9- العبادة ومخافة الرب – كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

9 - العبادة ومخافة الرب

1 - ما هى أنواع الخوف؟ [257]

يُمَيِّز القديس فيلوكسينوس بين أنواع مختلفة للخوف: خوف العبيد، وخوف الأجراء، وخوف الأصدقاء، وخوف البنين. يقول القديس مار فيلوكسينوس: [يوجد من يخشى أن يُضَرَب وهذه مخافة العبيد؛ ويوجد من يخشى أن يفقد أجرتة، وهذه هى مخافة الأجراء؛ ويوجد من يخشى أن يُحرَم من الميراث، وهذه مخافة الأبناء؛ فبالرغم من أن المخافة ليس لها سوى اسم واحد إلا أن الفروق بينها عديدة. كان الأنبياء القديسون يخافون الله، وكان الشعب اليهودى أيضاً من حين إلى آخر يخافون الله، ولكن شتّان ما بين المخافتين! فالأنبياء كانوا يخافون أن يُحزِنوا الله كأصدقاء، لأنهم كانوا يحبّونه؛ بينما كان اليهود يخافون تاديبه وعقابه كعبيد[258].].

يود مسيحنا أن يرفعنا بنعمته حتى نبلغ خوف البنين. فلا نخاف الله كعبيد يهابون سيّدهم، ينفذون الوصيّة، خشية العقوبة. ولا نخافه كأجراء نُتَمِّم الوصيّة لأجل الأجرة أو خشية الحرمان منها... بهذا يكون الله وسيلة لا غاية، نخضع له لننال بركاته لا لنقتنيه وننعم بالشركة معه. ونخافه كاصدقاء يطلبون إرضاء صديقهم. وإنما نخافه كابناء نُتَمِّم الوصيّة لكى تتشكَّل صورة أبينا فى أعماقنا، فنتهيّأ لشركة أمجاده... نقتنيه ويقتنينا، نعيش معه أبدياً فى أحضانه!

2 - هل مخافة الرب تُحَطِّمّ الشعور بالثقة فى النفس؟

يُمَيّز الكتاب المقدس والتقليد الكنسى بين نوعين من المخافة. المخافة التى تحمل معنى التوقير والتكريم، والمخافة التى تحمل روح القلق والضجر والعجز.

مخافة الرب هى من النوع الأول هذه التى يتصف بها السمائيون فى علاقتهم بخالقهم. يقول القديس مار يعقوب السروجى: [الكروبيم يباركون بألحان الخوف وهم مرتعبون، ويُقَدِّس السيرافيم بالتسبيح وهم مرتجفون... لا يريد الكروب أن يتشامخ، لأنه لا يقدر أن يعرفك (يارب فى جوهرك)... السروف يُغَطِّى وجهه بجناحيه عندما يقدس، لأن النار الحية تخيفه ولا ينظر إليها. من هو كفؤ لك (يارب)؟ ومن يفهمك عندما يسبح؟ [259]].

وفى موضع آخر يقول: [يخرج المجد والبهاء المخوف من المركبة ليجمع السمائيين للمجد العظيم... يفرح الكروبيم كمن هم حاملون له، ويقدس السيرافيم وهم يتفرسون فى بلدة القدوس... يهتف الجميع لأنهم تأهلوا لنظر مكانه العالى... ببهاء نوره يتمتعون جميعهم ببركاته.] ما نادى به مار يعقوب يتناغم مع ما ورد فى مقالات القديس يوحنا الذهبى الفم عن عدم إدراك طبيعة الله "Incomprehensibility of the nature of God". فمخافة الرب عند السمائيين تسكب عليهم بهاءً سماوياً، وتلهب حُبَّهم له، ويزدادون فى الكرامة عند السمائيين. هذا الأمر أرجو العودة إليه عند حديثنا عن الخليقة السماوية.

ما نقوله عن الطغمات السماوية إنما هو درس لنا، حيث ندرك أن مخافة الرب تعطينا ثقة فى عمل الله فينا، فنعتزّ بالتصاقنا به، ونشتهى اللقاء معه وجهاً لوجه، بل وينزع عنا كل شعور بالضعف والقلق والضجر، فنصير كمن يعيشون مع الله فى السماء. بهذا نترنم مع المرتل قائلين: "مخوف عند جميع الذين حوله" (مز89: 7). "خوف الرب نقى ثابت إلى الأبد" (مز9: 19). بهذا يبقى خوف الرب موضوع تسبيحنا فى الأبدية، واعتزازنا به مع السمائيين!

3 - ما هى فاعلية مخافة الرب فى حياتنا؟

يُقَدِّم لنا آباء الكنيسة خبراتهم فى فاعلية مخافة الرب فى حياتهم:

أولاً: مخافة الرب تدفعنا للعمل الروحى بجدية. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كان مثل هذا الخوف لدى بولس، إذ يقول: أخاف "حتى بعدما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسى مرفوضاً" (1كو9: 27). فإن كان بدون معونة الخوف لنا لن تتحقَّق الأمور الزمنية، كم بالأكثر الأمور الروحية. فإنى أود ان أعرف من تعَلَّم الحروف (التى ينطق بها) بدون خوف؟ من صار بارعاً فى أى فن بدون خوف؟... من أين ينتج الخوف؟ إن كنا نحسب الله حاضراً فى كل مكان، يسمع كل الأشياء، ويرى كل شيء، ليس فقط ما يُمارس بالعمل وما يُقَال، بل أيضاً وما فى القلب وفى أعماق النفس، إذ هو يُمَيِّز أفكار القلب ونياته (عب4: 12). فإن كنا ندرك ذلك، لن نفعل شيئاً أو ننطق به أو نتخيله إن كان شريراً. أخبرنى، إن كان يلزمك أن تقف دوماً بجوار شخص الحاكم أما تقف بخشية؟ فكيف تقف فى حضرة الله وأنت تضحك أو تلقي بظهرك إلى خلف ولا تخف وترتعد؟ لا تستهن بطول أناته، فإنها لكى تجلبك للتوبة، إذ هو طويل الأناة[260].].

ثانياً: مخافة الرب تُقَدِّم لنا مصادر الفرح والسعادة الدائمة. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [مخافة الرب تحوي كل تلك المتطلبات (للفرح المستمر). لأن الإنسان الذى يخاف الرب كما يليق، ويثق فيه، يجمع كل مصادر السعادة، ويقتني الينبوع الكامل للبهجة. كما أن نقطة ماء تسقط فى محيط متسع سرعان ما تختفى، هكذا مهما حلّ بمن يخاف الرب يتبدد ويزول فى محيط الفرح الهائل. حقاً إنه لأمر عجيب للغاية، فإنه مع وجود ما يُسَبِّب الحزن تجد الإنسان متهللاً. فإنه إذ لا يوجد شيء ما يجلب حزناً، فإن هذا الأمر يكون بلا قيمة عنده مقابل تمتعه بالفرح الدائم[261].].

ثالثاً: خلال مخافة الرب ندرك أن الله هو العامل فينا. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لا تخافوا حين أقول: "بخوفٍ ورعدةٍ" (فى2: 12). فإننى لست أقول بهذا المعنى أن تتوقفوا عن العمل فى يأس، وأن تظنوا أن الفضيلة أمر يصعب بلوغه، وإنما أن تقتفوا أثرها، ولا تضيعوا أوقاتكم فى مساعٍ باطلةٍ. فإن كان حالكم هكذا، فإن الله يعمل كل شيء. ألا ترون: "الله هو العامل فيكم" (فى2: 13). فإن كان هو العامل، فمن جانبنا ليكن لنا فكر حازم متمسك غير متهاون[262].].

رابعاً: مخافة الرب تسندنا فى التمتع بصلاح الله وحنوه علينا. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كثيراً ما أُحَدِّثكم عن صلاح الله، لا لتستهينوا به وتفعلون ما هو على هواكم، وإلا صار صلاحه هذا مؤذٍ لخلاصنا، وإنما لكى لا نيأس من خطايانا بل نتوب. صلاح الله يقودك للتوبة لا لصنع شر أعظم، فإن فسدت بسبب صلاحه تهين الله امام الناس.].

خامساً: خلال مخافة الرب نلجأ إليه كصخرة ثابتة. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ليتنا نتمثَّل بهم يا أحبائى، لنكن شجعان فى كل مخاطرنا. لا يوجد ما يرهب ذاك الذى يخاف الله، وإنما تحل كل المخاوف على الآخرين. فعندما يتخلص إنسان من أهوائه، ويحسب كل الأمور الحاضرة كظلٍ، أى شيء يكون مخيفاً بالنسبة له؟ ممن يخاف؟ إلى من يحتاج أن يتوسل؟ لنهرب إلى هذه الصخرة (المسيح) التى لا يمكن أن تهتز... والأمر الأكثر عجباً أن الأمور التى يُظن أنها تسبب قلقاً تصير مصدر كل فرحٍ وبهجةٍ... فإنه مستحيل، يستحيل على الكلمات أن تعبر عن أية مسرة عظيمة تصير نصيب من يتألمون لأجل المسيح. فإنهم يفرحون فى آلامهم أكثر من فرحهم فى خيراتهم[263].].

سادساً: خلال مخافة الرب نستنير بالله ونتعلَّم منه الفضائل. يقول أحد آباء البرية: [كما أن مصباحاً يضيء حجرة مظلمة هكذا مخافة الرب إذ تخترق قلب إنسان تنيره، مُعلِّمه إياه كل الفضائل ووصايا الله.] يقول القديس مار أوغريس: [خوف الرب هو الحارس لممارسة الوصايا، وهو ثمرة الإيمان السليم. الاعتقاد (الإيمان النظرى العقلى البحت) هو صلاح النفس الداخلى، وهو غالباً ما يوجد حتى عند الذين لا يؤمنون بالله (إيماناً عملياً[264].].

سابعاً: مخافة الرب هى عجلة القيادة للنفس، يهبها روح الله القدوس لنا، القادر وحده أن يدخل بنا من مجدٍ إلى مجدٍ، ويهبنا نعمة فوق نعمة، خلال شركتنا مع رب المجد يسوع القدوس. تدخل بنا مخافة الرب إلى الطريق الملوكى، فلا ننحرف نحو الخطية، ولا إلى البرّ الذاتى. تحفظنا من الضربات الشمالية واليمينية، حتى ندخل إلى حضن الآب السماوى القدوس.

ثامناً: مخافة الرب تقود النفس إلى مسكنٍ آمنٍ. يقول الأب دوروثيؤس: [خوف الرب يحث النفس على حفظ الوصايا، وعن طريق حفظ الوصايا يُشيد منزل النفس.] كما يقول: [ليتنا نخاف الرب ونُشَيّد منازل لأنفسنا، حتى نجد مأوى فى الشتاء حيث المطر والرعد، لأن من لا منزل له يعانى من مخاطر عظيمة فى وقت الشتاء.].

تاسعاً: بمخافة الرب نقتنى حب الله. يقول القديس الأنبا أنطونيوس الكبير: [إن أراد أحد أن ينال حب الله، فليكن فيه مخافة الرب، لأن الخوف يُوَلِّد بكاء، والبكاء يُوَلِّد قوة. وإذا ما كملت هذه كلها فى النفس، تبدأ النفس تثمر فى كل شيء. وإذ يرى الله فى النفس هذه الثمار الحسنة، فإنه يشتمها رائحة بخور طيبة، ويفرح بها هو وملائكته، ويشبعها بالفرح، ويحفظها فى كل طرقها حتى تصل إلى موضع راحتها دون أن يصيبها ضرر. إذ يرى الشيطان الحارس العلوى العظيم يحيط بالنفس، يخاف أن يقترب منها أو يهاجمها بسبب هذه القوة العظيمة. إذاً، اقتنوا هذه القوة حتى ترتعب الشياطين أمامكم، وتصير أعمالكم سهلة، وتتلذذوا بالعمل الإلهى، لأن حلاوة حب الله أشهى من العسل. حقاً أن كثيرين من الرهبان والعذارى فى المجامع، لم يتذوقوا هذه الحلاوة الإلهية، ولم يقتنوا القوة الإلهية، ظانين أنهم قد نالوها، بالرغم من عدم جهادهم. أما من يجاهد لأجلها فينالها حتماً خلال المراحم الإلهية، لأن الله لا يحابى الوجوه. فمن يريد أن يكون له نور الله وقوته، يلزمه أن يستهين بكرامات هذا العالم ودنسه، ويبغض كل أمور العالم ولذة الجسد، وينقى قلبه من كل الأفكار الرديئة. ويقدم لله اصواماً ودموعاً ليلاً ونهاراً بلا توقُفٍ كصلوات نقية، عندئذ يفيض الله عليه بتلك القوة. اجتهدوا أن تنالوا هذه القوة، فتصنعوا كل أعمالكم بسهولة ويُسر، وتصير لكم دالة عظيمة قدام الله، يهبكم كل ما تطلبونه[265].].

عاشراً: مخافة الرب تصعد بنا إلى طريق الكمال. هذا هو سلم الكمال: مخافة الرب وتقواه تهبنا الثقة فيه، وهذه تهبنا قوة وسط المحن، هذه القوة تقدم لنا صبراً فى احتمال الغير بضعفاتهم، وبهذا الصبر نبلغ طرق الكمال.

4 - هل مخافة الرب تتجاهل حنوه؟

قَدَّم الكتبة والفريسيون للسيد المسيح امرأة أُمسِكَت فى زنا، ولما أقاموها فى الوسط، قالوا له: يا معلم هذه المرأة أُمسِكَت (وهى تزنى) فى ذات الفعل. وموسى فى الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجَم، فماذا تقول أنت؟ (يو8: 3 - 5) وجاءت إجابته لا تتجاهل العدالة كما فتحت لها طريق الحنو. لهذا مخافة الرب تكشف عنه أنه حلو وحق فى نفس الوقت. يقول القدِّيس أغسطينوس: [سمعنا صوت العدالة: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر" (يو8: 7)، لنسمع أيضاً صوت الرحمة... ذاك الذى طرد خصومها بلسان العدل رفع عينيّ الرحمة إليها، قائلاً لها: "ولا أنا أدينك؛ اذهبى، ولا تخطئى أيضاً". ليحذر الذين يحبون فى الرب لطفه، وليخشوا حقه! فإن الرب حلو وحق (مز35: 8). أنت تحبه بكونه حلواً، لتخشه بكونه الحق... الرب رقيق، طويل الأناة، حنَّان، لكنه أيضاً عادل وحق. إنه يفسح لك المجال للإصلاح، لكنك تحب تأجيل الدينونة أكثر من إصلاح طرقك! هل كنت بالأمس شريراً؟ لتكن اليوم صالحاً. هل أنت مستمر اليوم فى شرِّك؟ لتتغيَّر غداً... لكن كيف تعرف أن غداً يأتى؟... الله وعد بالغفران لمن يُصلح من شأنه، لكنه لم يعدني بأن يطيل حياتى (للغد)!].

5 - يقول يوحنا: "المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (يو4: 18)، فلماذا يقول النبى الطوباوى داود: "اتقوا (خافوا) الرب يا قديسيه" (مز34: 9)؟

يجيب القديس دوروثيؤس [هذا يكشف عن نوعين من الخوف: النوع الأول أولي، والنوع الثانى خوف كامل. الأول يخص المبتدئين، والثانى يخص القديسين الكاملين الذين بلغوا إلى قامة الحب الكامل. فمن يطيع إرادة الله بسبب خوفه من العذاب يكون خوفه مبتدئاً. وأما الذى يُنَفِّذ إرادة الله بسبب حُبِّه لله لكى يرضيه، وقد بلغ بهذا الحب إلى الخوف الكامل. وبواسطة هذا الخوف (الكامل) يخاف لئلا يفقد تلك البهجة التى يتمتَّع بها بوجوده مع الله ويخشى لئلا يخسرها. هذا هو الخوف الكامل، المولود من الحب، الذى يطرد الخوف البدائى إلى الخارج[266].].

ويحدثنا القديس مار فيلوكسينوس عن مخافة الرب طوعاً ومخافة الرب كرهاً، قائلاً: [لأن قايين لم يخف الله طوعاً، ملكت المخافة عليه كرهاً، وأصبح مرتعباً، هائماً على وجه الأرض، وتحت عذاب الخوف كان يرجو الله أن يجعل أى إنسان يقتله، لكى يتخلَّص من هذه الحياة المملوءة خوفاً ورعباً!].

6 - ما هو مركز "مخافة الرب" فى سلّم الحياة الإيمانيّة العملية؟

يُقَدِّم لنا مار فيلوكسينوس سلّم الحياة الإيمانيّة العمليّة، فيبدأ بدرجاته الثلاث: الإيمان والبساطة وخوف الرب. ليست هناك شركة مع الله بدون إيمان، ولا يمكن أن يقوم الإيمان إلا من خلال البساطة التى وهبها الله للنفس كى تلتقي معه كطفل بسيط يؤمن بأبيه ويتعلَّق به. هذه البساطة التى تلد الإيمان هى التى تحفظه لتستمر النفس بنعمة الله ثابتة فى إيمانها. خلال هذا الإيمان تتمتَّع النفس بمخافة الرب. تؤمن به وتدرك عظمته، فتخافه، وتكرمه، وتحفظ وصاياه. فالإيمان إذن يلد "مخافة الرب"؛ فيحفظ الإنسان المؤمن الوصية ويطيعها خوفاً من العقاب. وإذ ينمو بالنعمة، يطيع الوصيّة كابن يخشى أن يجرح مشاعر أبيه. يقول مار فيلوكسينوس: [تولد مخافة الرب الحقيقيّة من الإيمان الحقيقى، فمن يؤمن حقيقة، حقاً يخاف ذاك الذى يؤمن به... يولد الإيمان من البساطة الطبيعيّة، كما يحفظ ويثبت أيضاً بتلك البساطة... تحافظ البساطة على الإيمان، وتحافظ مخافة الرب على وصايا الله (عظة 6: 162) كما يقول: [لنتحدَّث عن مخافة الرب بفكر يخاف الرب.] (عظة6: 159).

إنه لا يريد "مخافة" الجدل والكلام، وإنما مخافة خبرة الروح الحية! فالفكر البشرى هو هبة يُقَدِّمها الله للإنسان، تحتاج أن تدخل فى دائرة مخافة الرب، تقوده كطفل صغير فى رعاية أبيه أو أمه، يسير معها ليتعرَّف على أسرار الحياة ويتدرَّب وينمو وينضج!

7 - ما هى مصادر مخافة الرب؟

عالج القديس مار فيلوكسينوس بطريقة إيجابية رائعة التمييز بين "الخوف" الذى يُحَطِّم النفس، وليد الفكر البشرى البحت، والخوف البناء الذى هو عطيّة الله. كثيرون يحاولون الدخول إلى "المخافة" بذارعهم أو فكرهم البشرى البحت، فيرون الله جباراً مخوفاً، يترقَّب الأخطاء ليدين كل بشر، يسكن معتزلاً فى سماواته، ولا يشعر بضعف الإنسان. أما المؤمنون الحقيقيّون فينالون "مخافة الرب" كعطيّة إلهيّة تبعث فيهم حياة التوبة بدموع صادقة، يصاحبها سلام الله الفائق وثقة كاملة فى الله المُخَلِّص، ورجاء حقيقى فى التمتُع بعجائبه وعربون أمجاده.

المخافة الأولى مرض خطير يدفع النفس إلى التقوقع والانغلاق على ذاتها، يلزم استئصاله إن دفعت إلى الندامة غالباً ما يصاحبها اليأس مع الضيق والتبرّم. أما مخافة الرب كعطيّة إلهيّة فإنها تهب مع حزن التوبة سلام الله الفائق، تكشف عن محبة الله فتهب رجاء. يخشى المؤمن الله كديّان، فيهرب لا إلى آخر بل إلى الديّان ذاته كمخلصٍ وفادٍ. ويبقى المؤمن تحت رعاية "خوف الله" الذى يسمو به، ويدخل به إلى أسرار الله الفائقة، حتى ينطلق مع التلاميذ الثلاثة بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل تابور (مت17: 1). هناك يتجلَّى الرب فى قلبه، فيسقط معهم كما على الأرض... لكنه ليس سقوط الخزي واليأس؛ إنما سجود المخافة الممتزجة بإشراقات بهاء الله (مت17: 6 - 7). يشتاق ألا ينزل عن الجبل، بل يبقى محصوراً بهذه المخافة العجيبة التى تعكس على النفس بهاء، تشرق عليه بالنور الإلهى، فلا يطيق مفارقة الحضرة الإلهيّة. لعل هذا هو الدافع وراء تأكيد مصادر "مخافة الرب" وهى:

أولاً: الإيمان. يقول مارفيلوكسينوس: [علّمونا أن مخافة الرب الحقيقيّة تولد من الإيمان الحقيقى.] شتّان ما بين من يدفع نفسه بنفسه إلى الخوف، ومن يطلب بإيمان فيهبه الرب مخافته كعطيّة ونعمة مجانيّة. الأول يقول بلسانه إنه يخاف الله، دون أن تتحرك أعماق قلبه... هذا الخوف الكلامى دون الحياة يدفع إلى الفريسيّة، فيعيش الإنسان مرائياً، ينطق بغير ما يبطن؛ الأمر الذى يدفع به إما إلى الاستهتار أو إلى الملل والنفور من الحياة الروحيّة. أما من يفتح بالإيمان أعماقه ليتقبَّل مجاهداً عطيّة الله، تملك مخافة الرب على نفسه، وتحرّك كل طاقتها، ليعيش الإنسان بكل كيانه فى خوف الله المفرح. يخاف الله بلسانه كما بقلبه، بجسده كما بنفسه. يقول مارفيلوكسينوس: [مخافة الرب ليست أن نقول: إننى أخاف الرب، كما يفعل كثيرون؛ بل هى مخافة تتحرك طبيعياً فى داخل النفس، تجعلها ترتجف وترتعب فى داخلها، فتؤثر على جميع أعضاء الجسد، وليس على النفس وحدها.] (عظة 6: 162).

ثانياً: التأمّل فى الله وتذكَّره. يقول مارفيلوكسينوس: [طالما أن الأفكار غير ممتصّة فى تأمّل الله وتذكّره، فإنها تهيم خارج نفسها، وتنشغل فى أمورٍ أخرى بعيدة عن الرب. وحينما تتأمّل فى الخير تسكن فى نور تذكُّر الله. حينما تشرد فى أمور فارغة وباطلة، تكون فى الجحيم، ومن يكون فى ظلام الجحيم لا يرى ولا يُرَى، لا يميز ولا يُميز، لا يعرف ولا يُعرف، بل يكون محروماً من جمال رؤية الخليقة، وغير مميّز لطريقه، وغير عارف بخط سيره] (عظة 6: 160) [كما أن النور يتلألأ فى الحدقة عندما تنفتح العين، هكذا أيضاً تتلألأ مخافة الرب فى الفكر بتذكُّر الله.] (عظة 6: 174).

المخافة التى تنبع عن التمتُع بالحضرة الإلهيّة وتذكُّر الله الدائم، تنقل المؤمن من الظلام كما إلى النور الإلهى، وتهبه نوعاً من الاستنارة: يرى ويعرف ويتمتَّع. يرى الله حاضراً فى كل حياته، ويرى كل ما صنعه جميلاً وممتعاً؛ ويُمَيِّز مشيئة الله عن كل مشيئة مخالفه؛ ويعرف أسرار الله، ويتمتَّع بأعمال الله العجيبة. هكذا بالتذكّر الدائم لله، والتمتّع بحضرته، ينال المؤمن رؤية صادقة وتميزاً ومعرفة وعربون مجد!

بتذكُّر الله أيضاً ينعم المؤمن بمخافة الرب فيصير مرئياً ومميّزاً ومعروفاً! ماذا يعنى هذا؟ من يذكر الله يذكره الله، ومن يخاف الله يهبه الله مخافة وكرامة وتقديراً فى أعين السمائيّين والأرضيّين، بل وفى نظر كل الخليقة. مخافة الرب لا تُحطِّم المؤمن أو تذلّه بل تهبه تقديراً خاصاً ونعمة! خف الله كما يليق، فتصير مخوفاً!

لقد أورد كاتب الاكلمنضيّات ذلك فقال متحدّثاً عن عدو الخير إبليس وكل جنوده: "إن أصغر إنسان مسيحى (يخاف الله) هو أقوى من أعظم شيطان!".

ثالثاً: اللَّهج فى كلمة الله. يقدّم لنا القديس فيلوكسينوس كلمة الله كمصدر حىّ للمخافة الإلهيّة، موصياً إيّانا ألا نردّدها بلساننا فقط، وإنما نعيشها فى قلوبنا، فتُفَجِّر فى داخلنا ينابيع إلهيّة تروى النفس، وتحوّل قفرها إلى فردوس مثمر. يقول مارفيلوكسينوس: [لننشغل دائماً بكلمة الله، ليس فقط بترديدها بألسنتنا، وإنما أيضاً بتأمّلنا فيها فى داخل قلوبنا، لكى يتكلم اللسان من فضلة القلب... من يرتوى باستمرار من التعليم الإلهى، يعطى كل حين ثماراً إلهيّة. تعلن أسرار القلب الخفية، وتظهر من خلال سلوك الحواس الأخرى وتصرفاتها. (عظة 6: 160).

إذ تنعم النفس بمخافة الرب كهبة إلهيّة تتمتَع بها خلال الإيمان الحىّ العامل بالمحبة (غل 5: 6) وتأمّلها الدائم فى الله مخلصها، ولهجها المستمر فى كلمة الله الفعّالة. تصير مخافة الرب قانون النفس أو ناموسها الروحى الطبيعى، وهى غير مخافة الجسد. يقول مارفيلوكسينوس: [يخشى الجسد الأشياء التى تؤذيه، وتخشى النفس ذاك الذى يستطيع أن يهلكها. يخشى الجسد هجمات الحيوانات المفترسة الخارجيّة، ويخاف من النار، ومن السيوف، ومن الغرق، ومن السقوط من المواضع المرتفعة، ويخشى اللصوص، والقضاة، والقيود، والسجون. هكذا تخاف أيضاً النفس بطبيعتها من القاضى والديّان الذى يستطيع أن يعذبها هى والجسد بالعذابات الروحيّة التى تناسب طبيعتها. وكما يخاف الجسد بطبيعته من جميع تلك الأشياء التى ذكرناها، هكذا أيضاً تخاف النفس بطبيعتها من دينونة الله... بالرغم من أن طبيعة النفس لا تتأثر بما يصيب الجسد. لكن لأنها متحدة به تخاف معه. وبالرغم من أن عينىّ الجسد لا تستطيع أن تنظرا العذابات الآتية، فمع ذلك، لأن النفس ترى تلك الآلام فى الخفاء وترعب منها، فإنها تجعل الجسد بجميع أعضائه يخاف ويرتعب. (عظة 6: 163).

8 - هل مخافة الرب من طبيعة النفس؟

النفس التى تحمل صورة خالقها بطبيعتها التى خلقها بها الله لا تخاف آخر غيره، فالعالم بكل متاعبه وتهديداته وأحداثه لا يقدر أن يدخل إليها، ولا يهزّ كيانها، إلا إذا سمحت له بالدخول، وانحنت بإرادتها للخنوع له، واستعبدت نفسها له، عندئذ يكون خوفها خارجاً عن طبيعتها. يقول مارفيلوكسينوس: [لا تخاف النفس من رؤية أخطار الجسد، حتى إذا ظهرت خائفة، بسبب اتّحادها مع الجسد. حينما تخاف النفس من هذه الأخطار الجسدية، خوفها هذا يكون خارجاً عن طبيعتها، أى أن بخار خوف الجسد يصعد إليها ويظلم بصيرتها وحكمتها، وبالتالى تخاف مع الجسد من أمور لا تقدر أن تؤذيها] (عظة 6: 168).

واضح أن القديس فيلوكسينوس يُمَيِّز الجسد عن النفس فى الإنسان، لكنه لا يعتنق الثنائيّة، بل يعترف بوحدة الكيان الإنسانى أو الطبيعة البشريّة. للجسد سماته الخاصة به وهو خوفه من الماديّات والزمنيّات، وللنفس سماتها الخاصة بها وهى الخوف من الرب القادر وحده أن يدخل إليها ويسكن فيها. إن أعطى الإنسان لجسده حق القيادة، أخضع النفس لشهوات الجسد وضعفاته كالخوف من الأمور الزمنية، الأمر الذى هو خارج طبيعة النفس. أما إن خضعت نفسه لروح الرب، وصارت قائدة للجسد، يتقدس الجسد فلا يرتعب حتى من الموت، الأمر الخارج عن طبيعته.

بمعنى آخر إما أن يحيا الإنسان جسدانياً يستعبد نفسه لضعفات جسده، فيصير بكليّته فى ضعف كأنه كله جسد ضعيف! وأما أن يحيا إنساناً روحياً بروح الله فيصير بكليّته فى قوة الروح كأنه كلّه روح قوى فى الرب!

9 - كيف تحقق مخافة الرب النمو الروحى؟

إن كانت النفس التى تلتصق بالله وتتعرَّف عليه تتمتَّع بمخافته كثمر طبيعى أو قانونها الطبيعى التى تعيش به، فإن تعرُّفها على الله وتلامسها معه يتحقَّق حسب مستواها الروحى. يقول مارفيلوكسينوس: [يرتبط موقف كل واحد تجاه تذكُّر الله بموقف الإنسان تجاه نفسه: فإذا كان فى مستوى الخطاة يرى الله كقاض وديّان. وإذا صعد إلى المستوى الأعلى، مستوى التائبين، يرى الله إلهاً متسامحاً غافراً للخطيّة. وإذا كان فى مستوى الرحماء؛ يكتشف غِنَى رحمة الله. وإذا كان متحلياً بالوداعة واللطف، يرى رقة الله ولطفه. وإذا كان حكيماً، يتأمّل غِنَى حكمة الله الفائقة. وإذا كان بعيداً عن الغضب وخالياً من الهموم، وإذا كان السلام والهدوء يملكان على حياته فى كل حين، يرتفع إلى مستوى الرؤية النقيّة التى تعاين الله. وإذا كان نور الإيمان يشعّ باستمرار فى داخل نفسه، يرى فى كل حين أعمال الله العجيبة التى يُدرِكها عقل. أما إذا كان قد وصل إلى أعلى مستوى، مستوى الحب، فيرى الله كلّه حب. هذا هو العجب، أن الله الواحد البسيط فى طبيعته... يتراءى للجميع فى صور متعدّدة. من يبحث عنه يراه من جميع الجوانب التى يريدها... لا تتخيَّل إنك تراه صالحاً وأنت تفعل الشرّ... إنك تراه كما هو إذا صرت مثله ونفذت كل وصاياه. (عظة 6: 170 - 172).

المخافة هى بداية الطريق، تسند الإنسان حتى يبلغ بالنضوج إلى الحب الكامل. يقول مار فيلوكسينوس: [كما أن الخوف يصاحب طفولة هذا العالم ويدفعها لتعليم القراءة والكتابة، هكذا أيضاً تناسب مخافة الرب طفولة النفس، وتدفعها إلى تنفيذ الوصايا وعدم الاستهتار بكلام الله. (عظة 7: 194).

مخافة الرب الحقيقية هى معين المؤمنين فى بداية طريقهم كأطفال روحيّين، وهى أيضاً مُعَلِّم الشعب القديم بكونهم أطفالاً، وكما يقول مار فيلوكسينوس: [إذ كان يصعب جداً على إسرائيل أن يحبّوا الله، دفعهم موسى إلى الخوف منه. وصيّة الحب: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن نفسك ومن كل قوتك" (تث 5: 6) تخص الأبرار من بينهم. أما الذين كانوا مثل العبيد يخطئون باستمرار فكان يوصيهم أن يخافوا الرب. الخوف يمنع الشرّ، والحب يفعل الخير. فالوصيتان: خف الله وحب الرب إلهك قد وضعتا فى الناموس، حتى أن الذى يرتفع من خلال المخافة، يجد أمامه طريق الوصيّة الأكثر كمالاً، أى وصيّة الحب. ولكى يوضح الرسول الفرق بيننا وبينهم قال عن تلاميذ المسيح وأولاده: "إذ لم تأخذوا روح العبوديّة أيضاً للخوف" (رو 8: 15)؛ أى أن الرب لم يدعوكم لكى تصيروا عبيداً، ولا لكى تخافونه مثل العبيد، "بل أخذتم روح التبنّى" الذى يفعل كل شيءٍ باختياره.] (عظة 7: 198 - 199).

المخافة تسند المؤمن فى جهاده ضد الشرّ، خاصة فى مقاومته للأفكار الداخليّة. يقول مار فيلوكسينوس: [مخافة الرب هى اللجام الذى يوقف انطلاق الإنسان نحو ارتكاب الشرّ، ويجذبه للخلف حينما يستعبد للجرى وراء شهواته الكريهة، ليس فقط فى حياته الخارجيّة، بل وعلى وجه الخصوص فى حياته الداخلية الخفية.] (عظة 6: 181).

[الإنسان الذى يعيش فى تذكُّر الله كل حين يمتلئ بالمخافة، حتى عند مقاومته فكر شهوة يمر على نفسه، فيصير مرتعباً بسبب هذا الفكر. لكن يهرب الفكر فى الحال أمام مخافة النفس، كالعصفور الذى يهرب من أمام الإنسان الذى يقلق راحته. الخوف واحترام قوانين الناس يحافظان على الجسد ضد الشهوات. والمخافة وخجل الإنسان أمام الله يحافظان على النفس ضد أفكار الشرّ. لأنه إذ يعرف أن الله يراه فى كل حين، يراقب نفسه باستمرار لكى لا يخطئ. (عظة 6: 175 - 176).

10 - هل مخافة الله تحمينا من التفكير فى الشرّ؟

مادام تذكُّر الله الدائم هو مصدر مخافة الرب، فإن من يتأمّل فى الله يتحصَّن من التفكير فى الشرّ، لأنه "أيّة شركة للنور مع الظلمة؟!" (2كو 6: 14) يقول مار فيلوكسينوس: [أقم حول نفسك سور مخافة الرب أيها الحكيم؛ وعندئذ لن يجسر الشرّ أن يدخل فى مدينة نفسك. خف الله فى الخفاء، فتظل نفسك فى نقاوتها. حرِّك فى داخلها مخافة الرب فى كل وقت، بهذا تمتنع عن أن تخطئ بالفكر. وليكن تذكُّر الله ساكنا فيك باستمرار، بهذا لن يقدر تذكُّر الشرّ أن يسكن معه. لأنه طالما أنت تتذكَّر الله، لا يمكن أن تتذكَّر الشرّ، لأن النور والظلمة لا يجتمعان أبداً فى وقت واحد. وتذكرُّ الله وتذكُّر الشرّ لايجتمعان معاً فى النفس... تذكُّر الشرّ هو الخطيّة، وتذكُّر الله هو المعرفة الحقيقيّة، والخطيّة هى الجحيم، والمعرفة هى النور.] (عظة 6: 176).

11 - من يحكم على مخافتى للربّ؟

الذى يحكم هى أعماقى، فلا يعرف نفسى الداخليّة إلا أعماقى. يقول القديس مار فيلوكسينوس: [اختبار مخافة الرب موجود فى داخل النفس؛ والإنسان وحده هو الذى يستطع أن يعرف ما إن كان يخاف الله أم لا... هل تذكّرت الله فارتعبت؟ هل فكرت فيه فامتلأت خوفاً؟ هل ارتجفت أفكارك مع أعضائك، ونفسك مع جسدك؟ هل أحنى عقلك رأسك وأصابك الخجل أمام الله؟ إن كانت هذه الأشياء تحدث لك فاعلم أن مخافة الرب موجودة فيك، وتذكُّر الله حاضر بالفعل عندك... (عظة 6: 177 - 178).

أما المقياس الآخر الذى يُقَدِّمه لنا مار فيلوكسينوس لمعرفة أنفسنا إن كنا نخاف الرب ونتذكّره على الدوام، فهو ممارستنا للرياء أو عدمها... وقد ضرب أمثلة كثيرة لذلك مثل ارتداء ثوب الطهارة فى الخارج مع ثوب الشهرة والزنا فى الداخل؛ أو الصوم الظاهر مع اشتهاء ملذات الأطعمة فى الداخل، او ممارسة الحلم والوداعة فى الظاهر مع حدة الطبع فى الداخل، أو حضور اجتماعات الصلاة الجماعية دون الصلاة الخفيّة. (عظة 6: 178 - 179).

12 - ما هى أبعاد مخافة الرب؟

كثيراً ما يُرَكِّز القديس مار فيلوكسينوس على البعد الداخلى لمخافتنا للرب، إذ يقول: [الخادم الروحى لا يخاف الرب مثلما يخاف العبيد أسيادهم، فإن خوف هؤلاء العبيد يظهر على سلوكهم الخارجى، ويرى على أعضاء أجسادهم، فإنهم حتى إن كانوا يكرهون هؤلاء السادة سراً، ويحتقرونهم فى أفكارهم، لكنهم يظهرون لهم من الخارج مظاهر الخوف والاحترام. يا ليت مخافتك للرب لا تكون هكذا، بل اظهر له أنك تخافه ايضاً فى أعماق نفسك، حيث أنه يرى كل حركات نفسك ويعرفها. خف الله بكل كيانك، فى حياتك الخفية والظاهرة. إنه ديَّان أعمالك الخفيّة والظاهرة، لتخجل نفسك من أن تخطئ أمامه. ولتخز أفكارك من أن تنحرف فى حضرته... تذكَّر فى كل حين أن الله ينظر إليك، أنظر أنت أيضاً إليه سراً مثلما ينظر هو إليك سراً، عندئذ لن تبقى الخطيّة موجودة فى أفكارك... حينما تصير وحدك، وحينما تُخبئك حوائط بيتك وأسقفه، يكون درع مخافة الرب ضرورياً لك؛ فالخطيّة ترتكب بسهولة فى الظلام. لذا يجب أن تنتبه وتصحو لتذكّر الله... (عظة 6: 181 - 183).

13 - هل الخوف هو بدء الدرجات نحو السماء؟

يرى القديس مار فيلوكسينوس أن آباؤنا الأوّلين الذين سلكوا طريق تعاليم المسيح قد حدَّدوا لنا معالم الطريق حتى لا ننحرف عنه يميناً أو يساراً؛ إنه طريق ملوكى هو طريق الوصيّة الإلهيّة (عظة 7: 191). هذا الطريق هو السلّم الذى رآه يعقوب ممتداً من الأرض إلى السماء، والملائكة يصعدون وينزلون عليه (تك 28: 12). إنه السلّم الذى يلتقى فيه البشر الذين يصعدون عليه مع الملائكة النازلين إلينا يصعد عليه المؤمنون كجنودٍ سمائيّين، يُغَيِّرون أسماءهم من "بشر" إلى "ملائكة"، كما كان الجند قديماً يُغَيِّرون أسماءهم عند التحاقهم بالجيش، نحن أيضاً نلتحق بجيش الروحيّين. على هذا السلّم يلتقى المؤمنون بالملائكة فى دائرة الحب، كما يلتقي الروحيّون مع الجسديّين حيث يلزم للفريقين أن يُجاهِد بنعمة الله فى حفظ الوصيّة الإلهيّة.

على هذا السلّم تتحقَّق مشيئة الله، فبالوصيّة الإلهيّة يصعد البشر بنعمة الله كما على درجات السلّم ليعيشوا بروح الحب مع السمائيّين، وبالوصيّة الإلهيّة ينزل الملائكة إلى البشر لخدمتهم (عب 1: 14). وكما يقول مار فيلوكسينوس: [الذين من أسفل هم الجسديّون (البشر) بطبيعتهم، تجعلهم الوصايا الإلهيّة مرتفعين وروحيّين، والمرتفعون الروحيّون بطبيعتهم، تدفعهم وصيّة الخالق للنزول نحو المواضع السفليّة والبقاء دائماً مع الجسديّين. هكذا فإننا نجد كائنات من أنواع مختلفة مجتمعة معاً فى جماعة واحدة، وفى رابطة حب تنفذ مشيئة الله فى تسبحة متناغمة، وتتحرك كلها بحركة واحدة روحيّة، مثلما يتحرك الجسد كله بحياة النفس.] (عظة 7: 193).

14 - كيف نقاوم الخوف؟

إذ نتحدَث عن سلّم يعقوب الذى به تمتَّع يعقوب بالسماء المفتوحة، والشركة مع السمائيّين، فإننا نذكر أن يعقوب قد عانى من الخوف... لقد كان فى عزلة تامة، ليس من اب أو أم أو أخ أو صديق يرافقه ويسنده. كان فى طريقه هارباً من عنف أخيه يعانى من مخاطر جمّة ومن مستقبل مجهول. اتكأ يعقوب على الحجر رمز السيّد المسيح لينام فينعم بالرؤيا السماويّة، ويتلامس مع مخافة الرب، إذ قال: "ما أرهب هذا المكان؟! ما هذا إلا بيت الله؟! (تك 28: 17) حينما نعانى من خوف الجسد أو خوف العالم المُحَطِّم للنفس نتكّئ على مسيحنا حجر الزاوية، فيُستبدَل الخوف المُهلِك بالخوف المقدّس. عوض خوفنا من العالم بكل ظروفه القاسية نرى مجد الله وقداسته وحبّه فنحمل مقدّساً، ونردك أننا نقطن فى بيت الله، بل صرنا" أهل بيت الله "(أف 2: 19). كما نقاوم العاطفة الشرّيرة بالعاطفة المقدّسة، هكذا نقاوم الخوف القاتل بالخوف المقدّس!

15 - من يقدر أن ينزع الخوف عنا؟

يقول القديس أغسطينوس: [لماذا تخافون أيها المسيحيون؟ المسيح يقول: "أنا هو لا تخافوا" (مت 14: 27). لماذا تنزعجون لهذه الأمور؟ لقد سبق فأخبرتكم بهذه الأمور أنها ستحدث حتماً... "أنا هو لا تخافوا. فرضوا أن يقبلوه فى السفينة". إذ عرفوه وفرحوا تحرروا من مخاوفهم. "وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التى كانوا ذاهبين إليها". وُجدت نهاية عند الأرض، من المنطقة المائية إلى المنطقة الصلدة، من الاضطراب إلى الثبات، من الطريق إلى الهدف[267].].

كما يقول: إنه يُدخل اسم "أحباء" بطريقة يسحب بها اسم "عبيد"، وليس كمن يضم كليهما فى تعبيرٍ واحدٍ، وإنما الواحد يحتل الموضع الذى يتخلَّى عنه الآخر. ماذا يعنى هذا؟... إنه يوجد نوعان من الخوف، يُنتجان نوعين من الخائفين، هكذا يوجد نوعان من الخدمة، يُنتجان نوعين من الخدم. يوجد خوف يطرده الحب الكامل (1يو 4: 28) ويوجد خوف آخر طاهر يبقى إلى الأبد (مز 19: 9). الخوف الذى ليس فيه حب، يشير إليه الرسول عندما يقول: "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف" (رو 8: 15). لكنه أشار إلى الخوف الطاهر عندما قال: "لا تستكبر بل خف!" (رو 11: 20). فى ذلك الخوف الذى يطرده الحب خارجاً توجد أيضاً الخدمة المرتبطة به، فإن الرسول يربط الاثنين معاً، أى الخدمة والخوف، إذ يقول: "إذ لم تأخذوا روح العبودية (الخدمة) للخوف". مثل هذا الخادم يرتبط بهذا النوع من الخدمة هذا الذى كان أمام عينى الرب عندما قال: "لا أعود أسميكم عبيداً، لأن العبد لا يعلم ما يعمله سيده". بالتأكيد ليس العبد المتسم بالخوف الطاهر، الذى يُقال عنه: "أيها العبد الصالح، أدخل إلى فرح سيدك" (مت 25: 23)، وإنما العبد الذى يتسم بالخوف الذى يطرده الحب خارجاً، والذى قيل عنه فى موضع آخر: "العبد لا يبقى فى البيت إلى الأبد، أما الابن فيبقى إلى الأبد" (يو 8: 35). إذن حيث أعطانا سلطاناً أن نكون أبناء الله (يو 1: 12)، ليتنا لا نكون عبيداً بل أبناء. فبرطيقٍ حقيقىٍ عجيبٍ لا يوصف يكون لنا نحن العبيد السلطان ألا نكون عبيداً[268].

ويقول القديس كيرلس الكبير: [المسيح هو نجاتنا من كل خطر، وهو يحقق الإنجازات بما يفوق توقع الذين يقبلونه. تلاميذه وحدهم وبأنفسهم كنموذج للمعلمين الكنسيين بالتتابع عبر الأزمان كلها، يسبحون خلال أمواج هذه الحياة الحاضرة كنموذج للبحر، يواجهون تجارب عديدة وشديدة، ويتحملون مخاطر لا يُستهان بها عند التعليم، وذلك على أيدى أولئك الذين يعارضون الإيمان ويحاربون الكرازة بالإنجيل. لكنهم سيتحررون من خوفهم ومن كل خطرٍ، وسوف يستريحون من أتعابهم وبؤسهم حينما يظهر المسيح لهم بعد موته أيضاً بقدرته الإلهية، إذ قد وضع العالم كله تحت قدميه. هذا ما يشير إليه سيره على البحر، مادام البحر غالباً ما يُعتبر رمزاً للعالم فى الكتب المقدسة... فحينما يأتى المسيح فى مجد أبيه كما هو مكتوب (مت 16: 27) حينئذ سفينة الرسل القديسين، أى الكنيسة، والذين يبحرون فيها، أى الذين بالإيمان والمحبة نحو الله يرتفعون فوق أمور العالم، دون تأخير وبدون أى تعبٍ، يربحون الأرض التى كانوا ذاهبين إليها، إذ غايتهم هى بلوغ ملكوت السماوات، كما إلى مرفأ هادئ.].

كما يقول: [إننا كأحبَّاء له يلزمنا ألا نخاف الموت بل بالحرى نتمثَّل بالآباء القدِّيسين. فعندما جُرِّب الأب إبراهيم قدَّم ابنه الوحيد اسحق، حاسباُ ان الله قادر أن يقيمه من الأموات (عب 11: 19). أى رعب من الخوف يمكن أن يهاجمنا وقد أبطل "الحياة (المسيح)" الموت، لأن المسيح هو القيامة والحياة (يو 11: 25). ولنضع أيضاً فى ذهننا أن الأكاليل تُقتنَى بالجهاد. فإن المصارعين الأقوياء فى الحلقات ينالون الكمال بالجهاد العنيف مع الخبرة. الشجاعة والذهن الشهم هما اللذان يخدمان أصحاب المهارة فى المعارك. أما من يلقى عنه درعه يحتقره العدو، وإن عاش الهارب من المعركة، يحيا كذليلٍ. أما الذى ثبُت فى المعركة، ووقف ببسالة وشهامة بكل قوَّته ضد العدو، فيُكرم بنواله النصرة، وإن سقط (جريحاً) فيكون موضع إعجابٍ[269].].

[لقد ظن الفرِّيسيُّون أن سلطان هيرودس يرعبه فتذله المخاوف، لكنه هو رب القوات الذى يُوَلِّد فينا الشجاعة الروحيَّة بكلماته: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها" (مت 10: 28). إنه لم يعطِ اهتماماً للعنف البشرى، بل يقول: "بل ينبغى أن أسير اليوم وغداً وما يليه" (لو 13: 33). بقوله "ينبغى" لا يعنى الإلزمام قسراً، وإنما التزام به بكمال حريته، فبدون خطر يذهب أينما شاء ويتنقل فى اليهوديَّة دون أن يقاومه أحد أو يخطط ضده حتى يتقبل الألم بإرادته خلال الصليب الثمين... بإرادته قبل الألم لكى يموت جسده يبطل الموت ويقوم. وإذ قام من الأموات يقيم معه الطبيعة البشريَّة كلها، ويجددها واهباً لها الحياة التى بلا فساد[270].].

ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [يلزمنا أن نخاف عذاب النفس لا قتل الجسد، فالموت يمثل نهاية طبيعيَّة للعذاب الجسدى لكن ليس نهاية للعقاب. فهو يضع نهاية لآلام الجسد (الزمنيَّة)، أما عقاب النفس فأبدى. يلزمنا أن نخاف الله وحده! [271]].

إنه يسمح بالتجربة، مطالباً إيّانا ألا نقلق ولا نهتم كيف نتصرّف ولا بماذا ننطق، إنّما روحه القدّوس هو الذى يعمل فى المتضايقين معلناً مجد المسيح، شاهداً ببهائه فينا ككرازة وشهادة أمام الأخرين. يقول القدّيس أغسطينوس: [إنه يحرّركم من الخوف ويهبكم الحب الذى يشعل غيرتكم بالكرازة بى فتنبعث فيكم رائحة مجدى فى العالم وتمتدحونه[272].] ويتحدّث القدّيس جيروم عن عمل الله فى هذه اللحظات الصعبة، قائلاً: [ها أنتم ترون أنه ليس لدينا مخازن نخزن فيها، لكننا ننال فيضاً فى اللحظة المطلوبة[273].].

يقول القديس يوحنا سابا: [إن كنت غريباً عن كل اضطراب خارجى تسمع داخلك الروح ينطق بالممجدات[274].]، [إن نفسك هى أورشليم المفرحة للمسيح فلماذا لا تزال تتردد فى أسواق البابليون (المتبلبلين)؟ [275]].

16 - ما هو الفرق بين الخوف الذى تطرحه المحبة إلى خارج، والخوف النقى الثابت إلى الأبد؟

يقول القديس أغسطينوس: [يمكننا إدراك الفرق بين الخوف الذى تطرحه المحبة إلى خارج، والخوف النقى الثابت إلى الأبد إذا ما قارناهما بنوعين من النساء:

1. سيدة تشتهى ارتكاب الزنا وتتلذذ بالشر، لكنها تخاف نقمة زوجها. تخافه لكنها لا تزال تحب الإثم، ووجود زوجها يُسَبِّب لها ضيقاً وحزناً. وإن حدث أن سلكت فى الشر تخشى مجيئه... هكذا يخشى البعض مجيء الرب.

2. والثانية تحب زوجها وتشعر أنها مدينة له بقبلاتها الطاهرة، فتحفظ نفسها من الزنا مشتهية مجيئه والجلوس معه.

هكذا كل من الاثنتين تخاف رجلها... الأولى تخشى مجيئه، والثانية تخشى لئلا يرحل عنها. الأولى تخاف عقابه، والثانية تخاف تركه لها. فالنفس التى لها الخوف النقى تئن متألمة "رحمة وحكمة أُغَنِّى لك يارب أرنم. أتعقل فى طريق كامل متى تأتى إلىّ" (مز 101: 1). فى طريق كامل تتعقل فلا تخاف، لأن المحبة تطرح الخوف إلى خارج، وعندما يأتى العريس إلى ذراعيها تخاف لكن كمن هى فى أمان... تخاف لا من أن تطرح فى جهنم، وإنما لئلا يكون فيها إثم أو خطية فيتركها عريسها[276].].

يقول القديس مقاريوس الكبير: [الرسل أنفسهم مع أنه كان فيهم المعزى إلا أنهم لم يكونوا خالين من الخوف مُطلَقاً (1كو 9: 27)، لأنه مع الفرح والبهجة كان فيهم أيضاً الخوف والرعدة (في 2: 12 - 13) الناشئين عن النعمة ذاتها، وليس عن الطبيعة الفاسدة. ولكن تلك النعمة عينها كانت حارسة لهم لئلا يزيغوا ولو قليلاً.] ويقول القديس مرقس الناسك: [الخوف من جهنم يشجع المبتدئين حتى يتركوا شرهم. أما المتقدمون فإن رغبتهم فى المكافأة تُحَفِّزهم على تنفيذ الصلاح. وأما سرّ الحب فهو أنه يسمو بالعقل ليرتفع فوق كل المخلوقات خافياً عن عينيه كل شيء غير الله[277].].

سأل أخّ شيخاً: كيف تقتنى النفس مخافة الله؟ فأجابه: "إذا لم تنظر النفس الله لا تخافه". فقال له: "وبماذا يظهر الله للنفس"؟ أجابه: "بالعزلة والضيقة وصراخها كل حين بشوقٍ لا يفتر قائلةً:" يا ربى يسوع المسيح ". فإذا كان ذكره دائماً فى قلبك كل حين، فهو يجيء ويسكن فيك ويعلِّمك كل الأعمال الصالحة" [278].

17 - كيف لا نخاف من الشيطان؟

يقول هرماس: [اخش الرب واحفظ وصاياه التى تقوّيك فى كل أمورك، فلا يكون مثيل لأعمالك... لا تخف الشيطان إذا خشيت الرب، فإن خشيتك لله تعطيك سلطاناً على الشيطان[279].].

لا يخاف المؤمنون خائفوا الرب من الشيطان، بل تخاف الشياطين من رجال الله[280].

آمن القديس يوحنا الذهبى الفم بالدوافع أياً كانت كعطايا صالحة وهبت لنا من قبل الله. فالغضب عطية عظيمة أعطيت لنا، بدونها لا نقدر أن نمارس التوبة، ولا نحارب الشيطان ونقاتل ضد الخطية. إنه يقول: [لقد زرع فينا الغضب كنوع من المنخاس لكى نصر على أسناننا ضد الشيطان، مملوئين عنفاً ضده، وليس ضد بعضنا البعض. أسلحتنا هى لمحاربة العدو وليس لمحاربة بعضنا البعض. هل أنت غضوب؟ كن هكذا ضد خطاياك. أَدِّب نفسك، واجلد ضميرك، وكن قاضياً قاسياً، واحكم بلا رحمة على خطاياك.] [إنى أؤكد لكم، وأكرر بأعلى صوتى، مخبراً إياكم عن ملجأ شاهق العلو: أن المسيحى لا يخشى أحداً من سكان الأرض... بل ولا من الشيطان، إبليس الطاغية... ما لم يضر الإنسان نفسه أولاً.] ويقول القديس ديديموس الضرير: [إن كانت القوات والقوى ورؤساء عالم الظلمة والأرواح الشريرة تجرينا، فلا يفترض فينا أن ندخل معهم فى حوارٍ أو نقيم معهم مصالحة، إنما يلزم محاربتهم. وعندما نخضعهم وننال سلطاناً أن ندوس على الحيات والعقارب (لو 10: 19)، عندئذ يكون وقت للسلام. هكذا يلزم أولاً سحق الشيطان تحت أقدام القديسين. عندما يكون وقت للحرب يليق بالإنسان أن يطأ على قوة العدو. وعندما نهزمهم يمكننا أن نعيش فى سلامٍ ثابت، ويتحرر تفكيرنا من الارتباك ويكون لنا وقت سلام[281].] ويقول القديس أوغريس: [عمل الغضب الطبيعى (كدافعٍ مقدس) هو شن الحرب ضد الشياطين والصراع ضد كل نوعٍ من أنواع اللذة الشريرة[282].].

يقول القديس أغسطينوس: [الشيطان وملائكته هم الأعداء الذين نُصَلِّى ضدهم. إنهم يحسدوننا على ملكوت السماوات، يريدوننا ألا نصعد إلى الموضع الذى طُرِدوا منه. لنصلّ ضد هؤلاء لكى تخلص نفوسنا[283].] ويقول الشيخ الروحَانى (يوحنا الدّلياتى): [كما يخاف الذئب من اللقاء مع فارسٍ شجاعٍ، هكذا تخاف الشياطين ممن ينظر الخفايا، ويُدَبِّرون الحيل للساقطين فى أيديهم كى لا يذهبوا إلى ناظر الخفايا، فإنهم يلقون على المطيعين لهم خوفاً من اللقاء مع رجل الله. أحياناً يلقون فيهم حياءً منه واحتشاماً؛ مستخدمين كل وسيلة ليبعدوهم عنه، لئلا يجدوا عنده دالة، ويخلصهم من أيديهم[284].] وأشار ما ر أفرآم إلى نقل عظام توما الرسول فى تسابيحه، قائلاً: [يولول (الشيطان) الشرير: أين يمكننى الهروب من البار؟ [285]].


[257] - راجع للكاتب وجاكلين سمير كوستى: مخافة الرب عند القديس مار فيلوكسينوس، 1992.

[258] - عظة 7: 195 - 196.

[259] - الميمر 84 على قول ربنا: "لا تحلفوا البتة" (مت5: 34).

[260] Homilies on Philippians, homily 8.

[261] Concerning the Statues, homily 18.

[262] Homilies on Philippians, homily 8.

[263] Homilies on Acts, hom. 13.

[264] - الفيلوكاليا، 1993، ص142.

[265] Epistle 6.

[266] - الفيلوكاليا، 1993، ص187.

[267] St. Augustine: On the Gospel of St. John. tractate 7: 25.

[268] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 2: 85.

[269] In Luc Ser 87.

[270] In Luc Ser 100.

[271] In Luc 1: 12 - 7.

[272] In Matt hom. 6: 33.

[273] On Ps. hom 54.

[274] - مقال2.

[275] - رسالة 35.

[276] St. Augustine: 10 Homilies on 1st Epistle of. John.

[277] - الفيلوكاليا.

[278] - راجع دير القديس مقاريوس الكبير: فردوس الآباء (بستان الرهبان الموسع).

[279]

[280] - راجع للكاتب: الشيطان ونصرتنا عليه 2005، الباب الثالث.

[281] Commentary on Ecclesiastes, 21: 81.

[282]

[283] On Ps. 30.

[284] - ميمر على العطايا التى من الروح للمتمتعين بالهذيذ.

[285] Carmina Nisibena 1: 42: 1 - 2: 2. Cf. C. Nis. 62: 27; 9: 49 - 40; Acta Thomae 1 - 2.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

لا توجد نتائج

No items found

10- الصوم المقدس - كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء - القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

8- العبادة المقدسة وحياة الملء - كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء - القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات