64 – البابا زخارياس – Zacharias – الأستاذ أشرف صالح


[بطاركة القرن العاشر الميلادي].

64 - البابا زخارياس - Zacharias

1004 م - 1032 م

مقدمة

كان البابا "زخارياس" - أو "زكريا" - من أهل الإسكندرية - ورسم قسا بها، وكان طاهر السيرة، وديع الخلق، ولما تنيَّح القديس فيلوثاؤس البابا الثالث والستون، إجتمع الأساقفة ليختاروا بالهام الله من يصلح، وبينما هم مجتمعون في كنيسة القديس مرقس الرسولي يبحثون عمن يصلح، بلغهم إن أحد أعيان الإسكندرية المدعو إبراهيم بن بشر وكان مقرباً من الخليفة، قدم له رشوة، وحصل منه علي مرسوم بتعيينه بطريركًا، وأوفده مع بعض الجند إلى الإسكندرية، فحزنوا وطلبوا بقلب واحد من الله أن يمنع عن كنيسته هذا الذي يتقدم لرعايتها بالرشوة ونفوذ السلطان، وأن يختار لها من يصلح، وفيما هم علي هذا الحال، نزل الأب زخارياس من سلم الكنيسة يحمل جرة، فزلت قدمه وسقط يتدحرج إلى الأرض، وإذ ظلت الجرة بيده سالمة تعجب الأساقفة والكهنة من ذلك، وسألوا عنه أهل الثغر، فاجمع الكل علي تقواه وعلمه، فاتفق رأيهم مع الأساقفة علي تقدمته بطريركًا.

الجلوس على الكُرسي الباباوي المرقسي

بعد نياحة البابا فيلوتاؤس البطريرك الثالث والستون، صار صراع على الكرسي بين أحد أثرياء الإسكندرية والطامع في المنصب، وكان يدعى "إبراهيم بن بشر"، وبين كاهن شيخ يدعى القس زكريا كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل في الإسكندرية.

إستغل إبراهيم من بشر ثراءه، وإستصدر من كبار رجال الدولة صكاً بتوليه السدة المرقسية، في الوقت الذي سارع الإكليروس، بوضع الأيدي على القس زكريا، ووضعوا ابن بشر أمام الأمر الواقع.

وأمام غضب إبن بشر خشى آباء الكنيسة من تدهور الموقف، لا سيما وأنه يحمل صكًا من الخليفة بتعيينه، فأشاروا على البطريرك الأنبا زكريا بتطييب خاطره ورسامته، ثم رقاه قمصًا، ولما خلا كرسي منوف رسموه عليه، وكان جلوس البابا "زخارياس" على الكرسي الباباوي المرقسي في سنة 1004م.

أهم أعمال البابا زخارياس في الخدمة

من الأمور التي وضعها البابا في صدارة إهتماماته أثناء خدمته كبابا للكنيسة القبطية، الإهتمام بعمارة الكنائس التي تهدمت، حيث أنه كان حريصاً على أن يُعاد إليها جميع ما سلب منها، وكانت كل تلك الأعمال قد جرت بسماح من الخليفة، الذي أصدر الأمر بقرع الناقوس.

فترات الضيق في الكنيسة

- 1 واقعة جمع أموال للسيمونيين ظلماً بإسم البابا

أمام طيبة قلبه، فقد كانت سفينة السبع سنوات الأولى تسير في سلام، ولكن إستغل الإكليروس طيبة قلبه، وبدأوا يرتكبون المعاصي، فرسم الأساقفة مَنْ لا يستحقون هذه النعمة، وتدخل "القيمة" في أعمال الكنائس والاتجار بالنبيذ وغشه، كما توقف التعليم في التربية الكنسية، وتُرْجِمَت أخلاق البطريرك الرفيعة على أنه خفيف العقل، وفعلًا حدث تسيب كبير في الكنيسة، فجمعت الأموال للسيمونين بإسمه وهو برئمنها.

2 - الحاكم بأمر الله يأمر بإلقاء البابا زخارياس للأسود والرب ينجيه

لقد حدث أن تجرأ أحد الرهبان من دير أبو مقار (يؤانس)، وطالب بالأسقفية ولم يكن أهل لها، كما طولب بالسيمونين فرفض، وذهب إلى القاهرة ليشتكى للخليفة، وإستطاع الأساقفة أخذ الشكوى منه وأوصلوها للبطريرك الذي أحالها بدوره إلى ابن أخيه أسقف سخا، فحرص الأخير على قتله والقس في بئر وأهالوا عليه الحجارة!! إلا أنه لم يمت، ولما علم البطريرك بما فعلوه حزن جدًا، ورغم وعد البطريرك له برسامته أسقفا إلا أنه لم ينفذ وعده.

وصل الراهب إلى الخليفة وكان الحاكم بأمر الله في أواخر أيامه، فأمر بإلقاء البطريرك للأسود، وفعلاً أُلقيَ في جب الأسود، إلا أنها لم تؤذه، فلم يصدق الحاكم علي متولي أمر السباع، وظن أنه أخذ من البطريرك رشوة، فأبقى السباع مدة بغير طعام ثم ذبح خروفا ولطخ بدمه ثياب البطريرك وألقاه للسباع ثانية فلم تؤذه أيضًا بل جعلها الله تستأنس به، فتعجب الحاكم وأمر برفعه من بين السباع واعتقله ثلاثة أشهر، توعده فيها بالقتل والطرح في النار إن لم يترك دينه، فلم يخف البطريرك، ثم وعده بان يجعله قاضي القضاة فلم تفتنه المراتب العالمية، ولم يستجب لأمر الحاكم، أخيرًا أطلق سبيله بوساطة أحد الأمراء، فذهب إلى وادي هبيب وأقام هناك تسع سنين، لحق الشعب في أثنائها أحزان كثيرة ومتاعب جمة، كما هدمت كنائس عديدة، وتحنن السيد المسيح فأزال هذه الشدة عن كنيسته، وحول الحاكم عن ظلمه.

الخلفاء المسلمون المعاصرون للخدمة

[تابع - عصر الخلافة الفاطمية].

الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي

996 م - 1020 م

الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي

الحاكم بأمر الله.

مقدمة

في بداية عهد الحاكم حاول بعض الطامحين، إستغلال صغر سنه لتحقيق أطماعهم في السلطة فكان أولهم شيخ كتامة (أبو محمد بن عمار) الذي أجبر الحاكم على توليته لشؤون الدولة فأصبح هو المتصرف فيها ولُقب بـ (أمين الدولة). وكان ينافسه في الوقت نفسه رجل آخر وهو (أبو الفتوح برجوان) وقد كان موجودا أيام العزيز بالله ووصل إلى مرتبة (كبير الخدم). ونجح برجوان في إثارة طوائف المشارقة ضد طوائف المغاربة الذين استبدوا بالحكم مع سيدهم (ابن عمار) وكانت بينهم مواقع عديدة انتهت بانتصار (برجوان) وهروب (إبن عمار).

فترة الصراع على الحكم

قام (برجوان) بإخراج الحاكم وأخذ له البيعة من جديد، ثم تولى شئون الدولة وكوّن لنفسه طائفة خاصة من الجند والمماليك. ثم تلطَف بإبن عمار ومنحه إقطاعاته التي كانت له من قبل، واشترط عليه الطاعة وبذلك استمال إليه المغاربة أيضا. على أن برجوان سرعان ما جنح للطغيان والاستبداد فكان يعتبر نفسه الخليفة الحقيقى. وصار يستصغر خليفته الحاكم. كما أنه استغل منصبه في تكوين ثروة ضخمة له. هذا بالإضافة إلى انشغاله باللهو والملذات مما أدى إلى انصرافه عن شؤون الدولة التي تعطلت وفسدت من جراء ذلك. وقد نسى برجوان في غمرة ذلك أن الحاكم قد جاوز سن الصبا ودخل مرحلة الشباب وصار متنبها إلى استبداد برجوان وتغلبه عليه. وقام الحاكم بتدبير مؤامرة لقتل برجوان، وتم ذلك وأصدر الحاكم بيانا يبرر فيه أسباب قتل برجوان.

ثم قام بعد ذلك بالتخلص من رجال برجوان في الجيش والقصر. كما أنه أعد كمينا لشيخ كتامة ابن عمار بأن حرّض عليه بعض المشارقة الذين قتلوه، ثم أفنى الحاكم أعوانه من شيوخ كتامة.

إنفراد الحاكم بأمر الله بالحكم

بذلك تمكن الحاكم من إسترداد سلطانه والتخلص من كل المنافسين والسيطرة على كل مقاليد الحكم وكان حينها قد تجاوز الـ 15 سنة.

وقد أظهر الحاكم عندما تولى تقشفا وزهدا على عكس آبائه، إذ أخرج من قصره جماعة من حظاياه وأعتق سائر مماليكه من الإناث والذكور وملّكهم أمر نفوسهم والتصرف فيما يملكونه وإقتنوه منه ومن أبيه. كما إنه انتقل تدريجيا من الملابس المذهبة على عادة آبائه إلى ملابس خشنة من الصوف كما أنه خفف من الإسراف الذي كان يحدث في الاحتفالات بالمناسبات المختلفة, وأمر كذلك بألا يصلى عليه أحد في كتاباته ويقتصر على هذه الصيغة: "سلام الله وتحياته ونوامى بركاته على أمير المؤمنين".

النزعة الدموية للحاكم بأمر الله

كان الحاكم بأمر الله مسرفاً في القتل إلى مدى كبير لكى يحفظ دولته، ويصلح شئونها وكان الحاكم شديداً في التعامل مع رجال دولته، وكان يحاسبهم بشدة إذا أخطأوا.

كما أنه إعتمد على نظر المظالم لتطهير دولته من الفساد، وكان يواصل ركوبه ليلاً ونهاراً على حماره، ويطوف به في الأسواق والقرى لكى يسمع مظالم الناس.

وقد ورث الحاكم عن أبيه العزيز بالله حرصه على توزيع المال على الفقراء والمساكين، ويشهد المؤرخون بأن يده لم تمتد على أخذ مال إطلاقاً - بحيث قال أحدهم - وهو نصرانى - (إن أهل مملكته لم يزالوا في أيامه غير آمنين على أموالهم، غير مطمئنين على أنفسهم)، كما أنه أيضا حرص على تخفيف الضرائب عن رعاياه خاصة ما تعرف بإسم: (بضريبة المكوس - reference).

الدعوة التوحيدية أو الدرزية

في عام 1017م، كشف حمزة بن علي بن أحمد رسميًا عن الإيمان الدرزي وبدأ في نشر العقيدة التوحيدية.

وحصل حمزة على دعم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، والذي أصدر مرسومًا يشجع الحرية الدينية قبل إعلان الدعوة الإلهية.

وقد أصبح الحاكم بأمر الله شخصيَّة محوريَّة في العقيدة الدرزية رغم أن موقعه الديني كان محل خلاف بين العلماء، يصرح جون اسبوزيتو أن الحاكم كان يُعتقد أنه "ليس فقط القائد الديني والسياسي المُعين إلهياً، بل أيضاً هو الفكر الكوني الذي يربط الله بالخليقة"، بينما يرى آخرون مثل نسيم دانا ومردخاي نيسان أنه مظهر من مظاهر تناسخ الله أو الذي يفترض صورة الله.

يقول بعض العلماء الدروز وغير الدروز مثل سامي سويد وسامي مكارم أن هذا الإلتباس يرجع إلى التشويش حول دور الداعية المبكر محمد بن إسماعيل الدرزي، الذي رفضت تعاليمه الدروز باعتبارها هرطقة.

هذا - وتؤكد هذه المصادر أن الحاكم رفض ادعاءات الدرزي عن الألوهية، وأمر بإلغاء حركته مع دعم حركة حمزة بن علي بن أحمد.

اختفى الحاكم في إحدى الليالي أثناء رحلته المسائيَّة - من المفترض أنه تم اغتياله، ربما بناءً على طلب من أخته الكبرى ست الملك. يعتقد الدروز أنه ذهب إلى الغيبة مع حمزة بن علي بن أحمد وثلاثة من الدعاة البارزين الآخرين، تاركين رعاية "الحركة التبشيرية التوحيدية" - لزعيم جديد - وهو المقتنى بهاء الدين.

مسجد الحاكم بأمر الله الفاطمي

مسجد الحاكم بأمر الله الفاطمي.

الفترة الاولى

في الفترة من عام 996 إلى 1006 عندما قام مستشاريه بأداء معظم المهام التنفيذية للخليفة، تصرف الشيع الحاكم بأمر الله "مثل الخليفة الشيعي الذي خلفه، وأظهر موقفاً عدائياً تجاه المسلمين من أهل السنة والجماعة، في حين أن الموقف تجاه أهل الكتاب - اليهود والمسيحيين - كان تسامح انسبي، في مقابل دفع ضريبة الجزية".

في عام 1005، أمر الحاكم بأمر الله في لعن الخلفاء الثلاثة الأوائل (أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان) وضد عائشة، زوجة النبي محمد، لرفضها خلافة علي بن أبي طالب ابن عم محمد وصهره، والذي وفقًا للمعتقدات الشيعية، كان الخليفة النبوي الشرعي.

ووفقًا للمؤرخ نسيم دانا، أمر الحاكم في لعن "معاوية الأول، مؤسس الخلافة الأموية، وضد الآخرين في الدائرة الداخلية لمحمد من الصحابة".

وكان هذا وفقًا للممارسة الشيعية، كما أوضح الباحث المسلم آية الله حيدري حيث يقول أنصار أهل البيت "يا لعنة الله على كل بنو أمية".

ومن منطلق كراهية علي، أمر معاوية بعدم قول التلبية وأمر الناس أن يلعنوه (رفض سعد بن أبي وقاص ذلك).

ويرى الشيعة أن معاوية وكل الخلفاء الأمويين (مع إستثناء عمر بن عبد العزيز) كانوا من النواصب "وهم الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة وتظهر البغضاء لأهل البيت".

بعد عامين فقط من نشر الشتائم، أنهى الحاكم هذه الممارسة.

خلال هذه الحقبة، أمر الحاكم بإيقاف عبارة "الصلاة خيرٌ من النوم"، والتي أعقبت صلاة الفجر، بإعتبارها إضافة سنيّة.

وقد نهى كذلك عن إستخدام صلاتين - صلاة التراويح وصلاة الضحى، حيث يُعتقد أنهما صيغتا من قبل فقهاء من السنَّة.

الفترة الثانية

في الفترة من عام 1007 إلى عام 1012 "كان هناك موقف متسامح بشكل ملحوظ تجاه أهل السنَّة والجماعة وموقف أقل حماسي للإسلام الشيعي، في حين أن الموقف فيما يتعلق" بأهل الكتاب "كان معاديًا".

وفي 18 أكتوبر من عام 1009، أمر الحاكم بأمر الله تدمير كنيسة القيامة والمباني المرتبطة بها، حيث يقال أن الحاكم بأمر الله غضب مما اعتبره خدعة يمارسها الكهنة، وهي تلك المتعلقة بنزول "النار المقدسة". في حين وفقاً للمؤرخ وليم الصوري فقد قام الحاكم بأمر الله بهدم كنيسة القيامة في عام 1009 م - بسبب حرصه على دحض الإدعاءات بأنه مولود من إمرأة مسيحية.

لاحظ المؤرخ يحيى أن "فقط المواقع التي كانت صعبة للغاية للهدم هي التي تم إنقاذها" ـ وتم حظر المواكب الدينية، وبعد بضع سنوات قيل إن جميع الأديرة والكنائس في فلسطين قد دُمرت أو صودرت.

وفي عام 1042 فقط، تعهد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين التاسع بإعادة بناء كنيسة القيامة بإذن من الخليفة الحاكم. وكان هدم كنيسة القيامة أقدس المواقع المسيحية على الإطلاق أحد الأسباب الرئيسية لنشوء الحملات الصليبية.

في عام 1009 أجبر المسيحيين واليهود على إرتداء ربطة على اعناقهم في الحمامات، معلق عليها صليب للمسيحيين وجرس لليهود، وتم تدنيس المدافن المسيحية، وإيقاع العقاب على عدد من الموظفين المسيحيين مما دفع العديد منهم إلى دخول الإسلام خوفاً.

ويذكر دانا أن هذه السياسة نالت بشكل عام رضى المسلمين، الذين كرهوا المسيحيين بسبب أعمال المحاباة من قبل الموظفين المسيحيين.

ووفقاً لدانا، في عام 1022م - فرض على المسيحيين وضع صلبان خشبية حول رقابهم، ومنعهم من امتطاء الجياد، وإستبدال الموظفين المسيحيين بمسلمين، ويقول أن هذه الإجراءات "دفعت الكثير من المسيحيين لإعتناق الإسلام بسبب عامل الخوف".

هذا - وتشير مصادر مختلفة أن اضطهاد الأقباط قد إنتقل إلى أقصى حد في عهد الحاكم بأمر الله مع هدم الكنائس والتسارع في التحويل القسري إلى الإسلام، أمر الحاكم بأمر الله بهدم بعض كنائس القاهرة، كما صدر سجل بهدم كنيسة القيامة في بيت المقدس، حيث يقال أن الحاكم بأمر الله غضب مما اعتبره خدعة يمارسها الكهنة، وهي تلك المتعلقة بنزول "النار المقدسة".

في حين وفقاً للمؤرخ وليم الصوري - فقد قام الحاكم بأمر الله بهدم كنيسة القيامة في عام 1009 بسبب حرصه على دحض الإدعاءات بأنه مولود من امرأة مسيحية.

الفترة الثالثة

سمح الحاكم بأمر الله في النهاية للمتحولين من المسيحيين واليهود قسراً إلى الإسلام بالعودة إلى عقيدتهم الأصلية وإعادة بناء مواقع العبادة المدمرة. في الواقع، من عام 1012 إلى عام 1021م.

«أصبح الحاكم بأمر الله أكثر تسامحاً تجاه اليهود والمسيحيين وأكثر عداءاً تجاه أهل السنّة. ومن المفارقات أنه طور موقفاً عدائياً - بشكلٍ خاص - فيما يتعلق بالشيعة المسلمين. خلال هذه الفترة، في عام 1017، بدأ الدين الفريد للموحدون الدروز في التطور كدين مستقل يقوم على الوحي (كاشف) للحاكم باعتباره إلهياً.

بالقابل في عام 1021 أصدر الحاكم بأمر الله مرسوماً أجبر فيه السامريون في بلاد الشام الجنوبية الواقعة تحت سلطة الدولة الفاطمية إما التحول إلى الإسلام قسراً أو مواجهة العنف والموت، بينما يتضح أنَّ حمزة بن علي بن أحمد كان قائد الخليفة. وكان هناك ادعاءات بأن الحاكم بأمر الله آمن بألوهيته الخاصة.

هذا - ولا يتفق علماء آخرون مع هذا التأكيد على الألوهية المباشرة، وخاصةً الدروز أنفسهم، مُشيرين إلى أن مؤيديها كان محمد بن إسماعيل الدرزي، الذي أُعدم (وفقًا لبعض المصادر) من قبل الحاكم بتُهمة الشرك. تظهر الرسائل أن محمد بن إسماعيل الدرزي كان يحاول السيطرة على حركة التوحيد وهذا الإدعاء كان محاولة للحصول على الدعم من الخليفة، والذي وجدها هرطقة بدلاً من ذلك.

يجد الدروز هذا التأكيد مسيئاً؛ إنهم يعتبرون محمد بن إسماعيل الدرزي أول مرتد للطائفة ومعتقداتهم المتعلقة بالحاكم معقدة.

وبإتباع النمط الإسماعيلي النموذجي، يضعون معلماً بارزاً في الدائرة الأعمق للأشخاص الملهمين إلهياً. بالنسبة للدروز، يتم تعليم المخلوق على يد النبي، الباطن من قبل مساعديه السريين، والرجل الباطني من قبل الإمام الحاكم. البلبلة والتشهير من قبل معارضي الدروز تركوا عموماً دون تصحيح لأن تعاليم الطائفة كانت سرية والدروز فضلوا التقية عندما كان الاستقلال مستحيلًا.

بسبب حملات الإضطهاد التي شملت المسيحيين وطوائف دينية أخرى، أطلق عدد من المؤرخين على أبو عليّ المنصور الحاكم بأمر الله لقب "نيرون الإسلام"، ولكن تظل الآراء حوله جدلية وغير متفق عليها بحسب جمال نكروما وسارة الكامل، حيث رآه من ثاروا ضده وأعداؤه كطاغية يقتل من حوله لأتفه الأسباب، ورآه مؤيدوه كحاكم مثالي وفقاً لبول والكر.

موقف الحاكم بأمر الله المتشدد ضد المسيحيين واليهود

في عام 1004، أصدر الحاكم قراراً بمنع المسيحيين على الاحتفال بعيد الغطاس وعيد القيامة، كما حظرَّ استخدام النبيذ وغيرها من المشروبات المسكرة التي لا تصنع من العنب لكل من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.

وقد أنتج هذا مشقة لكل من المسيحيين (الذين استخدموا النبيذ في طقوسهم الدينية) واليهود (الذين استخدموه في مهرجاناتهم الدينية.

في عام 1005 م - أصدر الحاكم أمرًا ألزم أهل الذمَّة بلبس الغيار، وبوضع زنانير مُلوَّنة مُعظمها أسود، حول أوساطهم، ولبس العمائم السود على رؤوسهم، وتلفيعات سوداء، وذلك لتمييزهم عن المُسلمين، وإستمرت تلك الممارسة حتى سنة 1014. بالإضافة إلى ذلك، أجبر على اليهود ارتداء قلادة العجل الخشبية والمسيحيين صليب حديد.

وفي الحمامات العامة، أجبر على اليهود، إستبدال العجل بجرس. بالإضافة إلى ذلك، أجبرت النساء من "أهل الكتاب" ارتداء حذائين مختلفين، أحدهما باللون الأحمر وواحد باللون الأسود. وظلَّت هذه الممارسة حتى عام 1014.

عقب الفكر الشيعي المعاصر، أصدر الحاكم أيضاً خلال هذه الفترة العديد من المراسيم أو السجلات التقييدية. تضمنت هذه الوقائع حظر الدخول إلى حمام عام مع تنورة مكشوفة، ومُنعت النساء من الظهور أمام الجمهور مع كشف وجوههن، وتم إغلاق العديد من النوادي وأماكن الترفيه.

أهم المراسيم التي أصدرها

من ضمن جملة القرارات التي أصدرها "الحاكم بأمر الله" - نذكر التالي:

1 - منع أكل الملوخية والبقلة والجرجير

لقد تصدر قراره بمنع الشعب من تناول بعض أنواع من الأطعمة - فقد ورد أنه قرر منع أكل الملوخية والبقلة المسماة بالجرجير والمتوكلية المنسوبة إلى المتوكل.

2 - منع العجن لعمل الخبز وذبح البقر في غير أيام الأضاحي

لقد تضمنت قرارات المنع أيضاً - قراراً يمنع عجن الخبز بالرجل والمنع من أكل الدلنيس والمنع من ذبح البقر التي لا عاقبة لها إلا في أيام الأضاحي وما سواها من الأيام، ولا يذبح منها إلا ما لا يصلح للحرث.

3 - قرارات خاصة بمواقيت الصلاة

وقرئ سجل آخر بأن يؤذن لصلاة الظهر في أول الساعة السابعة ويؤذن لصلاة العصر في أول الساعة التاسعة.

إصلاح المكاييل والموازين والنهي عن البخس فيهما، والمنع من بيع الفقاع وعمله ألبتة لما يؤثر عن علي من كراهة شرب الفقاع.

4 - قرارات خاصة بسلوكيات الأفراد في الطرقات والحمامات

قرار بأن تُضرب في الطرقات بالأجراس، ونودي ألا يدخل الحمام أحد إلا بمئزر وألا تكشف إمرأة وجهها في طريق ولا خلف جنازة ولا تتبرج.

5 - قرارات خاصة ببيع الأسماك وصيدها

لا يباع شيء من السمك بغير قشر، وأن لا يصطاده أحد من الصيادين.

6 - المبالغة في تعظيم الحاكم بأمر الله لنفسه

ذكر جلال الدين السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء عن الوقائع في عهد القادر بالله العباسي ما نصه: في سنة 396 هـ أمر - أي الحاكم بأمر الله - الناس بمصر والحرمين إذا ذكر الحاكم أن يقوموا ويسجدوا في السوق وفي مواضع الإجتماع.

7 - الإهتمام بتنظيف الشوارع والطرقات

كما أمر الحاكم بأمر الله ضمن جملة قراراته أيضاً - بأن تُكنس الشوارع والأزقة وأبواب الدور في كل مكان.

أسلوب الحاكم بأمر الله في تنفيذ الأحكام على من خالف قراراته

لقد كان الخليفة الحاكم بأمر الله قاسياً في تنفيذه لأحكامه على المخالفين لأوامره وقراراته، ومن جملة ذلك، أنه كان قد أرسل فريقاً تابعاً له من أجل مراقبة الناس بعد أصداره قراراته السالفة الذكر، إلى الحمامات، فألقوا القبض على جماعة وجدوا بغير مئزر فضربوا وشهروا.

ومما يروى عنه أيضاً أنه رسم لجماعة من الأحداث أن يتقافزوا من موضع عال في القصر ورسم لكل منهم بصلة، فحضر جماعة وتقافزوا، فمات منهم نحو ثلاثين إنسانا من أجل سقوطهم خارجاً عن الماء على صخر هناك، ووضع لمن قفز ماله.

إنجازات الحاكم بأمر الله خلال فترة الحكم

من الإنجازات التي تمت خلال فترة حكم الخليفة الحاكم بأمر الله - نورد مايلي:

إنشاء دار الحكمة للثقافة والأدب

فتح دار الحكمة بالقاهرة وحمل الكتب إليها وإنتصب فيها الفقهاء والقراء والنحاة وغيرهم من أرباب العلوم، وفرشت وأقيم فيها خدام لخدمتها، وأجريت الأرزاق على من بها من فقيه وغيره وجعل فيها ما يحتاج إليه من الحبر والأوراق والأقلام.

أحداث مؤسفة خلال الحكم

في نحو العام 398 هجرياً في المحرم - إبتدأ نقص ماء النيل من ثامن عشر توت، فإشتد الأمر وبيع الخبز مبلولاً، وضرب جماعة من الخبازين.

ويرى البعض أن هذه المحاولات غالباً، مجرد تجنى على الحاكم من أجل تشويه صورته، إذ لم يذكر هذه المحاولات أى مؤرخ من المؤرخين المصريين الذين كتبوا تاريخ الفاطميين سواء كانوا مؤيدين لهم أو معادين ومنهم: المقريزي، ابن تغري بردي، وجاء ذكر ذلك لأول مرة في كتاب المؤرخ الحافظ البغدادي (تاريخ بغداد) وكتاب تاريخ الخلفاء للحافظ جلال الدين السيوطي وغيرهما.

واقعة إختفاء الحاكم بأمر الله

تختلف المصادر في تفصيل مقتل الحاكم، لكن هناك روايات كثيرة ترجح أنه كان ضحية مؤامرة دبرت ضده من أعدائه الكثيرين انتهت بمقتله، وإن كان متواتراً في الروايات السنية والقبطية قتله على يد اخته ست الملك لأسباب شخصية. كذلك حاول الحاكم تغيير نظام الورائة المعمول به كأصل من أصول المذهب الشيعي الإسماعيلي، فالإمامة لابد أن تكون في نسل علي بن أبي طالب دون غيرهم، وأن تنتقل من الأب للإبن لأنهم كانوا يعتقدون أن للإمامة صفات وعلوم خاصة لابد أن تنتقل بالوراثة، وقد التزم الفاطميون منذ إنشاء دولتهم بهذا النظام، لكن الحاكم حاول مخالفة هذا المبدأ فأوصى بولاية العهد لابن عمه عبد الرحيم ابن إلياس، وأخذ له البيعة على جميع رجال الدولة، ودعا له بمكة، وأمر الناس بالسلام عليه بأن يقولوا: "السلام على ابن عم أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين"، وأصدر أوامره بأن يضرب اسمه بجانب اسم الخليفة على العملة. ولم تؤدِّ محاولته هذه سوى لانقسام خطير انتهى بمقتله ومقتل ابن عمه. الرواية الأشهر تقول أنه خرج كعادته في الليل على حماره إلى جبل المقطم ليتدبر في ملكوت الله ولم يعد، فأُرسِل الجند يقتفون أثره لعلهم يجدوه، فلم يعثروا إلا على عباءته الملطخة بالدماء، وتلت هذه الواقعة أربع سنوات اعترف بعدها أحدهم بقتل الحاكم.

الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله الفاطمي

1021 م - 1036 م

دينار من الذهب صدر في عهد الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله

دينار من الذهب صدر في عهد الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله.

مقدمة

يروي المؤرخ المقريزي أن السيدة ست الملك هي التي خلعت عليه لقب الظاهر لإعزاز دين الله بعد أن ألبسته تاج المعز لدين الله حيث يقول ما نصه:

"فأخرجت علي بن الحاكم بأمر الله ولقبته الظاهر لإعزاز دين الله وألبسته تاج المعز جد أبيه. وهو تاج مرصع بالجواهر الفاخرة وجعلت على رأسه مظلة مرصعة. وأركبته فرسا رائعا بمركب ذهب مرصع وأخرجت بين يديه الأمير الوزير رئيس الرؤساء، خطير الملك أبا الحسن عمار بن محمد ونسيماً صاحب السيف في عدة من الأستاذين تخدم. فلما برز وشوهد تقدم الوزير وصاح: يا عبيد الدولة مولاتنا تقول لكم هذا مولاكم أمير المؤمنين فسلموا عليه فقبل ابن دواس الأرض ومرغ خديه بين يديه وفعل ما يتلوه من سائر طبقات العسكر مثل ذلك. وضربت البوقات والطبول وعلا الصياح بالتكبير والتهليل والظاهر يسلم على الناس يمينا وشمالا.".

واجه الموحدون الدروز اضطهاداً شديداً من قبل الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله، الذي أراد القضاء على الإيمان الدرزي.

وكان هذا نتيجة صراع على السلطة داخل الدولة الفاطمية، حيث شوهد الدروز بعين الريبة بسبب رفضهم الإعتراف بالخليفة الجديد، الظاهر لإعزاز دين الله، كإمام لهم. وانضم العديد من الجواسيس - وخاصةً أتباع الدرزي - إلى حركة التوحيد من أجل التسلل إلى المجتمع الدرزي. بدأ الجواسيس في إثارة المتاعب وتلطيخ سمعة الدروز. نتج عن ذلك احتكاك مع الخليفة الجديد الذي اشتبك عسكرياً مع المجتمع الدرزي. وتراوحت المصادمات بين أنطاكية والإسكندرية، حيث تم ذبح عشرات الآلاف من الدروز على يد الجيش الفاطمي.

وكانت أكبر مذبحة في أنطاكية، حيث قُتل 5,000 من الزعماء الدينيين الدروز، تلتها - مذبحة في مدينة حلب - ونتيجة لذلك - مارس الدروز إيمانهم بسرية تحت الأرض، على أمل البقاء على قيد الحياة، حيث أُجبر المعتقلون إما على التخلي عن عقيدتهم أو القتل، وتم العثور على ناجين من الدروز في جنوب لبنان وسوريا.

فترة الحكم وأهم الأحداث المُعاصرة

لقد ملك الظاهر لإعزاز دين الله سائر ممالك والده، مثل الشام والثغور وإفريقية، وقامت عمته ست الملك بتدبير مملكته أحسن قيام، وبذلت العطاء في الجند وساست الناس أحسن سياسة.

وكان الظاهر لإعزاز دين الله عاقلاً سمحاً جواداً يميل إلى دين وعفة وحلم مع تواضع. أزال الرسوم التي جددها أبوه الحاكم إلى خير، وعدل في الرعية وأحسن السيرة، وأعطى الجند والقواد الأموال، واستقام له الأمر مدة، وولى نوابه بالبلاد الشامية.

إلى أن خرج عليه صالح بن مرداس الكلابي وقصد حلب وبها مرتضى الدولة أبو نصر بن لؤلؤ الحمداني نيابة عن الظاهر هذا، فحاصرها صالح المذكور إلى أن أخذها.

ثم تغلب حسان بن المفرج بن دغفل البدوي - صاحب الرملة على أكثر الشام، وتضعضعت دولة الظاهر.

وإستوزر الوزير نجيب الدولة علي بن أحمد الجرجرائي، وكان الوزير هذا من بيت حشمة ورياسة، وكان أقطع اليدين من المرفقين، قطعهما الحاكم بأمر الله في سنة 404 هجري، وكان يكتب عنه العلامة القاضي أبو عبد الله القضاعي، وكانت العلامة الحمد لله شكراً لنعمته.

ولم يظهر أمر هذا الوزير إلا بعد موت عمة الظاهر ست الملك بعد سنة415 هجري.

وكان الظاهر لإعزاز دين الله كثير الصدقات منصفاً من نفسه، لا يدعي دعاوى والده وجده في معرفة النجوم وغيرها من الأشياء،.

وقع من بعض حجاج المصريين كسر الحجر الأسود بالبيت الحرام في سنة 413 هجري. وكان أمر الحجر أنه لما وصل الحاج المصري إلى مكة المكرمة وثب شخص من الحاج إلى الحجر الأسود وهو مكانه من البيت الحرام، وضربه بدبوس كان في يده حتى شعثه وكسر قطعاً منه، وعاجله الناس فقتلوه، وثار المكيون بالمصريين فقتلوا منهم جماعة ونهبوهم، حتى ركب أبو الفتوح الحسن بن جعفر، فأطفأ الفتنة، ودفع عن المصريين.

وقيل: إن الرجل الذي فعل ذلك كان من الجهال الذين إستغواهم الحاكم وأفسد عقائدهم. فلما بلغ الظاهر ذلك شق عليه وكتب كتاباً في هذا المعنى.

الوفاة

توفي ببستان الدكة خارج القاهرة في ليلة الأحد النصف من شعبان سنة 427 هجري وعمره إحدى وثلاثون سنة. ومدة خلافته خمس عشرة سنة.

وخلفه على العرش ابنه معد المستنصر بالله الفاطمي الذي أنجبته له جاريته السيدة رصد.

النياحة

لقد ظل البابا زخارياس قائماً على خدمة البيعة المقدسة في مصر بأمانة خالصة، راعياً أمور الخدمة فيها خير رعاية إلى أن تنيَّح بسلام في 4 يناير 1032 م.

المحتويات


الموضوع الأصلي متاح من خلال موقع المؤلف هنا https://kingdomoftheearth.blogspot.com/

التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح
التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح