بحلم يكون الملك صديقي – الراهب صليب الصموئيلي

كارت التعريف بالمقال

بحلم يكون الملك صديقي

عاش خيالي في دنيا الواقع غريباً, منعزلاً, وكأنه منفياً في جزيرة بعيدة, أو يحيا على كوكب أخر.

ليس له صديق يأنس به, أو إنسان يشتاق إلى مجلسه,.

ولكنه منذ طفولته, كثيراً ما كان يسمع عن الملك عبر الأحاديث المتناثرة هنا وهناك.

فمن الناس من كان يحب الملك لصفاته الجميلة, ويحكي ويتحاكى بها, وعن مواقفه وأفعاله تجاه شعبه.

ومن الناس من كان يخافه, ولا يرغب حتى في سماع اسمه, وكأنه سوف يسمع أصوات الرعود, وزئير الفهود, دون أن يذكر أسباب منطقية مقنعة.

فكانوا يهربون, حاسبين الهروب من دائرة الملك حكمة.

ولكن الأمر عند خيالي يختلف عن حسابات البشر وميولهم,.

فقد كان يهوى معرفة الملك, معرفة اليقين, دون إنحياز لرأى هذا أو ذاك.

ولكن كيف يمكنه معرفة الملك إن لم يقترب منه, ويرتبط به بعلاقة شخصية,.

يراه, يسمعه, ويتكلم معه.

يحيا داخل أقرب دائرة تحيط بالملك.

وأصبح الأمر أحلاماً تطارد خيالي في منامه وفي يقظته.

ينمو شيئاً فشيئاً حتى صار هدفاً, لا تعني الحياة شيئاً بدونه.

بحلم يكون الملك صديقي

وما أن أعلن خيالي عن حلمه, إلاّ وثار عليه الجميع,.

فمنهم من إستنكر,.

ومنهم من إستنفر,.

والقليل جداً من أخذ على عاتقه إجراء المحاوره لعله أثّر,.

حتى لا يتعب ضميره من كونه قد قصَّر.

وبدأ الحوار بإثارة عقل خيالي بعاصفة الحجة والمنطق.

كيف يقبل العقل هذا الفكر؟

كيف يتصل الأدنى بالأسمى؟

كيف يتواصل الجاهل بالعالِم؟

كيف يظهر الغير موجود أمام كلىّ الوجود؟

كيف يمكن للعقل أن يصدق هذا؟

ويرد خيالي في حكمة وهدوء.

آلاّ ترى قبول العقل لإمور, كانت يوماً ما من دروب الجنون!!.

كالتحليق في الهواء,.

والغوص في الماء,.

وعلوم الفضاء,.

وتواصل عن بعد مع الأحباء,.

لماذا يقبل العقل الآن كل هذه الأمور, وكأنها أمور طبيعيّة؟ َ!!.

من المؤكد أن كل هذه الأمور كانت يوماً ما مجرد حلم أو خيال.

ويُخيِّم الصمت بسكونه على الجميع, قبل أن يثور عقل خيالي بعواصف من التساؤلات المتلاحقة, والتي لم تُعطيه الفرصة لمجرد التفكير في إجابة أياً منها....... ,.

حسناً, ولكن الصداقة قرار من شخصين وليس قرار فردي, فمن أعلمك إن كان الملك يقبل صداقتك؟!!.

والصداقة القوية الراسخة لابد أن تكون مبنيَّة على أسس قوية وسليمة, كالتوافق ما بين الطرفين, فهل هناك ما يتوافق مع شخصية الملك, وشخصيتك؟!!.

بمعنى أوضح,.

هل هناك تلاقي في الفكر؟

هل هناك تلاقي في الروح؟

هل هناك تلاقي في مشاعر القلب؟

هل هناك تلاقي في الهدف, والعمل؟

هل هناك تلاقي من أي نوع فيما بينكما تُبنى عليه الصداقة؟

وإلاّ على أي أساس سوف تبني هذه العلاقة مع الملك؟

وبدأ حلم خيالي في الإنهيار قبل أن يصير واقعاً, إذ وجد نفسه محاط بالتساؤلات التي لا يجد لها إجابة,.

ولكنه وجد المنفذ,.

الثقة في وعود الملك, وفي قدرته العجيبة على كل شئ.

فالبذرة الصغيرة التي كانت يوماً ما خارج نطاق الحياة, تحملها الرياح, وتتغافل عنها العيون, تتدحرج على الأرض, ولا سنداً لها, قد داستها الأقدام دون أن تشعر, وخبأتها, ودفنتها في التراب, وجاءت الأمطار لتزيد من إلتصاق التراب بالبذرة.

وإذ بالبذرة قد دبت فيها الحياة, فبدأت تنمو شيئاً فشيئاً,.

وظهر للكون هذا النمو في شكل نبت أخضر,.

وظل ينمو ولا يتوقف عن النمو,.

وإذ بالبذرة قد صارت شجرة كبيرة, ذات ورق أخضر جميل, محاط بالأزهار والأثمار والأطيار,.

وتسأل عن البذرة, فيقال لك: قد أذابتها قوة الحياة التي صارت فيها وأصبحت حياة مرئية, ملموسة, مثمرة.

فإن كان إشتياقي للملك مجرد بذرة, فلابد أن يأتي وقتاً تُذاب فيه من قوة الحياة التي سوف تأخذها من الله,.

وتصير واقع, ملموس, مرئي, مثمر.

وإن سُئلت كيف يكون هذا؟

سوف أُجيب بأني لا أعلم,.

ولكني أعلم شيئاً واحد, وهو...

أن الملك قد قبل صداقتي, ويريد هذا,.

وقد بعث لي رسالة رقيقة, قال لي فيها:

1 وَالآنَ هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ، خَالِقُكَ يَا يَعْقُوبُ وَجَابِلُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي. 2إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ. 3لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصُكَ. جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ، كُوشَ وَسَبَا عِوَضَكَ. 4إِذْ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ. (أش 1: 43 - 4).

سلسلة قصائد للراهب صليب الصموئيلي
سلسلة قصائد للراهب صليب الصموئيلي