66 – البابا خريستوذلوس – Christodolos – الأستاذ أشرف صالح


[بطاركة القرن الحادي عشر الميلادي].

66 - البابا خريستوذلوس – Christodolos

1046 م - 1077 م

(عبد المسيح)

مقدمة

يُعد البابا "خريستوذولس" - أو "عبد المسيح" - من الآباء النساك - وقد تمجد الرب على يديه بآيات ومعجزات كثيرة.

ترهب منذ حداثته بدير البراموس ببرية شيهيت، وإنتقل منها ليتوحد في صومعة، تطل على البحر في نتراوه [بحيرة البرلس حاليًا].

رسم بطريركًا في 15 كيهك سنة 763 ش. ثم سار حسب العادة إلى دير أبو مقار ببرية شيهيت.

وقد نالت هذا الأب متاعب كثيرة من الخليفة الفاطمي المستنصر، ومن بعض الرهبان الطامعين في رتبة الأسقفية دون وجه حق.

من الأمور الحسنة التي تذكر لهذا البطريرك إهتمامه بالنواحي الطقسية في الكنيسة والعبادة.

الجلوس على الكاتدراء المرقسي

كانت بطريركيته أيام الخليفة المستنصر، وهو من بلدة بورة بالغرب من دمياط، وترهب في دير البراموس، وإنتقل إلى صومعة ليتوحد على شاطئ البحر، وكانت معه في الصومعة عظام القديسة تكلا، تلميذة القديس بولس الرسول.

ولقد كان إختياره للجلوس على الكرسي الباباوي المرقسي على غير رغبته، إذ كان يزهد في المناصب، فقد توجه إليه في قلايته وفد من كنيسة الإسكندرية، وأمسكوه ورسموه في 11 ديسمبر 1046م، ثم سار إلى دير أبو مقار حسب العادة.

فترة الضيق خلال الخدمة

مؤامرة لخلع البابا من كرسي الباباوية

بعد أن سارت مدته في أولها هادئة في سلام، بدأ الوزير البازوري، بدأ بِحَبْك له الحبائك حيث كان شديد الكره للمسيحيين، فقد قبضت قبيلة اللواته في الوجه البحري على البطريرك، ولم يطلقوا سراحه إلا بعد دفع 3000 دينار!.

تعرض كذلك لمتاعب من الأساقفة أنفسهم، فقد وَفَدَ على القاهرة جماعة من الأساقفة الموتورين، وإتفقوا على خلع البابا بدعوى أن رسامته كانت ناقصة، حيث لم تُتل بعض الصلوات، وكان هذا هو السبب الظاهري - أما الحقيقة - فكانت توجد خصومة بين الأنبا يوحنا أسقف سخا وبين البطريرك، حيث كان الأنبا خرستوزولوس حازمًا في التعامل معه، ولكنه إستطاع بحنكته، وتدخل أحد الأراخنة (الشيخ أبو زكري يحيى) صاحب ديوان الملكة أن يزيل ما في نفسيهما وصليا قداسا معًا.

أهم الأحداث المعاصرة للخدمة

نجاة رأس القديس مرقس الرسول من التهريب خارج مصر

في خلال فترة باباوية البابا "خريستوذولس" - إستمر إحتفاظ الأقباط برأس القديس مرقس الرسول، وذلك بعد محاولة سرقتها بمعرفة الروم مقابل عشرة آلاف دينار.

وشاية الراهب فلوطس

لقد أراد راهب يدعى "فلوطس"، أن يُسام أسقفًا لشهوته في المنصب فأبى البطريرك، فدس له عند الخليفة، الذي أمر بالقبض عليه ومصادرة ما لديه من أموال، وفعلا أخذها منه بعد إهانات كثيرة.

أزمة الراهب القس "أبو يعقوب"

حدث في خلال فترة باباوية البابا "خريستوذولس" - أن طمع أحد الرهبان (القس أبو يعقوب) في البطريركية في وجوده، مُستعيناً في ذلك برشوة أولي الأمر، إلا أنه بصلوات الأب البطريرك مات، ولم يكمل خطأه.

وشاية أحد المسيحين بالبابا إلى بدر الدين الجمالي والي مصر

حدث خلال فترة باباوية البابا "خريستوذولس" - أن قام أحد المسيحيين، بالإدعاء ضده لدى أحد الجيوش (بدر الجمالي) - والي مصر - بأنه على صلة ببلاد النوبة، وأنه أمر بهدم مسجد هناك عن طريق المطران بقطر، وأنه يحول مسلمي الحبشة إلى مسيحيين، فلما أرسل الجمالي ليتحرى الحقيقة وجد أن كل هذا كذباً، وكان قد ألقى القبض على البطريرك، وهكذا أعاده إلى كرسيه مكرمًا، وألقى القبض على المدعي.

أهم أعماله خلال فترة الخدمة

يُحسب للبابا "خريستوذولس" - أنه قام بأعمال عديدة لها أثرها الملموس في النهوض بالكنيسة القبطية على كافة الأصعدة، ومن بين أعماله التي قام بإنجازها في خلال فترة الخدمة نذكر ما يلي:

الإهتمام ببناء وتشييد الكنائس

تشييد عدة كنائس في الإسكندرية، والأقاليم، حيث أنه قام بتكريس ستة كنائس بالإسكندرية.

الإهتمام برسامة وسيامة الأساقفة والكهنة والشمامسة

ورسامته الكثير من الأساقفة والكهنة والشمامسة، وأعلن أن لا حق لهؤلاء في أموال الكنيسة إلا في حدود المسموح به.

دعم الصلة مع الكنيسة في أنطاكية

لقد سعى البابا "خريستوذولس" إلى زيادة العلاقة بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة إنطاكية وافق على أن يذكر كل بطريرك الآخر في قداسه.

محاربة البدعة السيمونية

لقد حارب البابا "خريستوذولس" - توابع البدعة السيمونية التي كانت قد إنتشرت بشكل مُلفت للنظر منذ عهد سابقه.

الإهتمام برحلات تفقد الخدمة

قام برحلات رعوية تَفَقَّد فيها تطبيق الإكليروس لقوانين الكنيسة، وقوانين المجامع المقدسة، وعاقب الخارجين على النظم.

نقل المقر الباباوي من الأسكندرية إلى الكنيسة المعلقة

في أول زيارة له إلى القاهرة، قرر إتخاذها مقراً لبابويته بدلًا من الإسكندرية، وذلك لقُرب المسافة بينه وبين الحكام المدنيين، مما يُسهل عليه مأمورية الإتصال بهم عند الحاجة، وكذلك أيضاً لإحتياجه الدائم للتشاور معهم في شتى المناسبات، بوصفه المسئول الأول عن الأقباط في مصر، مما جعل وجوده في الإسكندرية بشكل ثابت ودائم أمراً صعباً، ورأى أن يجعل من كنيسة المعلقة "بمصر القديمة" مقراً باباوياً للكنيسة القبطية.

الكنيسة المعلقة والتي أصبحت المقر البابوي في القاهرة بعد نقله من الأسكندرية في عهد البابا خريستوذولوس

الكنيسة المعلقة والتي أصبحت المقر البابوي في القاهرة بعد نقله من الأسكندرية في عهد البابا خريستوذولوس.

إصدار لوائح كنسية وقوانين طقسية

في جملة أعماله في طريق الإصلاح والنهوض بشتى أشكال وصور الخدمة في الكنيسة القبطية، فقد قام البابا "خريستوذولس" - بوضع مجموعة من القوانين الطقسية، بدأ بإصدارها في أول أغسطس 1048 م - بعد أقل من سنتين من رسامته - وقد إِشتملت هذه اللوائح والقوانين الكنيسة والطقسية على ما يلي:

1 - قوانين خاصة بطقس المعمودية.

2 - قوانين خاصة بطقوس الصلاة، وخشوع المؤمنين في دخول الكنيسة.

3 - قوانين تُنظم الحياة الإجتماعية داخل مُجتمع الكنيسة القبطية، وتتضمن: طاعة الزوجات لأزواجهن.

4 - قانون خاص بترتيب الأصوام - وتتضمن - الصوم الأربعيني، وصوم أسبوع الآلام وطقس الخماسين، وصوم الرسل، وصوم يومي الأربعاء والجمعة وصوم الميلاد وعيد الغطاس.

5 - قانون خاص بالقربان - يتضمن منع إضافة أي شيء إلى القربان، لأن كان قد تسرب من الأرض وضع ملح في القربان المقدس.

6 - قانون آخر خاص بالقربان - يبطل عادة الإحتفاظ بقربان أحد الشعانين إلى قداس خميس العهد.

الخلفاء المسلمون المعاصرون للخدمة

[الخلفاء والولاة المسلمون المعاصرون للخدمة].

الخليفة المستنصر بالله

1036 م - 1064 م

دينار الخليفة المستنصر بالله الفاطمي

دينار الخليفة المستنصر بالله الفاطمي.

هو أبو تميم معد بن الظاهر المعروف بالمستنصر بالله بن علي الظاهر لإعزاز دين الله وهو الخليفة الفاطمي الثامن والإمام الثامن عشر في سلسلة أئمة الشيعة المعروفة بإسم "الشيعة الإسماعيلية".

ولقد كانت الدولة الفاطمية في فترة إعتلاء الخليفة المستنصر بالله سدة الحكم، دولة مستقرة تمامًا، حيث بلغت ذورة إتساعها، وأيضاً بلغت دعوتها الشيعية أقصى مدى لها في الذيوع والإنتشار، وإمتلأت خزائنها بالأموال.

غير أن وقوعها في أيدي المغامرين والطامحين، وإشتعال الفتن والثورات بين فرق الجيش، والتنافس على الجاه والسلطان أضاع منها كل شيء.

وقد إختُزلت الدولة التي كانت تمتد من أقصى المحيط الأطلسي، إلى أقصى الفرات ومصر.

وبعد أن كانت ترفل في غناها وثرائها وكثرة خيراتها أصبح يعلوها الذبول والشحوب بفعل المجاعات التي أصابتها.

هذا التحول من السعة إلى الضيق ومن الغنى إلى الفقر، هو ما شهده عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي.

فترة ولاية بدر الدين الجِمالي

1073م - 1094م

هو والي مصر في فترة خلافة المستنصر بالله الفاطمي - بدر الدين الجمالي، وكان أرمني الجنيسة، وكان مملوكاً لجمال الدولة بن عمار، فلذلك لُقِبَ بالجمالي.

وإسمه بالكامل هو: "السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الإمام"، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين أبو النجم بدر المستنصري وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، ومجدد القاهرة الفاطمية.

ولقدكان بدر الدين الجمالي - في واقع الأصل - مملوكاً أرمينياً - كان أمير الجيوش في الشام، قد إستدعاه الخليفة المستنصر من الشام ليوليه الوزارة في عام 1073م، حتى يستعيد السيطرة على الأمور، وللخروج من الأزمات التي كادت تودى بدولة المستنصر بالله.

وكان على بدر الدين الجمالي، مواجهة عدد من الأزمات مثل الصراعات بين فصائل الجيش التركية والأفريقية وهجمات من البربر على الدلتا ومجاعة مستمرة لسنوات بسبب إنخفاض مستوى النيل وأوبئة، وإستيلاء السلاجقة على أجزاء من الشام وكانت مصر مهددة من كل النواحي.

جاء بدر الجمالي بقواته الأرمينية من الشام، فسكنوا القاهرة التي كان قد قل تعداد سكانها كثيراً بسبب الأوبئة، كما قل تعداد سكان الفسطاط والقطائع في ذلك الوقت وتهدم معظمهما.

وأعاد بدر الجمالي بناء سور القاهرة لتقويته ولزيادة مساحة القاهرة - خاصةً - بعد سكنه فيها هو وجنوده، وأيضاً ليدخل فيها جامع الحاكم الذي بناه الخليفة الحاكـــم بأمــر الله، خارج أسوارها، وأصبحت القاهرة مدينة دفاعية مسورة لصد هجمات السلاجقة المحتملة عليها، وقد بقيت أجزاء من هذا السور، وبعض أبوابه الشهيرة باب النصر، باب الفتوح، وباب زويلة. كما غدت كأماكن ساهمت في تنشيط حركة التجارة في مصر، من خلال توافد التجار عليها من كل مكان.

وابة الفتوح

وابة الفتوح.

من أعمال بدر الجمالي في القاهرة.

باب زويلة

باب زويلة.

من أعمال بدر الجمالي في القاهرة.

باب النصر

باب النصر.

من أعمال بدر الجمالي في القاهرة.

هذا - ولا يذكر المؤرخون الهدف من بناء بدر الدين الجمالي (مشهد الجيوش) فوق جــبل المقطم، وهذا المشهد يشبه الجوامع في تخطيطه وله مأذنة، ولكن النص التأسيسي يقول "مشهد" لا جامع، المشهد هو ما يقام لذكرى شخص أو شيء ".

ويختلف مؤرخو تاريخ الفن الإسلامي في الغرض من هذا المشهد - فمنهم من يقول أنه كان برج مراقبة مشيد أعلى القاهرة ولكن على صورة جامع للتخفي، ومنهم من يقول أنه كان مشهداً يؤرخ لإنتصارات بدر الجمالي على الثورات والإضطرابات التي كانت تؤرق الدولة الفاطمية من قبله. وهذا جزء من النص التأسيسي الذي يذكر المبنى ومؤسسه: "مما أمر بعمارة هذا المشهد المبارك فتى مولانا وسيدنا الإمام المستنصر بالله السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الإمام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين عضد الله به الدين وأمتع بطول بقائه أمير المؤمنين، وأدام قدرته وأعلى كلمته وكيّّد عدوه وحسدته إبتغاء مرضاة الله". وقد توفي بدر الدين الجمالي في سنة 487هـ، وقد ناهز الثمانين عاماً.

النياحة

أخيرًا تنيَّح البابا القديس خرستوذولس بعد أن أكمل جهاده الحسن، وكان ذلك في 14 كيهك سنة 794 ش. وذلك بعد أن جلس على الكرسي المرقسي 31 عامًا.


الموضوع الأصلي متاح من خلال موقع المؤلف هنا https://kingdomoftheearth.blogspot.com/

التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح
التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح