احداث يونان أقتراب أكثر – القس مارتيروس جمال

كارت التعريف بالمقال


أحداث يونان.. إقتراب أكثر

احداث يونان أقتراب أكثر - القس مارتيروس جمال 7
.

مادمنا أحطنا بأطر الزمان والمكان لحدث ما, فنحن بصدد حدث تاريخي, وفيما يتعلق بقصة يونان ونينوى فان إشكالية المكان والزمان مثبته, فأحداث السفر تشيرالى مسرحها الجغرافي الذي يمتد من مياة المتوسط القريبة من يافا غربا, الى مدينة نينوى في ما بين النهرين شرقا. أما زمان الأحداث, فطبقا للأشارة الواردة في 2 مل 14: 25, نعرف أنها وقعت في زمن حكم يربعام بن يؤاش ملك اسرائيل الذي حكم 41 سنة بين 786 - 746 ق. م, أي في النصف الأول من القرن الثامن الميلادي تقريبا.

لكن, هل لنا أن نقترب أكثر من التواريخ المتعلقة بأحداث السفر؟ وفي أي وقت من السنة كانت؟

بدء العمل النبوي

ما تنبأ به يونان واشير اليه في 2مل 14, عن استرداد يربعام لحدود اسرائيل القديمة من مدخل حماة الى بحر العربة, قد تحقق نتيجة إستغلال يربعام لحالة الضعف الذي أصاب أرام جراء حملات الملك الاشوري نيرارى الثالث 809 - 782ق. م المتكررة عليها, وخضوعها تماما تحت قبضة أشور في عهد خليفته شلمنصر الرابع 782 - 773 ق. م, وقائد جيوشه شمسي ايلو سنة 773ق. م, مما يعني ان خدمة يونان كنبي قد بدأت قليلا جدا قبل هذا العام الذي تحققت فيه النبوءة حرفيا.

تدوين السفر

بمقارنة نبوءة 2مل 14 مع سفر يونان, نلحظ أن هناك إختلافا كبيرا في توجه يونان ومزاجه, ففي حين تشعرنا الاولى بتفاؤله ورجاؤه في عودة الأرض المسلوبة, وإنتماؤة لاسرائيل وفخره بها, ورضاه عن أداء الملك الجديد, نتحسس من الثانية وعيدا وتحذيرا من غضب الرب على اسرائيل الآمنة, وإدانة لشر أيامه, وأن الرب وصل للدرجة التى فيها يغير اسرائيل بما ليس شعبا, ويغيظهم بأمه غبية تث32: 21, وهذا يعني أن كتابة السفر جاءت متأخرة جدا, في وقت حقق فيه يربعام واسرائيل أعلى درجات التفوق, والاستقرار والسيادة والرخاء الاقتصادي الذي جلب معه كل الموبيقات والشرور والعبادات الغريبة, وقبل قليل من عقاب الرب وتحقيق إنذاره, ولما كانت اسرائيل قد وصلت الى قمة رخاءها وأمنها نتيجة تراجع الخطر الاشوري في ظل ملكها الضعيف اشور نيراري الخامس 753 - 744ق. م. فحتما يكون تدوين السفر وإعلانة قد تم في سنوات نيراري الاولى, وقبل قليل من تولي الطاغية تغلاث فلاثر الثالث 744 ق. م. لذا فالعام 750ق. م الذي يؤيده الكثيرين سيكون مناسبا جدا لذلك.

وقوع الاحداث

في ظل سيطرة ارام على شمال اسرائيل, سيكون سفر يونان كإسرائيلي الى نينوى عبر شمال اسرائيل واراض ارام مخاطرة مميته, كما لا يمكن أن يكون وصول يونان الى نينوى في فترة إكتملت فيها أطماع أشور في اسرائيل, بمعنى أن وصول يونان الى نينوى كان بعد تحقق نبوءته بجلاء ارام عن شمالي اسرائيل, ووقوعها تحت الاحتلال الاشوري 773ق. م وكذا قبل نمو الاطماع الاشورية في اسرائيل, وفي وقت استقرار وأمن سمح بانتظام التجارة بين فلسطين وعالم المتوسط, وعلى ذلك يكون بداية عصر اشور دان الثالث 771 - 753ق. م, اقتراحا مقبولا لوقوع أحداث السفر, خاصة وان تصرفات ملك نينوى في السفر تتناسب مع ما عرف عن اشور دان من ضعف, ومع عاهل حديث الخبرة بالحكم, قلبه لايزال رقيقا يهاب الالهه لم تقسه الحروب والدماء بعد.

توقيت الأحداث

نفهم من استغراب الملاحون من الرياح الشديدة والنوء العظيم يون 1: 4 وأعتبارهم أن ما حدث بلية غير متوقعة 1: 7, أن سفرهم كان في موسم الابحار الآمن, الذي بحسب ظروف المتوسط المناخية, يمتد فقط الى ستة او سبعة أشهر في السنة, بدء من مارس أو ابريل الى سبتمبر او اكتوبر, وإذا استثنينا مارس واكتوبر لتوقع حدوث عواصف خفيفة فيهما, يكون الوقت المتاح لابحار يونان, يمتد من ابريل حتى سبتمبر, وإذا علمنا أنه من غير المتوقع أن يأمر الرب يونان بالسفر الى نينوى قبل اتمام عيد الخمسين الذي يقع عادة في الثلث الاخير من مايو, لن يتبقي ليونان غير أشهر يونيو ويوليو واغسطس وسبتمبر للسفر, واذا أخذنا في الحسبان الفترة الزمنية اللازمة لابحار السفينة الى ترشيش وعودتها قبل أنتهاء موسم الابحار الامن, سيكون على السفينة ان تغادر يافا في موعد أقصاه أول شهر يونيو, من العام 771 أو 770ق. م, بحسب ما ذكر أعلاه. وسيكون أمام يونان الاربعة أشهر القادمة للسفر الى نينوى والعودة منها قبل نزول الثلوج على الطرق والممرات الجبلية في طريق العودة.

القس مارتيروس جمال.

باحث في جغرافية وتاريخ الكتاب المقدس.

11 فبراير 2020م.