحق والرب ينجيه

وسعى الماكرون لدى عبد العزيز والي مصر، وعرَّفوه أن البابا إسحق، كان قد كتب إلى ملوك السودان والحبشة، ليتحدث معهم على خلع نير المسلمين عن مصر.

فغضب الوالي وقبض على البطريرك، وأمر بقطع رأسه، ولكن البعض توسط في الأمر ورجا الوالي أن ينتظر حتى يطّلع على الخطابات ويعرف ما فيها.

فأرجأ الوالي تنفيذ الحكم، وإنتهز كُتّاب الأقباط الفرصة، وكتبوا خطابًا قَلَّدوا فيه خط البطريرك إسحق، وحذفوا منه ما يخص المسلمين، وعرَّفوا الوالي بأن الرسل حضروا ومعهم الخطابات فقرأها ولم يجد فيها شيئًا.

فهدأ غضبه، وأعاد البطريرك للإسكندرية، ولكنه حرمه من مزايا كثيرة، وجاهد البطريرك في خدمة الكنيسة.

الخلفاء المعاصرين للخدمة

[تابع - خلفاء الدولة الأموية الإسلامية السُنيٌة].

فترة حكم عبد الملك بن مروان

685 م - 705م

الخليفة عبد الملك بن مروان.

النياحة

بعد أن جلس البابا إسحق على الكرسي الباباوي المرقسي قرابة العامين وعشرة أشهر ويوماً واحداً، رقد في الرب في 9 هاتور سنة 409 ش. الموافق 5 نوفمبر سنة 692م.

وقد دُفن البابا إسحق في بيعة القديس مار مرقس بالأسكندرية.


الموضوع الأصلي متاح من خلال موقع المؤلف هنا https://kingdomoftheearth.blogspot.com/

التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح
التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح