كارت التعريف بالمقال

إضغط هنا لقراءة الفهرس

شفرة يونان

على الرغم من الاسلوب التاريخي في سرد السفر, الا أننا نجده متضمنا في أسفار الأنبياء الاثنى عشر الصغار, في كل من الكتاب المقدس العبري, وترجمات الكتاب المقدس القديمة والحديثة, وهذا مايؤيده العهدين القديم والجديد, فيشهد يشوع بن سيراخ بكون يونان أحد الانبياء الصغار 49: 12, وكذا ملوك الثاني 14: 12, وطوبيا 14: 5, راجع أيضا, مت 12, مت 16, لو 11, 1كو15: 4, ووضع كهذا لايمكن أن يكون عفويا أو مصادفة, مما يعني أن رسالة السفر بحسب الخلفية اليهودية والتقليد المسيحي, رسالة نبوية في المقام الأول, وأن كانت جاءت في أسلوب تاريخي.

وإن كان يونان النبي نفسه بحسب يونان 1: 1, 3: 1, 4: 9 هو كاتب السفر, فماذا أراد أن يقول من خلال تسجيلة لهذا الحدث وهذه الإرسالية؟ مع ملاحظة أن يونان سجل سفره لإسرائيل بعدما إستوعب تماما قصد الرب من القصة.

وبإطلالة على الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية ابان حكم يربعام الثاني بن يؤاش 786 - 746 ق. م, نستطيع فك شفرة رسالة يونان إلي اسرائيلي جيله, ففي هذا العصر وصلت المملكة الشمالية الى قوة وسيادة غير مسبوقة, فقد استطاع يربعام استراجاع الحدود القديمة لاسرائيل, بل مد نفوذة الى حماة ودمشق نفسها ‏٢ مل ١٤: ‏٢٥ - ‏٢٨ , كما تمتعت اسرائيل بقدر من الأمن والاستقرار مكنها من مزاولة سائر أنشطتها الاقتصادية, لاسيما التجارة برا وبحرا, كما تضاعفت مدخراتها جراء ماتجنية من الجمارك من التجارة العابرة أرضيها, هذا الإزدهار المادي والسياسي خلق ملكا طاغية مغرورا بنجاحات ضاهت ما حققه سليمان ١ مل ٤: ‏٢١؛ ‏ ٢ اخ ٨: ‏٤‏, كما صاحب هذا الإزدهار المادي إنحطاطا روحيا وأخلاقيا لكل اسرائيل شعبا وحكومة. سرقة, عهارة, قتل, ظلم, عبادة أصنام, للدرجة التى يقول فيها الرب على فم عاموس "اقوم على بيت يربعام بالسيف عا7: 9, راجع أيضا, هو ١: ‏٢، ‏ ٤؛ ‏ ٤: ‏١، ‏ ٢، ‏ ١٢ - ‏١٧؛ ‏ ٥: ‏١ - ‏٧؛ ‏ ٦: ‏١٠؛ ‏ عا ٢: ‏٦ - ‏٨؛ ‏ ٣: ‏٩، ‏ ١٢ - ‏١٥؛ ‏ ٤: ‏١‏.

لذا حرك روح الرب يونان لتسجيل ما حدث معه, ومن خلالة يقدم رسائل حتما ستجد من يفهمها ويعيها.

اولا: في قوله "وصار قول الرب الى يونان بن امتاي قائلا قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لانه قد صعد شرهم امامي" 1: 1 - 2, رسالة للشعب بأن الرب لازال وسيظل موجود, وأن أعمالهم وخطاياهم ورجاساتهم ليست خافية على جلاله, فإذا كان شر المدينة الوثنية البعيدة قد صعد أمامة فكم بالاحرى شر شعبه.

ثانيا: في قوله "قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها" 1: 1, تحذيرا قويا ورسالة صادمة لاسرائيل, وأن الرب مزمع أن يحقق تحذيرة السابق "هم اغاروني بما ليس الها اغاظوني باباطيلهم. فانا اغيرهم بما ليس شعبا. بامة غبية اغيظهم. تث 32: 21, كما قال لهم المعمدان فيما بعد" مت 3: 9 ولا تفتكروا ان تقولوا في انفسكم: لنا ابراهيم ابا. لاني اقول لكم: ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم "مت 3: 9.

ثالثا: في قوله عن الملاحين الفينيقيين الوثنيين "فخاف الرجال من الرب خوفا عظيما وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذورا" 1: 16, تعنيفا للشعب على ثقل أذانهم وقلوبهم الى درجة ان أمميين وثنيين خارج دائرة الخلاص في نظرهم, فاقوهم في طاعة الرب "وجدت من الذين لم يطلبوني. قلت هانذا هانذا لامة لم تسم باسمي." اش 65: 1, رو 10: 20.

رابعا: من خلال العاصفة 1: 4, وموقف البحارة 1: 9 - 16, والحوت 1: 17 - 2: 9, واليقطينة 4: 6 - 11 أراد يونان ان يقول انه إذا كان جبروت وظلم يربعام قد فاق الحد, فالله أعظم, وإن كان يربعان صاحب السلطان على اسرائيل, فالله هو ملك الملوك صاحب السلطان على اسرائيل والامم وكل البشر والحيوان والنبات والطبيعة وكل شئ.

خامسا: فيما أورده يونان عن ملك نينوى الذي خاف الله وتاب وأمر شعبه بالتوبة والتذلل والرجوع عن الطرق الشريرة 3: 6 - 10, تعنيفا ليربعام, وإشارة الى أن دور الملك الحقيقي قيادة شعبة في طريق الرب, وعمل كل مايلزم لحفظ أحكامه, ويكون هو وبيته قدوه لذلك, وليس مثلا للانحطاط الاخلاقي والروحي لكل الشعب.

سادسا: كباقي الأنبياء الصغار لاينتهي السفر قبل أن يعلن النبي أن الرب مستعد للصفح والغفران ونيسيان كل مخازي شعبه اذا تابوا وندموا, "ويكون في ذلك اليوم اني استجيب يقول الرب استجيب السموات وهي تستجيب الارض هو 2: 21," ارجعوا الى الرب الهكم لانه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرافة ويندم على الشر "يوئيل 2: 13, هذا من خلال قبول توبة نينوى 3: 10," افلا اشفق انا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها اكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس 4: 12.

سابعا: مالم يعرفه يونان حينها أن قصته ستكون رمزا وإشارة ونبوءه عن مخلص العالم وموته وقيامته, وإن شعب نينوى سيقومون في الدين ليدينوا اسرائيل العاصية, التى رفضت رئيس الحياه بل وقتلته, "لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال. رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان وهوذا اعظم من يونان ههنا! مت 12: 40: 41.

القس مارتيروس جمال.

باحث في تاريخ وجغرافية الكتاب المقدس.

12فبراير 2020م.