ماذا قدمت الكنيسة الأولى للعبيد والمسبيين؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الخدمة الكنسية - اللاهوت الرعوي, تاريخ الكنيسة الجامعة قبل الإنشقاق, تاريخ المسيحية, عصر الآباء الرسل, قسم التاريخ, قضايا مسيحية عامة
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ6 – المفاهيم المسيحية والحياة اليومية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ماذا قدمت الكنيسة الأولى للعبيد والمسبيين؟

من العادات الشائعة فى العالم القديم أن يبيع الإنسان نفسه أو أبناءه للخلاص من الفقر المدقع، وأيضاً أن يبيع الجيش المنتصر المسبيين عبيداً للأغنياء من بلدهم أو من البلاد المجاورة. مع انتشار نظام العبيد لم يكن ممكناً للكنيسة أن تقف فى سلبية، بالرغم من عدم تمتعها بسلطة زمنية لإصدار أوامر صريحة ومُلزمة بتحرير العبيد. قدّمت شريعة العهد القديم وصايا تحد من العنف وإساءة استخدام السلطة بالنسبة للسادة فى تعاملهم مع العبيد، خاصة من بنى جنسهم، ليس كموافقة على وجود هذا النظام، وإنما تهيئة للتعامل مع العبيد كأشخاص وإخوة. ويبرز العهد الجديد اهتمامه بالعبيد فى الآتى:

أولاً: يطالب السادة بالحنو على إخوتهم العبيد، كشركاء معهم فى الميراث الأبدى.

ثانياً: أبرز ما للعبيد المؤمنين من رسالة فعالة حتى على السادة العنفاء يكسبونهم للإيمان خلال الطاعة فى الربّ، والحب الخارج من القلب، وليس قهراً. تحدث الرسول بولس فى الرسالة إلى فليمون عن عبده أنسيمس السارق والهارب ينعته فيها بأنه قد ولده فى قيوده، وأنه أحشاؤه، وأن يحسبه سيده نظير بولس نفسه (فل12، 10). هكذا أعطى الرسول بولس درساً عملياً لتحرير العبيد، لا خلال ثورات عنيفة ومعارك، ولكن خلال روح الوحدة والحب، والشركة معاً فى الحياة الجديدة فى السماويات!

ثالثاً: يؤكد آباء الكنيسة أن الله خلق الإنسان حراً، مثل القديس أمبروسيوس[278]، ويوحنا الذهبى الفم[279]، وغريغوريوس النيسى[280]، وباسيليوس الكبير[281]. ويُعتبر القديس إكليمنضس السكندرى والعلامة أوريجينوس من أكبر المدافعين عن العبيد. أما القديس جيروم[282] والعلامة ترتليان[283] فكانا يهاجمان تمرد العبيد.

رابعاً: بدأت مدرسة الإسكندرية كمدرسين للموعوظين[284]Catechumens تضم طالبى العماد من الأمم واليهود لتعليم الإيمان المسيحى، تُقدم لهم دراسات تؤهلهم لنوال سر المعمودية. فتحت المدرسة أبوابها أمام الجميسع، يلتحق بها أناس من ديانات مختلفة وثقافات متباينة وذوى مراكز اجتماعية مختلفة وأعمار متفاوتة. "كان التعليم بها لا يُميز بين الطبقات أو الظروف، بين العبيد أو السادة" [285]، فى وقت كان العبد رخيصاً، يُباع كالسلعة ويُشترى! حقاً كان فى كنيسة الإسكندرية فى عصر أثيناغوراسمسيحيون أثرياء يمتلكون العبيد وآخرين من أصل فقير، إلا إنه حسب قول أثيناغوراس، لم يتقدم أحد من هؤلاء العبيد بأية شكوى ضدهم تشير إلى إنكار حقوقهم تحت وطأة التعذيب. فى نفس الوقت طالب مجمع غانغرا أن يخضع العبيد لسادتهم فى الرب، ويشهدوا للإنجيل الحىّ فيهم، ولا يحاولوا الهروب من السادة، ولا استخدام العنف معهم[286]. [إن كان أحد يُعلم عبداً – تحت مظهر التقوى – أن يحتقر سيده او يترك خدمته، وألا يخدمه بنيه صالحة، فليكن أناثيما[287]].

خامساً: الصلاة من أجل العبيد المأسورين. تشهد كتابات الآباء الرسوليين[288] وبعض الليتورجيات القديمة عن اهتمام الكنيسة الأولى منذ وقت مبكر بالمسبيين والذين فى المناجم والمسيجونين. يذكرالقديس يوستين[289] جمع عطايا بعد القداس لخمسة فئات من بينهم الذين فى القيود. ويشير أريستيدس[290] من بين فضائل المسيحيين، التعامل مع العبيد كإخوة وأخوات، وأيضاً تعاون المسيحيين لتحرير المسجونين من أجل اسم يسوع المسيح. ويذكر العلامة ترتليان الجمع الشهرى للعطايا، الذى كان يوزع منها لاحتياجات العبيد المسنين، والذين فى المناجم والنفى والسجون من أجل الإيمان. وأشارت الدسقولية إلى نفس الأمر. جاء فى القديس إكلمينضس الرومانى: [نسألك أيها الرب، كن معيننا وحافظنا (مز119: 114). خلص الذين فى أحزان... المأسورين أعتقهم، الضعفاء أنعشهم، صغيرى القلوب عزهم[291]].

سادساً: العمل من أجل تحريرهم. أرسل القديس كبريانوس 100 ألفاً من السسترس Sesterces (عملة رومانية قديمة) إلى كنائس نوميديا Numidiaلافتداء المسيحيين الذين أسرتهم قبائل بريرية[292]. وأورد المؤرخ يوسابيوس فقرات من رسالة ديونيسيوس أسقف كورنثوس إلى أهل روما، موجهة إلى سوتير أسقف روما وقتئذ، جاء فيها، [لأنكم تعودتم من البداية أن تصنعوا الخير لكل الإخوة بطرق مختلفة، وترسلوا مساعدات لكنائس كثيرة فى كل مدينة، وهكذا إذ تسدون أعواز المحتاجين، توفرون احتياجات الإخوة الذين فى المناجم بالهبات التى أرسلتموها من البداية. فإنكم أيها الرومانيون تحافظون على عوائد الرومانيين الموروثة التى لم يتمسك بها أسقفكم المبارك سوتير فقط، بل أيضاً أضاف إليها مقدماً إمدادات للقديسين، ومشجعاً الإخوة الذين من الخارج بكلمات مباركة كأب محب لبنيه[293]].

لما كانت الكنيسة تهتم بتحرير العبيد بشرائهم، أعطى قسطنطين الكنيسة عام 331حق تحريرهم بإجراء خاص داخل مبنى الكنيسة، مع تحقيق كل الآثار القانونية التى ترتبط بإجراءات القانون المدنى. كما اعطى أيضاً للكنيسة حق حماية العبيد الهاربين إليها. يقول القديس إكليمنضس الرومانى: [نحن نعرف من بيننا كثيرين أسلموا أنفسهم للقيود بإرادتهم ليخلصوا آخرين. كثيرون باعوا أنفسهم كعبيد وأطعموا آخرين بالثمن الذى بيعوا به[294]].


[278] Epistle 24: 37.

[279] Homilies on Eph. 6: 22: 2.

[280] Hom. 4 in Eccl.

[281] De Spirit. Saucto, 20.

[282] Ep. 5: 38;5: 45;8: 107.

[283] Apology 7: 27.

[284] كلمة Catechumens مأخوذة عن اليونانية Katichoumenos، تعنى "تحت التعليم" والفعل يعنى "يتعلم شفوياً". استخدمت كنسياً بمعنى طالبى العماد.

[285] Rev. Markary El - Souriany: Ancient and Contemporary Christian Education in the Coptic Church, Princeton, 1955, P78.

[286] Council of Gangra Canon 3.

[287] Gangra (in Cappadocia) Canon 3.

[288] - راجع القديس أغناطيوس: (سميرنا6: 2؛ بوليكربس4: 3)، وهرماس (man10: 8).

[289] Apology 67: 1.

[290] Apology 5: 39 - 6.

[291] - الرسالة 1: 59.

[292] St. Cyprian: Ep. 4: 62.

[293] - يوسابيوس: التاريخ الكنسى 23: 10: 4 ترجمة القمص مرقس داود.

[294] - الرسالة 1: 55. لم يٌسجل لنا التاريخ شيئاً عن هذا الكرم بين الوثنيين، لكن ربما قصد أن يورد أمثلة من المسيحيين إذ قال "بينكم"، وقد حدث هذا مع بطرس أحد شرفاء الإسكندرية الذى باع نفسه عبداً ودفع الثمن للمحتاجين (راجع قصة العبد الناسك).

ما هى نظرة الآباء للعبيد؟

لماذا هاجم القديس يوحنا الذهبى الفم الأغنياء؟