3- صلوات السواعي “الإجبية” – كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

3 - صلوات السواعي "الإجبية" [88]

1 - لماذا أصلى بالمزامير التى صلَّى بها المرتل فى ظروف حياته الخاصة والتى قد تختلف عن ظروفى؟

أوضح القديس أثناسيوس الرسولى فى رسالته إلى مارسلينوس، أن المؤمن الحقيقى يتَّفِق مع المُسَبِّحين فى سفر المزامير لأن ظروفه هو أيضاً تتفق مع ظروفهم، إذ جاء فى هذه الرسالة:

[العجيب فى المزامير إنها باستثناء ما تحويه من نبوات عن الفادى والبعض عن الأمم، فإن من يقرأها يشعر عند نطقه كلماتها على شفتيه كأنها كُتِبَت لمنفعته هو ليأخذها ويلهج فيها، لا كأنها كلمات أو مشاعر شخص آخر بل كأنها كلماته يتحدث فيها عن نفسه، فيُقَدِّمها لله كما لو كانت مشاعر قلبه الداخلية تماماً كما لو كان هو الذى نظم تلك العبارات...

من الممكن أن نجد فى المزامير ليس فقط انعكاس لأحوال نفوسنا مع الإرشاد وأمثلة لكل المواقف الممكنة، ولكن أيضاً الكلمات المناسبة التى نُرضي بها الله فى مختلف مواقف حياتنا؛ كلمات التوبة والشكر حتى لا نسقط فى الخطية. لأننا سنعطي حساباً أمام الله العادل ليس فقط عن أفعالنا بل أيضاً عن كل كلمة بطالة...

لذلك يا بني ليت أياً من يقرأ سفر المزامير أن يأخذ الأشياء التى فيه ببساطة تامة لأنه موحى به من الله. ففى كل حال ستجد الكلمات التى تريدها مكتوبة من أجلك بالسفر، ويمكنك أن تقولها وكأنها كلماتك أنت شخصياً[89].].

2 - تقدم الإجبية الصلوات حسب ساعات اليوم، فهل يجب أن يلتزم المسيحى بوقت مُعَيَّن للصلاة؟

تجسد كلمة الله خالق الزمن ومشاركته لنا فى حياتنا الزمنيَّة، أعطانا الإمكانيَّة أن نتَّحِد معه لنُحَلِّق فى السماويَّات (أف2: 6)، وفى نفس الوقت قَدَّس حياتنا الأرضيَّة والزمن! هكذا لا يجد المؤمن ثنائيَّة بين الحياة السماويَّة ووجوده على الأرض خاضعاً للزمن. فباتِّحاده بالسيِّد المسيح صار له حق الدخول فى السماويَّات دون أن يحتقر الزمن.

خلال الكرازة بالروحانيَّة يهاجم البعض كل نظام تعبُّديٍ وتدبيرٍ كنسيٍ، ويحسبون أن الإنسان كأنَّه قد خلع الجسد تماماً، أو ترك الأرض مطلقاً، فلا يخضع المؤمن لزمنٍ ولا لنظامٍ. وهكذا تتحوَّل الحريَّة إلى مجال من الفوضى تحت ستار الروحانيَّة. أما أرثوذوكسيتنا فتُصالِح السمة السماويَّة مع السمة الزمنيَّة فى شخص السماوى الذى حمل طبيعتنا وعاش على أرضنا. لهذا ونحن ننادى بالصلاة الدائمة بلا انقطاع على المستوى الملائكى السماوى، لا نتجاهل واقعيتنا على الأرض، فنتبع ما حدَّدته لنا الكنيسة من صلوات فى ساعات مُحَدّدة تسندنا وتحفظنا فى المسيح يسوع ربنا خلال حياتنا اليومية.

فى هذا يقول القدِّيس جيروم[90] [بالرغم من أن الرسول يأمرنا أن نُصَلِّى بلا انقطاعٍ (1تس 5: 17)، وبالرغم من أن نوم القدِّيسين نفسه تضرُّع، إلا أنَّه يجب أن نُعَيِّن أوقاتاً مُحددّة للصلاة، حتى إذا ما انهمكنا فى عملٍ ما، فإن الوقت (ميعاد الصلاة) يُذَكِّرنا بواجبنا. يعرف كل واحدٍ أن الصلوات تُمارَس فى الساعات الثالثة والسادسة والتاسعة وفى الفجر وعند الغروب الخ.] إذن تؤمن الكنيسة بأن صلوات السواعى ضروريَّة، تسند الإنسان وتُعِينه لكى تكون له الصلاة الدائمة بغير انقطاعٍ.

إن كان الله أراد من شعبه فى العهد القديم أن تكون العبادة بترتيبٍ ونظامٍ، فإن دخولنا فى عهد الحريَّة لا يعنى أن نحيا بلا ترتيبٍ أو نظامٍ:

يقول القدِّيس إكليمنضس الرومانى (30 - 100م): [من الواضح أنَّه يليق بنا أن نعمل حسب الوضع الذى أوجدنا الله فيه، فقد أمر بذبائح وخدمات تُقَدَّم بغير إهمال، إنَّما فى أوقات مُعيَّنة بنظام وتحت شروط مُحدِّدة. لقد حدَّد بإرادته الإلهيَّة أين تُقَدَّم؟ ومن الذي يُقَدِّمها؟ حتى يتحقَّق كل شيء بطريقة مقدَّسة حسب إرادة الله[91].].

فى الفصل الخامس والعشرين من مقاله "عن الصلاة" يقول العلامة ترتليان (القرن الثانى): [بخصوص الزمن، حفظ ساعات مُعيَّنة ظاهرة لا تكون بغير فائدة، أقصد الساعات العامة التى تفصل اليوم (إلى أجزاء) الثالثة والسادسة والتاسعة، والتى وردت فى الكتاب المقدَّس، والتى لها قُدْسيتها.].

3 - هل استخدم التقليد اليهودى صلوات السواعى؟

صلوات السواعى بما تحمله من فكرة تقديس ساعات النهار والليل هى جزء من التقليد اليهودى. ففى مخطوطات وادى قمران التى اكتُشِفَت عام 1947م بجوار البحر الميت وُجدَ فى كتاب دليل النظام Manual of Discipline الذى يرجع إلى ما قبل مجيء السيِّد المسيح، أنَّه ينبغى الصلاة "عند أنبثاق النور، وعندما يبلغ أقصى درجاته، وعندما يعود النور فيغرب، وعند بدء الليل، وعند بلوغ قمَّته، وعندما يتقهقر الليل قبل الشروق".

يستند هذا التقليد إلى فكرٍ كتابىٍ، وذلك على نمط تحديد يوم مُخصَّص للعبادة أى السبت ليكون سرّ تقديس الأسبوع كله، وكحدٍ أدنى للتكريس. هكذا حدَّد اليهود ساعات تُقَّدَّس للرب عبر اليوم، تسند الإنسان روحياً بقيَّة الساعات. يعتبر داود النبى مثلاً حياً للصلاة الدائمة فيقول عن نفسه إنَه صلاة، كما يُرَدِّد: "تقدَّمتُ فرأيت الرب أمامى فى كل حين، لأنَّه عن يمينى لكى لا أتزعزع" (مز16: 8). وفى نفس الوقت قدّم لنا نفسه مثلاً حياً لممارسة صلوات السواعى، إذ يقول: "سبع مرَّات فى النهار سبَّحتك" (مز119: 164). كما أعلن أنَّه كان يصلِّى باكر وعشيَّة ووقت الظهر (مز55: 17). يتحدَّث عن صلاة باكر: "باكراً يارب تسمع صوتي، وعن الغروب:" ليكن رفع يدى كذبيحة مسائيَّة "(مز141)، وعن صلاة النوم:" لا أعطي لعينيَّ نوماً... إلى أن أجد موضعاً للرب "(مز132: 4 - 5)، وصلاة نصف الليل:" من منتصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك "(مز119: 62).

4 - هل نلتزم كمسيحيين بالتقليد اليهودى؟

لا يستطيع أحد أن ينكر أن المسيحيَّة نقلت الكثير عن التراث اليهودى، بعد أن خلعت عنه الحرفيَّة القاتلة، وأعطته مسحة إنجيليَّة حقَّة، ونقَّته من كل ما يضاد روح الكتاب المقدس. بهذا انطلقت به من الطفولة الروحيَّة إلى النضوج. وقد سبق لنا الحديث عن موقف السيِّد المسيح من التقليد اليهودى[92]. تبقى الكنيسة تُقَدِّس ساعات مُعَيَّنة كعلامة تقديس اليوم كله للربّ.

على أيّ الأحوال لم يحجم السيِّد المسيح عن العبادة اليهوديَّة، لكنَّه كان يمارسها مع الشعب اليهودى (لو4: 16؛ مت4: 22) ليدخل بهم إلى كمال العبادة المسيحيَّة. ولئلا يظن أحد أن بعد حلول الروح القدس على التلاميذ انفصلت الكنيسة عن التراث اليهودى والعبادة اليهوديَّة، يذكر لنا مُعلِّمنا لوقا البشير: "كانوا كل يوم يواظبون فى الهيكل بنفسٍ واحدة" (أع2: 46). وكأنَّهم أصرُّوا على الشركة معهم فى العبادة اليوميَّة بالترنُّم بالمزامير والطلبات والقراءات الكتابيَّة، لكنَّهم لا يقفون عند هذا الحد، بل يجتمعون فى الكنيسة – البيت – يُقَدِّمون سرّ الإفخارستيا (أع2: 47).

ما كان للتلاميذ أن يتركوا المجامع اليهوديَّة لو لم يُصرّ اليهود على طردهم، وفى نفس الوقت لم يقفوا فى عبادتهم عند المفاهيم الحرفيَّة اليهوديَّة القاتلة.

5 - لماذا لم تصدر وصيَّة صريحة فى العهد الجديد بصلوات السواعى؟

الكتاب المقدَّس ليس كتاباً تنظيمياً وإلاَّ لتحدَّث فى كيفيَّة سيامة الأسقف والقس والشمامس، وكيفيَّة اقامة سرّ الزواج. أمور كثيرة سُلِّمت شفاهاً (2يو12). ولو صدرت وصيَّة هكذا فإن أى مؤمن، لظرفٍ ما، لم يستطع ممارسة إحدى هذه الصلوات يشعر أنه كاسر وصيَّة إلهيَّة.

وبعد أن أورد العلامة ترتليان الأمثلة الواردة فى سفر الأعمال (2: 1، 5؛ 10: 9؛ 3: 1)، لاحظ عدم وجود وصايا صريحة تأمر بذلك، لكن هذه الصلوات صارت قواعد مستقرَّة فى حياة الكنيسة منذ بدء انطلاقها، فقال: [بالرغم من ملاحظتنا عدم وجود وصايا خاصة بهذه الممارسات لكنه يُحسَب أمراً صالحاً أن تستقر كقواعد محددة نلتزم بها وتُذَكِّرنا بالصلاة. وإذ تُعتبَر إلزاميَّة فى أوقات مُحدَّدة تسحبنا من أعمالنا لممارسة واجبٍ كهذا.] وفى نفس الفصل يؤكِّد ضرورة الصلاة باكر وعشية بجانب الصلوات السابقة، إذ يقول: [بالطبع بجانب الصلوات النظاميَّة الواجبة علينا، يلزم على الإنسان أن يُصَلِّى دون مُذَكِّر فى بدء النهار وبدء الليل.].

كما تحدَّث عن صلاة نصف الليل بطريقة غير مباشرة حينما تساءل عن موقف المرأة التى تتزوَّج غير مؤمن كيف تقوم من فراشها فى نصف الليل لتلقى بهذه اللآلئ أمامه.

6 - هل التزم المؤمنون بصلوات السواعى فى العصر الرسولى؟

جاء فى الديداكيَّة "تعليم الرب للأمم بواسطة الاثنى عشر تلميذاً: [لا تُصَلَّوا كالمرائين، بل كما أمر الرب فى إنجيله. صَلُّوا هكذا ثلاث مرات فى اليوم[93].].

هذه الوثيقة التى ترجع إلى ما بين عام 70 و150م تكشف لنا عن ممارسة المؤمن لثلاث صلوات يوميَّة فى عهد الرسل، وإن كانت لم تحدَّد مواعيدها، فذلك لأنَّها كانت أمراً مستقراً عليه، تسلَّمته الكنيسة عن التراث اليهودى وهى صلوات الساعات الثالثة والسادسة والتاسعة. ويرى[94] Jungmann أن هذه الصلوات قد أُخِذَت عن دانيال النبى (6: 10) الذى كان يذهب إلى بيته وكُواه مفتوحة فى عُلِّيَّته نحو أورشليم ويجثو على ركبتيه ثلاث مرات ويصلِّى.

لم تذكر الديداكيَّة شيئاً عن صلاة باكر والنوم، ذلك لأن المؤمنين كانوا يمارسونها معاً بطريقة جماعيَّة، فلا حاجة للشعب أن يوصى بها. يظهر ذلك ممَّا ورد فى الدسقوليَّة كوصيَّة للأسقف[95]: [عَلِّم الشعب وأمرهم أن يلازموا الكنيسة باكر وعشية كل يوم، لكى لا يتخلَّفوا عنها، بل يجتمعوا فيها كل حين، فلا تضعف الكنيسة بقيامهم خارجاً عنها.].

أشارت الديداكيَّة إلى الصلاة الربانيَّة، لأن المسيحيِّين كانوا يشتركون فى المجامع فى الترنُم بالمزامير والطلبات ولا يقدرون أن يشتركوا معهم فى الصلاة الربانيَّة.

كشف لنا سفر أعمال الرسل عن ممارسة الكنيسة الأولى لصلوات السواعى، لذا قيل عن الساعة الثالثة: "كان الجميع معاً بنفسٍ واحدة، لأنَّها الساعة الثالثة من النهار" (أع2: 1، 5). وعن الساعة السادسة: "صعد بطرس على السطح ليُصلِّى نحو الساعة السادسة" (أع10: 9). وعن الساعة التاسعة: "صعد بطرس ويوحنا معاً إلى الهيكل فى ساعة الصلاة التاسعة" (أع2: 1). وعن صلاة نصف الليل: "ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصلِّيان ويُسَبِّحان الله" (أع16: 25).

يقول القديس باسيليوس الكبير: [يلزم أن يُغطِّي وقت الصلاة الحياة كلها، ولكن حيث توجد ضرورة مُلزمة أن يتخللها ركوع (مطانيات) وترنم بتسابيح. فقد عُينت ساعات للصلوات بواسطة القدِّيسين يلزمنا أن نحفظها. يقول القوي داود: "فى نصف الليل أقوم أسبحك من أجل أحكام عدلك" (مز119: 62). كما نجد بولس وسيلا اتبعا مثاله، إذ سبحا الله فى السجن فى منتصف الليل (أع16: 25). ويقول نفس النبى أيضاً: "عشية وباكر وفى الظهيرة" (مز55: 18). علاوة على هذا فإن حلول الروح القدس تحقق فى الساعة الثالثة كما يخبرنا سفر الأعمال. عندما سخر الفريسيون بالتلاميذ بسبب التكلم بألسنة متنوعة، قال بطرس إنهم ليسوا بسكارى لأنه كانت الساعة الثالثة (أع2: 15). مرة أخرى تذكرنا الساعة التاسعة بآلام الرب التى حدثت لكى نحيا (مت27: 45؛ مر15: 33 - 34). ولكن حيث أن داود يقول: "سبع مرات في اليوم أُسَبِّحك على أحكام عدلك" (مز119: 164)، والأزمنة للصلاة التى أشير إليها لا تقيم السبعة أقسام لذا يلزم تقسيم صلاة نصف الليل. قسم قبل اختفاء القمر، والآخر بعد ذلك. بهذا يصير التسبيح السباعى اليومى لله نموذجاً لنا[96].].

7 - هل يمكن أن نُتَمِّم واجبات الصلاة وسط العمل؟

يقول القديس باسيليوس الكبير: [بالنسبة للصلاة والتسبيح كل الأوقات مناسبة... يمكننا وسط العمل أن نُتَمِّم واجبات الصلاة[97].].

8 - ما هى المناسبة التي وراء كل ساعة من ساعات الصلوات؟ [98]

أولاً: صلاة باكر. يقول القديس باسيليوس الكبير: [تُقدِم كل ساعة صلاة ذكرى خاصة ببركات الله علينا. يلزمنا أن نُصَلِّي فى الصباح الباكر لكى تكون بدء ميول النفس والعقل مكرسة لله، وأننا لن نلمس شيئاً ما لم نبتهج أولاً بالتأمل فى الله كما يقول الكتاب: "تذكرت الرب فابتهجت" (مز77: 3 LXX). ولن نبدأ أيّ عمل ما لم نتَمِّم ما هو مكتوب: "إليك أصلى يارب. بالغداة تسمع صوتى. فى الصباح المبكر أوجه صلاتى إليك وأنتظر" (مز5: 2 - 3).

ثانياً: صلاة الساعة الثالثة: يقول القديس باسيليوس الكبير: [مرة أخرى فى صلاة الساعة الثالثة حيث نمارسها والإخوة مجتمعون، بالرغم من أنهم تفرَّقوا إلى أعمالهم المختلفة. إذ نذكر عطية الروح القدس التى قُدِّمَت للرسل فى وقت الساعة الثالثة، يلزمنا أن نتعبَّد معاً فى اتفاقٍ واحدٍ، لكى نتأهَّل نحن أيضاً أن نَقْبَل تقديسه. يلزمنا أيضاً أن نسأل قيادته وتعليمه حسب احتياجاتنا كما يقول المرتل: "قلباً نقياً اخلق فىّ يا الله وروحاً مستقيماً جدده فى داخلى لا تطرحنى من حضرتك وروحك القدوس لا تنزعه منى. امنحنى راحة عونك أسندنى بروحك المحرر" (مز51: 10 - 13). دع روحك المحب يقودنى فى أرض الأبرار (مز143: 10). عندئذ نعود إلى أعمالنا. ومع ذلك يكون بعض الإخوة غائبين بسبب العمل، أو لبُعد مسافة السكن، ومع ذلك يلزمنا أن نُتَمِّم التزامات الجماعة بدون تردُّدٍ. "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى فهناك أكون فى وسطهم" (مت18: 20).].

ثالثاً: صلاة الساعة السادسة. يقول القديس باسيليوس الكبير: [في الساعة السادسة أيضاً نقرر ضرورة الصلاة مقتدين بمثال القديسين، كما هو مكتوب: "فى المساء وفى الصباح وفى الظهيرة أخبرك... ولكى نتخلَّص من الضجر ومن شيطان الظهيرة (راجع مز55: 17؛ مز90 LXX).].

رابعاً: صلاة الساعة التاسعة. يقول القديس باسيليوس الكبير: [أيضاً الساعة التاسعة ساعة مناسبة للصلاة كما نتعلَّم من الرسل فى سفر الأعمال، حيث يُقَال إن بطرس ويوحنا صعدا إلى الهيكل فى ساعة الصلاة وكان وقت الساعة التاسعة (أع3: 1).].

خامساً: صلاة الغروب. يقول القديس باسيليوس الكبير: [علاوة على هذا إذ ينتهى اليوم، يلزم تقديم شكر من أجل البركات التى نلناها والأعمال الصالحة التى تمَّت خلال اليوم. وأيضاً اعتراف عن الخطايا. وسواء كان الخطأ بإرادة أو بغير إرادة، خفية ومنسية سواء بكلمة أو بفعل أو بأفكار القلب، يلزمنا أن نجعل الله يهدأ من ناحيتنا بصلواتنا. فإن فحص أفعالنا الماضية الشريرة تعين جداً فى منعنا من السقوط مرة أخرى فى ذات الأخطاء. وذلك قيل "ما تقولوه فى قلوبكم اندموا عليه فى مضاجعكم" (مز4: 4LXX).].

سادساً: صلاة نصف الليل. يقول القديس باسيليوس الكبير: [يلزم أن يغطي وقت الصلاة الحياة كلها، ولكن حيث توجد ضرورة مُلزمة أن يتخللها ركوع (مطانيات) وترنم بتسابيح، فقد عُيِّنَت ساعات للصلوات بواسطة القديسين يلزمنا أن نحفظها. يقول القوى داود: "فى نصف الليل أقوم أسبحك من أجل أحكام عدلك" (مز119: 62). كما نجد بولس وسيلا اتبعا مثاله، إذ سبَّحا الله فى السجن فى منتصف الليل (أع16: 25).].

ويقول القديس جيروم: [نقرأ أيضاً فى الإنجيل كيف كان الربّ يقضى الليالى كلها فى الصلاة وكيف أن الرسل حينما سُجنوا كانوا يمضون الليل كله فى ترنيم المزامير، حتى تزلزلت الأرض وآمن حارس السجن وامتللأ الحراس والمساجين بفزعٍ كبيرٍ. ويقول بولس "واظبوا على الصلاة منتبهين". ويتحدَّث عن نفسه فى موضعٍ آخر أنه كان "يواظب منتبهاً دائماً". قد ينام السهران إذا أراد، وقد يكف عن نومه. يعبر مهلك مصر والمصريين لكن فليقل (الساهر) مع داود: "هوذا لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل" هكذا يأتى إلينا القدوس والحافظ، وإن هو نام بسبب خطايانا، فلنقل له "استيقظ، لماذا تنام يا رب؟" وإذا سفينتنا تلاطمها الأمواج فلنوقظه، ونقول: "يا سيد، أنقذنا إننا نهلك" [99].].

9 - ما هى خبرة آباء الكنيسة فى الصلاة بالمزامير (صلوات السواعى "الأجبية")؟

أولاً: الأب هيبوليتس الرومانى (القرن الثانى)

يقول: [إن كنت داخل المنزل فصَلِّ وقت الساعة الثالثة وسَبِّح الله، وإن كنت فى أيّ موضع وجاء وقت هذه الساعة صلِّ فى قلبك لله[100].] ولنا على هذا النص ملحوظتان:

صلوات الساعات ليست عملاً مظهرياً، إنَّما يمكن للإنسان أن يُصَلِّيها فى بيته أو فى قلبه أثناء العمل دون أن يشعر به أحد.

قوله "سَبِّح الله" يشير إلى فهم الصلاة كعمل تسبيحى خاصة بالمزامير والتسابيح الكنسيَّة، إنه عمل مُفرِح للقلب وليس فرضاً نُمارِسه بدون روح الفرح.

تحدَّث أيضاً الأب هيبوليتس الرومانى عن الأفكار التى ينشغل بها المرء أثناء صلوات السواعى، فيرى أنَّه فى وقت الساعة الثالثة ينشغل بآلام المسيح الخلاصيَّة حيث بدأ دور الصليب عملياً، كما أشار إلى خبز الوجوه الذى كان يقدَّم فى وقت الساعة الثالثة وتقديم الحمل فى ذلك الوقت[101].] وفى وقت الساعة السادسة عُلِّق السيِّد على الخشبة، وانشقَّ نور النهار وصارت ظلمة (مت27: 45)، هكذا نصلِّى بروح النصرة والغلبة على قوَّات الظلمة[102]. وفى الساعة التاسعة طُعِن السيِّد فى جنبه فأفاض دم وماء (يو16: 34)، وتبدَّدت الظلمة، وصار نور حتى المساء. وكأنَّه جاءنا بفجر يومٍ جديدٍ، إذ بنومه على الصليب دخل بنا إلى قيامته[103]. أما عن صلاة نصف الليل فيقول: [قم اغسل يديك بماء وصلِّ. إن كان لك زوجة فصلِّيا معاً[104].] كما قدَّم لها تفسيرين:

التفسير الطبيعى[105]: فى هذا الوقت إذ تكون الخليقة ساكنة تقف الكواكب والنباتات والمياه لتُسَبحِّ الله. وفى هذا الوقت يكون السمائيُّون ساهرين يُسَبِّحون الله. هكذا يستيقظ المسيحى ليُسَبِّح الله مع الخليقة الأرضيَّة والسمائيِّة ومع الراقدين أيضاً.

التفسير الأخروى[106]: فى نصف الليل تسمع العذارى الحكيمات صوتاً: هوذا العريس قادم (مت25: 10). فيُقَدِّم المؤمن صلاة الحب مشتاقاً إلى العريس الأبدى.

ثانياً: الشهيد كبريانوس (القرن الثانى)

قدَّم لنا صورة حيَّة لما ينبغى على المؤمن أن ينشغل به أثناء الصلاة[107]. ففى وقت الساعة الثالثة يتذكَّر حلول الروح القدس (أع2: 15)، وفى الساعة السادسة يرفع قلبه نحو السماء مع بطرس الرسول الذى صعد على السطح ليصلى فتعلم من الرؤيا أن الله محب للبشر جميعاً، ليس بينهم من هو نجس أو دنس (أع10: 9). وفى الساعة التاسعة يتذكَّر كيف غسل الرب خطايانا بدمه على الصليب، وإعلان كمال نصرته بآلامه. وفى الغروب نذكر شوقنا إلى وجود المسيح – شمسنا – فى داخلنا وعدم غروبه عنا. وفى صلاة باكر نتذكَّر قوة قيامته.

ثالثاً: أثناسيوس الرسولى (القرن الرابع):

فى المقال De Virginitate المنسوب للقدِّيس أثناسيوس الرسولى، يُعطي الكاتب تعليلاً للالتزام بهذه الصلوات. نُصلِّى وقت الساعة الثالثة لأنه فى هذه الساعة جاءوا بالخشبة ليحملها، وفى السادسة رُفع على الصليب من أجلنا، وفى التاسعة سَلَّم الروح.

كما قدَّم تعليلاً لصلاة النوم، حيث نذكر أن الرب نزل إلى عالم الراقدين فنسبِّح معهم مُبتهِجين بخلاصه. وفى نصف الليل نذكر قيامته من الأموات[108].

رابعاً: القدِّيس باسيليوس الكبير

أكَّد أهميَّة هذه الصلوات لنموِّنا الروحى قائلاً: [ينبغى على الذين اختاروا أن يعيشوا حياتهم ساهرين لمجد الله ومسيحه ألاَّ يسقطوا أو يُهمِلوا إحدى هذه الصلوات[109].] وتعرَّض لأهميَّتها هكذا:

صلاة باكر (أو الفجر): باكر هو بدء نشاط النفس والعقل، فنُصلِّى حتى يكون كل ما فى داخلنا مُكرَّساً للرب. يقول المُرتّل: "باكراً تسمع صوتى، بالغداة أقف أمامك وترانى" (مز5: 3).

الساعة الثالثة: نذكر عطيَّة الروح القدس للكنيسة، فنسأله أن يعمل فى حياتنا: "قلباً نقياً اخلق فيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدّده فى أحشائى" (مز50LXX).

الساعة السادسة: إذ يحارب الإنسان شيطان الظهيرة (حيث الخمول والضجر) نُصلِّى كى ننجو منه (مز 90).

الساعة التاسعة: هذه الصلاة هى تسليم رسولى، حيث صعد الرسولان بطرس ويوحنا إلى الهيكل ليُصلِّيا فى وقت الساعة التاسعة (أع3: 1).

الغروب: نشكر الله من أجل عطاياه وما صنعه فينا من صلاح طوال النهار مع اعترافنا بعجزنا.

النوم (بدء الليل): نُصلِّى لكى تكون لنا راحة بغير انزعاج أو خيالات.

نصف الليل: تسلَّمناها كضرورة بواسطة القدِّيسين بولس وسيلا وهما فى السجن (أع16: 5). يقول المرتّل: "فى نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك" (مز119: 62).

يضيف القدِّيس باسيليوس صلاة "ما قبل الفجر" إذ يقول المرتل: "سبقت عيناى وقت السحر لأتلو فى أقوالك" (مز119: 62).

يرى القديس باسيليوس الكبير وغيره من آباء الكنيسة دور المزامير فى حياتنا الروحية التى تعمل فينا هكذا:

أولاً: تقدم المزامير عذوبة فى طريق الفضيلة الوعر، إذ يقول القديس باسيليوس الكبير: [يرى الروح القدس بوضوحٍ وعورة الطريق إلى ممارسة الفضيلة. يرى كيف يميل الجنس البشرى المزامير هى غناء منظوم فيها الحق، لصغار السن وصغار النفوس، وإن كان الإنسان ينسى سريعاً كلمات الوعظ والنبوة، إلا أنه لا ينسى المزامير التى يُرَدِّدها كثيراً، فى البيت، وفى الخارج. وترتيل المزامير يطرد الغضب الذى يجعل من الإنسان حيواناً مفترساً، ويسرق منه سلامه، ويملأه ثورة. التسبيح بمزمورٍ يجلب هدوءً للروح، فنستقر فى سلام، كما يهدئ عواصف أفكارنا العنيفة. فهو يسيطر على الشهوة، ويطفئ النار التى فى صدورنا قبل أن تلتهب. أتريدون أن ترتبطوا بصداقةٍ وتصالحوا المتخاصمين ويغفر الأعداء لبعضهم البعض؟ رنموا مزموراً (مز96: 1). كيف يمكن لأحد أن يحتضن عداوة لآخر يلتصق به وهو يُسَبِّح الله بصوت واحدٍ؟ الحب هو أعظم صلاحٍ من الكل، والتسبيح بالمزامير يجلب الحب، لأنه يُقَدِّم نوعاً من رباط الوحدة، إذ يجمع الشعب معاً فى خورُسٍ واحدٍ متناغمٍ... إنه نقطة البداية للمبتدئين، وعون للذين هم بالفعل فى الطريق، ومصدر القوة للبالغين. إن كان التسبيح بمزمورٍ يجلب حزناً، فهو حزن إلهى، لأن المزمور يقدر أن يهب دموعاً للقلب الحجرى!].

ثانياً: تهب المزامير النفس سلاماً داخلياً، إذ يقول القديس باسيليوس الكبير: [المزامير تهب النفس الطمأنينة وتعطيها السلام وتهدئ فيها بلبلة الأفكار وتراكم الشهوات. هذا الكتاب هو كتاب المحبة... هو سلاح ضد الشيطان... هو سبب راحة بعد تعب النهار... هو تعزية الشيوخ هو باعث أفراحنا وأحزاننا المقدسة... هو نشيد رائع، هو صوت الكنيسة، هو بخور زكى الرائحة[110].].

ثالثاً: تقدم المزامير لكل شخصٍ ما يناسبه من دواءٍ للنفس. يقول القديس باسيليوس الكبير: [ "كل الكتاب موحى به من الله، ونافع" (2تى3: 16). كُتِب بواسطة الروح القدس، لكى تجد نفوسنا كل نوعٍ من الدواء لشفائها، مهما كان عددنا، ومنه تختار الدواء المناسب لحالتها. لأن العلاج يسكن خطايا عظيمة (جا10: 4). يُقَدِّم الأنبياء نوعاً واحداً من التعليم، وتقدم الكتب التاريخية نوعاً آخر، والناموس آخر، ويوجد نوع آخر فى حكمة الأمثال، أما سفر المزامير ففيه خلاصة كل الفوائد التى جاءت فيها جميعاً. فهو يتنبأ عن المستقبل، ويشير للتاريخ، ويُحَدِّد قوانين لتجديد الحياة، ويوصى بما ينبغى عمله. باختصار هذا السفر هو نوع من الدليل للتعاليم الصالحة فى كل شيءٍ والنافعة لكل أحدٍ. يضمد الجرح الحديث، فيشعر المريض بالتحسُن، وهو يعطى شفاءً للمريض، ويحفظ القائمين. وخلاصة الأمر يرفع حرب الشهوات التى تُدَنِّس النفس بطرق كثيرة، ويجذبها بالفرح والتسبيح، لتنمو فى الحكمة.].

كما يقول: [المزامير تطرد الشياطين، وتجلب لنا معونة الملائكة. هى سلاح فى فزع الليل، راحة من عناء اليوم. هى الأمان للأطفال، وزينة للكبار، عزاء الشيوخ، وزينة النساء. هى حكمة الساكنين فى البرارى، مُعَلِّمة التجار، نمو النامين، سند الكاملين.

إنها صوت الكنيسة، فهى تضفى الفرح على الأعياد، وتبكت الضمير. المزمور يجعل النفوس الحجرية تبكي، والمزمور هو عمل الملائكة، وهو حياة السمائيين، وهو البخور الروحانى.

جاءت بترتيب حكمة إلهية، ليجعلنا نرتل وتُعَلِّمنا كل ما هو مفيد. تستقر المزامير فى الفهم، فما تتعلمه بالتغصب سرعان ما يتلاشى، بينما تستقر فى داخلك جاذبية التلذذ بالمزامير.

لماذا لا تحفظ المزامير؟ فتجد فيها الشجاعة والعدل وكمال الحكمة، والطريق إلى التوبة، وكمال الصبر. فيها كل ما هو مفيد، فيها كمال علم اللاهوت، ونبوات عن مجئ المسيح فى الجسد، ورجاء القيامة، والخوف من العقوبة، والوعد بالمجد، والكشف عن الأسرار، نجد كل هذا المخزون فى المزامير، كما فى مخزنٍ يفتح أبوابه أمام الجميع.].

رابعاً: المزامير هى إحدى السهام التى تُطعَن بها الشياطين وتقتلهم. يقول القدِّيس ماراسحق السريانى: [خدمة المزامير، والصلاة الربانية لأبينا السماوى، وصلاة التلاوة التى يرتجلها الإنسان ويطلب بها الرحمة والعون والخلاص، هذه الثلاثة مثل ثلاثة سهام بها تطعن الشياطين وتقتلهم[111].].

خامساً: تسند المؤمن فى عدم تشتيت الفكر. بقول القديس أوغريس: [عظيم هو أن تصلى بدون تشتيت الفكر، وأعظم أن تُسَبِّح بالمزامير بلا تشتيت].

10 - ما هو دور المزامير فى حياة الرهبان؟

حدَّثنا القدِّيس يوحنا كاسيان عن دور "صلوات السواعى" بما فيها من مزامير وتسبيح على الحركة الرهبانيَّة فى مصر. فقد كانت المائدة الشهيَّة التى يجتمع حولها الرهبان معاً فى نظام الشركة، ويمارسها المتوحِّد فى مغارته فى شركة تسبيح وشكر مع الملائكة.

جاء فى عمله "المؤسسات (الدساتير) لنظام الشركة De institutis Caenobrum الذى وَجَّهه القديس كاسيان إلى الأسقف كاستور (419 - 426)، الجزء الأول، الكتاب الثانى حديث عن صلوات السواعى (الأجبية) والسهر، جاء فيها:

[إذ يتمنطق جندى المسيح بهذه المنطقة المزدوجة... يليق به أن يتعلَّم صلوات السواعى ونظام المزامير الذى رتَّبه الآباء القديسون فى الشرق. أما عن سماتها وطريقة الصلاة، فكما يُوَجِّهنا الرسول: "صلوا بلا انقطاع" (1تس5: 17)، سنُعالِجها كما يعطينا الرب فى المكان المناسب، عندما نبتدئ نسرد المناظرات مع شيوخ إسقيط مصر[112].].

[أعتقد أنه من الأفضل أن أتبع أَقْدَم نظام للآباء هذا الذى لا يزال يحتفظ به خدام الله فى مصر كلها، حتى يتعلَّم ديركم الجديد، الذى لا زال فى طفولته فى المسيح والذى بلا خبرة، أَقْدَم الأنظمة للآباء الأوائل[113].].

فى الفصل الرابع يوضح عادة تحديد المزامير باثنى عشر مزموراً فى صلوات الغروب والخدمة الليلية، وختم الصلاة بفصل من العهد القديم وآخر من العهد الجديد. وأن هذا النظام قديم جداً، ظل معمولاً به دون أن يُكسَر، ويُقَّال إنه نزل إلى الآباء من السماء بخدمة ملاك.

وفى الفصل الخامس أوضح كاسيان أن كنيسة الإسكندرية ابتدأت بالإنجيلى الطوباوى مرقس كأسقف، وأن جماهير المؤمنين كانوا يبيعون كل شئ ويقدمونه للكنيسة، وينسحبون إلى خارج المدن ليُمارِسوا حياة الوحدة فى زهدٍ وتقوى. وقد نظَّموا العبادة تَجَنُّباً للشقاق. وإذ اختلفوا فى عدد المزامير التى تصُلَّى، حدث إذ اجتمعوا لممارسة صلاة الغروب أن قام واحد فى الوسط (ملاك) وابتدأ يُسَبِّح بالمزامير وهم جلوس ينصتون إلى المرتل الذى يتلو اثنى عشر مزموراً، ثم أنهى الأخير بالليلويا، ثم اختفى فجأة، بهذا وضع حداً للمناقشة فى هذا الأمر. هكذا يرى القديس يوحنا كاسيان أن الصلاة بالمزامير وتحديد عددهم 12 مزموراً يرجع إلى القرن الأول الميلادى.

فى الفصل السابع تحدث عن ممارسة المطانيات أثناء المزامير. يقول بأن المصرى لا يتسرَّع بالسجود قبل نهاية المزمور كما يحدث فى أديرة جنوب فرنسا كمن يريد أن ينهى صلاته سريعاً[114]. إذ يحني المصرى ركبتيه يمضي بعض الوقت فى الصلاة، لكنه سرعان ما يقدم منتصباً ويبسط يديه حتى لا تتشتَّت أفكاره بالسجود لفترة طويلة[115]. لا يجرؤ أحد أن يحني ركبتيه قبل أن ينحنى الرئيس، ولا يتمادى أحد فى سجوده بعد أن يقوم الرئيس، وإلا يكون قد فصل نفسه عن الجماعة.

فى الفصل الثامن أوضح توزيع المزامير حيث يُرَنّم المزمور الشخص الذى يقف فى المنتصف. ولا تُقَال المجدلة "المجد للآب والابن والروح القدس" إلا فى نهاية التسبحة. وأوضح أن المزامير لم تكن تُتلّى بل تُرَنَّم كتسبحة أو أغنية للرب.

فى الفصل التاسع أوضح أن المصريين لا يهتمون بإنهاء المزامير التى يٌسَبِّحونها بتلاوتها مرة واحدة دون توقُف، لكنهم يٌقَسِّمونها إلى قسمين أو ثلاثة حسب عدد الآيات... انهم لا يهتمون بالعدد بل بانتباه الذهن والفهم، حاسبين أنه من الأفضل أن يُصَلِّى الشخص عشرة أبيات بتسبيح مفهوم وفكر يقظ عن أن يتلو المزمور كله بفكر طائش. هذا غالباً ما يحدث حينما يهتم المرتل بالأعداد، ولا يضع فى حسبانه توضيح الألفاظ والمعانى، انه كمن يُسرِع لينهي الخدمة.

بسبب عدم الدراية يطيل الراهب المبتدئ فى التسبيح أكثر من المعتاد، بينما يهتم المُتقدِّم صاحب الخبرة ألا يسبب مللاً للحاضرين أثناء التسبيح بسبب التطويل.

وفى الفصل العاشر يوضح كيف يمتاز المصريون فى صلواتهم بالسكون، فمع كثرة عدد الحاضرين يترنَّم واحد بمزمور ولا تسمع صوتاً كأنه لا يوجد أحد غير المرتل وحده الذى يقف فى المنتصف. ليس من يبصق ولا من يتثاءب أو يفتح فاه ولا من يتنهَّد... حتى لا يُشتِّت فكر غيره.

كما تتَّسِم الصلوات بأنها مختصرة حتى لا يتخللها تشويش يقطع الصلاة فجأة فى أوج حرارتها حتى لا يخطف الشيطان الفكر ويطيش به بعيداً ولكى لا تفتر الصلاة أو تبرد.

[يعتقد (الآباء) أنه من الأفضل أن تكون الصلوات قصيرة وتُقَدَّم بطريقة متكررة على الدوام، حتى من جانب نستطيع أن نلتصق بالله باستمرار، ومن الجانب الآخر باختصارها نتجنَّب السهام التى يريد العدو أن يجرحنا بها خاصة أثناء ممارسة صلواتنا.] جاء فى الرسالة 130: 20 للقديس أغسطينوس: [جاء عن الإخوة فى مصر أنه يمارسون صلوات متنوعة جداً وقصيرة للغاية. إنها تنطلق فجأة وبسرعة لا يتشتت الذهن اليقظ والمتنبه، والذى يُعتبَر أثمن ما فى الصلاة.].

وفى الفصل الحادي عشر ذكر أن المصريين لم يكونوا يهتمون بكمية الآيات التى تُرنَّم فى الصلاة بل بضبط الفكر هادفين نحو: "أُرَنّم بالروح، وأُرَنّم بالفهم" (1كو14: 15)، كما أَكَّد اهتمام المرتل أن يكون النطق واضحاً ومفهوماً.

11 - هل يمارس الرهبان السواح صلوات السواعى؟

يروي لنا التاريخ أنَّه حتى السواح – أعلى درجات الرهبنة – إذا ما التقوا معاً ليس لهم ما يتحدَّثون فيه سوى أن يترنَّموا ويسبِّحوا الله بالمزامير والتسابيح الكنسيَّة.


[89] Excerpts From the Letter to Marcellinus. (Saint Paul Brotherhood Press: Praying with Church Fathers, 2nd edition, 2017, p. 12 etc.).

[90] Epist: 22 to Eustochium, 37 (cf. Epistles 9: 107; 20: 108; 15: 130).

[91] Epistle 40: 1.

[92] - للمؤلف: التقليد والأرثوذكسيَّة، 1979م.

[93] - المؤلِّف: الديداكيَّة وقانون الإيمان الرسولى 1979م، ص21 (الديداكية 8: 2 - 3).

[94] Josef Jungmann: The Early Liturgy, translated by Francis Brunner, University of Notre Dame Press, 1959, p. 99.

[95] Didascalia Apostolorum: Chapter 50: 10.

[96] An Ascetical Discourue, (Frs. Of the Church, volume 9, p. 212 - 213).

[97] Reg. Fus. 2: 37.

[98] - راجع الأب الياس كويتر المخلصي: القديس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البوليسية، بيروت، 1989، ص 292. عظة على المزامير.

[99] Letters, 3: 109.

[100] Cf. Gregory Dix: The Treatise on the Apostolic Tradition, London, 1937, 2: 62.

[101] Ibid 3: 62.

[102] Ibid 4: 62.

[103] Ibid 5: 63.

[104] Ibid 8: 65.

[105] Ibid 12: 67.

[106] Ibid 13: 67.

[107] De Orat. Dominica.

[108] Enchiridion Ascet 221.

[109] - نسكيات 38.

[110] - راجع الأب الياس كويتر المخلصى: القديس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989، ص292. عظة على المزامير.

[111] - جزء 1، ميمر 5.

[112] - فصل 1.

[113] - فصل 2.

[114] - فصل 7.

[115] - فصل 7.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

لا توجد نتائج

No items found

4- الصلاة النموذجية "أبانا الذى فى السماوات" (مت9:6-15؛ لو 2:11-4) - كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء - القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

2- حياة الصلاة - كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء - القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات