15- التقويم الكنسى القبطى والحياة اليومية المتهللة فى الرب – كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

15 - التقويم الكنسى القبطى

والحياة اليومية المتهللة فى الرب

1 - ما هو الهدف من التقويم الكنسي؟

أولاً: إن كانت الحياة مملوءة بالضيقات والتجارب، فرسالة التقويم الكنسي أن يختبر المؤمن ما قاله إرميا النبى فى وسط مراثيه: "لأن مراحمه لا تزول، هى جديدة فى كل صباح... نصيبى هو الربُّ قالت نفسى". (مرا 3: 22 - 24) مع كل صباحٍ يشعر المؤمن أن روح الله القدوس قائدنا ومُعَلِّمنا (يو 14: 26) يحملنا بجناحى الحُبِّ والحنو، ويدخل بنا إلى مسيحنا الطريق والحق والحياة (يو 14: 6) لنختبر كل يومٍ الحياة المُتجدِّدة فيه (2كو 4: 16). هذا هو ما يشغل الكنيسة فى كل مناسبة كنسية أن تملأ أعماقنا بالفرح الداخلى، سواء كانت احتفالاً بعيدٍ سيديٍ خاص بعمل الله مع البشرية، أو عيد لكائنٍ سماويٍ أو لطغمةٍ سماويةٍ أو لقديسٍ ما أو لصومٍ مُعيَّنٍ. إنها تدعونا للتمتُّع بعمل الله القدوس لنتذوَّق الحياة السماوية، فنتغنَّى مع الرسول: "أجلسنا معه فى السماويات" (أف 2: 6).

ثانياً: كل المناسبات الكنسية فى جوهرها لقاء مع الثالوث القدوس لنُمارِس بنوتنا للآب السماوى (رو 8: 15)، وحقوقنا كأعضاء فى جسد المسيح (1كو 6: 15)، وتقديسنا كهيكل لروح الله القدوس (1كو 3: 16). يدعونا التقويم الكنسى مع بداية كل سنةٍ كنسيةٍ حتى نهايتها ألاَّ نتوقَّف عن التمتُّع بخبرة مُتجدِّدة للشركة مع الثالوث القدوس مُحِب كل البشر!

ثالثاً: فى كل المناسبات يُرَكِّز القديس مار يعقوب السروجى وسط آلامه اليومية على جبل الجلجثه بكونه "عُرْس الجلجثة"، حيث يُصلَب مع العريس السماوى ويقوم معه كل يومٍ، ويختبر أن الربِّ ينبوع السلام الداخلى والفرح السماوى! هذا هو دور التقويم الكنسى.

هذا ما يدعونا أن نقف مع كل صباحٍ لننعم بما يُقَدِّمه لنا الربُّ نفسه من خيرات سماوية، وذلك من خلال الخبرة العملية التى عاشها آباء الكنيسة الأولى القديسون حتى الذين أُلقوا فى أتون النار! ولا يزال يعيشها المؤمنون الحقيقيون وستعيشها الكنيسة إلى يوم مجيء الرب فى اليوم الأخير.

2 - ما هو العامل المشترك فى كل التقويم الكنسي؟

أولاً: التسبيح. مع كل مناسبة توجد تسابيح وألحان متنوعة، ترفع القلب لنختبر إنجيل المسيح، فنتمتَّع بحياة الفرح السماوى، ونكتشف الفكر اللاهوتى الخاص بالمناسبة بما فيه بنيان النفس ونمو صورة الله فى إنساننا الداخلى بالروح القدس.

ثانياً: التمتع بالتجديد المستمر. تُدعَى الحياة فى المسيح يسوع خليقة جديدة على صورة الخالق كقول الرسول: "لبستم الجديد الذى يتجدَّد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو 3: 10). كما يُقَال عن السماء: "هوذا الكل قد صار جديداً" (2كو 5: 17؛ راجع رؤ 21: 5). غاية التقويم الكنسى تجديد القلب اليومى بعمل الروح القدس النارى، يشعر المؤمن فى كل يوم كما لأول مَرَّة يقف فى السماء يُسَبِّح الله، ويتعرَّف على أسراره الإلهية!

ثالثاً: إدراك أن أيامنا هى أيام الرب[454]. فى تعليق العلامة أوريجينوس على العبارة الكتابية: "وعَبَدَ (خدم) الشعب الرب كل أيام يشوع" (قض 2: 7) يدعونا أنا نفحص أيامنا هل هى أيام يشوع أو أيام الربِّ يسوع، أم هى أيام إبليس أو أيام محبة العالم. إذ يتمتَّع المؤمن الحقيقى بعمل الثالوث القدوس تتحوَّل كل أيامه، بل كل نسمات حياته للرب فى كل المناسبات هى أيام الرب، فكم بالأكثر يوم الأحد كيوم الربِّ وأيضاً أيام الأعياد؟! بهذا نختبر قول الرسول: "ولكن لا يخفِ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة" (2بط 3: 8). يقول العلامة أوريجينوس: [يجب إدراك أنه يليق بكل واحدٍ منا البرهنة هل هو فى أيام الخير أم فى أيام الشر؟ وهل يقتني "أيام يشوع" التى هى أيام البرِّ، أم يقتنى أيام الشر. لأننا إن أدركنا: "النور الحقيقى الذى يُنير كل إنسانٍ آتياً إلى العالم" (يو 1: 9)، وسلَّمنا أنفسنا إليه كى نستنير، وإذا أشرق "شمس البرّ" (ملا 4: 2) فينا، وأنار عالم أنفسنا، فسنقتنى "أيام يشوع"، أى أيام يسوع المسيح، أيام الخلاص.].

أما سمات أيام الرب، خاصة فى الاحتفال بالأعياد والمناسبات الكنسية، فهى:

أ. التمتَّع برؤية الجالس على العرش. تنفتح بصيرتنا على الدوام للتمتَّع برؤية السماوى، والشركة مع الطغمات السماوية فى التسبيح. لتكن أيامنا أيام الرب، فتنطلق أعماقنا كما إلى السماء.

ب. تَتَّسِم أيامنا بكثرة السلام العظيم. وأما أيام الشر فتُحَطِّم السلام. الرب هو ملك السلام (عب 7: 2). متى صارت أيامنا أيام الرب، يملأ أعماقنا بسلامه حتى فى وسط الضيقات. يقول العلامة أوريجينوس: [هل تريدون من النبى معرفة من يقتنون "كثرة السلام"؟ اسمعوا كيف يقول فى المزامير: "فليكن سلام عظيم للذين يُحِبُّون اسمك، وليس لهم شك" (مز 118: 165 سبعينية).].

ج. تَتَّسِم أيامنا بالنور الدائم العظيم، أما أيام الشر فنورها مُخادِع. يُمَيِّز أوريجينوس بين النور الحقيقى والنور المُخادِع بالآتى:

1 - يرفع النور الحقيقى القلب إلى السماوى، فيشتهى الحياة السماوية، أما النور المُخادِع، فيربط الإنسان بالأرضيات الزائلة من غِنَى ومجد وكرامة، ويحسب هذه الأمور أبدية.

2 - ليس من شركة بين المسيح والشيطان، فيأخذ المؤمن قراراً إما أيامه للرب أو لعدو الخير.

3 - من كانت أيامه أيام الرب لا تكمن سعادته فى الملذَّات الزمنية، فيحسبها نوراً ساطعاً.

4 - من كانت أيامه أيام الرب، يتمتَّع بالنور الإلهى الحق، لا النور الذى يُقدم الباطل.

5 - الصلاة أو الالتقاء مع ربِّ المجد يسوع هو الطريق للتمتُّع بالنور الحقيقى.

د. ترتبط أيام الرب بكلمته وحكمته أو الوصية الإلهية: ما يشغل قلب الرسل والمرشدين هو أن نختبر بالنعمة الإلهية عذوبة الوصية وفاعليتها، حيث نَقبَل النور الإلهى، فنستنير ونتذوَّق أيام الرب.

ﮪ. أيام الرب تُطيل أيام الشيوخ: يتحدث أوريجينوس عن الجنين يوحنا المعمدان، الذى لم يكن قد وُلِد بعد حين قامت القديسة مريم بزيارة بيته، فقام بعمل كرازي فائق، وهو بعد جنين فى الشهر السادس من الحبل به، فيُحسَب أكبر من رؤساء الكهنة والكهنة الذين لم يبالوا باللقاء مع الطفل يسوع! أيام الجنين يوحنا فى عينى الله، أطول من السنوات التى عاشها هؤلاء القادة الذين لم يتمموا رسالتهم ككارزين بالحق الإلهى. أيام القديسين تُدعَى طويلة، لأنها أيام حب ثمينة، كل نسمة من نسمات حياتهم لا يمكن تقديرها. أما الأشرار الذين تبرد محبتهم، فأيامهم قصيرة وتافهة وزائلة! عن هؤلاء قيل: "أيها الأحباء إن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيومٍ واحدٍ" (2بط 3: 8).

و. من كانت أيامه أيام الرب يَعرف يوم الخلاص بالصليب. كل أعمال الله عظيمة وفائقة، لكن سرّ عظمتها ارتباطها بيوم الفداء أو بالصليب!

3 - ما هى الفائدة من التقويم الكنسي السنوى؟

يوجد خط يلزم ألا ننحرف عنه يميناً أو يساراً. لقد أعلن مُخَلِّص العالم بكل وضوحٍ: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6)، وقد سبق فحذَّر شعبه فى العهد القديم ألاَّ ينحرفوا عن الطريق يميناً أو يساراً (تث 5: 32). ففى كل احتفالٍ بمناسبة كنسية، إن لم يلتهب قلب المؤمن بالحُبِّ لله ولإخوته، والاشتياق إلى الحياة السماوية، لا يُحسَب احتفاله كنسياً إنجيلياً روحياً مقبولاً لدى الله!.

4 - ما هى دورات التقويم الكنسي القبطي Coptic Church Calendar Cycle؟

يحوى التقويم الكنسى دورات مُفرحة مختلفة: على المستوى اليومى والأسبوعى والشهرى والسنوى.

5 - ما هى الدورة الكنسية اليومية؟

أكَّد القدِّيس باسيليوس الكبير أهميَّة صلوات السواعى (الأجبية) لنمونا الروحى وتمتعنا بفرح الروح، وكشف عن أهميَّتها، قائلاً: [ينبغى على الذين اختاروا أن يعيشوا حياتهم ساهرين لمجد الله ومسيحه ألاَّ يسقطوا أو يهملوا إحدى هذه الصلوات.] يكشف لنا سفر أعمال الرسل عن ممارسة الكنيسة الأولى لصلوات السواعى: الساعة الثالثة (أع 2: 1، 5)، والساعة السادسة: (أع 10: 9)، والساعة التاسعة (أع 2: 1)، وصلاة نصف الليل (أع 16: 25). صلوات الساعات يمكن أن يُصلِّيها الإنسان أينما وُجد العمل دون أن يشعر به أحد.

أ. صلاة باكر (الفجر): يتذكَّر المؤمن قيامة السيد المسيح، فيشعر ببهجتها مع كل صباحٍ، إذ يتمتَّع بالحياة الجديدة المُقامة، الغالبة للموت. فلا يرتبك بأى قلقٍ أو تخوُّف من أحداثٍ تبدو كأنها تتم مصادفة، إنما يدرك أن كل ما يمر به هو بإرادة الله أو بسماحٍ منه كضابط الكل، محب البشر!

ب. الساعة الثالثة: نذكر حلول روح الله القدوس على الكنيسة فى يوم البنطقستي، فنسأله أن يعمل فى حياتنا: "قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدده فى أحشائى" (مز 51).

ج. الساعة السادسة: يذكر المؤمن صلب رب المجد لأجل خلاصه. وإذ يحاربنا شيطان الظهيرة (حيث الخمول والضجر) نصلِّي لكى ننجو منه (مز 90).

د. الساعة التاسعة: نتذكَّر قبول اللص اليمين وموت السيد المسيح بالجسد. وهى تسليم رسولى، حيث صعد الرسولان بطرس ويوحنا إلى الهيكل يصلِّيان فى وقت الساعة التاسعة (أع 3: 1).

ﮪ. الساعة الحادية عشر (الغروب): نتذكَّر إنزال جسد المسيح؛ كما نشكر الله على انقضاء النهار فى رعايته ومن أجل عطاياه وما صنعه معنا وفينا من صلاحٍ مع اعترافنا بعجزنا.

و. الساعة الثانية عشر (النوم أو بدء الليل): نتذكَّر دفن جسد المسيح؛ كما نذكر رقادنا ورحيلنا من العالم، ونُصَلِّى لكى تكون لنا راحة أثناء نومنا بغير انزعاج أو خيالات تثير الخوف.

ز. صلاة نصف الليل: تسلَّمناها من القدِّيسين بولس وسيلا (أع 16: 5). يقول المرتّل: "فى نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك" (مز 119: 62). نذكر مجيء السيد المسيح العريس السماوى على السحاب. فكما نفتتح اليوم ببهجة القيامة، نختمه فى نصف الليل ببهجة اللقاء مع العريس السماوى. هكذا يتحوَّل كل يومٍ إلى عيدٍ مُفرِحٍ، حاسباً الرب هو عيده الدائم.

6 - ما هى الدورة الكنسية الأسبوعية؟

فى يوم الأحد يُمارِس المؤمن الحياة المقامة فى المسيح يسوع، فيتقدَّس الأسبوع كله.

وتُكَرِّس الكنيسة يومى الأربعاء والجمعة للصوم تذكاراً لخيانة يهوذا وللصلب. وكأنها تدعو أبناءها إلى عدم التخوَّف من المقاومين والخونة، بل وحتى من الصالبين والمُضطهِدين لنا، بل بفرحٍ نحسب أننا نُصلَب مع ربِّ المجد يسوع مُخَلِّصنا. ويُحسب صوم يومى الأربعاء والجمعة إعداداً للإحتفال بعيد القيامة الأسبوعى (فى يوم الأحد).

7 - ما هى الدورة الكنسية الشهرية؟

ننعم بتقديس كل الشهور باحتفالنا شهرياً بتذكار القديسة مريم والدة الإله الثيؤطوكوس كل 21 من الشهر القبطى فنشتهى دوماً أن فنتطلع إلى القديسة مريم كنموذج حى للمؤمنين، والعضو الأول فى كنيسة السيد المسيح، ونسلك كحاملين السيد المسيح الذى يقيم ملكوته فى أعماقنا.

وأيضاً فى 29 من الشهر القبطى نذكر البشارة والميلاد وقيامة السيد المسيح (ما عدا شهرى طوبة وأمشير)! وكأن المؤمن يذوب حباً خلال اتحاده بالمخلّص مع كل ساعةٍ وكل يومٍ وكل أسبوعٍ وكل شهرٍ!

كما نحتفل بتذكار رئيس جند الربِّ رئيس الملائكة ميخائيل، كل يوم 12 فى الشهر القبطى، فيشعر المؤمن أنه جندى صالح لربنا يسوع (2تى 2: 3) وقد انضم إلى صفوف القوات السمائية. هذه هى سعادة المؤمن وفرحه الدائم على المستوى اليومى والأسبوعى والشهرى كما السنوى.

8 - ما هى الدورة الكنسية السنوية؟

هذه الدورة فى حقيقتها تكاد تضم كل أيام السنة، فنحتفل بالأعياد السيدية الكبرى والصغرى وأعياد الثيؤطوكوس وأعياد القديسين وأعياد تكريس الكنائس والأصوام، وفى هذا كله نُرَدِّد فى أعماقنا ما سجَّله القديس أثناسيوس فى إحدى رسائله الفصحية: المسيح فصحنا (1كو 5: 7)، هو عيدنا.

9 - ما هى الأعياد السيدية الكبرى؟

يمكن التمييز بين الأعياد السيدية حسب دورها فى الخلاص الذى قدَّمه السيد المسيح. أما الأعياد السيدية الكبرى فهى:

أ. عيد البشارة (29 برمهات). كرَّر الإنجيلى كلمة "عذراء" وكأنه أراد تأكيد عذراويَّتها ليعلن أن السيِّد المسيح ليس من زرع بشر. هذا ما أعلنه حزقيال النبى (حز 44: 2 - 3). سمعت القدّيسة مريم الملاك يقول لها: "الرب معكِ"، وكان لهذا التعبير مفهومه الخاص بالنسبة لها، فقد ذاقت معيّة الله على مستوى فريد، إذ حملت كلمة الله فى أحشائها، وقدَّمت له من جسدها ودمها! يقول القدّيس يوحنا الذهبى الفم: [إن كان ابن الله قد صار ابناً لداود، فلا تشك يا ابن آدم أنك تصير ابناً لله. إن كان الله قد نزل أعماقاً كهذه، فإنه لم يفعل هذا باطلاً، إنما ليرفعنا للأعالى! وُلِد بالجسد، لكى تولد أنت ثانية حسب الروح. وُلد من امرأة، لكى تصير أنت ابناً لله[455].].

ب. عيد الميلاد (29 كيهك). كان مولود المذود مجهولاً من البشر لكنه يتحرَّك لخدمة البشرية:

1. أرسل ملاكاً على هيئة كوكبٍ إلى جماعةٍ من المجوس، يقول القدِّيس مار يعقوب السروجى: [صاروا كارزين له وهم سائرون فى الطريق، يُبَشِّرون بأن ملكاً للعالم كلّه قد أشرق. انبسطت كرازتهم لأميال فى الطريق، وكسروا قلوب الملوك الذين جازوا فى تخومهم، حثَّهم الحق ليكونوا له كارزين.

2. فتح أبواب السماء وأرسل فرقة تسبيح تبشر رعاة لا معروفين.

3. ذهب إلى مصر يلتقى بمصريين لا معروفين ليقيم منهم شعبه المبارك.

4. بعث موكب أطفال بيت لحم اللا معروفين، ليبشروا الذين فى الجحيم بقرب مجيئه إليهم، ليحررهم من ظلمته وقيوده.

ج. عيد الغطاس (11 طوبة). مع دخول السيد المسيح نهر الأردن يشعر كل مؤمن أنه يدخل إلى ذات الأردن حين يغطس فى جرن المعمودية ثلاث مرات بسم الثالوث القدوس: الآب والابن والروح القدس. يتمتَّع بالتبني فيصير حقاً طفلاً جديداً مولوداً بالروح ونامياً ليتمتَّع بكمال حقوقه كابن لله إلى النضوج يصير له حق الشركة فى المجد مع الابن الوحيد الجنس يسوع المسيح.

يرى المؤمن أبواب السماء مفتوحة، ويسمع صوت أبيه السماوى الذى يُعلِن إنه قد صار ابناً محبوباً موضوع سروره، لأنه صار عضواً فى جسد المسيح. يلتهب قلب المؤمن مشتاقاً أن يلقي بالعالم كله تحت قدميه، منشغلاً بحضن الآب.

د. أحد الشعانين. تطلَّع السيد المسيح إلى موكب أحد الشعانين أنه موكب المجد خلال الصليب، فقد أتت الساعة ليتمجَّد ابن الإنسان (يو 12: 23)، بتقديم نفسه حمل الفصح عن العالم كله، ليَعْبُرَ بالمؤمنين من عبودية إبليس إلى السماء. وتطلَّع إليه رجال العهد القديم وهم فى الجحيم، ليروا تحقيق الرموز والنبوات، وقد حان الوقت ليأتى مَنْ يَخرُجُ بهم إلى الفردوس، حاملاً إياهم غنائم سماوية. وتطلَّع التلاميذ إلى الموكِب، ولم يفهموا شيئاً! دخلوا فى حالة ارتباكٍ شديدٍ! وتطلَّع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى الموكِب أنه دمار تام لمراكزهم ومصالحهم الشخصية. وتطلَّعت الجموع إلى الموكِب أنه دخول إلى عصرٍ جديد، حيث جاء مَنْ يُخَلِّصهم من الاستعمار، ويهبهم مجداً زمنياً! وتطلَّع السمائيون إلى الموكِب وهم يدهشون أمام تواضع كلمة الله المتجسد، وهو ملك السماء والأرض، يجلس على جحش، ويزفه بشر ضعفاء؛ ماذا وراء تواضعه هذا وحبّه للبشر؟!

ﮪ. أحد القيامة. حَوَّلت قيامة السيد المسيح صلبه وموته من تاريخٍ مؤلمٍ إلى عيدٍ غيَّر تاريخ البشرية ومفاهيمها وتطلعاتها. ينتهى طقس الجمعة العظيمة الذى يسوده نغمة الحزن الباعث تعزيات إلهية ليبدأ طقس "سبت الفرح"، وهو امتداد طبيعى للجمعة العظيمة. فإننا إذ نذكر موت السيد المسيح ودفنه نراه ينزل إلى الجحيم ليلتقى مع كل الذين ماتوا على الرجاء. كم كانت فرحة آدم وحواء، وابراهيم صاحب العهد وسارة، ويعقوب وبنيه، وداود النبى وغيره من الأنبياء. فقد انكشفت أمامهم بالأكثر نبواتهم، ورأوا ذاك الذى يدعى "مشتهى الأمم". يرونه قادماً ليُحَطِّم بصليبه متاريس الهاوية، ويحملهم كغنائم مقدسة على كتفيه ويدخل بهم فى الأبواب الدهرية المرتفعة!

حَطَّم السيد المسيح بقيامته سلطان الموت، وحَرَّرنا من عبودية الخوف منه. يقول القديس أثناسيوس الرسولى: [قد تحرَّر العالم بدم المُخَلِّص، وبالموت داس الموت، ممهداً طريق الأمجاد السماوية بغير عقبات أو حواجز لهؤلاء الذين ينمون.].

و. عيد الصعود. أمام مشهد الصعود الذى لا يفارق عينيّ المؤمن الحقيقى، يليق بنا أن ندعو نفوسنا كى تسرع وتحمل قيثارة الروح، فتتحوَّل حياة المؤمن كلها، تحت كل الظروف، إلى ممارسة العزف الموسيقى الروحى بلا انقطاع. يعيش المؤمنون هنا كفتاة مخطوبة تتغنى بعظمة عريسها، فتشترك النفس مع الجسد وكل الطاقات لتمارس الفرح السماوى على انتظار يوم عُرْسِها الأبدى.

انطلق آدم الثانى "الرب من السماء" (1كو 15: 47)، ليُقَدِّم الجوهرة المفقودة للآب. الآن لا نعود نسمع مع آدم الأول: "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19). إنما إذ نستتر فى آدم الثانى نسمع كما يقول العلامة أوريجينوس: "أنت سماء وإلى سماءٍ تعود".

ز. أحد العنصرة. كثيراً ما يقارن بعض الآباء والمفسرين بين بلبلة الألسن (تك 11: 1 - 9) التى حدثت بعد الطوفان فى أيام نوح، وبين تمتع التلاميذ والرسل بعطية الألسن المتنوعة. اجتمع البابليون وخطَّطوا لبناء برج، وكان غايتهم التحدِّي ضد الله نفسه. وأما التلاميذ ومن معهم فى علية صهيون، فكانوا فى ضعفٍ يترقَّبون تحقيق الوعد الإلهى، لكى ينالوا قوة من الأعالى. فيكرزون ببشارة الخلاص، ويردّون البشرية من كل الأمم والشعوب والألسنة إلى الله فى حبٍ وتواضعٍ وتسليمٍ لمشيئة الله المقدسة. يقول القديس مار يعقوب السروجى: [وزَّع الله اللغات بين البشر، وهذه اللغات نفسها هى التى وهبها للرسل تلاميذه. بدون تعليم ولا ممارسة، بالروح نطق التلاميذ بكل اللغات. أُرسِل هذا الغِنَى إلى التلاميذ ليتكلموا بألسنة جديدة دون أن يتعلموها.].

10 - ما هى الأعياد السيدية الكبرى الصغرى؟

أ. عيد الختان (6 طوبة). خضع الطفل يسوع للناموس، فاختتن وصلى وصام وتعبَّد. هكذا أعطى للطاعة كرامة إلهية إذ صارت سمة الخالق المتجسد. صار السباق فى ميدان الطاعة مكافأته الشركة فى احدى سمات السيد المسيح. لذلك يحثّ الرسول الأبناء أن يطيعوا الوالدين "فى الربّ" (أف 6: 1). لم يكن السيد المسيح محتاجاً أن يختتن، لكنه حوَّل ختان الجسد إلى الختان الروحى، حيث فى مياه المعمودية يصلب الروح القدس الإنسان القديم فينا ويخلع أعماله عنا، ويهبنا الإنسان الجديد المُقام لنشاركه الحياة المقامة المجيدة المتهللة. وهكذا مع نوالنا امكانية الطاعة فى المسيح يسوع نحيا حياته الجديدة.

ب. عيد عرس قانا الجليل (13 طوبة).

يقول القديس مار يعقوب السروجى: [كان يليق أن يبدأ (السيد المسيح) بالمعجزات فى العُرْسِ، وفى بيت الزواج يمدّ اليد للقداسة،.

ركض ووقف على الباب الذى يُدخِل الجنسَ لكى ينشر التعليم لكل من يأتى إلى العالم،.

أتى ليخطب عروس النور بصلبه، فتوجه أولاً حيث كانت توجد العروس الزمنية،.

كان يستحسن أن يصنع النصرة فى العرس، ليتتلمذ كل المتكأ بتلك الأعجوبة،.

المسيح أيضاً كان ختنا قديم الأجيال، وقد أتى ليخطب بيعة الشعوب بذبيحته،.

وبما أن عرسه كان بعيداً بعض الوقت، فقد أخذ الهدية وذهب ليجلبها مثل القريب،.

لقى التقليد على ذلك العريس الذى دعاه، بحيث عندما يصنع عرسه يُقبلون إليه،.

دعوه وذهب حتى عندما يدعوهم يذهبون معه، واتكأ عندهم ليُتكئهم على مائدته،.

أبان هناك بأن طريق الزيجة طاهرة، والزواج مُتقن جيداً من قبل الله.].

ج. عيد دخول المسيح الهيكل (8 أمشير). إذ دخلت القديسة مريم إلى الهيكل تحمل الطفل يسوع (لو 2: 21 - 36)، يبدو أن سمعان الشيخ انفتحت بصيرته الداخلية، فرأى ملاك الهيكل متهللاً ومسبحاً الرب، قائلاً: "بلاهوتك تملأ هذا الهيكل، والآن تدخله متجسداً! إننى سعيد أن أستقبلك!" غالباً ما اجتازت سمعان الشيخ ثلاث مشاعر هزّت كل أعماقه، فصار قلبه يصرخ:

1. مرحباً بك يا مالئ السماء والأرض فى هيكلك، هوذا ملاك الهيكل مع صفوف السمائيين ومؤمنوا العهد القديم يقيمون موكباً للاحتفال بدخولك فى هيكلك.

2. مرحباً بك فى قلبى، بيتك الجديد، الذى يقدسه لك روحك القدوس.

3. متى انطلق إلى بيتك السماوى، فأجد الكل يرحب بى. لهذا "أخذه على ذراعيه، وبارك الله، وقال: الآن تُطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عينيَ قد أبصرتا خلاصك الذى اعددته قدام وجه جميع الشعوب، نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل" (لو 2: 21 - 36).

د. خميس العهد. إذ يحلّ خميس العهد تمتلئ نفس المؤمن رهبة، ويشتهى أن يرافق المخلص فى رحلة هذا اليوم الخطير. فهى رحلة تحمل مظهر المرارة مع عذوبة الحب الإلهى الفائق.

بينما كانت البشرية قد انشغلت تماماً بالتخلُّص منه إذ هو فى نظرهم سلب العالم كله من القيادات اليهودية وحوَّله إليه. ماذا قَدَّم لنا مُخَلِّصنا فى هذا اليوم؟

أولاً: جاء إلينا يطلب منا أن نُقَدِّم له أقدامنا الدنسة ليغسلها ويطهرها! فى خجل شديد نُقَدِّمها وقَدَّم قلوبنا إليه إذ هو غافر الخطايا، وغاسل النفوس! هب لنا يا مخلصنا أن نحمل مجد الشركة معك فى عملك الفائق، فنتضع معك مشتاقين أن نغسل أقدام إخوتنا، فلا نعود ندين أحداً، ولا نضطرب حتى لمقاومتهم لنا. لنشتهى أن نحمل ضعفاتهم، ونُصَلِّى لأجل خلاصهم ومجدهم.

ثانياً: جاء إلينا ليُقَدِّم جسده ودمه المبذولين، فنثبت فيه وهو فينا! حب فائق لم ولن نسمع عنه قط! ليس من يوم ويُقَدِّم جسده ودمه لمحبوبه ليرتبطا معاً، ويصيرا واحداً.

بينما أعلن المخلص حبه العملى لكل العالم، إذا به يكشف عن خيانة ضده تحدث من أحد تلاميذه. وكما يقول القديس مار يعقوب السروجى: [أعلن لرسله بأن واحداً منكم يسلمنى، فخاف الودعاء من الخبر الذى سمعوه من الصادق.

اضطربوا وانزعجوا وقلقوا ونظروا إلى بعضهم بعضاً، وارتجفوا وتحيروا مثل الأشقياء.

تصاعدت الكآبة كالدخان من قلوبهم، وتغير لون وجوههم المحبوب.

جاءت الكآبة ولفّتهم من كل الجهات، وأمضوا المساء المملوء قلقاً بالضيقات.

نعم بالحقيقة كانت تلك الوليمة مُرَّة، وتراكمت الضيقات الواحدة تلو الأخرى على التلاميذ.

سمعوا بأن مُعَلِّمهم يموت من قبل اليهود، فانزعجوا، وسمعوا بأن واحداً يسلمه، فاضطربوا[456].].

ثالثاً: مع بداية ليلة الجمعة العظيمة تهتف الكنيسة فى كل ساعة، قائلة: "قوتى وتسبحتى هو الرب، وقد صار لى خلاصاً مقدساً (إش 12: 2). ففي بستان جثسيمانى ترى مُخَلِّصها كما فى حزنٍ شديدٍ يهب المؤمنين ذاته قوة وتسبحة وخلاصاً! يُحَدِّثنا مسيحنا عن الروح القدس الباراقليط ويتحدث مع الآب فى صلاته الوداعية، وكأنه يعلن عن شوقه أن يهبنا روحه المعزى لكى يدخل بنا إلى حضن الآب. يحملنا معه، لندخل معه فى بستان جثسيمانى، نعترف له، إننا كثيراً ما نسقط كما فى نومٍ عميقٍ مع تلاميذه، لأنه يصعب علينا جداً أن ندرك سرّ الحب الذى أعلنه فى حديثه مع الآب. ربما منذ أقل من ساعة انحنى أمام البشرية مشتاقاً أن يغسل أقدام قلوبهم. ها هو ينحنى بالحب أمام الآب، قائلاً:" لتكن إرادتك لا إرادتى "(لو 22: 42). إرادته وإرادة أبيه واحدة، فإذ صار إنساناً أعلن خضوعه وطاعته نيابة عنا جميعاً.

ما هى إرادة أبيه أو إرادته إلا أن ينحنى ويحمل كل ثقل خطايا العالم كله! رآه إشعياء النبى وهو فى البستان قبل دخوله فيه بأكثر من سبعة قرون فقال: "من ذا الآتى من أدوم، وثيابه حُمر من بصرة؟ هذا البهيّ بملابسه المتعظم بعزة قوته... ما بال لباسك حمراء، وثيابك كدائس المعصرة؟! إنى دست المعصرة وحدى، ومن الشعوب لم يكن معى أحد" (إش 63: 1 - 3).

نعود فى خجل ونقول: "إننا لم نقدر أن نسهر معه ساعة واحدة فى وقت التجربة، ارحم نفوسنا الضعيفة وشددها لكى بروحك القدوس تشترك فى آلامك والصلب معك، فتذوق بهجة قيامتك".

رابعاً: لتُيقظ نفوسنا المسكينة كما أيقظت تلاميذك فى البستان. نود ألا نهرب حين تلقي الجماهير القبض عليك، بل نسير معك حتى إلى الصليب. هنا نقف مع القديسة مريم والدتك، والقديس يوحنا الحبيب. نستلم أمك أماً لنا، ونُحسَب أعضّاء فى الأسرة السماوية.

خامساً: نراه وسط هياج الجماهير يهتم بأُذن عبد فيشفيها! هب لنا هذا الروح يا أيها المحب!

أخيراً اسمح لينا أن نُرافِقك أثناء محاكمتك الغريبة. وأنت ديَّان الكل لا تريد أن تدين أحداً، بل أن تخلص، إذا بالمدنيين والكنسيين (مجمع اليهود) يتجاسرون على تقديمك للمحاكمة كمجدفٍ وصانع شر! صمتَّ ولم تدافع عن نفسك (مت 26: 63)، حتى نصمت نحن أيضاً حتى إن وقف العالم كله ضدّنا! ليحكم العالم علينا، ففى هذا شرف عظيم لا نستحقه، أن نشاركه هذا الاحتمال!

لتصرخ كل الجماهير: "أصلبه! أصلبه!" (لو 23: 21)، فإننا نستحق الصلب، أما هو فبحبه سمح لهم بذلك. حقاً يليق بنا أن نعترف بأننا مستحقين للصلب. مع كل خطية نرتكبها تخرج هذه الصرخات المرة!

سادساً: بروحه القدوس يحملنا إلى أحداث الجمعة العظيمة، لنراها خطة إلهية سبق فأعَدّها ليحمل المخلص آثامنا، دافعاً دمه الثمين، ليهبنا برّه إلى الأبد. وهكذا تبقى أحداث الصليب التى رآها الأنبياء فتهللوا سرّ تسبحتنا ليس فقط أثناء جهادنا هنا بل ونحن فى الأبدية.

الآن إذ تنطلق نفوسنا معه فى الجمعة العظيمة نقف فى حيرة أمام الأحداث. لكل ساعة بل ولكل دقيقة من دقائق هذا اليوم لها تقديرها الخاص، وتقدم حدثاً عجيباً ومذهلاً.

نرى السمائيين فى حيرة، ماذا يحدث لخالقهم المهوب بأيدٍ بشرية، وكانوا متأهبين لإفناء البشرية فى لحظات، لكنهم رأوه عجيباً فى قبوله الآلام بمسرةٍ! ووقفت الطبيعة تترقَّب ماذا يحدث، لقد أعلنت عن غضبها على قسوة قلوب البشرية تجاهك يا مخلصنا. أما إبليس وكل جنوده، فكانوا فى حيرة. إن تركوك على الأرض تخدم، تجتذب النفوس إليك، وإن صلبوك صلبوا سلطانهم وقدرتهم، وحَطَّموا أنفسهم! حقاً، إنك عجيب فى أعين السماء والأرض وما تحت الأرض!

ﮪ. أحد توما (الأحد الجديد). لو أن توما الرسول كان بالحق قد تشكك لترك التلاميذ وعاد إلى عمله قبل تلمذته للسيد المسيح، ولم يعد يقابلهم. فى رأى القديس مار يعقوب السروجى أن توما لم يشك فى أعماقه، بل حَسَبَ أن من حقه كتلميذٍ للسيد المسيح أن يرى الرب كبقية زملائه، لأنه سيكرز بين الأمم فيقول إنه رأى بنفسه الرب القائم من الأموات.

1. هذا اللقاء دعوة لكل إنسان للتمتع بالحوار مع القائم من الأموات.

2. لم يترك توما التلاميذ بل ارتبط معهم بروح الحب والوحدة.

3. كان الرسول توما أول شاهد بين التلاميذ لربوبية الرب وألوهيته (يو 20: 28).

4. لم يذكر الكتاب أنه لمس الجراحات، بل أعلن إيمانه عندما دُعِي للمسها.

5. هذا اللقاء فريد فى الإعلان عن الكشف عن جراحات الرب بعد قيامته. جراحات الرب جراحات مجد وليست ضعفاً، لذلك بقيت الجراحات فى الجسد القائم من الأموات.

6. جراحات الرب مجيدة، وجراحاتنا نحن من أجله مجيدة تسكب بهاءً علينا فى الأبدية.

7 - جراحاته مملوءة بهاء، لندرك أننا فى الخماسين وإن كنا لا نصوم ولا نمارس المطانيات، وفى كل صلواتنا حتى الجنازات نمارسها بلحن الفرح. هكذا يليق بنا بالنعمة نشارك الرب فنتألم مع المتألمين ومن أجل خلاص العالم بروح الرجاء.

8. غاية الصوم الكبير أن نرى الرب، وفى فترة الخماسين يرى العالم مجد الرب مخلص العالم.

و. عيد دخول المسيح أرض مصر (24بشنس). انطلقت نفوس أطفال بيت لحم وقد حملتها الملائكة فى موكبٍ مجيدٍ! إنهم أصدقاء هذا الطفل العجيب، "مُشتهَى كل الأمم" (حج 2: 7)، وقد أرسل أحد ملائكته يسأل يوسف النجار أن يأخذه مع أمه ويذهبوا إلى مصر (مت 2: 13)؛ لماذا؟

1. هرب إلى مصر، لأنه لابد أن يموت علانية ليدعو كل البشرية للتمتُّع بقوة صليبه، فيسحقون رأس الحية تحت أقدامهم. جاء ليُقَدِّم نفسه ذبيحة عن العالم كله (يو 3: 16).

2. اختار مصر المتشامخة التى أَذلَّت شعبه قديماً، وذهب إليها محمولاً على ذراعى العذراء، بكونها سحابة بهية خفيفة، فترتجف أوثانها، ويذوب قلبها، ويُقِيم مذبحه فى وسطها، فتعرفه وتسمع صوته: مبارك شعبى مصر (إش 19 - 25). تمتلئ كل الأمم بالرجاء وتتهلَّل قائلة: إن كان مُخَلِّص العالم أعلن حُبَّه لمصر بهذه الصورة، فكيف يُمكِن لإنسانٍ ما أن ييأس من خلاصه؟

3. كانت مصر ملجأ لإبراهيم ويوسف البار وفيها نشأ شعب الله قديماً.

4. ما جاء لينتقم من هيرودس الملك الغادر، إنما هرب من الشرِّ حتى يقتدي به المؤمنون!

5. بهروبه فتح قلوب الكثيرين بالحُبِّ له لكى يلجأ إليها المتألمون والمُضهَدون ويستريحون فيه!

6. لم يتجسد لإظهار عجائبه، إنما ليظهِر بالضعف ما هو أعظم من القوة!

ز. عيد التجلى (13مسرى / 19 أغسطس).

فى العهد القديم دعا الربُّ موسى ليصعد على جبل سيناء، ويُقَدِّم له الشريعة. الآن فى العهد الجديد دعا الربُّ ثلاثة من تلاميذه: بطرس (يُمَثِّل الإيمان)، ويعقوب البار (العمل) ويوحنا الحبيب (الحُبّ). وكأن الدعوة مُوَجَّهة لكل مؤمنٍ يعمل بالحب ليتعرَّف على العريس السماوى ومهره الثمين.

التقى موسى بالربِّ ونزل من الجبل، فطلب الشعب منه أن يضع على وجهه برقعاً لأن جلد وجهه كان يلمع (خر 34: 33)، أما يسوع فصار وجهه كالشمس وثيابه بيضاء كالنور (مت 17: 2)، فالتهبت قلوب التلاميذ شوقاً للوجود فى حضرته أبدياً. كشف عن حقيقته قدر ما يحتملون.

لماذا ظهور موسى وإيليا؟

أ. دعا موسى من القبر وإيليا من الهواء، ليشهدا نيابة عن الأرض والسماء على عَقْدِ العُرْسِ.

ب. بظهور موسى الذى لم يُسمَح له بدخول أرض الموعد، أعلن الربُّ أن بمجيئه تُفتَح أبواب الفردوس وتُزَال آثار الخطية ويتمتَّع المؤمنون بشركة المجد الأبدى.

ج. يُعلِن الرب أنه ختم الشريعة والنبوة ليتسلَّم التلاميذ الكرازة بالإنجيل. وفتح العريس كنوزه ليُقَدِّمها تلاميذه باسمه للبشرية.

سمع التلاميذ الحديث عن الصليب، الذى دار بين المُخَلِّص والنبيين، وطلب سمعان باسم الثلاثة أن يصنع ثلاث مظال، إذ طابت نفوسهم للوجود الدائم مع العريس السماوى. لكن الآب أرسل سحابة تُظَلِّلهم ليؤكد لهم أنها كنيسة واحدة تضم أناس الله فى العهدين حَوْل السيد المسيح.

ليهبنا الرب أن نسلك بالإيمان العامل بالحُبِّ ونرتفع بروحه القدوس فى حضرة المُخَلِّص والشركة مع القديسين، فيُعلِن الرب لنا ولكل البشرية بهاء مجده فى قلوبنا، ليتحوَّل العالم إلى أيقونة السماء، قانونه الحُبّ والفرح والسلام!

11 - ما هى أعياد الثيؤطوكوس؟

بالإضافة إلى التذكار الشهرى للعذراء مريم فى 21 من الشهر القبطى، نحتفل بالأعياد التالية.

أ. عيد البشارة بميلادها 7 مسرى. فى هذا العيد نحتفل بخلقة القديسة مريم، تابوت العهد الحىّ، مسكن العلىّ، والسماء الثانية.

ب. عيد ميلادها أول بشنس. عادة يحتفل الأقباط بأعياد القديسين ليذكروا نياحتهم أو استشهادهم أو رحيلهم للفردوس، لكنهم يصرّون على تكريم القديسة مريم فى يوم ميلادها كيومٍ مفرحٍ.

ج. عيد دخولها الهيكل 3 كيهك. كُرست القديسة مريم لله كنذرٍ من والدتها، كما جاء فى التقليد الكنسى، إذ نذرت أن تقدم البكر – ابناً كان أو بنتاً – ليكون للرب يخدمه أو تخدمه كل أيام حياته أو حياتها.

د. عيد نياحتها 21 طوبة.

ﮪ. عيد إعلان صعود جسدها الطاهر (16مسرى / 22 أغسطس)، ويسبقه صوم العذراء 15يوماً.

و. عيد تكريس أول كنيسة بإسمها فى فيلبى 21 بؤونة ويُوافِق أيضاً عيد العذراء حالة الحديد.

ز. عيد ظهور السيدة العذراء فى كنيستها بالزيتون 24 برمهات (2إبريل). يُعتبر هذا الظهور فريداً فى كل تاريخ الظهورات المريمية[457]. فقد بدأ فى الثانى من شهر أبريل عام ألف وتسعمائة وثمانية وستون، وتكرر غالباً كل يومٍ لمدة ساعات، وبقى هكذا لشهورٍ كثيرة. تمَّت هذه الظهورات على قباب كنيسة القديسة مريم، رآها عدة مئات الألوف من الشعب، من كل الأعمار والمراكز، مسيحيون ومسلمون. كان الشعب يزدحم كل ليلةٍ حول الكنيسة يصلى ويُسبِّح الله، منتظراً أن يرى الطيف البهي للقديسة مريم يقف على إحدى القباب، تارة راكعاً أمام الصليب، وأخرى حاملاً الطفل يسوع. رافق هذه الظهورات ظهور طيور على شكل حمام.

وكان من ثمر هذه الظهورات توبة الكثيرون وحدوث معجزات بغير حصرٍ.

12 - ما هى أعياد القديسين؟

أ. أعياد العذراء الثيؤطوكوس.

ب. أعياد الملائكة والأربعة مخلوقات غير المتجسدين والأربعة وعشرين قسيساً.

ج. عيد القديس يوحنا المعمدان.

د. أعياد القديس مار مرقس والآباء الرسل.

ﮪ. أعياد الشهداء والشهيدات.

و. أعياد البطاركة وآباء وأمهات الرهبنة والذين دافعوا عن الإيمان.

13 - ما هى أعياد تكريس الكنائس؟

تعتزّ الكنيسة كما الشعب بالاحتفال بأعياد تكريس الكنائس مثل تكريس كنيسة الشهيد مارجرجس باللد (7 هاتور). فما هى غاية الاحتفال؟ وأين وضع ربنا يسوع فى الاحتفال؟

أولاً: إن كان الله يكرِّم شهداءه وقديسيه، إنما يطلب تكريم كل مؤمنٍ، قائلاً: "اكرم الذين يكرموننى، والذين يحتقروننى يصغرون" (1صم 2: 30). ففى تكريس الكنيسة بيت الله باسم أحد الشهداء أو القديسين، يُحسَب نوعاً من التكريم من قبل الله للقديس. مع كل احتفال لتكريس كنيسة نمجد الله كمحبٍ للبشر، فينعم قديسوه بكرامة حسب مسرّته الإلهية، وليست حسب مجد العالم. لهذا احتفالنا بتكريس كنيسة ما يدعونا إلى تركيز بصيرتنا الداخلية إلى جحد الكرامات الزمنية وطلب الكرامة التى يقدمها الرب لمحبوبيه.

ثانياً: مسرّة الله أن يسكن فى وسط شعبه، بل وفى أعماق كل مؤمنٍ، فاحتفالنا بتكريس أيّة كنيسة يدفعنا بالأكثر إلى طلب سكناه الدائم فينا. فتتحوَّل قلوبنا إلى سماء ثانية، بل نشتهى أن تتحوَّل كل قلوب البشرية إلى هيكل للرب وروح الله يسكن فيها (1كو 3: 16؛ 2كو 6: 16).

لا يكف آباء الكنيسة عن الكشف عن الكنيسة كجماعة المؤمنين أو الإنسان الداخلى للمؤمن بكونها سماء مقدسة موضع سرور الله. يقول القديس أغسطينوس: [كنيسة الله هى السماء[458].].

فى حديث القديس يوحنا الذهبى الفم عن الذين يواظبون على اجتماعات الكنيسة يقول: [يليق بنا أن نخرج من هذا الموضع نحمل ما يليق به كموضعٍ مقدسٍ، كأناسٍ هابطين من السماء عينها!... عَلِّموا الذين فى الخارج أنكم كنتم فى صحبة السيرافيم، محصيين مع السمائيين، معدين مع صفوف الملائكة، تتحدَّثون مع الرب وتكونون فى صحبة السيد المسيح[459].].

ثالثاً: فى هذه الأعياد يليق بكل مؤمنٍ ألا يقف فارغاً أمام الرب، بل يأتى إلى بيت الرب ببعض التقدمات. فقد طلب الله من موسى أن يسأل الشعب كى يُقَدِّم كل إنسانٍ حسبما يسمح قلبه (خر 35: 5)، أى يٌساهِم قدر ما تسمح محبته فى التقدمة التى تستخدم فى صنع "المَقْدِس" الذى يسكن فيه الرب وسط شعبه: "هذه هى التقدمة التى تأخذونها منهم: ذهب وفضة ونحاس وإسمانجونى وأرجوان وقرمز وبوص وشعر معزى وجلود كباش محمرة وجلود تخس وخشب سنط وزيت للمنارة وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر وحجارة جزع وحجارة ترصيع للرداء والصدرة" (خر 25: 3 - 7).

أ. الذهب: يرى العلامة أوريجينوس أن تقديم الذهب هو الإيمان الذى يجعل من القلب سماءً، لذا يُشِير الذهب إلى السماويات، كما يُشِير إلى القديسين بكونهم سماء يسكن الله فى قلوبهم.

ب. الفضة: تقديم الفضة هو ممارسة كلمة الكرازة، لأن كلمة الله كالفضة مصفاة ممحوصة سبع مرات (مز 12: 6). إن كان الذهب يُشير إلى البتولية، فالآباء يرون فى الفضة إشارة إلى عفة الزواج.

ج. النحاس: يٌشير تقديمه إلى ممارسة الصبر بروح القوة التى تتحدَّى أشواك الخطية. فالسيد المسيح، ظهرت يداه حلقتان من ذهب (نش 5: 14)، لأن أعماله سماوية، أما رجلاه فشبه النحاس النقى كأنهما محميتان فى أتون (رؤ 1: 15)، بهما ندُكّ كل أشواك هذه الحياة وضيقاتها بلا خوفٍ!

د. الخشب الذى لا يسوس: يشير إلى اهتمامنا الجاد بالعلم كما بالعفة التى لا تشيخ[460] ولا تفسد.

ه. البوص (الكتان) المبروم: إذ يُشير البوص إلى الجسد، فكونه مبروماً أي تحت الضبط والقمع[461]، كقول الرسول "أُقمِع جسدى وأستعبده" (1كو 9: 27). فكل جهاد لضبط الجسد والتحكُم فيه فى المسيح يسوع هو تقدمه بوص (كتان) مبروم لبيت الرب.

و. القرمز: إن كان الحبل القرمزى الذى أنقذ حياة راحاب وكل بيتها (يش 2: 18) يُشير إلى دم السيد المسيح المخلص، فإن القرمز الذى نُقَدِّمه لبيت الرب هو شهادتنا له حتى الدم، "من أجلك نُمَات كل النهار" (رو 8: 36)؛ كان القرمز يٌشير إلى الاستشهاد أو حياة الإماتة اليومية من أجل الرب.

ز. الأرجوان: يرى أوريجينوس أن الأرجوان يُشِير إلى ضياء المحبة[462]، وإلى النار[463]. فالمسيحى الحقيقى يحمل فى قلبه نار الروح القدس الذى يُنير الطريق، والذى يحرق الأشواك الخانقة للنفس.

ح. شعر المعزى: يُشِير إلى الموت عن الخطية (خر 35: 6، لا 4: 23). يقول العلامة أوريجينوس: [تقديمه يُشِير إلى تحطيم الخطية، وموتها فيه، فلا تملك بعد فى أعضائه[464].].

ط. جلود الكباش: إن كانت المعزى تُشير إلى الخطية، فالكباش تُشير إلى الغضب، فمن يُقَدِّم جلودها، إنما يعلن أنه قد مات الغضب فيه، ولم يعد له سلطان عليه.

14 - ما هى الأصوام الكنسية؟

كل الأصوام وإن حملت بعضها أسماء القديسين، مثل كل العبادة موجهة للسيد المسيح.

كل صوم له هدف خاص يمسّ أحد جوانب خلاصنا ونمونا الروحى فى المسيح يسوع.

أ. صوم يوميّ الأربعاء والجمعة (ماعدا فى الخماسين المقدسة أو إذا جاء عيد الميلاد أو الغطاس فيهما).

ب. صوم البرامون أو الاستعداد (قبل عيد الميلاد وعيد الغطاس).

ج. صوم الميلاد 43 يوماً.

د. صوم يونان 3 أيام.

ﮪ. الصوم الكبير 55 يوماً.

و. صوم الرسل، من اليوم الذى يلي عيد العنصرة حتى عشية عيد الرسل.

ز. صوم جسد العذراء الطاهر 15 يوماً.

15 - ما هى علاقة التقويم القبطى بالتقويم الفرعونى؟

عرف الفراعنة التقويم منذ عام 4240 ق. م، ويذكر المؤرخ اليونانى الشهير هيرودوت أن المصريين سبقوا اليونانيين فى تصحيح تقويمهم بإضافة خمسة أيام إلى الاثني عشر شهراً[465].

ورث الأقباط عن أجدادهم الفراعنة الاهتمام بالتقويم الشمسي، ولا يزال الأقباط، حتى الأميين منهم، يتسلَّمون بالتقليد الشفهي التقويم، لإدراك مواسم الزراعة، والتعَّرف على الأحوال الجوية، ولأجل العبادة (السنة الليتورجية).

تنقسم السنة القبطية التى من أصل فرعونى إلى 12 شهراً، يحوى كل شهر30 يوماً، يُضاف إلى ذلك خمسة أيام تسمى "الشهر الصغير" أو أيام النسيْ epagomenai، كما يُضاف فى السنة الرابعة (الكبيسة) ستة أيام عوض الخمسة. وتنقسم السنة إلى ثلاثة فصول، يضم كل فصل أربعة شهور، فصل يخص فيضان النيل، والثانى للزراعة، ثم للحصاد وجمع الثمار. ولازال هذا التقسيم معمول به فى السنة الليتورجية القبطية فى مصر كما فى الخارج، حتى صدر قرار مجمعى بضم أواشي (صلوات) المياه والزرع وأهوية السماء معاً بالنسبة للخارج، إذ لا يرتبط الخارج بأحوال مصر الزراعية.

16 - ما الفرق بين التقويم الفرعونى والتقويم اليولياني[466]؟

فى عام 46 ق. م تبنَّى يوليوس قيصر Julius Caesar التقويم الفرعونى الشمسي، يعاونه فى ذلك الفلكى السكندرى Sosigenes. كان التقويم الرومانى المُبكر قمري، وكانت السنة 355 يوماً. لقد أبقى الرومان الشهور مارس ومايو وQuintilis (يوليو[467]) وأكتوبر 31 يوماً كما هي، وفبراير أيضاً 28 يوماً كتقويمهم القديم، أما بقية الشهور فكان الشهر فى نظرهم 29 يوماً. بالتقويم الجديد أضافوا يوماً واحداً إلى إبريل وسبتمبر ونوفمبر، ويومين إلى شهور يناير وSixtilis (أغسطس[468]) وسبتمبر وديسمبر، بهذا صارت السنة اليوليانية 365 يوماً. فى السنوات 36 الأولى من بداية التقويم اليولياني كان اليوم الزائد (السنة الكبيسة) يُضاف كل 3 سنوات بدلاً من كل 4 سنوات كما فى التقويم الفرعونى.

استخدم التقويم اليوليانى فى العالم الغربى. وفى عام 324 م ظهر عدم دقته، إذ هو أطول من الواقع، لأن السنة الشمسية هى 242199، 365 يوماً. فالخطأ هو 11 دقيقة و14 ثانية كل عام يكّوِن يوماً ونصف كل قرنين، وسبعة أيام كل ألف عام.

وفى عام 1582 م قام البابا غريغوريوس الثالث عشر الرومانى بحذف عشرة أيام من تلك السنة لتُقابل الخطأ مع تغيير فى التقويم، فاليوم الذى بعد 4 أكتوبر 1582 م صار 15 أكتوبر، وأشار إلى أن السنة الكبيسة تحذف 3 مرات كل 400 سنة. وحلّ التقويم الغريغوري محل اليولياني فى العالم الغربى ما بين 1582 و1924 م. كمثال تبنت إنجلترا التقويم الغريغوري عام 1752. لازال التقويم اليولياني مستخدماً فى حسابات عيد القيامة والأعياد المتحركة فى الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية، فصارت السنة الكنسية (الليتورجية) تختلف عن الغربية ب 13 يوماً.

17. ما هو ارتباط حساب الأبقطي بعيد الفصح المسيحى[469]؟

ترجع صعوبة تحديد عيد الفصح المسيحى إلى الالتزام بمراعاة أن يأتى بعد الفصح اليهودى. ولما كان الفصح اليهودى مرتبطاً بالحصاد عند اليهود (خر 23: 16). هذا والسنة اليهودية قمرية، لذلك يقع الفصح اليهودى دائماً ما بين شهرى إبريل ومايو. غير أن هذا الترتيب لا يتَّفِق وموسمنا فى مصر، لأن موعد الحصاد فى مصر مختلف عنه فى فلسطين. لذلك رأى البابا السكندرى ديمتريوس (القرن الثانى) أن يُؤلف دوْرَة هى مزيج من الدوْرة الشمسية والدوْرة القمرية، وبحسبها يقع عيد الفصح المسيحى ما بين شهري إبريل ومايو، فلا يكون قبل الأسبوع الأول من إبريل ولا يتأخر عن الأسبوع الأول من مايو.

هذه الدورة تتألف من تسع عشرة سنة شمسية – قمرية. ولما كانت السنة القمرية تنقص أحد عشر يوماً عن السنة الشمسية، كان عدد الأيام الناقصة فى تسع عشرة سنة قمرية عن العدد المماثل لها من السنوات الشمسية هى مائتين وتسعة أيام، فوزع هذه الأيام على تسع عشر سنة بإضافة شهر كامل كل سنتين أو ثلاث. وقد أقرّ مجمع نيقية هذا الحساب، وسارت عليه الكنيسة فى العالم كله حتى سنة 1582م.

حين انشق البروتستانت عن الكنيسة الرومانية فى القرن السادس عشر، فى ذات القرن الذى فيه طلب البابا الرومانى غريغوريوس الثالث عشر عدم مراعاة فصح اليهود، وأنه يكفى مراعاة الاعتدال الربيعى، ظل البروتستانت يستخدمون التقويم الأبقطي حتى سنة 1775 م، أى حوالى قرنين.

18 - ما هو ارتباط التقويم القبطى بالتقويم الفرعونى؟

ورث الأقباط من أجدادهم الفراعنة التقويم الفرعونى، وقاموا بتعديلات خفيفة فيه ليُمارِسوا حياتهم الكنسية وأيضاً أعمالهم، خاصة الزراعة.

يبدأ اليوم الليتورجى مع الغروب، مثل اليهود واليونان، كما استخدموا الأيام السبعة للأسبوع، حاسبين اليوم الأول هو يوم الرب (الأحد).

فى القرن الرابع حيث استشهد الكثير من الأقباط، حسبوا عصر دقلديانوس العصر الذهبى، واعتبروا السنة التى أختير فيها دقلديانوس إمبراطورا (نوفمبر 284 م) بداية لتقويمهم. ودعوه "تقويم الشهداء anno martyrum، يختصر ب. A. M. قال أحد الآباء المعاصرين لدقلديانوس:" لو وضع كل شهداء العالم فى كفة ميزان وشهداء مصر فى الكفة الأخرى، لكانت كفة المصريين هى الرابحة ".

19 - ما هى أسماء الشهور القبطية؟

أشارت بعض أوراق البردي التى ترجع إلى القرن الخامس ق. م والتى وُجِدَت فى جزيرة الفِيلة Elephentine أن المصريين كانوا يحتفلون بأعياد عظيمة لتكريم الآلهة التى تحمل الشهور أسماءها. وقد احتفظ الأقباط بأسماء الشهور الفرعونية بالرغم من أنها تحمل أسماء آلهة الفراعنة أو أعيادهم.

1. توت (11 / 12 سبتمبر): إله الحكمة والعلم ومخترع الكتابة، حامى الكتبة ومُصَمِّم المواسم والشهور. يسيطر توت على "بيت الحياة"، يضع كل النصوص اللازمة لحفظ الحياة وتجديدها.

2. بابة (10 / 11 أكتوبر): الاحتفال بعيد Opet. وكان أمون رع يسافر من الكرنك إلى الأقصر للاحتفال بهذا العيد الشهير.

3. هاتور (10 / 11 نوفمبر): الإلهة هاتور، بقرة السماء، التى ولدت الشمس وكل الكائنات: الآلهة والبشر. إلهة الذهب وبذر الغلال، خاصة القمح. لذلك قيل "هاتور، أبو الذهب منثور".

4. كيهك (10 / 11 ديسمبر): منشق هذا الاسم من طقس خاص بالبخور المستخدم فى الاحتفال الجنائزي، عرف بالاتحاد مع الروح (كا). فيه يُحتفل بأعياد أوزيريس.

5. طوبة (9 / 10 يناير): كان يُدعى Botti.

6. أمشير (8 / 9 فبراير): "العظيم" حيث "النار العظيمة".

7. برمهات (10 / 11 مارس). من شهور الحصاد عند قدماء المصريين (روح الغيط وهات).

8. برمودة (9 إبريل): مكرس ل Ermothis إلهة الحصاد، لها رأس حيّة تُرضِع أحياناً ابنها Kapri إله الغلال.

9. بشنس (9 مايو): مشتق من عيد قديم يُدعَى Khonsou، إله قمري، أُشير إليه قديماً كابن أَمون وموت Mut.

10. بؤونة (8 يونيو): كان يُحتفَل بعيد "الوادى الجميل" خلال هذا الشهر فى وادى الملوك لمدة عشرة أيام. يُعتبَر أهم عيد فى حياة الفراعنة، حيث تُقَدَّم الذبائح ويقومون بزيارة المقابر وتُقَدَّم موائد تكريماً للراقدين يشترك فيها الأقرباء والراقصون والموسيقيون[470].

11. أبيب (8 يوليو): يكرس لإلهة الخصوبة "Ipy".

12. مسرى (7 أغسطس): آخر الشهور حيث يُحتفَل بميلاد الإله الشمس رع.

أخيراً "النسي" أو الشهر الصغير؛ يُحتفَل بأوزوريس فى أول هذه الأيام.

20 - كيف نحتفل بالعام الجديد؟

اعتدنا مع بداية العام القبطى أو الميلادى وفى احتفال البعض بعيد ميلادهم أن يجلس الإنسان فى خلوة لتقديم الشكر لله على معاملاته العجيبة معنا وإعادة تقييم حياته، ليبدأ عاماً جديداً.

هذا وكان القديس يوحنا الذهبى الفم ينبذ الاحتفال بأعياد الميلاد، معتمداً على ما كان الملوك والأباطرة يفعلونه فى أعياد ميلادهم، مثل هيرودس الملك (مت 14: 6 - 11) وبيلشاصر (دا 5).

فى اليوم الأول من الشهر الصغير، إذ يقترب بدء السنة القبطية تُقَدِّم لنا الكنيسة نموذجاً رائعاً عن اللقاء الشخصي مع مُخَلِّص العالم فى إنجيل القداس (يو 21: 16 - 21)، لكى نقتدي به:

1 - افتتح رب المجد اللقاء!

2 - بعد جلوس السيد مع التلاميذ، جلس مع سمعان بطرس (ربما على انفراد)، أو وجَّه الحديث له وسط جمع التلاميذ، حيث يدرك اشتياق بطرس للحديث معه (يو 21: 15).

3 - كان قلب سمعان بطرس منكسراً بسبب جحوده للرب بالرغم من تحذير الرب له. على غير عادته صمت سمعان، لكن قلبه كان يصرخ، "لتفتح يا رب لى باب الحوار معك، فليس لى ما أقوله".

4 - ليتنا نطلب من الرب أن يقود بنفسه لقاءنا معه. فهو الذى بادر بالحديث مع زكا العشار (لو 19: 3)، وأيضاً مع السامرية (يو 4: 7)، وهنا مع سمعان بطرس (يو 21: 15).

5 - افتتح الرب الحديث معه، وبروح الحب سأله: "يا سمعان بن يونا أتحبنى أكثر من هؤلاء؟" (يو 21: 15) تغيَّرت لهجة بطرس، إذ لم يندفع بالإجابة، بل بانسحاق وبصوت خافت: "أنت تعلم إنى أحبك". لقد سبق "فقال بأكثر تشديد: ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك" (مت 26: 35). حقاً لقد أَعدّ الله البشرية عبر الأجيال أن يكتشف كل إنسانٍ بل وكل أمةٍ الخطايا التى سقطوا فيها. حينما ظهر الرب لآدم بعد السقوط، كان يليق بآدم أن يعترف بخطيته، لا أن يلقى باللوم على زوجته التى أعطاها الرب له. واكتشفت السامرية خطيتها (يو 4: 18). وقدَّم لنا السيد مثال الفريسي والعشّار لا ليفضح العشّار، إنما لكيلا نسقط فى رياء الفريسي وتشامخه، بل نقتدي بالعشّار المعترف بخطيته، القائل: "اللهم ارحمنى، أنا الخاطي" (لو 18: 13). ما يحثنا عليه محب البشر تركيز بصيرتنا عليه كغافر الخطايا، القادر أن يهبنا برّه برّاً لنا (1كو 1: 30).

21 - كيف نُحَوِّل احتفالاتنا إلى لقاء عمل؟

لقاؤنا مع المسيح رأس الكنيسة لا يقف عند النوح على خطايانا، بل التجاوب مع دعوة الرب للعمل بفرح. "فرح الرب هو قوتكم" (نح 10: 8). لم يقل الرب لبطرس: "مغفورة لك خطاياك"، إنما طالبه بالعمل الإيجابى: "ارع غنمى" (يو 21: 17). فالتوبة ومراجعة النفس تجحد الشر، وتمارس الخير. "حِدْ عن الشر، واصنع الخير" (مز 34: 14). جلوسنا فى حضرة الرب هو التصاق بغافر الخطايا والعامل فينا بروحه القدوس. ربنا يسوع يمنطقنا ويحملنا حيث يشاء.

22 - ما هى أهم الأعياد الثابتة المرتبطة بالتقويم القبطى؟

يقوم التقويم الكنسي القبطى على الشهور القبطية، وسأذكر ما يقابلها فى التقويم الميلادى، وإن تغيَّر يوماً أو يومين بسبب السنوات العادية والسنوات الكبيسة.

23 - ماهى أهم المناسبات فى شهر توت؟

1. عيد النيروز أو عيد الشهداء (1 توت / 11 س بتمبر)، يُصلى فرايحى من 1 الى 16 توت: الشهادة للثالوث القدوس مُفرِّح القلوب.

2. عيد استشهاد القديس يوحنا المعمدان (2 توت / 12 سبتمبر) أعظم مواليد النساء، فمن جانبٍ تنبأ عن حمل الله حامل خطية العالم، ومن جانب آخر عاصره ورآه.

3. تذكار الصليب (17توت / 27سبتمبر) (يُحتفَل به 3 أيام وأيضاً فى 10 برمهات). الصليب هو مَرْكَبة المسيح الذى انطلق بها إلى الجحيم لنسترد صورة الله فينا "اللؤلؤة الكثيرة الثمن. الصليب يشرق فينا وعلينا، فيُقيم منَّا كواكب فى جيلٍ ملتوٍ ومُظلِمٍ.

24 - ما هى أهم المناسبات فى شهر بابة؟

1 - تكريس كنيسة مار مرقس وظهور رأسه (30بابه / 9نوفمبر)، يدفعنا لانفتاح القلب على البشرية، والسؤال من أجل خلاص الكل.

25 - ما هى أهم المناسبات فى شهر هاتور؟

1. تذكار الأربعة مخلوقات الحية غير المتجسدين حاملي مركبة الله (8هاتور / 17نوفمبر)، للتعرُّف على أصدقائنا السمائيين المحبوبين الذين يرحبون بنا.

2. عيد الملاك ميخائيل (12هاتور / 21نوفمبر).

3. عيد الشهيد مار مينا العجائبي (15هاتور / 24نوفمبر).

4. صوم الميلاد المجيد (16هاتور / 25نوفمبر).

5. تذكار الأربعة والعشرين قسيساً السمائيين (24هاتور / 3ديسمبر).

26 - ما هى أهم المناسبات فى شهر كيهك (شهر السهر والتسبيح)؟

1. تذكار الملاك روفائيل (13كيهك / 22ديسمبر).

2. تسبحة سبعة وأربعة وأحاد كيهك.

3. برامون عيد الميلاد هو اليوم السابق لعيد الميلاد قد يكون يومين أو ثلاثة أيام.

4. عيد الميلاد المجيد (29كيهك / 7يناير): يُصلَّى فرايحى من عيد الميلاد 29 كيهك وحتى عيد الختان 6 طوبة. دعوة لرؤية الله والدخول فى حوارٍ معه. وإدراك سلطاننا على إبليس والخطية والظلمة وتحدِّى للظُلْم والموت.

27 - ما هى أهم المناسبات فى شهر طوبة؟

1. عيد استشهاد أطفال بيت لحم البتوليين (3طوبة / 11يناير): يبرز عظمة بتولية القلب وعفة النفس والجسد.

2. عيد الختان (6طوبة / 14يناير): اعتزازنا بختان الروح والحواس والعواطف!

3. براموت عيد الغطاس هو اليوم السابق لعيد الغطاس (قد يكون يومين أو ثلاثة).

4. عيد الغطاس (11طوبة / 19يناير)، يصلَّى فيه اللقان مثل عيد الرسل وخميس العهد:

1 - نتعرَّف على الأسرار الإلهية.

2 - أعطانا الذى له: به تمتَّعنا بالبنوة للآب.

3 - نسحق رأس التنّين. 4 - ننعم بعطية الروح القدس.

5 - عُرْس قانا الجليل (13طوبة / 21يناير): بدأ السيد خدمته بحضوره فى عرسٍ، وختمها بالصليب ليُقَدِّم لعروسه دمه مهراً لها.

28 - ما هى أهم المناسبات فى شهر أمشير؟

1. عيد دخول المسيح الهيكل (8أمشير / 15فبراير). مُشَرّع الناموس خضع له، لكى بصليبه يُقِيم هيكله فينا، يسكن فينا ويهبنا نعمته، فنستعذب ناموسه ووصاياه ونُمارِسه روحياً.

29 - ما هى أهم المناسبات فى شهر برمهات؟

1. عيد الصليب (10برمهات / 19مارس).

2. تذكار البشارة (29برمهات / 7أبريل).

30 - ما هى أهم المناسبات فى شهر برمودة؟

1. عيد الشهيد مار جرجس (23برمودة / 1مايو).

2. عيد مار مرقس (30 برموده / 8 مايو)، غالباً ما يقع فيه الصوم الكبير أو الخمسين المقدسة.

31 - ما هى أهم المناسبات فى شهر بشنس؟

1. عيد ميلاد العذراء (1بشنس / 9مايو).

2. تذكار نياحة القديس أثناسيوس الرسولى (7بشنس / 15مايو).

3. عيد دخول المسيح أرض مصر (24بشنس / 1 يونيو).

32 - ما هى أهم المناسبات فى شهر بؤونة؟

1. عيد الملاك ميخائيل (12بؤونة / 19يونيو). غالباً ما يقع فيه صوم الرسل.

2. عيد ميلاد القديس يوحنا المعمدان (30بؤونة / 7يوليو).

33 - ما هى أهم المناسبات فى شهر أبيب؟

1. عيد الرسل (5 أبيب / 12 يوليو) يُصلَّى فيه اللقان مثل عيد الغطاس وخميس العهد.

2. عيد القديس يوسف النجار (26 أبيب / 2 أغسطس).

34 - ما هى أهم المناسبات فى شهر مسرى؟

1. صوم العذراء (1 - 15مسرى / 7 - 21 أغسطس).

2. عيد البشارة بميلاد العذراء 7 مسرى.

3. عيد التجلى 13 مسرى.

4. عيد تذكار صعود جسد العذراء بعد نياحتها (16مسرى / 22أغسطس).

5. تذكار الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب 28 مسرى.

35 - ما هى أهم المناسبات فى الشهر الصغير؟

1. تذكار الملاك روفائيل 3 نسئ.

2. الاستعداد اللمجئ الثانى الأسبوعان الأخيران من العام.

36 - ما هى المناسبات المتغيرة التى ترتبط بعيد القيامة (الفصح المسيحى)؟

1. صوم يونان: يبدأ 15 يوماً قبل بدء الصوم الكبير ويستمر ثلاثة أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء، ويُحتفل يوم الخميس بفصح يونان كنبوة عن قيامة السيد المسيح او الفصح المسيحى.

2. الصوم الكبير (له طقس خاص بأيام الاثنين إلى الجمعة، وطقس للسبوت والآحاد، وصلاة المساء كل أحد، وطقس خاص بجمعة ختام الصوم).

3. أسبوع الآلام (أسبوع الفصح المسيحى).

أ. سبت لعازر.

ب. أحد الشعانين (موكب حمل الله) وصلاة الجناز العام وليلة اثنين البصخة.

ج. صلاة البصخة الاثنين (تطهير الهيكل، وغرس شجرة الحياة عوض شجرة التين العقيمة)، والثلاثاء (العريس يكشف عن أسراره)، والأربعاء (إعلان العريس عن صلاحه).

د. خميس العهد (تقديم المهر للعروس).

ﮪ. الجمعة الكبيرة أو الصلبوت (الاحتفال بالعُرْس).

و. سبت النور (تحرير المسبيّين)، وأبوغلمسيس (سفر الرؤيا – السماء تنتظرنا).

4. الخمسين يوماً المقدسة.

أ. عيد القيامة وصلاة مساء أحد القيامة (دعوة للحياة المقامة).

ب. أحد توما (الأحد الجديد اليوم الثامن)، لقاءات سماوية فى الأربعين المقدسة.

ج. عيد الصعود بعد أربعين يوماً من القيامة.

د. عيد العنصرة وصلاة السجدة فى اليوم الخمسين من القيامة (اعداد للبشارة السماوية).

5. صوم الرسل وعيد الرسل (دعوة للعمل الكرازى).

37 - ما هو ارتباط التقويم الكنسى بالعروس مُفَرِّحة القلوب؟

شهوة قلب الوالدين أن يشتركا بطريقة أو أخرى فى الإعداد للاحتفال بزواج ابنهما أو ابنتهما، لتكوين أسرة سعيدة ومتهللة. عند زواج الشخص يتهيَّأ لهذا اليوم ويتوقَّع من أسرته وأصدقائه أن يُشارِكوه فرحه بإقامة هذه الأسرة الجديدة.

إذ أراد ربّ المجد أن يبعث فى مؤمنيه روح الفرح مع الجدية، شبَّه ملكوت السماوات بخمس عذارى حكيمات (مت 25)، يترقبَّن العريس، شمس البرّ، وينطلقن معه على السحاب، ويدخلن معه إلى المجد الأبدي. مسيحنا أرسل روحه القدوس على الكنيسة لكى يُزَيِّن كل نفسٍ ويُجَدِّدها ويهيئها بروح الفرح للعُرْسِ الأبدي. وجاء التقويم القبطي الكنسي يستغل كل فرصة ممكنة لبث روح الفرح فى حياة المؤمنين. نذكر على سبيل المثال:

1. فى تذكار القديسات والشهيدات غالباً ما يُقَرأ فصل العذارى الحكيمات اللواتى يحملن مصابيح مُنِيرة تدخل مع شمس البرّ إلى الفرح السماوي الأبدي. فتتهلل كل الطغمات السماوية بالعروس المقدسة. لقد ترنمت ككواكب الصبح لأبناء العليّ عندما بدأ الربّ يخلق الأرض وما عليها من بركات من أجل الإنسان (أي 38: 7)، وأَعدّ لآدم وحواء جنة عدن كبيت زوجية ملوكى، كم بالأكثر تتهلل القوات السمائية وهى ترى الترابيين صاروا شركاء معهم فى الخورُس السماوى، يُسَبِحون الله ويمجدونه؟!

2. فى تذكار الشهداء تدعو الكنيسة أولادها فى القداس الإلهى ألاَّ يخافوا ممن يقتلون الجسد (مت 10: 28). وكأن استشهاد المؤمنين يدعو الجميع للتمتُّع بروح القوة والرجاء والفرح.

3. متى احتوى أى شهر قبطى خمسة آحاد، يُقرأ فى الأحد الخامس الإنجيل الخاص بإشباع الجموع (فيما عدا أيام الصوم الكبير والخماسين). ويُسَمَّى الأحد الخامس أحد البركة. فإن كان ربّ المجد بارك الخبز والسمك وأشبع الجموع، فإننا نذكر أحد البركة الخاص بدخولنا إلى الأمجاد الأبدية فى جوٍ من الفرح والشبع والتطويب!

4. فى تذكار نياحة البطاركة والأساقفة غالباً ما يُقرَأ الفصل الخاص بالراعى الصالح (يو 10: 1 - 16) (يتكرَّر 38 مرة فى السنة). وفى تنصيب المتنيح البابا شنودة الثالث إذ قرأ هذا الفصل أضاف بعد القول: "أنا هو الراعى الصالح، والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" الكلمات: "يقول ربّ المجد يسوع". أراد بإضافته هذه العبارة أن يؤكد أن المتحدث الحقيقى ليس البابا البطريرك، وإنما السيد المسيح الذى بالحقيقة هو مُفَرِّح القلوب وراعى النفوس ومُخَلِّص العالم.

لهذا لا نعجب من تكرار هذا الفصل فى التذكارات لتأكيد أن قائد الكنيسة الحقيقى هو ربّ المجد يسوع. هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر يليق بكل قائد سواء كان أسقفاً أو كاهناً أو شماساً أو خادماً فى التربية الكنسية أو أباً أو أماً أن يُدرِك ويثق أن رعاية النفوس هى من اختصاص المُخَلِّص القادر وحده أن يسكب فرحه فيها ويهبها برّه الإلهى إن تجاوبت معه بعمل روحه القدوس وتمتَّعت بالشركة معه. اما الإنجيل الثانى للقداس الإلهى فى تذكارات الباباوات فهو (مت 16: 13 - 19)، يتكرَّر 16مرة خلال السنة. حيث شهد له القديس بطرس الرسول: "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ" (مت 16: 16)، وأعلن السيد المسيح أنه على هذا الإيمان الذى أعلنه الآب الذى فى السماوات لبطرس يبنى الربّ كنيسته وليس إنسان ما يبنيها (مت 16: 17)، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها (مت 16: 18). وكأن الكنيسة العروس المتهللة التى تحمل أيقونة عريسها مُفَرِّح القلوب، تؤكد للجميع أنه لا يستطيع أحد ما أن يتمتَّع بالفرح الداخلى السماوى أو يبعث هذا فى حياة إخوته أو أولاده إلاَّ بعمل روح الله القدوس الذى يرسله الربّ على كنيسته.

5. على مستوى الأيام والأسابيع تبث الكنيسة فينا روح الفرح، ففى كل صباحٍ فى صلاة باكر ما يشغلنا هو قيامة ربّ المجد يسوع، ليعطينا دوماً يوماً جديداً نسلك فيه بحياة مُقامة من الأموات، وفى منتصف الليل نذكر مجيء العريس لينطلق بنا إلى الأمجاد الأبدية.

وعلى مستوى الأسابيع، ففى كل أحدٍ نذكر قيامة المسيح، ونحسب قيامته عربون قيامتنا، نختبرها فى هذا العالم، ونتمتَّع بالأكثر بها يوم لقائنا مع القائم من الأموات وجهاً لوجه.

6. فى دراستنا لسير القديسين عبر التاريخ نجد الخط العام هو الفرح بذلك الذى يبسط يديه على الدوام ليحتضن كل راجعٍ إليه. وفى مثل رجوع الابن الضال إلى أبيه، ركض أبوه إليه واحتضنه وأقام له وليمة لكى يفرح كل أهل البيت حتى العاملين والخدم (لو 15: 22 - 33). وعندما وجدت المرأة درهمها المفقود، دعت جيرانها لمشاركتها فرحها بوجود ما فُقد منها (لو 15: 8 - 10).

فى اختصار غاية التقويم الكنسي ممارسة الكنيسة رسالتها أن تصير أيقونة لعريسها السماوى. لذا يليق بنا فى كل مناسبة يومية أو أسبوعية أو شهرية أو سنوية ألاَّ نكف عن الصلاة أن يعمل الثالوث القدوس فينا وفى كل النفوس لا أن نفرح فحسب، بل ونفرّح قلوب الآخرين!

7. أسماء رؤساء الملائكة تدعونا أن نصير أيقونة لمُخَلِّصنا مُفَرِّح القلوب. فرئيس الملائكة ميخائيل (ويعنى من مثل الله) يدعونا ان نتشبَّه بالله فنستنير، ونعكس نور والفرح السماوى على من هم حولنا. ورئيس الملائكة جبرائيل (الله قدير) يدعونا أن نتشبَّه بالقدير فلا نعرف مستحيلات ما دمنا فى شركة معه. ورئيس الملائكة روفائيل (رأفات الله)، مُفَرِّح القلوب يدعونا أن نتمتع برأفات الله ونبث روح الفرح فى كل قلبٍ. ورئيس الملائكة سوريال (معناه بوق) يدعونا أن نحمل البوق الإلهى وندعو إخوتنا إلى الاحتفال بالعريس السماوى ربنا يسوع كعيدٍ دائم، فتتهلل النفوس!


[454] - عظات العلامة أوريجينوس على سفر القضاة: العظة الأولى، 1. ترجمة الشماس بيشوى بشرى فايز.

[455] In Matt. hom 2: 2.

[456] - الميمر 53 ب على الصلب، الفصل ب: لليل الثلاثاء (راجع نص بول بيجان والدكتور بهنام سونى)، الميمر 52، على آلام مخلصنا وصلبه ودفنه وقيامته، قبطى.

[457] Jerome Palmer: Our Lady Returns to Egypt, 1969, p. 1.

[458] Sermons on N. T. Lessons 7,6.

[459] - القمص تادرس يعقوب ملطى: القديس يوحنا ذهبى الفم: رسالتك فى الحياة، أكتوبر 67 ص 21.

[460] Origen: In Exod, hom 3: 9.

[461] Origen: In Exod, hom 5: 13.

[462] Origen: In Exod, hom 3: 9.

[463] Origen: In Exod, hom 5: 13.

[464] Origen: In Exod, hom 3: 9.

[465] Herodotus 4: 2.

[466] The Coptic Encyclopedia, vol. 2, p. 437. E. Achelis: Of Time and Calendar, NJ, 1955.

[467] - دُعي يوليو تكريماً ليوليوس قيصر.

[468] - تكريماً للإمبراطور أغسطوس Augustus الذى غيّر عدد أيامه من 30 إلى 31.

[469] - ايريس المصرى: قصة الكنيسة القبطية، ك 1، بند 26.

[470] Derchain: Chronologie d'Egypte. Cairo 1954.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

لا توجد نتائج

No items found

14- الألحان والفكر السماوي - كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء - القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات