الرغبة الممنوعة – الراهب صليب الصموئيلي

كارت التعريف بالمقال

الرغبة الممنوعة

... وأحرقتني شمس التجارب فسوَّدتني,.

ولم يكن هذا الأمر حاجزاً يمنعني من التواصل مع أبي الذي أحبه,.

أبي الذي تعجز الكلمات عن وصفه,.

فهو منير جداً أكثر من الشمس, وأبيض من الثلج.

إنما كانت الخطية التي أحببتها, وقد فاضت من داخلي إلى كل ما يحيط بي, فشوَّهتني, ولوَّثتني, وملأتني من رائحتها الكريهة التي كنت أشتمها, بل كان يشتمها أيضاً كل من إقترب مني.

وهكذا إستحالت العشرة بيننا, أنا وأبي,.

لأنه كيف تكون شركة بين النور والظلمة؟!!.

وتركت أبي, وذهبت...

ولكن لا أعلم إلى أين...؟.

ربما كانت تقودني لذة الخطية إلى النسيان,.

فلا أفكر في حالي, أو أهلى ومالي, وماذا بعد إرتحالي؟ , ولو إقتحم عقلي سؤال, لا أجد إجابة لسؤالي.

وكانت الأسئلة هى منطقة حذر تجوُّل, ممنوع الإقتراب.

إذ كانت تثير في داخلي الأحزان واليأس, دون أدنى أمل في التغيير, فكنت أهرب منها كي لا تأسرني بحزنها وحيرة إجاباتها.

وبالرغم من كل هذه الخسائر التي كانت تزداد يوماً بعد يوم بسبب إرتباطي بالخطية, إلاّ أنني لم أستطع أن أفلت من أشراك محبتها.

وحقاً كنت مأسوراً, ليس لي سلطاناً على نفسي,.

وكأني صرت لعبة في يد الخطية, في أي وقت أرادت لعبت بي, وحينما تملّ رمتني.

ولم أستطع أن أبعد عنها,.

بل والأعجب من هذا أن القلب رفض أن يكرهها,.

ويا له من أمر عجيب حقاً,.

فما أسهل على الإنسان أن يكره من يؤذيه أو يُعاديه,.

وما أصعب على الإنسان أن يغفر لمن يذله ويحنيه,.

ولكني أمام الخطية لم أكن إنساناً على الإطلاق.

وفي يأس وعناء صرخت صرخة,.

لعلها كانت صرخة ألم ومرارة,.

وأرسلتها إلى أبي, لعله يتذكرني,.

فما كنت أشك في أنه قد نساني,.

بل وقد محا أسمي من سجل العائلة.

ولكن ما حدث هو أمر يثير الدهشة والتعجب,.

ولعلك يا عزيزي القارئ لا تصدق ما فعله أبي.

لقد تقلد أبي سيفه على فخذه,.

وإستلَّه, ونجحَ, وملَكَ,.

وخلصني من الخطية الجبارة,.

وحررني... ,.

وأطلقني حراً كي لا يستعبدني أحداً.

ولكني سُبيت مرة أخرى,.

سبياً لا أريد أن أتحرر منه,.

لقد سُبيت بمحبة أبي ومغفرته,.

وشعرت بنار المحبة الطاهرة النقية تشعلني, وتلهبني,.

وتكوي كل جراحاتي التي أصابتني من الخطية.

وأصبت بمرض الحب,.

وأشتقت لأحضان أبي الذي أحببته,.

فهو الوحيد الذي يملك علاجي, ويقدر على إراحتي.

وأنا لا أريد سواه.

وفي نفس الوقت أحبه وأخشى عليه مني,.

من رائحتي الكريهة,.

من عصياني وتمردي,.

من عدم إطاعتي لأوامره,.

من ماضيَّ, ومن حاضري,.

لئلا يهجم أحدهما أو كلاهما على مستقبلي, فيحزن أبي.

وأنا لا أريد أن أحزنه مره أخرى لأني أحبه.

وهكذا تطور مرض الحب داخلي ليصبح تصارع لقوتين متكافئتين ومتضادتين,.

قوة دافعة تدفعني لأحضان أبي إشتياقاً إليه,.

وقوة مانعة تمنعني من الإقتراب من أبي خوفاً عليه,.

وكلما إنتشر المرض في كياني, كلما زادت أشواقي لأبي,.

وأيضاً كلما تذكرت حالي وشقاوتي, كلما أخشى على أبي الذي أحببته من كل قلبي,.

كيف أقبل أن تقترب نفسي الخبيثة من حبيب قلبي؟!!.

كيف أحتمل أن أُحزن من سعى لخلاصي ونجدتي؟!!.

لابد أن أحب أبي محبة حقيقية, أخاف عليه, وأحميه من أي حزن.

يكفيني أن أحيا على ذكراه,.

ومن بعيد أراه,.

أو حتى يكفيني أن أرى من يراه,.

وأسمع مِن مَن سمعه بأذناه,.

وأقف عند أسوار الأرض التي بها سكناه,.

وأتذكر في كل حين أعماله عبر الحياة,.

فأجد قلبي يخفق وينبض مُعبِّراً عن فرح أتاه,.

قائلاً بنبضاته:

أحبك يا الله

سلسلة قصائد للراهب صليب الصموئيلي
سلسلة قصائد للراهب صليب الصموئيلي