العصفور المأسور – الراهب صليب الصموئيلي

كارت التعريف بالمقال

العصفور المأسور

... وكان داخل قفصه الجميل يزقزق, وجذبني الصوت الحاد والرفيع لأجد عصفوراً جميلاً - تبارك الله فيما خلق - يصرخ وكأنه يستغيث, وما أن يرى إنسان قد إقترب منه, يهدأ لتوه ظناً منه أنه قد وجد من ينقذه, ولكن الأمل يتبخَّر كالدخان حينما يعبر الناظر دون أدنى إجابة لصرخات الإستغاثة التي يطلقها هذا العصفور.

ولرغبتي في مساعدته إقتربت منه, متسمراً أمامه, محاولاً فك شفرة لغته, لعلي أستطيع أن أتجاوب معه, ماذا يريد هذا العصفور؟

ولعل العصفور قد أدرك رغبتي, فأخذ يصرخ بنبرات متباينة وطبقات مختلفة, ثم أخذ يهدئ من سرعة حديثه لعلي ألتقط بعض الحروف, أو أستنتج ما لا أفهمه بالإشارات وحركة منقاريه.

لعله جوعان أو عطشان,.

هذا ما بدأت أفكر فيه, ولكني وجدت أمامه الأكل والماء بكثرة, وكمن زهد في متطلبات الجسد, لم يعطي إهتماماً للمائدة التي أمامه, ولا حتى عندما حاولت مداعبته بقطعة صغيرة من الفاكهة, لم يلتفت, بل وتباعد عني إلى ناحية بعيدة في قفصه.

وشعرت وكأنه يقول لي:

هل هذه هى كل إهتماماتك, إحتياجات الجسد؟!!!.

هل هذا العقل الكبير الذي يزن عشرات المرات ضعف وزني, لا يفكر سوى عن ماذا يأكل أو ماذا يشرب؟!!!.

بالحقيقة خسارة فاضحة لا تُقدَّر, أن لا أجد عقلك يحتويني رغم كل هذا الحجم, بل وتنتظر مني أنا برأسي الصغير التي تكاد أن لا ترى, أن أرشدك إلى ما ينبغي أن تفكر فيه.

الله تبارك اسمه لم يخلق هذا العقل بهذا الشكل والحجم, وتُوَّجه بالحكمة والعلم, وأعطاه الفكر والمنطق, وكل هذا عبثاً!!! , حاشا.

الله الذي خلقني بالجمال الذي يمجده, وقال عنك أنك أفضل مني, ألم يكن صادقاً؟!!!.

الله الذي يهتم بي ويرعاني ولا يعوزني لشئ.

الله الذي جعلني أحيا بالإيمان فرحاً منطلقاً, لا أعرف شيئاً عن الجمع والتخزين, أو أبراج الفولاز الحصين, أو دروع واقية للتحصين, أو زيادة الدخل للتحسين.

الله الذي يعطيني خبزي في وقته, وفي عطشي يسقيني من ينابيعه.

الله الذي يقودني دائماً على الأرض وفي الهواء.

الله الذي يمنحني هدوء الفكر فتجدني دائماً طيَّار.

الله الذي يحميني من كل شر ويحفظني من الأخطار.

الله الذي يعطيني الحكمة ويعلمني كيف أبني الأوكار.

الله الذي يهتم بي أمس واليوم وغداً, وبأولادي الصغار.

الله الذي أجد قيمتي فيه, ولو ثمني لا يساوي في نظرك دينار.

الله هو الذي أثق في رعايته, وليس في أخر مهما كان عال المقدار.

لذلك أريد أن أتحرر من رعاية البشر,.

مستسلماً ليد الله الحانية, القوية, المُرهِبة للأعداء الأشرار.

فسعادتي سُرّاً لن يدركه سوى الله عالم الأسرار.

حينئذ قد علمت لماذا قال ربي تأمَّلوا الأطيار

سلسلة قصائد للراهب صليب الصموئيلي
سلسلة قصائد للراهب صليب الصموئيلي