2- حياة الصلاة – كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

2 - حياة الصلاة

1 - ما هى الصلاة؟

يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [الصلاة حديث مع الله.].

ويقول القديس يوحنا كليماكوس: [الصلاة فى جوهرها هى عشرة الإنسان مع الله والاتحاد معه، أما فعلها فهى دعم الكون ومصالحة مع الله.] [الصلاة غذاء للنفس واستنارة للعقل... وفأس يقطع اليأس... وعلامة الرجاء وتلاشى للغم.] [الصلاة عمل الملائكة... وقت جميع غير المتجسدين... والفرح المنتظر.] [لتكن طلبتك بسيطة كل البساطة، خالية من التكلف والتزويق، لأن العشار والابن الشاطر صالحا الله بكلمة واحدة.] [نستدل على منفعة الصلاة من اتفاق الشياطين على إثارة العوائق لنا فى أوقات الصلاة النظامية.].

ويقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [الصلاة ليست شيئاً نستحدثه أو نخلقه خلقاً، وإنَّما يمكن وفى جميع لحظات الحياة ومواقفها، فتصبح الحياة صلاة واحدة بلا انقطاع ولا اضطراب[27].].

جاء فى الرسالة إلى ديوجنيتس: [يسير المسيحيون على الأرض بينما أحاديثهم فى السماء.].

2 - كيف نتمتَّع بحرية الحوار مع الله؟

يقول القديس مار إسحق السريانى: [اجلس فى حضرة الله فى كل لحظة من لحظات حياتك، وفكر فيه واذكره فى قلبك. إن لم تفعل ذلك، فبعد فترة من الزمن، عندما تراه، لن تتحاور معه بحرية بسبب الخجل. إن حرية الحوار مع الله تتولَّد من الشركة الدائمة معه.].

3 - كيف نُقَدِّم صلاة مقبولة لدى الله؟

غاية الصلاة أن تبقى العلاقة بين الله والإنسان حيَّة وفعاَّلة. لذا يجب مراعاة الآتى فى صلواتنا:

أ. الثقة فى الله الكلي الحب للبشرية والقدرة والحكمة والمعرفة (كو2: 2؛ جا 8: 17).

ب. طلب إرادة الله فى كل أمرٍ بكونه ضابط الكل "لتكن إرادتك" (مت6: 10).

ج. تقديم الصلاة بقلب نقى طاهر.

د. يليق أن نبدأ كل صلاة بالشكر على ما وهبه الله لنا، فإنه ليست عطية بلا زيادة إلاَّ التى بلا شكر كقول القديس مار إسحق السريانى.

ﮪ. الثقة فى العبارة: "إن لم يبن الربّ البيت فباطلاً يتعب البناؤون، وإن لم يحرس الربّ المدينة، فباطلاً يتعب الحراس" (مز127: 1).

و. إدراك أن عناية الله تعمل فى تفاعل مع جهاد الإنسان. فالربّ أنقذ موسى الطفل، وكافأ الله القابلتين على تجاهلهما قرار فرعون الشرير (خر1: 20).

يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [للصلاة شروط كى تُستجاب، منها أن يكون طلبنا وفقاً لإرادة الله (مت 26: 39)، وأن نلتزم بالثبات واللجاجة (لو11: 8)، وأن ندرك أن إرادة الله أن نصلح سيرتنا قبل الاستجابة (إش1: 15)، وعدم استحقاقنا لما نطلب (1أى17: 4)، أو عدم استحقاق من نطلب من أجله (إر 14: 11)، وأحياناً عدم الاستجابة تكون أفضل لنا من الاستجابة (2كو7: 12)... أما إذا تحقَّقت كل الشروط فلا شك أن الله يستجيب صلاتنا[28].].

يقول أحد آباء البرية: [إن أراد إنسان أن يسمع الله صلاته بسرعة، فقبل أن يصلى من أجل أى شئ آخر، حتى من أجل نفسه عندما يقف ويبسط يديه نحو الله، يلزمه أن يصلى بكل قلبه من أجل أعدائه. بهذا العمل يسمع الله له فى كل ما يطلبه.] [ليس من حاجة إلى أحاديث طويلة نهائياً، إنما يكفى أن يبسط الإنسان يديه ويقول: "يارب كما تريد، وكما تعرف ارحمنى". وإذ صارت المقاومة أعنف يقول: "يا رب المعونة!" فهو يعرف ما نحتاج إليه ويظهر رحمته لنا.].

يقول الأب إسحق: [تُستجَاب صلاة الإنسان عندما يؤمن أن الله مهتم به وقادر أن يعطيه سؤاله، إذ لا يخيب قول الرب: "كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم" (مر11: 24) [29].].

ويقول القديس يوحنا كاسيان: [قد تأكد تماماً أن صلاته لن تُستجاب! من هو هذا البائس؟ الذى يصلى ولا يؤمن أنه سيحصل على جواب[30]!].

4 - ما هو موقفك حين يستجيب الله صلاتك لأجل أخيك؟

يقول القديس يوحنا كليماكوس: [متى صليت لآخر، وسُمِعت صلاتك فلا تتكبر، فان إيمان ذاك هوالذى فعل وأَيَّد.].

5 - لماذا يسمح الله أحياناً بتأجيل استجابة الصلاة أو عدم الاستجابة لطلباتنا؟

يقول القدّيس باسيليوس الكبير: [ربَّما يؤخِّر الطلبة عن عمدٍ لكى تتضاعف غيرتك ومجيئك إليه، ولكى تعرف ما هى عطيَّة الله، وتحرص عليها بشغفٍ عندما تنالها. ما يناله الإنسان بتعبٍ شديدٍ يجاهد على حفظه لئلاَّ بفقده يفقد تعبه أيضاً[31].].

ويقول القدّيس أغسطينوس: [إن كان الذى لا يرغب فى العطاء (قاضي الظلم لو18: 2)، قد أعطى بسبب اللجاجة، فكم بالأكثر يعطي ذاك الصالح وحده الذى يحثّنا على الطلب منه، والذى لا يُسَرّ عندما لا نطلب منه؟! قد يبطئ الله فى العطاء لكى نُقَدِّر قيمة الأشياء الصالحة، وليس لعدم رغبته فى العطاء. ما نشتاق إلى نواله بجهادٍ نفرح جداً بنواله، أمّا ما نناله سريعاً فنحسبه شيئاً زهيداً[32].] كما يقول: [حقاً تكون لنا طلبات لأمورٍ مُعَيَّنة عندما نكون فى المسيح، وتكون لنا طلبات أخرى لأننا لا نزال فى هذا العالم... لذلك إذ نثبت فيه، عندما تثبت كلمته فينا، نطلب ما نريد فيكون لنا. لكن إن كنا نسأل ولم يتحقق سؤالنا، فإن ما نسأله لا يتعلق بثبوتنا فيه، بل برغبات الجسد الملحة وضعفاته، التى ليست فى المسيح، والتى لا تثبت كلمات المسيح فيها. فبخصوص كلماته، فى كل الأحوال، هى تنتمى إلى تلك الصلاة التى علمنا إياها حيث نقول: "أبانا الذى فى السماوات" (مت6: 9). ليتنا لا نسقط من كلمات هذه الصلاة ومعانيها فى طلباتنا، فكل ما نسأله يكون لنا... أما إن كانت كلماته تسكن فقط فى الذاكرة، وليس لها موضع فى الحياة، فلا يُحسَب الغصن ثابتاً فى الكرمة، إذ لا يستمد حياته من الأصل[33].].

ويقول الأب إسحق تلميذ القديس أنبا أنطونيوس: [أحياناً نسأل أموراً تضاد خلاصنا، وبواسطة عنايته الإلهية يرفض طلباتنا، لأنه يرى ما هو لصالحنا بحق أعظم مما نستطيع نحن. وهذا ما حدث مع معلم الأمم عندما صلَّى أن ينزع منه ملاك الشيطان الذى سمح به الرب لأجل نفعه. "من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقنى، فقال لى: تكفيك نعمتى لأن قوتى فى الضعف تُكْمَل" (2كو12: 8 - 9) [34].].

يقول البابا غريغوريوس (الكبير): [لماذا سأل بولس الرب ثلاث مرات ولم يتأهَّل أن يُسمَع له (2كو12: 8)؟ يطلب المسيح من المبشر العظيم أن يسأل باسم الابن؟

لماذا لم ينل ما سأله؟ اسم الابن هو يسوع الذى يعنى "الخلاص". من يسأل باسم المُخَلِّص يطلب ما يخص خلاصه الواقعى. فإن كان ما يسأله ليس لصالحه فإنه لا يطلب من الآب باسم يسوع. لهذا يقول الرب لرسله عندما كانوا لا يزالوا ضعفاء: "إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمى" (يو16: 24). هذا هو السبب الذى لأجله لم يُسمَع لبولس. لو أنه تحرَّر من التجربة لما كان يوجد ما يعينه على خلاصه... لاحظوا طلباتكم. هل تسألون من أجل مباهج الخلاص؟ "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه، وهذه كلها تزاد لكم" (مت6: 33) [35].].

6 - ما هى فاعلية الصلاة؟

أولاً: تُلهب النفس بحب الله. يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [الصلاة أيضاً بعد القراءة تنعش النفس وتثيرها بهمَّةٍ نحو حب الله. الصلاة صالحة، إذ تطبع فكرة واضحة عن الله فى النفس، وبتذكرُّ سكنى الله يقيم الله فيها. بهذا نصير هيكل الله بتذكُّرنا الدائم الذى لا تفسده الاهتمامات الأرضيَّة[36].].

يقول العلامة ترتليان: [الصلاة وحدها هى التى تغلب الله. لكن أكد السيِّد المسيح أنها لا تعمل لحساب الشر، وقد أعطاها كل فاعليتها عندما تُستخدَم للخير. فهى لا تعرف إلاَّ أن تُحَوِّل الضعفاء إلى أقوياء، وتشفى المرضى، وتحل المُقيَّدين بالأرواح الشريرة، وتفتح قضبان السجون، وتفك قيود الأبرار. كما أنها تَغسل العيوب وتُثبط التجارب، وتُطفئ نيران الاضطهاد، وتُعزى النفوس الخائرة وتُشجِّع المطروحين، وتُرشِد المسافرين، تُهدئ الأمواج، وتُرهب اللصوص، وتُنعِش المساكين، وتَضبط الأغنياء. الصلاة تُقيم الهابطين، وتُخَلِّص الساقطين، وتُثَبِت الواقفين.

الصلاة هى سور الإيمان. فهى تُسلحنا وتطلق سهاماً تجاه العدو المُتربِّص لنا من كل ناحية. فلن نكون عزِّل. فى النهار نكون واعين بواجبنا، وفى الليل بسهرنا. وإذ نحمل سلاح الصلاة نحرس لواء قائدنا. وننتظر مصلين لبوق رئيس الملائكة. فما حاجتنا بعد إلاَّ إلى الصلاة؟ فالرب يسوع نفسه كان يصلى له المجد والكرامة من دور فدور[37].].

يقول الأب هيسيخيوس الأورشليمى: [ "ليت طلباتى تأتى أمام الرب". فإن بلغت صلاتى العلا، يهلك أعدائى؛ الصديق يثبت (حك5: 1)، الشبكة تنكسر، والعصفور إذ يتحرر يطير فى حرية (مز124: 7)؛ والمضطهدون يحنون رؤوسهم، والمضطَهَدين يفرحون (مت5: 10 - 12).].

ثانياً: تبث روح الفرح الداخلى. يقول القديس كيرلس الكبير: [إننى أؤكد أنه من واجب من يُكَرِّسون حياتهم للخدمة ألا يتراخوا فى صلواتهم، ولا يحسبونها واجباً ثقيلاً ومرهقاً، بل بالحري يفرحون من أجل الحرية التى يهبها الله لهم، فإنه يريدنا أن نتحدث معه كأبناء مع أبيهم.

ألا يُعتبَر هذا فضلاً يستحق منا كل تقدير؟ لو بلغ إلينا إنسان عظيم ذو سلطان أرضي وسمح لنا أن نتحدث معه بكامل الحرية، أما نحسب هذا سبباً لائقاً للفرح العظيم؟! فلماذا نشك إن كان الله يسمح لكل واحدٍ منا أن يوجه حديثه له كيفما شاء، مُقَدِّماً للذين يخافونه كرامة عظيمة كهذه، يتأهَّلون لنوالها؟!

لنبطل كل كسل هذا الذى يجعل الناس يمارسون الصمت الضار عن الصلاة، ولنقترب بالحري إليه بالمديح والفرح إذ نلنا وصية أن نتحدث مع رب الكل وإله الجميع، ولنا المسيح شفيعاً يهبنا مع الآب تحقيق طلباتنا. يكتب بولس الطوباوى: "نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب (وربنا) يسوع المسيح" (2كو1: 2). بل والمسيح نفسه يقول لرسله القديسين: "إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمى، اطلبوا تأخذوا" (يو16: 24). إنه شفيعنا، إنه كفارة عنا، إنه معزينا، واهبنا كل سؤالاتنا[38].].

ويقول الأب نيلس: [الصلاة هى دواء الغم وانقباض النفس[39].] [لا تضطرب وتحزن إذا لم تحصل على طلباتك من الله... الله يريد أن يفيدك أكثر بأن يُعَلِّمك الإلحاح فى الصلاة مع الصبر فى الوقوف أمامه، لأنه أى شئ أسْمَى من الوقوف أمام الله فى حديث معه والدخول فى شركته؟ [40].].

ويقول الأب هيسيخيوس الأورشليمى: [إن قدَّمت صلاتك بقلبٍ طاهر بلا لوم من جهة أى عمل غير لائق فإنك إذ تُقَّدِم تنهدات على نفسك أمام الله تصير فى لقاء معه. عوض الحزن يكون لك الفرح، وعوض المصائب تنال بركات، وتكون ملامح وجهك مشرقة كماءٍ نقي... ولا تعود تخاف من علل أخرى، لأن الله ينزع العلل عنك. تنال عفواً من متاعبك، وشكراً على الهدوء الذى يخيم عليك، ولا تخاف التجارب، فتكون كمن وجد راحة فى ميناء آمن، لا تخاف الأمواج حيث لا يقدر البحر أن يُسَبِّب ضرراً.].

ثالثاً: بالصلاة تُتَمِّم الوصايا الإلهية. يقول القديس يوحنا سابا: [مفاتيح الخزائن موضوعة فى أيديكم لكى تأخذوا وتعطوا، حتى تحيوا آخرين وأيضاً[41].] كما يقول: [قدّس فراشك بالصلاة ورفرفة الروح القدس عليك، فتفوح رائحة أعضائك مثل الطيب[42].] ويقول: [بالصلاة يختلط العقل بالله، بها يفتح كنوز الله ويقسم ذخائره. بها يستحق نظر مجد الله، ويكون فى غمام نور عظمته داخل بلدة الروحانيين. بها يكون الإنسان مسكناً لله. بها تتحد النفس بالمسيح، وبها تنظر إشراق مجد عظمته. بها تتقد فى النفس نار محبة المسيح ويحترق القلب بالشهوة فى الله، تلك الشهوة التى تحرق جميع شهوات الأعضاء. بها تبتهج النفس بالحب وتخرج من رتبتها، وينقلع العالم من قلبها[43].].

رابعاً: طرد التصوُّرات الحمقاء من الفكر. جاء فى سيرة القديسة الأم سنكليتيكا الإسكندرانية Amma Syncletica of Alexandria تلميذة القديس أثناسيوس: [يجب علينا أن نُبخِّر مساكننا ببخور الصلاة المقدس. لأنه كما أن الأبخرة القوية تطرد المخلوقات السامة؛ هكذا أيضاً تطرد الصلاة مع الصوم التصوُّرات الحمقاء من الفكر[44].].

7 - ما هى الخطوات العملية لممارسة الصلاة؟

أولاً: ركِّز أنظارك الداخلية على الله أبيك السماوى. يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [حين تبدأ الصلاة فلتنسَ كل خليقة منظورة وغير منظورة، وابدأ الصلاة بمدح الله خالق الكل، لذلك قيل: "فقال لهم متى صلَّيتم، فقولوا أبانا (لو11: 2) [45]".].

ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [لا يتسلَّق الجبال كل مُصلِّ، إذ توجد صلاة تُحسَب خطيّة (مز104: 8). من تعلَّم الصلاة يسمو فوق الغِنّى الأرضي إلى السماوي، ويظل متسلِّقاً حتى يبلغ قمَّة الخلوَة العُليا، أما الذى يهتم بغِنّى العالم فلا يتسلَّق الجبال إنما يشتهي ما لقريبه (من السُفليَّات). من يتطلَّع إلى رفقة الله يطلب الله فيصعد؛ هكذا النفوس القويّة تتسلَّق الجبال. لم ينصح النبي أى شخص أن يتسلَّق الجبال إنما يقول: "على جبلٍ عالٍ اصعدى يا مُبشِّرة صهيُّون، ارفعى صوتك بقوّة يا مُبشِّرة أورشليم" (إش40: 9). تسلُّق الجبال لا يكون بالأقدام إنما بسِموّ الأعمال، فإنك إذ تتبَّع المسيح تصير أنت نفسك أحد الجبال التى تحيط بك (مز125: 2) [46].] يقول القديس أوغريس: [عندما لا يتصور الذهن شيئاً من الأرضيات أثناء الصلاة، فهذا يعنى أنه قد صار قوياً.].

ثانياً: نظم احتياجات جسمك بما يتوافق مع ساعات الصلاة. بمعنى آخر لتكن للصلاة الأولوية عن احتياجات الجسد. يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [عندما تجلس لتتناول الطعام لتقوت جسمك، لا تترك المائدة قبل أن تشبع احتياجاتك إلا نادراً، لسبب طارئ مستعجل، ولا تكن مستعداً لفعل هذا. كم بالأكثر يلزمك أن تبقى تتمتَّع بالقوت الروحى وتقوي نفسك بالصلاة، لأن النفس أسمى من الجسم، والسماء أعلى من الأرض، والسماوات فوق الأرضيات. النفس هي أيقونة السماء، لأن الرب يسكن فيها، وأما الجسم فهو صورة الأرض، التى يعيش عليها الناس القابلين للموت والحيوانات غير العاقلة. نظِّم احتياجات جسمك بما يتوافق مع ساعات الصلاة، ولتكن مستعداً أن توقف المجادلات التى تسحبك بعيداً عن حفظ قانونك. فإن هذا هو الطريق الذى به تجعلنا الشياطين نتغيب فى وقت الصلاة بحجة أنه يوجد سبب لائق لغيابنا، وبهذا تسحبنا بما يبدو معقولاً بعيداً عن الصلاة المُنقذة. لا تُقَدِّم أعذاراً، قائلاً: "آه رأسي! آه معدتي!"، مدعياً بوجود أسباب غير منظورة لألم لا وجود له... من أجل نوال راحة. بالحري ثابر على الصلاة السرية فإن الله يراها فى الخفاء، ويجازيك عنها علانية (مت6: 18) [47].].

ثالثاً: لتنطق فى الكنيسة بما يمجد الله ولا تكون ثرثاراً مع إخوتك. يقول القديس باسيليوس الكبير: [ "السماوات تحدث بمجد الرب" (مز19: 1). يقتصر عمل الملكة (النفس البشرية) على تمجيد الله، ويقتصر عمل الجنود السمائيون أن يعطوا مجداً للخالق. كل الخليقة الناطقة أو غير الناطقة، الأرضية أو السماوية، تُمَجِّد خالقها.

أولئك الذين يتركون منازلهم للاجتماع فى الهيكل (بحياة غير مقدسة) يستحقون الشفقة، لأنهم لا يستمعون لكلام حق، ولا يقيمون نفوسهم على ضوئها. لقد سبتهم الخطية دون أن يتأثروا، ولا يتألمون بسبب خطاياهم التى يتذكرونها، ولا يخشون الدينونة، لكنهم يتصافحون مع بعضهم، ويجعلون من بيت الصلاة مكاناً للثرثرة، محتقرين قول المزمور "فى هيكله الكل قائل مجد" (مز29: 9).

اما انت، فلم تكتفِ بعدم إعطاء المجد لله فى هيكله، بل زدت على ذلك مضايقة الآخرين. تريد ان تجذب اهتمام الآخرين نحوك، وبالضوضاء الذى يصدر عنك تمنعهم من الاستماع لتعليم الروح.

انتبه إذن لئلا تكون نهايتك مثل نهاية الذين يُجَدِّفون على اسم الله!... ما هى الطريقة التى بها تمجد الله؟... ليت لسانك يترنَّم، وليت فكرك يفحص الكلمات التى تقولها حتى تترنم بالروح والذهن (1كو14: 14). فالله لا ينقصه المجد، لكنه يريدك أنت! يريدك أن تكون أهلاً أن تُمَجِّده! فالذى يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً (غل6: 7). ليتك تزرع لمجد الله فتحصد الأكاليل والكرامة والتسبيح فى ملكوت السماوات.

فى هيكله الكل قائل مجد "(مز29: 9). لم تأت هذه الكلمات من فراغ، لأن فى هيكل الرب يوجد الذين يثرثرون بلا توقُّفٍ. وجودهم فى الهيكل باطل. ليس باطلاً فقط بل وسبب فى دينونتهم[48].].

رابعاً: كن جاداً فى الصلاة بإيمان واهرب من تشتيت الفكر. يقول القديس باسيليوس: [يليق بنا أن نسأل العون الإلهى لا بكسلٍ ولا بفكر مشتَّت هنا وهناك، فإن إنساناً كهذا ليس فقط لا ينال ما يسأله، بل بالحري يُغضِب الله، لو أن إنساناً يقف أمام رئيس تكون عيناه ثابتتين فى الداخل والخارج حتى لا يتعرَّض للعقوبة، فكم بالحري يليق بنا أن نقف أمام الله بحرص ورعدة؟ لكنك إن كنت تُثار بخطيَّة ما، فلا تقدر أن تُصلِّى بثبات بكل قوِّتك. راجع نفسك حتى متى وقفت أمام الله تُركِّز فكرك فيه، والله يغفر لك، لأنك ليس عن إهمال بل عن ضعف لم تستطع أن تظهر أمامه كما ينبغى. إن ألزمت نفسك بهذا فإنك لا تتركه حتى تنال. فإن لم تنل ما تسأله يكون ذلك لأن سؤالك غير لائق أو بغير إيمان، أو لأنك قدَّمته باستهانة، أو تسأل أموراً ليست بصالحك، أو لأنك تركت الصلاة. كثيراً ما يسأل البعض لماذا نصلِّى؟ هل يجهل الله ما نحتاج إليه؟ أنه بلا شكٍ يعرف ويعطينا بفيض كل الزمنيَّات حتى قبل أن نسألها، لكن يجب علينا أولاً أن نطلب الصالحات وملكوت السماوات، عندئذ ننال ما نرغب لنسأل بإيمان وصبر، نسأل ما هو صالح لنا، ولا نعوق الصلاة بعصيان ضميرنا[49].].

يقول القديس كيرلس الكبير: [من واجنبا أن نُصلِّى بلا انقطاعٍ ككلمات الطوباوى بولس (1تس5: 7)، وكما هو معروف لنا حسناً ومؤكد لنا ان ذاك الذى نقدم له سؤلاتنا قادر أن يحقق لنا كل شئ. لقد قيل: "ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الريح وتدفعه، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب" (يع1: 6 - 7). فمن هو مرتاب يرتكب بالحق سخرية، فإن كنت لا تؤمن أنه يقترب إليك ويبهجك ويتمم طلبتك لا تقترب إليه بالكلية، لئلا تُوجد متهماً القدير بكونك فى غباوة مرتاباً. إذن لنتجنَّب هذا المرض الدنئ (الارتياب).

الله ينصت للذين يقدمون له صلواتهم لا بتراخٍ أو إهمالٍ بل بجديةٍ واستمرارية، هذا ما يؤكد لنا المثل الماثل بيننا. فإن كان مجئ الأرملة المظلومة قد غلب القاضى الظالم الذى لا يخاف الله ولا يهاب إنساناً، حتى وهبها طلبتها بغير إرادته (لو18: 1 - 8)، أفليس ذاك الذى يحب الرحمة ويكره الظلم، الذى يمد يده على الدوام لمحبيه، يقبل الذين يقتربون إليه ليل نهار، وينتقم لهم بكونهم مختاريه؟ [50]].

خامساً: سَلِّم الأمر فى يدّ الله. يرى القديس أغسطينوس أن سرّ استجابة الله لصلوات داود وإعطاء أذنيه لكلام فمه هو تسليم الأمر بين يدى الله، تاركاً القرار بين يديه، إذ يقول: [انت مريض، فلا تملي على الطبيب الأدوية التى يختارها لك. إن كان مُعَلِّم الأمم، بولس الرسول، يقول: "لأننا لسنا نعلم ما نصلى لأجله كما ينبغى" (رو8: 26)، فكم بالأكثر يكون حالنا نحن؟!] كما يقول: ليت المريض لا ينسحب من يدى الطبيب، ليته لا يُقَّدِّم مشورة للطبيب. ليكن الأمر هكذا فى كل الأمور الزمنية.].

سادساً: لنطلب بالإيمان لا بالجدال. يقول القديس أغسطينوس: [الأثر الكامل للإيمان هو هذا: يجعلنا نسأل فنأخذ، نطلب فنجد، نقرع فيُفتَّح لنا. بينما الإنسان الذى يجادل، يغلق باب رحمة الله أمام نفسه[51].].

سابعاً: لنطلب أن نقتنى الله نفسه لا الزمنيات. الصلاة، فى ذهن القديس أغسطينوس، هى لغة شوق النفس نحو الله. هى ترجمة لاشتياق القلب. إنه يقول: [الصلاة هى بلوغ العقل المملوء حباً إلى الله، إنها تشغل الذهن والقلب، الفكر والرغبة، المعرفة والحب. الحياة الكاملة للمسيحى الصالح هى رغبة مقدسة[52].] [وآسفاه. إنه من السهل أن تطلب أشياء من الله ولا تطلب الله نفسه، كأن العطية أفضل من العاطى[53].] كما يقول: [أيها الإنسان الطمَّاع، ماذا تطلب؟ إن كنت تطلب شيئاً آخر، ماذا يشبعك إن كان الله نفسه لا يشبعك[54]؟] كما يقول: [عندما تسألون أموراً زمنية لا تسألون شيئاً. "من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً" (يو4: 13)... اسألوا ما يشبعكم! تحدَّثوا بلغة فيلبس: "يارب أرنا الآب وكفانا" (يو14: 8). قال له الرب: أنا معكم كل هذا الزمان ولم تعرفنى؟ من رآنى يا فيلبس، فقد رأى الآب أيضاً "(يو14: 9 Vulgate). قدم تشكرات للمسيح الذى صار ضعيفاً لأجلكم لأنكم ضعفاء، ولتكن رغباتكم معدة لإدراك لاهوت المسيح لكى تشبع به[55].].

وأيضاً يقول: [قوله: "كل ما طلبتم (من الآب باسمى يعطيكم يو16: 23)" يجب ألا يُفهَم أنه أى طلب كان، بل أى شئ يكون بالحقيقة له علاقة بالحياة المطوَّبة. وما جاء بعد ذلك: "إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي، يُفهَم بطريقتين: إما أنكم لم تطلبوا باسمي، إذ لم تعرفوا اسمي بعد كما يجب، أو أنكم لم تطلبوا شيئاً، إن قورن بما يجب أن تطلبوه، فما تطلبونه يُحسَب كلا شئ[56].].

[الله لا يمنع محبة هذه الأشياء بل أن نجد سعادتنا فى حُبِّنا لها. يليق بنا أن نجعل حب خالقنا هو غاية تقديرنا لهذه الأشياء... فالمهر يُقَّدَّم للمخطوبة لكى فى مهره لها تحبه هو. هكذا يعطيك الله كل شئ، فلتحب ذاك الذى صنعها[57].] [لا تطلب شيئاً من الله، بل عطية ذاته لك[58].].

[أن تترجَّى الله من الله، هذا هو أن تحب الله صاحب النعمة[59].] [ليس بعدل يُحب ما يأتى من الله إن كان الله نفسه يُنسى بسببه[60].] [لا تجد شيئاً يقدمه لك أفضل من ذاته، لكن إن كنت تجد ما هو أفضل منه اطلبه بكل وسيلة[61].] [هل لا يوجد لدى الله مكافأة؟ لا توجد إلا عطية ذاته! [62]].

[ليتنا لا نكون مجاهدين فى الحوار وكسالى فى صلواتنا (عنهم). لنصلِ أيها الأعزاء المحبوبين، لنصلِّ لكى يعطينا الله النعمة، حتى لأعدائنا وبالأخص عن إخوتنا والمحبوبين[63].] [ "عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم" (مز34: 15)... ربما تقول: لقد صرخت إليه، ولكنى لازلت فى محنة. فقط تمسَّك بطرقه، وعندما تكون فى محنة يسمع لك. هو طبيب، ويُقَدِّم لك نوعاً من التطهير. إنك تصرخ، لكنه يبقى يقطع ولا يرفع يده حتى يقطع حسب مسرته. فإن الطبيب الذى يسمع للشخص ويتوقَّف عن أن يجرح ويطهر إنما هو قاسي. الأمهات تواصلن فى استحمام أطفالهن من أجل صحتهتم. أما يصرخ الأطفال بين أياديهن؟ هل هؤلاء قاسيات لأنهن لا يتوقفن ولا يبالين بدموع أطفالهن. ألسن مملوءات حناناً؟... هكذا فان الله أيضاً مملوء حباً، لكنه يبدو كمن لا يسمع. إذ لا يتوقَّف حتى يشفينا أبدياً. ربما يقول الشرير، إننى أفعل الشرّ وأنا فى أمان، لأن عينى الرب ليست نحوى، إنما الرب يصغى للأبرار، وليس لى، أفعل ما أريد وأنا فى أمان. إذ يرى الرب أفكار البشر قيل: "وجه الرب ضد عاملي الشر، ليقطع من الأرض ذكرهم" (مز34: 16؛ 1بط 3: 12) [64].

[خلقتنا لك يا رب، ولن تستقر قلوبنا حتى تستريح فيك[65].].

[تقول للرب: ملجأى وحصنى، إلهى فأتكل عليه "(مز91: 2). من الذى يقول هكذا للربّ؟" الساكن فى ستر العلي "، وليس فى ستره هو. من هو هذا الذى يسكن فى ستر العلي؟ ذاك الذى لا يتكبر مثل هذين اللذين أكلاّ (من شجرة معرفة الخير والشر) ليصيرا إلهين، ففقدا خلودهما الذى خُلِقا عليه. لقد اختارا أن يسكنا فى سترهما، لا فى ستر العلي. هكذا أنصتا إلى مشورة الحية (تك3: 5)، واستخفَّا بوصية الله، واخيراً اكتشفا أن ما هدَّد به الله تحقَّق فيهما وليس وعد الشيطان لهما. لذلك لتقل أنت أيضاً:" عليه أتكل، فهو ينجينى، ولست أنا أنجى نفسى[66].].

ثامناً: صلىِ من أجل الأخرين. يقول القدِّيس أغناطيوس الثيوفورُس: [بالصلاة من أجل الآخرين: صلّوا بلا انقطاع من أجل الآخرين فإنّه يُرجى فيهم التوبة ليبلغوا إلى الله[67].].

8 - هل يجوز لنا أن نطلب التعرُّض لضيقات جسدية؟

يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [لا يليق بنا أن نطلب الضيقات الجسديَّة فى صلواتنا، إذ يأمر المسيح البشر بوجه عام أن يصلُّوا كى لا يدخلوا فى تجربة، لكن إن دخل أحد فعلاً، فيلزمه أن يطلب من الرب قوَّة احتمال لتتحقَّق فينا الكلمات: "الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلُص" (مت10: 22) [68].].

9 - لماذا نصلِّى؟ هل يجهل الله ما نحتاج إليه؟

يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [إنه بلا شك يعرف (ما نحتاج إليه) ويعطينا بفيض كل الزمنيَّات حتى قبل أن نسألها، لكن يجب علينا أولاً أن نطلب الصالحات وملكوت السماوات، عندئذ ننال ما نرغب فيه. لنسأل بإيمانٍ وصبرٍ، نسأل ما هو صالح لنا، ولا نعوق الصلاة بعصيان ضميرنا[69].].

10 - هل من ضرورة للصلاة الجماعية؟

يشعر المؤمن أنه يشترك مع إخوته فى الصلاة، حتى وهو فى حجرته الخاصة، فيصلى من كل البشرية، كما يطلب صلواتهم عنه. يكتب القدِّيس باسيليوس لإحدى الأرامل: [تذكرى الله. احفظى مخافته فى قلبك، وجنَّدي كل بشرٍ ليرتبطوا بكِ فى صلواتك، إذ عظيمة هى معونتهم وقادرة أن تُحَرِّك الله بلجاجتهم[70].].

يقول القديس أمبروسيوس: [إن كان الرب يقول إنه إذا اتّفق اثنان معاً على الأرض فى أى شئ يطلبانه يُعطَى لهما (مت 18: 19)... فكم بالأكثر إن اجتمعت كل الجماعة معاً باسم الرب؟! [71]] كما يقول: [آمن أن الرب يسوع حاضر عند استدعاء الكاهن، إذ يقول: "حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة أكون فى وسطهم" (مت 18: 20)، فكم بالأكثر ان اجتمعت الكنيسة وأُقِيمَت الأسرار يهبْنا حضوره؟! [72]].

11 - هل الإطالة فى وقت الصلاة مفيد؟

يقول القديس أغسطينوس: [إنه ليس خطأ ولا بالأمر غير نافع أن نقضى وقتاً طويلاً فى الصلاة، إن كان الوقت فيه عدم التزام بعمل، وليس فيه إعاقة عن الأعمال الصالحة والضرورية نلتزم بها.].

12 - ماذا يقصد السيد المسيح بقوله: اسألوا، اطلبوا، اقرعوا (لو 11: 9)؟

يقول القدّيس أغسطينوس: [لكى تفهم ما يقصد بالسؤال والطلب والقرْع، نفترض وجود رجل أعرج، فمثل هذا يُعطَى له أولاً الشفاء، أى القدرة على المشى، وهذا ما قصده الرب بالسؤال. ولكن ماذا ينتفع بالمشى أو حتى بالجرى إن استخدمه فى طريق منحرف؟ لذلك فالخطوة التالية هى أن يجد الطريق المؤدّى إلى الموضع المطلوب... وهذا ما قَصده بالطلب. لكن ما المنفعة إن صار قادراً على المشى وعرف الطريق، بينما كان الباب مغلقاً... لهذا يقول: "اقرعوا" [73].].

ويقول الأب دوروثيؤس [إن طلبنا نجد، وإن سألنا نأخذ، فقد جاء فى الإنجيل: "اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم" (مت 7: 7). لقد قيل: "اسألوا"، أى نطلب من الله بالصلاة حتى يعيننا. "اطلبوا" تعنى أنه بتعلمنا عن مصدر الفضيلة وكيفية نوالها نجاهد طالبين إياها. أما "اقرعوا" فتعنى ممارسة الوصايا. لأن من يقرع يستخدم يديه. واليدان يعينان العمل. هكذا يلزمنا لا أن نسأل فقط بل ونطلب ونعمل مجاهدين، كقول الرسول: "تزدادون فى كل عمل صالح" (2كو9: 8؛ راجع 2تى 3: 17)، بمعنى أن نكون مستعدين بالكامل لتنفيذ إرادة الله كما يريد هو وكما يُسرّ.].

يقول القدِّيس ساويرس الأنطاكى: [ربَّما يعنى بكلمة "اِقرعوا" أطلبوا بطريقة فعّالة، فإن الإنسان يقرع باليد، واليد هى علامة العمل الصالح. وربما التمايز بين الثلاثة يكون بطريقة أخرى، ففى بداية الفضيلة نسأل معرفة الحق، أما الخطوة الثانية فهى أن نطلب كيف نسلك هذا الطريق. والخطوة الثالثة عندما يبلغ الإنسان الفضيلة يقرع الباب ليدخل حقل المعرفة المُتَّسعة. هذه الأمور الثلاثة كلها يطلبها الإنسان بالصلاة. وربَّما "يسأل" تعنى "يصلِّى"، و "يطلب" تعنى "يُصلِّى بواسطة الأعمال الصالحة التى نمارسها بطريقة تتناسب مع صلواتنا"، و "نقرع" تعنى الاستمرار فى الصلاة بلا انقطاع.].

13 - ماذا يعني السيد المسيح بأن يسأل الابن خبزاً أو سمكةً أو بيضةً؟

يقول السيد: فمن منكم وهو أب يسأله ابنه خبزاً، أفيعطيه حجراً؟ أو سمكة، أفيعطيه حيَّة بدل السمكة؟ أو إذا سأله بيضة، أفيعطيه عقرباً؟ فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيِّدة، فكم بالحري الآب الذى من السماء يعطى الروح القدس للذين يسألونه؟ "(لو11: 11 - 13).

يرى القدِّيس أغسطينوس أن الخبز هو المحبَّة، والسمكة هى الإيمان، والبيضة هى الرجاء، فإننا نطلب من أبينا السماوى أن نحب ونؤمن ونترجَّى. إنه يقول: [يعنى بالخبز المحبَّة، إذ هى أعظم ما نرغبه، وهى ضروريَّة، بدونها يُحسَب كل شئ آخَر كلا شئ، كمائدة بلا خبزٍ. أما عكس المحبَّة فهي قسوة القلب تُقَارن بالحجر. أما بالنسبة للسمكة فهى تشير إلى الإيمان بالأمور غير المنظورة، هذه التى ننالها خلال مياه المعموديَّة دون أن تراها عين. ومن جانب آخر فإن الإيمان كالسمكة، يُهاجَم بأمواج العالم ولا يهلك، أما ضدَّها فهى الحيَّة بسبب سُم الخداع حيث بإغرائها الشرِّير ألقت بذارها فى الإنسان الأول. أما البيضة فيُفهَم بها الرجاء، لأن البيضة وهى الأصغر لم يتشكَّل فيها (الطائر) بعد لكننا نترجَّى ذلك. ضد البيضة العقرب التى بلدغتها السامة ترد الإنسان إلى خلف مرتعباً، عكس الرجاء الذى يطلقنا إلى قدَّام فوق الأمور التى أمامنا[74].].

14 - ما هى أنواع الصلاة؟

يقول القديس أفراهاط: [الآن أعرض لكم ظروف الصلاة المختلفة: الطلبة والشكر والتسبيح.

فى الطلبة تسأل الرحمة لأجل الخطايا، وفى الشكر تقدِّم الشكر لأبيك السماوى. وفى صلاة التسبيح تُسَبِّح الله لأجل أعماله. عندما تكون فى الضيق قَدِّم طلبة لله. وعندما يعطيك الله عطايا صالحة فلتشكر العاطى. وعندما يتهلَّل ذهنك قَدِّم لله التسبيح.

لذلك قَدِّم هذه الصلوات بتمييز إلى الله. أنظر إلى داود عندما كان يقول دائماً: "فى منتصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برّك" (مز119: 62). وفى مزمور آخر يقول داود: "هلِّلويا سبِّحوا الرب من السماوات سبِّحوه فى الأعالى" (مز148: 1). وفى مزمور آخر: "أبارك الرب فى كل حين. دائماً تسبحته فى فمى" (مزمور34: 1)، لذلك لا تستعمل نوعاً واحداً من الصلاة، ولكن استخدم كل الأنواع فى أوقات متفرقة[75].].

15 - كيف يطلب الشهداء الانتقام ممن اضطهدوهم؟

يقول القديس أغسطينوس: إننا نجد أيضاً الشهداء فى رؤيا يوحنا (6: 10) يطلبون الانتقام مع أنه طُلِب منا صراحةً أن نُصَلِّى لأجل أعدائنا ومُضطهدينا... لنفهم أن الشرير يهلك بطريقين: إما بتحوُّلِه إلى البرّ (فيهلك شرّه) أو بمعاقبته إن فقد فرصة التوبة. فإنه حتى لو تحوَّل كل البشر إلى الله فسيبقى الشيطان مُداناً حتى النهاية. إذن فالأبرار يطلبون الحياة العتيدة، وليس باطلاً يسألون النقمة[76].].

16 - لماذا يطلب منا ألا نُكَرِّر الكلام باطلاً حينما نصلى (مت6: 7)؟

يقول القدِّيس أغسطينوس: [لقد نهانا ربُنا عن كثرة الكلام، حتى لا تقدَّم له كلمات كثيرة كما لو كنَّا نُعَلِّمه بكلامنا. لذلك لا تحتاجون فى الصلاة إلى الكلام، بل إلى التقوى. "لأن أباكم يَعْلَم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه" (مت6: 8)، ولئلا يشك أحد فيقول: إن كان الله يَعْلَم ما نحتاج إليه فما الداعى إلى الصلاة سواء كانت بكلمات كثيرة أو قليلة؟! نعم إنه يعلم كل ما نحتاج إليه، ولكنَّه يريدكم أن تصلُّوا حتى يهبكم حسب اشتياقكم، فلا تستخفُّوا بعطاياه، ناظرين إلى أنه قد وضع فينا هذه الصلاة لتكون أساسّاً ونموذجاً لاشتياقاتنا، فلا نطلب شيئاً غير ما ورد فيها.].

17 - ما هى أفضل طلبة نسألها من الله؟

يقول القدّيس أمبروسيوس: [لم يجد الرسول شيئاً أفضل يتمنَّاه لنا أكثر من هذا، إذ يقول: "لم نزل مصلين وطالبين لأجلكم أن تمتلئوا من معرفة مشيئته فى كل حكمة وفهم روحى، لتسلكوا كما يحق للرب". لقد عَلَّمنا أن هذه هى مشيئة الله إنه بسلوكنا فى أعمال وكلمات ومشاعر صالحة نمتلئ بمشيئة الله الذى يضع روحه القدوس فى قلوبنا[77].].

18 - هل نطلب الانتقام من الهراطقة؟

يقول القديس كيرلس الكبير: [ربما يقول قائل: هوذا المسيح يقول لرسله القديسين: "أحبوا أعدائكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (مت5: 44؛ لو6: 27)، فكيف نصرخ ضدهم (نطلب النقمة) دون أن نحتقر الوصية الإلهية؟... عندما تُرتكَب معاصى ضدنا شخصياً، فلنحسب ذلك مجداً لنا أن نغفر لهم، فنمتلئ حباً مشتركاً، ونقتدي بالآباء القديسين، حتى وإن ضربونا أو سخروا بنا. نعم حتى وإن مارسوا كل أنواع العنف ضدنا، إذ يليق بنا أن نتحرَّر من كل عيب، ونسمو فوق الغضب والحقد. مثل هذا المجد يليق بالقديسين ويفرح الله. ولكن إن كانت خطية مُوَجَّهة ضد مجد الله (كالبدع والهرطقات ومقاومة الكرازة بالحق)، فلنقترب من الله ونسأله معونته ونصرخ ضد مقاومى مجده، كما فعل العظيم موسى، إذ قال: "قم يا رب، فلتتبدد أعداؤك، ويهرب مبغضوك من أمامك" (عد10: 35). كذلك الصلاة التى نطق بها الرسل القديسون... "انظر إلى تهديداتهم"، بمعنى أبطل مقاومتهم وهب لعبيدك الحرية أن ينطقوا بكلمتك[78].].

19 - لماذا صلى السيد المسيح؟

يقول القديس كيرلس الكبير: [إن كان السيِّد له كل الصلاح بفيضٍ، فلماذا يصلِّى مادام كاملاً ولا يحتاج إلى شئ؟ نُجِيب: يليق به حسب تدبير تجسُّدِه أن يمارس العمل البشرى فى الوقت المناسب. فإن كان قد أكل وشرب فبحق اعتاد أن يصلِّى، مُعَلِماً إيَّانا ألا نكون متهاونين فى هذا الواجب، بل بالأحرى مجتهدين وملتهبين فى صلواتنا[79].].

كما يقول: [كل ما عمله المسيح لبنياننا ولفائدة المؤمنين باسمه. فلم يقم المسيح بشئ ما، إلا ليُقَدِّم نموذجاً سامياً للحياة الروحيّة حتى نعبده عبادة حقيقيّة. والآن فلندرس المثال الحىّ الذى قَدَّمه المسيح لنا عند التماس أمر من الإله العلي. يجب أن نُصَلِّى فى الخفاء، فلا يرانا أحد. "فمتى صلَّيت فادخل إلى مخدعك" (مت6: 6). ليس الغرض من الصلاة طلب المجد والظهور، بل يجب عندما نقف "رافعين أيادى طاهرة" (1تى2: 8) أن نصعد إلى السماء إلى مسكن الله مُتَّخِذين مكاناً هادئاً لنكون فى معزل عن ضوضاء العالم وهمومه ومتاعبه، ولنعمل كل هذا بنشاطٍ وسرورٍ، لا بقلقٍ وتعبٍ. لنقم بذلك بشوقٍ وغيرةٍ وصبرٍ جديرٍ بالثناء والإعجاب لأنكم تقرأون أن المسيح لم يُصَلِّ فحسب بل مضى الليل كله فى الصلاة... مع أنه مولود من الله الآب وتواضع إلى حدِ إخلاء نفسه من أمور عدة، حتى يكون أخاً وشبيهاً بنا فى كل شئ ما عدا الخطيّة. شاركنا المسيح فى الطبيعة البشريّة ولطَف بنا، فهو لا يزدرى بنا وبطبيعتنا، بل أخذ شبهنا لنقتفي خطواته وننسج على منواله[80].].

ويقول القدّيس كبريانوس: [إن كان الذى بلا خطيّة صلَّى، فكم بالأكثر – يليق بالخطاة أن يصلوا؟! وإن كان السيِّد يُصَلِّي على الدوام ساهراً الليل كله بطلبات غير منقطعة، فكم بالحري يليق بنا أن نسهر نحن كل ليل فى صلاة مستمرَّة متكررة؟! لا يُصَلِّى الرب أو يطلب عن نفسه، إذ ماذا يطلب ذاك الذى بلا خطيّة؟! إنه يطلب عن خطايانا كما أعلن عندما قال لبطرس: "... طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك" (لو22: 31) [81].] كما يقول: [إن كان قد تعب وسهر وصلَّى من أجلنا ومن أجل خطايانا، فكم بالحري يلزمنا نحن أن نصلى على الدوام، نصلى ونتوسَّل إلى الرب نفسه وخلاله لنرضي الآب. لنا الرب يسوع المسيح إلهنا محامٍ وشفيع من أجل خطايانا، إن كنا نتوب عن خطايانا الماضيّة ونعترف مُدرِكين خطايانا التى بها عصينا الرب، وننشغل بالسلوك فى طرقه ومخافة وصايَّاه[82].].

20 - كيف ننال الحكمة والفهم لتدبير حياتنا؟

يقول القديس يوستين الشهيد: [صلِّ قبل كل شيءٍ أن تُفتَح لك أبواب النور، فإن هذه الأمور لا يمكن أن تُدرَك أو تفهم بواسطة الكلٍ، وإنما للإنسان الذى يمنحه الله ومسيحه الحكمة.].

يقول القديس ديونسيوس الأريوباغى: [يلزم قبل أى عمل، خاصة إن كان الأمر إلهياً، أن نبدأ بالصلاة.].

21 - هل من حاجة للجهاد؟

يقول القديس أوغريس: [إن كنت لم تنل موهبة الصلاة أو التسبيح كن لجوجاً فتنلْ... لا تمِل من الانتظار، ولا تيأس من عدم نوالك، لأنك ستنال فيما بعد[83].] [اِعلم أن الملائكة القدّيسين يدفعوننا إلى الصلاة، ويقفون إذ ذاك إلى جانبنا فرحين مصلِّين من أجلنا، فإذا تكاسلنا مُتقبِّلين أفكاراً غريبة نغيظهم كثيراً، لأننا بينما هم يحاربون عنَّا بهذه القوّة، لا نريد نحن حتى التضرع إلى الله من أجل أنفسنا، بل نعرض عن خدماتهم، ونبتعد عن الرب إلههم لنذهب إلى الشيَّاطين الأدناس[84].] [بالصلاة الحقيقية يصير الراهب ملاكاً آخر، إذ يتوق لرؤية وجه الآب فى السماوات فى غيرة متقدة[85].].

22 - هل نكتفى بالصلاة ولا نهتم بالدراسة؟

يقول الأب دوروثيؤس: [إن كنت تريد أن تكون للأفكار المقدسة بالإيمان عمل هادئ وقت الضرورة لمقاومة الحركات والأفكار والمشاعر الشريرة، ادرسها جيداً فغالباً ما تتغلَّب عليها فى عقلك، وأنا لى إيمان فى الله أنك ستجد سلاماً.] [كذلك أدمج صلاتك بالدراسة. حاول أن تتقدَّم فى هذا حتى تقدر أن تحتمل لحظة الألم الجسدى أو الروحى بدون حزن ولا ضيق بل بصبر.].

23 - ما هو ارتباط الصلاة بالقلب النقى؟

عُرِف البابا غريغوريوس (الكبير) بحُبِّه لكتابات آباء الشرق مثل القديسين أثناسيوس وكيرلس الكبير، وقد شكَّل مجموعة لديه للترجمة من اليونانية إلى اللاتينية. إنه يقول: [الآن إذ نمسح بالكامل هاتين الاثنتين (إثم اليد والظلم الذى فى الخيمة)، نرفع وجوهنا بلا لومٍ لله. لأن النفس هى وجه الإنسان الداخلى، به نعرف خالقنا بالحب وبه ننظره. الآن رفع هذا الوجه عينه هو رفع النفس لله بممارسة الصلاة. أما الوصمة التى تفسد رفع الوجه فهى نية العمل... فإنها (النفس) فى الحال تتحطَّم، وتفقد كل ثقة فى الرجاء. وحينما تنشغل بالصلاة تلتصق بتذكر الخطية التى خضعت لها. تفقد الثقة فى نوال ما تشتاق إليه، فتحمل فى الذهن الرفض المستمر لممارسة ما تسمعه من الله. لذلك يقول يوحنا: "أيها الأحباء إن لم تلمنا قلوبنا، فلنا ثقة من نحو الله، ومهما سألنا ننال منه" (1يو3: 21 - 22). ويقول سليمان: "من يُحَوِّل أذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضاً مكرهة" (أم28: 9). فإن قلبنا يلومنا فى تقديم صلواتنا عندما نتذكَّر أنها تقف ضد وصاياه.].

[بالنسبة للذين يحسبون وصايا الرب كلا شئ، يُقَّدِّمون صلوات ولا يسمع الرب لهم قط. لذلك مكتوب: "من يصم أذنه عن سماع الناموس، فصلاته تكون رجسة" (أم28: 9). مادام أليفاز يعتقد أن الطوباوى أيوب لم يُسمَع له، فإنه يصمم أنه قد مارس خطأ ما.].

[الله فى عدله يرفض المعصية، ولا يَقْبَل الإثم (أى14: 17)، لكنه إذ يُدَبِّر الخلاص، يشتاق إلى الإنسان عمل يديه. فى وسط الشدة يصرخ أيوب إلى الله، وكأن الله لا يسمع له، أما إذ يحين وقت القيامة، فالله يدعوه أن يقوم فيستجيب أيوب، يلتقى مع الله الذى يشتهي إلى عمل يديه، حيث يحمل أيوب انعكاس بهاء مجد الله عليه.].

[ "تسألنى، فأجيبك"... مادمنا نخضع للفساد لا نجيب خالقنا بأية وسيلة، متطلعين إلى أن الفساد بعيد عن عدم الفساد، وليس من تشابه يليق بإجابتنا. أما عن هذا التغير فقد كُتِب: "عندما يظهر نصير مثله، لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2). بالحقيقة سنجيب الله، الذى يدعو، لدى الأمر "بعدم الفساد الأسمى". نقوم فى عدم فسادٍ. ولأن المخلوق لا يقدر أن يتأهَّل لذلك بنفسه، إنما يتحقَّق هذا بعطية الله القدير وحده، وهو أن يتغيَّر إلى مجد عدم الفساد الفائق، لذلك بحق أضاف: "ستبسط يمينك لعمل يديك". وكأنه يقول بكلماتٍ واضحة: لهذا السبب مخلوقك القابل للفساد قادر أن يُمسك فى عدم الفساد (1كو15: 53)، لأنه يرتفع بأيدى سلطانك، ويُحفظ بنعمة اهتمامك. فإن المخلوق البشري، بهذا وحده، بكونه مخلوقاً، يرث فى ذاته الانهيار إلى أسفل مما هو عليه، لكن الإنسان ينال من خالقه أن يلتزم بأن يرتفع إلى ما هو أعلى منه وذلك بالتأمل، ويمسك فى نفسه عدم الفساد. إنه يرتفع إلى الرسوخ فى عدم التغير وذلك بيمين خالقه.

من يقدر أن يُقَّدِّر سخاء الرحمة الإلهية، أن يحضر الإنسان بعد الخطية إلى علو مجدٍ كهذا؟ الله يضع فى اعتباره الأمور الشريرة التى نفعلها، ولكن برأفته يغفرها فى رحمة. وهكذا أضيف: "الآن تحصي خطواتى، وتصفح عن خطاياى" (أى14: 1).].

24 - ما هى الغاية النهائية للصلاة؟

أولاً: الغاية النهائية للصلاة هى الشركة الكاملة مع العريس السماوى، وكما يقول القديس مقاريوس الكبير: [إن العذراء المخطوبة لرجل تقبل منه هدايا كثيرة قبل الزواج: جواهر وملابس وأوانى ثمينة، ولكنها لا تقتنع ولا ترضى بكل هذه الهدايا إلى أن يأتى يوم العُرْسِ الذى فيه تصير واحداً معه، كذلك أيضاً، النفس المخطوبة كعروس للعريس السماوى فإنها تنال منه كعربون من الروح مواهب شفاء أو معرفة أو إعلانات. ولكنها لا تقنع بهذه العطايا بل تترجَّى الوصول إلى الشركة الكاملة معه والاتحاد به، أى إلى المحبة التى لا تتغيَّر ولا تسقط أبداً بل تحرر طالبيها من الشهوات والقلق والتشويش.

والطفل الصغير الذى يزينونه بجواهر وملابس ثمينة، فإنه حينما يجوع لا يفكر فى شيءٍ مما يلبسه، بل يتجاهل كل هذه الزينة ويهتم فقط بالوصول إلى ثدى مرضعته ليحصل منها على اللبن. وعلى هذا المثال يمكنك أن تقيس مواهب الله الروحانيّة، الذى له المجد إلى الأبد آمين[86].].

كما يقول: [وهناك أمر واحد لازم للجميع، وهو أن يحصل الإنسان فى داخل نفسه على كنز، وعلى الحياة فى عقله، هذه الحياة التى هى الرب نفسه – حتى أنه سواء كان يشتغل أو يصلى أو يقرأ فلا يزال حاصلاً على ذلك النصيب الذى لا يزول، الذى هو الروح القدس[87].].

ثانياً: التمتُع بالحضور الإلهى. يقول القديس غريغوريوس النيسى: [أينما توجد يأتى إليك الله إن وجد حجرات فى نفسك بطريقة يمكنه أن يسكن فيها.] ويقول المدعو ديونيسيوس الأريوباغي: [الثالوث القدوس قريب من كل الأشياء، لكن ليس كل الأشياء قريبة منه.] ويقول القديس ميليتو أسقف ساردس: [ليكن الله الحى حاضراً على الدوام فى ذهنك. فإن ذهنك ذاته هو على مثاله، هو أيضاً غير منظور ولا مدرك، ولا يُمثل بأى شكل، ومع هذا بإرادته يتحرك كل الجسم.].


[27] - عظة 292.

[28] Reg. Brev, 261.

[29] - مناظرات يوحنا كاسيان، طبعة 1968، ص238.

[30] - دير السريان: حياة الصلاة الأرثوذكسيّة.

[31] Const. Mon. 1.

[32] Ser. On N. T. 11.

[33] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 4: 81.

[34] Cassian: Conf. 34: 9.

[35] Hom. 27. Forty Gospel Homilies.

[36] Ep. 4: 2.

[37] On Prayer, 29. ترجمة الدكتورة نهى عزت.

[38] On Luc hom 119.

[39] - الفيلوكاليا عن الصلاة ص10 (نسبت خطأ للأب نيل سفى الفيلوكاليا وهى للأب أوغريس).

[40] - الفيلوكاليا عن الصلاة ص 14.

[41] - رسالة 11ز.

[42] - رسالة 12.

[43] - القمص بفنوتيوس السريانى 36، 35.

[44] The Life of Syncletica 80.

[45] Monast. Cap 1.

[46] In Luc 12: 6 - 49 ترجمة مدام عايدة حنا.

[47] On Renunciation of the World, (Frs. Of the church, volume 9, p. 28 - 29).

[48] - تفسير المزمور 28 (29).

[49] Const. Mon. 1.

[50] On Luc hom 119.

[51] On Man's Perfection in Righteousness 40: 20.

[52] Tr. on 1 John 6: 4.

[53] On Ps. 2: 76.

[54] Ser. 105.

[55] Sermon on N. T. Lessons, 6: 95.

[56] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 2: 102.

[57] Tr. on 1 John 11: 2.

[58] Sermon 4: 331.

[59] Sermon 3: 304.

[60] Confession 12: 4: 18.

[61] On Ps 10: 53.

[62] On Ps 32: 72.

[63] Gift of Perseverance 66.

[64] On Ps. 34. (33).

[65] Confession 1: 1: 1.

[66] On P. s 91 (90).

[67] Ephes. 1: 10.

[68] In Reg. Brev. Ad inter 221.

[69] Const. Mon. 1.

[70] Epistle 174, To A widow.

[71] Ep. 3: 63.

[72] On Myst 5 (27).

[73] Ser. On Mount 72: 2.

[74] De Quaest Evang. Lib – Qu 22 - (Ser. On N. T. 55).

[75] Demonstrations, 17: 4 (On Prayer). ترجمة الدكتور صفوت منير.

[76] Quaest. Ev 45: 2.

[77] Of the Holy Spirit, 7: 1: 89.

[78] On Luc hom 119.

[79] Catena Aurea.

[80] - عظة 23.

[81] On Lord's Prayer 29,30.

[82] Ep 6: 7.

[83] On Prayer 87,88.

[84] - منشورات النور: فصول فى الصلاة والحياة الروحية: فى الصلاة 81 (نُسبت للقدّيس نيلس السينائى).

[85] On Prayer 111 - 3,54 (J. Bamberger: Evogrius Ponticus, The Praktikos, Chapters on Prayer, 1981, p. 74).

[86] - عظة 45: 7. (ترجمة بيت التكريس لخدمة الكرازة).

[87] - عظة 3: 3 (ترجمة بيت التكريس لخدمة الكرازة).

[88] - الكاتب: الأجبيَّة أو "صلوات السواعي"، طبعة ثالثة 2012 (رقم الإيداع: 4795 / 80).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

لا توجد نتائج

No items found

3- صلوات السواعي "الإجبية" - كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء - القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

العبادة الكنسية - كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء - القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات