17- ماذا قيل عن الرتبة الثانية التى تضم السلاطين والأرباب والقوات؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

17 - ماذا قيل عن الرتبة الثانية التى تضم السلاطين والأرباب والقوات؟

أولاً: السلاطين Dominions (Authorities): يشير الاسم إلى نوع من الارتفاع إلى فوق والتحرَّر من كل ما هو أرضى، ومن كل ميلٍ داخليٍ نحو الاستعباد للغير، أو تحرَّر سامٍ فوق كل عنف طاغٍ، وتخلٍ عن كل عبودية دنيئة، يشتاقون نحو النجاح كسادة حقيقيين. بل ويشتاقون إلى الله مصدر السيادة؛ ما يشغلهم على الدوام أن يصير من هم أقل منهم متشبهين بالله فى السيادة.

ثانياً: الأرباب أو الفضائل Virtues (Lordships): لهم طاقات جبارة يتشبهون بالله، لا يعرفون الضعف أو الخمول فى استقبالهم الاستنارة الإلهية الممنوحة لهم. يُشار إليهم أحياناً بالمشرقين أو المنيرين. تتشكل هذه الاستنارة فى كمالٍ عجيبٍ كفضائلٍ. لا يظهرون ضعفاً ولا هزالاً فى تقبُّلهم الإشراقات الإلهية الممنوحة لهم. يصعدون بكمال القوة للتشبه بالله، وهم صاعدون نحو مصدر الطاقة أو الفضيلة. يشتهون دوماً أن يفيضوا على الآخرين بالرغبة فى التمتع بالفضيلة الإلهية.

ثالثاً: القوات Powers المقدسة. وهم مساوون للسلاطين والأرباب، تحت التدبير اللائق لقبول الإلهيات بطريقة لا تُقاوَم. لهم نظام إلهي فى التمتع بقوة سامية متميزة فى التعقُّل. يُنظَر إليهم كملائكة محاربين يسندون العالم والبشرية ضد قوات الظلمة والشرّ.


[55] Dionysius the Areopagie: The Celestial Hierarchies, ch. 9.

16- ماذا قيل عن الأربعة وعشرين قسيساً (رؤ 4:4)؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

16 - ماذا قيل عن الأربعة وعشرين قسيساً (رؤ 4: 4)؟

كلمة "قسيس" أو "شيخ" فى النص اليونانى presbyter تحمل معنى العمل الكهنوتى. لهذا أدركت الكنيسة الأولى أنهم طغمة سمائية كهنوتية، ورتبت لهم عيداً تذكارياً، وتضعهم فى مقدمة السمائيين بعد الأربعة مخلوقات الحية. يمكننا أن نلمس مكانتهم فى الكنيسة الأولى مما قاله عنهم القديس كيرلس الأورشليمى: [لقد أمرنا الآباء أن يهتم كل المسيحيين بتذكارهم لما شاهدوه من كرامتهم وعلو مجدهم، هؤلاء غير المتجسدين، لأنهم قريبون من الله ضابط الكل، وهم أمامه فى كل حين يشفعون فى الخليقة جميعها، صارخين مع الأربعة مخلوقات الحية، قائلين: قدوس، قدوس، قدوس... ما أشرف هذه المكانة التى استحقّوها! لأن الملائكة وكل بقية الطغمات السمائية واقفون أمام الديان العادل، وهؤلاء جلوس على كراسىٍ نورانيةٍ لابسون حللاً ملوكية، وعلى رؤوسهم أكاليل مُكَرَّمة، وفى أياديهم مجامر ذهبية مملوءة صلوات القديسين، ويسجدون أمام الحمل الحقيقى، ويسألونه غفران ذنوب البشر! إنهم لا يفترون عن التسبيح والتهليل أمام رب الصباؤوت (الجنود) مع الأربعة المخلوقات الحية...].

غير أنه يلزمنا كقول القديس أمبروسيوس[53] ألا نتخيَّل العروش أو الجلوس عليها بصورة مادية، لأن هذه مُجَرَّد تعبيرات عن مقدار سمو الكرامة والسعادة! أما الثياب البيض فكقول ابن العسال تشير إلى بهائهم ومجدهم وبرِّهم وقداستهم. ويرى الأسقف فيكتوريانوس أن هؤلاء القسوس هم كائنات سماوية وفى نفس الوقت يرمزون لأنبياء العهد القديم الذين يحيطون بالرب معلنين بروح النبوة عن تجسده وألامه وصلبه وقيامته وصعوده[54]. جاء فى ذكصولوجية للأربعة والعشرين قسّيساً: [عظيمة هى كرامة القديسين غير المتجسّدين، كهنة الحق: الأربعة والعشرين قسّيساً. لأنهم قريبون من الله، وكائنون أمام عرشه. يسبحون بلا فتورٍ، النهار والليل. جالسون على أربعة وعشرين عرشاً، وأكاليل على رؤوسهم، وجامات ذهب بأياديهم، مملوءة بخوراً مختاراً. الذى هو صلوات القديسين الذين على الأرض، يقدمونها إلى الحمل الحقيقى. الذين تظهر أسماؤهم وهم كائنون على الأرض، يطلبون من الرب عنهم، لأنهم قريبون من الله. اشفعوا فينا يا كهنة الحق، الأربعة وعشرين قسّيساً، ليغفر لنا خطايانا.].


[53] Of the Christian Faith, 73: 5.

[54] - للاستزادة راجع سلسلة من تفسير وتأملات الآباء الأولين: رؤيا 5.

15- ما هى سمات المخلوقات الحية الأربعة؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

15 - ما هى سمات المخلوقات الحية الأربعة؟

"وحول العرش أربعة مخلوقات حية[48]" (رؤ 4: 6). وهم طغمتا الشاروبيم والسيرافيم اللتان تطلب الكنيسة شفاعتهما على الدوام وتُعَيِّد لهما فى 8 هاتور كعيدٍ تذكارى، وتدعوهما "غير المتجسدين، حاملي مركبة الله[49]".

أ. كرامتهم: يقول عنهم القديس يوحنا الذهبى الفم: [أقول لكم يا أولادى الأحباء إنه ليس من يشبههم فى كرامتهم. لا فى السماء ولا على الأرض، لأنهم يحملون عرش الله ولا يستطيعون النظر إلى وجه الحى الأزلى: مخلوقون من نورٍ ونارٍ، أقوياء، أشداء جداً يسألون الله أن يغفر خطايا البشر ويتحنَّن عليهم... رأى إشعياء النبى مجدهم ونطق بكرامتهم (إش 6: 1 - 3). وأيضاً نظر حزقيال النبى مجدهم ونطق بكرامتهم (حز 1: 4 - 28). وداود العظيم فى الأنبياء، أب الأنبياء، أب المسيح بالجسد، رأى كرامة هؤلاء الروحانيين ونطق بمجدهم، قائلاً فى المزمور: "طأطأ السماوات ونزل، وضباب تحت رجليه. ركب على كروب وطار، وهف على أجنحة الرياح" (مز 18: 9 - 10).].

ب. بلا عروش ولا أكاليل مثل القسوس، لأن الرب إكليلهم وهم مركبته!

ج. "مملوئون عيوناً من قدام ومن وراء"، وكما يقول ابن العسال إنها تشير إلى إدراكهم الأسرار الحاضرة والمقبلة التى يكشفها لهم الرب.

د. "لكل واحد منها ستة أجنحة" وكما نسبح الرب قائلين: [أنت هو القيام حولك الشاروبيم والسيرافيم، ستة أجنحة للواحد وستة أجنحة للآخر (رؤ 4: 8). فبجناحين يغطون وجوههم، وباثنين يغطون أرجلهم، ويطيرون باثنين. ويصرخون واحد قبالة واحد منهم. يرسلون تسبحة الغلبة والخلاص الذى لنا بصوتٍ ممتليءٍ مجداً[50].] هكذا يليق بالكاهن أن يتشبَّه بهم، فيُغَطِّى وجهه بالحياء والرعدة، ويستر رجليه بالرجاء والثقة، ويطير قلبه بالحب والترنُّم أمام الرب المذبوح عنا!

وينصحنا القديس يوحنا الذهبى الفم، قائلاً: [أنا أبوكم يوحنا المسكين. أسألكم يا أولادى الأحباء القسوس والشمامسة ألا تتقدَّموا إلى المذبح وأنتم غير طاهرين، بل احفظوا أجسادكم ونفوسكم أنقياء إذا أردتم التقدم إلى الخدمة الطاهرة، فإنكم مثال السيرافيم السمائيين، لأنهم لا يجسرون على التطلع إلى وجه الله الحي، بل هم قيام ووجوههم إلى أسفل مغطاة بأجنحتهم! أيها الخدام إنكم تنظرون جسد ابن الله ودمه الزكي الموضوعين أمامكم على المذبح الطاهر وتلمسونه وتأكلونه، وأنتم عارفون بعظم الكرامة اللائقة بهما، فينبغي عليكم أن تقفوا بوجوه فرحه وقلوب خائفة وأعين مطرقة إلى الأرض ورؤوس منكسة، لأنكم مثل الشاروبيم والسيرافيم الحاملين كرسى العظمة.].

ويقول أيضاً: [عندما تسمع عن السيرافيم أنهم يطيرون حول العرش فى سموه ورفعته، ويغطون وجوههم بجناحين، ويسترون أرجلهم باثنين، ويصيحون بصوتٍ مملوءٍ رعدةٍ، لا تظن أن لهم ريشاً وأرجل وأجنحة، فهى قوات غير منظورة... حقاً إن الله حتى بالنسبة لهذه الطغمات غير مُدرَك ولا يقدرون على الدنو منه، لهذا يتنازل بالطريقة التى جاءت فى الرؤيا، لأن الله لا يحدّه مكان ولا يجلس على عرشٍ... وإنما جلوسه على العرش وإحاطته بالقوات السمائية من قبيل حُبِّه لهم... وإذا ظهر جالساً على العرش وأحاطت به هذه القوات لا تتمكَّن من رؤيته، ولا تحتمل التطلُّع إلى نوره الباهر، فتغطي أعينها بجناحين، وليس لها إلا أن تُسَبِّح وتترنَّم بتسابيحٍ مملوءةٍ رعدةٍ مقدسةٍ، وأناشيد عجيبة تشهد لقداسة الجالس على العرش. فحري بذاك الذى يتجاسر ليفحص عناية الله لا تقدر القوات السمائية على لمسها أو التعبير عنها أن يختبئ مختفياً تحت الآكام! [51].].

ﮪ. شكلهم: إنهم قوات غير جسدانية ولا منظورة، لكنها ظهرت ليوحنا الحبيب كما لحزقيال النبى هكذا: "المخلوق الحى الأول شبه أسد، والمخلوق الحى الثانى شبه عجل، والمخلوق الحى الثالث له وجه مثل وجه إنسان، والمخلوق الحى الرابع شبه نسرٍ طائرٍ" (رؤ 4: 7).

أولاً: يقول القديس يوحنا الذهبى الفم [جعلهم الله يطلبون فى جنس البشر وسائر الخليقة من وحوش وبهائم وطيور السماء، لأنهم قريبون منه أكثر من سائر السمائيين.].

ثانياً: يرى القديس غريغورويس النزينزي والعلامة أوريجينوس أن هذه الخليقة الحاملة للعرش تحل معنى قوى النفس الأربعة التى تتقدس بحمل الله، وهى: القوى الغضبية ويشار إليها بالأسد، وقوى الشهوات (المقدسة) ويشار إليها بالعجل، والنطقية ويشار إليها بمن له كوجه إنسانٍ، والروحية ويشار إليها بشبه نسرٍ طائرٍ.

ثالثاً: يرى القديس جيروم أنها تحمل إشارة إلى العمل الفدائى للرب. فمن له كوجه إنسان يشير إلى التجسد، والعجل إلى الذبح على الصليب، والأسد إلى القيامة، والنسر الطائر إلى الصعود.

رابعاً: يرى القديس إيرينيؤس[52] أنها تحمل رمزاً إلى العمل الفدائى، فمن له كوجه إنسان يشير إلى التجسد، والعجل إلى طقس الذبيحة والكهنوت إذ هو يشفع فينا، والأسد إلى سلطانه الملوكى، والنسر إرساله الروح القدس.

خامساً: يرى العلامة أوريجينوس أن وجود الوجوه الأربعة معاً (الأسد والنسر والثور والإنسان) إشارة إلى عودة المخلوقات الحية المقدسة إلى طبيعتها الأولى المستأنسة، فإن كان فى العصر المسياني قد سكن الذئب مع الخروف، وربض النمر مع الجدي، وصار الأسد يأكل تبناً كالبقر (إش 11: 7)، يتحقق هذا التناغم الكامل فى مجئ المسيح الأخير.

سادساً: إن كانت هذه الكائنات الأربعة تُمَثِّل الكنيسة المقدسة الحاملة للحياة الإلهية فى داخلها فإن هؤلاء الأربعة إنما هم الأسقفية والقسيسية والشموسية، والشعب، إنهم أركان رئيسية تعمل معاً لحساب السيد المسيح، أيّ ضعف لركن منها يُفقِد الكنيسة اتزانها ويُسيء إلى رسالتها. إن فقد ركن عمله أو تفاعله مع الأركان الأخرى يخسر الكل حيويته، فالكنيسة ليست مُركَّزة حول أسقف أو كاهن أو شماس أو مسئول علمانى (من الشعب) لكنها حياة متكاملة ومتفاعلة معاً.

سابعاً: تدعونا هذه المخلوقات السماوية أن يكون لنا وجه الأسد، ووجه الإنسان، ووجه الثور، ونطير مع النسر الروحى.

أ. يسلك المؤمن بروح الملوكية كأسدٍ، لا يخشى إبليس ولا يرتعب من الخطية، لأن المُخَلِّص أعطانا سلطاناً أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 10: 19).

ب. اعتزاز الكنيسة وأعضائها بروح التبني لله والتمتُّع بملكوت الله الداخلى فى النفس وشركة الطبيعة الإلهية، يدفعهم هذا كله أن يذكروا أنهم بشر، فينصتون إلى قول الربّ: "تعلَّموا منى، لأنى وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29).

ج. يليق بالمؤمن أن يقتدي بالربّ مُخَلِّص العالم، فيمارس الكهنوت الروحى بصلواته الدائمة عن كل البشرية حتى من أجل المقاومين للحق والأعداء، ويُقَدِّم ذبيحة البذل (كالثور).

د. أما بخصوص النسر، فيليق بالمؤمن أن ينطلق مع الرسول بولس مُحَلِّقَّاً فى السماويات، يتمتَّع بالنمو فى المجد يوماً فيوماً. فيكون كالنسر المُحَلِّق بجناحيه فى الأعالى، ويتمتَّع بالبصيرة الحادة وإدراك الأسرار الإلهية حسب قامته الروحية.

ثامناً: كثير من الآباء الأولين تطلعوا إلى المخلوقات الحية الأربعة كرموز للإنجيليين، غير أن كل أب فى مطابقة المخلوقات الحية الأربعة بالإنجيليين تطلَّع إلى التشابه بينهم بطريقة أو أخرى.

يقول القديس إيرينيؤس: [ما كان يمكن أن يكون عدد الأناجيل أكثر أو أقل مما هو عليه. إذ توجد أربع مناطق للعالم الذى نعيش فيه (الشرق والغرب والشمال والجنوب). كما توجد أربعة رياح رئيسية، بينما الكنيسة منتشرة فى العالم. أساس الكنيسة وعمودها هو الإنجيل وروح الحياة. لهذا، يلزم أن يكون بها أربعة أعمدة، فتتنسم الخلود فى كل جانب (من الجوانب الأربعة) التى تعيد الحياة للشعب مرة أخرى. واضح خلال هذه الحقيقة أن الكلمة الخالق المُبدِع لكل الأشياء يجلس على الشاروبيم (الكروبيم) ويحوي كل الأشياء، هذا المُعلَن للبشرية، أعطانا الإنجيل خلال أربعة جوانب، لكن له روح واحد.].


[48] - فى الترجمة البيروتية "حيوانات" وكلمة حيوان "تعني كائن حي" لكن خشية أن يظن البعض أنها حيوانات عجماوات استحسنت ترجمتها "مخلوقات حية" خاصة أن جميع الآباء مثل إيريانوس وأثناسيوس وفيكتوريانوس... وفى كثير من الترجمات جاءت هكذا: “Living Creatures ".

[49] - ذكصولوجية الأربعة مخلوقات الحية (الحيوانات غير المتجسدين).

[50] - القداس الاغريغورى.

[51] - العناية الإلهية ف 3 ترجمة عايدة حنا بسطا.

[52] Irenaeus against heresies 8: 11.

14- لماذا تحدث الكتاب المقدس بعهديه عن الأربعة مخلوقات الحية؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

14 - لماذا تحدث الكتاب المقدس بعهديه عن الأربعة مخلوقات الحية؟

قدَّم الكتاب المقدس بعهديه رؤى خاصة بهذه المخلوقات السامية الملازمة للعرش الإلهى، لكى تضع الكنيسة فى قلبها، أن يشتهى الكل الاقتداء بهذه الخليقة بالنعمة الإلهية.

13- ماذا قيل عن تحرك مركبة المخلوقات الحية الأربعة؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

13 - ماذا قيل عن تحرك مركبة المخلوقات الحية الأربعة؟

يقول القديس مار يعقوب السروجى عن طريقة تحرُّكهم التى يصعب علينا شرحها: [يملأك الدهش بقوة أمام رهبة هذه المركبة، وبغير فحصٍ أدهش بالراكب، إذ هو ابن الله. عسر عليك أن تسمع، وعسر علىّ أن أتكلم، لأن تدبير السيرافيم لا يُفَسَّر. أربعة مخلوقات حية لأربع جهات الخليقة مرتبطة معاً. كل مخلوقٍ حى يسير الواحد فالواحد بدون تخبيط. ذاك المتجه للشرق يسرع نحو الشرق مقابل وجهه؛ والذى للغرب يسرع نحو الغرب كما هو ملتزم؛ والذى للتيمن (الجنوب) نحو التيمن يُسرع ولا ينقلب، والذى للشمال فللشمال يمضى بقوة عظيمة. وإذا ما سار رئيس نحو جهة واحدة يمضى الكل معه دون ارتباك، ويسعى الكل نحو الجهات الأربع مرتبطين معاً... من يجسر أن يفسر هذا الأمر المدهش يصير أضحوكة وتنفضح عدم معرفته.].

12- ماذا قيل عن “الكراسي” أو “العروش”؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

12 - ماذا قيل عن "الكراسي" أو "العروش"؟

لم يذكر الكتاب المقدس شيئاً عن هذه الطغمة ولا عملها، إنما جاء اسمها فى قائمة المخلوقات السماوية. "فإنه فيه خُلِق الكل ما فى السماوات وما على الأرض، ما يُرَى وما لا يُرَى، سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خُلِق" (كو 1: 16). إنهم يشتركون مع السيرافيم والكروبيم فى سمو طبيعتهم، وأنهم أقرب إلى العرش الإلهى من بقية الطغمات.

يُدعون المملوئين أعيناً، إشارة إلى الامتلاء بالمجد والكرامة، وعدم الالتصاق بما هو أرضى وسفلى. يسكنون فى كمال القوة بكل ثباتٍ وكمالٍ، متأسسون فى الأعالى. يتقبَّلون الفكر الإلهى فوق كل شيءٍ، ويُرَكِّزون على الشركة الإلهية، وبهذا يُظهرون الله. يقول البابا غريغوريوس (الكبير): [ما هو "كرسى" الله سوى الأرواح الملائكية، الذين يشهد لهم الكتاب المقدس أنهم يدعون "العروش"؟ فمن يرغب أن يأتى إلى كرسى الله إلا الذى يشتاق أن يكون بين الأرواح الملائكية... فيرتفع ليسكن فى المجد بالتأمل فى الأبدية.].

11- كيف صار الجالس على الكروبيم فى المذود فى حضن القديسة مريم؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

11 - كيف صار الجالس على الكروبيم فى المذود فى حضن القديسة مريم؟

التهب قلب القديس مار يعقوب السروجى شوقاً أن ينطلق ليتمتَّع برؤية الجالس على الكروبيم، وفى نفس الوقت انطلقت أفكاره إلى المذود ليراه فى حضن القديسة مريم، فقال:

[أين ينطلق العقل فى طريقه ليبحث عنك؟ وفى أى دربٍ يليق بالكلمة أن تتحرَّك لتتقبَّل أمجادك؟ أين توجد؟ هل على المركبة (حز 1: 26) أم مع مريم؟! مع أبيك السماوى، أم مع يوسف فى أرض يهوذا؟

هل فى حضن أبيك أم بالحقيقة أنت فى حضن مريم؟ مع الأم حسب الجسد أم على العرش البلورى (حز 1: 22؛ رؤ 4: 6

هل يجدك أحد على الأجنحة النارية للريش السرّي (2صم 22: 11؛ مز 18: 10)، أم محمولاً على ذراعى أمك؟ هل أراك على الكروبيم، أم أرى جلالك ساكناً على ركبتى المرأة المؤمنة (لو 1: 45)؟ هل بهاؤك فى حشود أشعة النار المتلألئة، أم فى الأقمطة الرخيصة فى اللفائف التى فى المذود (لو 2: 7)؟].

10- لماذا وهب الله حزقيال النبي رؤية المركبة الإلهية؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

10 - لماذا وهب الله حزقيال النبي رؤية المركبة الإلهية؟

بلغ حزقيال السن القانونية لاستلام العمل الكهنوتى من دخول إلى المقدسات وتقديم ذبائح واشتراك فى الليتورجيات اليومية واحتفال بالأعياد وتمتع بالتسابيح المفرحة. لكنه حُرِم من هذا كله لأنه فى أرض السبى، فكان يجلس عند ضفاف نهر خابور يبكى حال بلده وشعبه وهيكل الرب. هناك تمتَّع برؤيا مجد الله، ظهر فيها المخلوقات الحية الأربعة (حز 1: 1، 28). وعرَّف هذه المخلوقات الحيّة بكونهم الكروبيم (حز 10: 4، 18 - 22). هكذا إذ تمررت نفس الكاهن النبى، ارتفع به الروح إلى السماوات ليدخل به إلى أورشليم العليا ويتمتَّع بالهيكل الأبدى، فلم يرَ تابوت العهد والمنارة الذهبية ومذبح البخور الخ، إنما رأى المركبة الإلهية النارية والعرش الإلهى النارى. انفتحت السماوات أمام حزقيال النبى المسبى ليدخل كما إلى عرش الله القدير، فيدرك أن شئون البشر لا تسير بطريقة عشوائية، وإنما بتدبير إلهى عجيب، فالله ضابط الكل يهتم بكل ما يمسّ حياة الإنسان. هذا هو سرّ تعزيتنا وسط الضيق.

كانت نفسية الشعب فى السبى مُحَطَّمة، خاصة وأن الكلدانيين كانوا يطوفون بموكب الإله بيل أو مردوخ[47] فى شوارع العاصمة فى عظمة وأُبَهّة، بينما حُرِم هذا الشعب من هيكله وانقطعت عنه تسابيح التهليل، فظهر انكسارهم كأنه انكسار لإلههم. لهذا لم يعلن الله نفسه فى عليقة بسيطة مُتَّقِدة كما فعل مع موسى النبى (خر 3: 2)، بل خلال المركبة النارية المملوءة مجداً وبهاءً، وكأن الله أراد أن يؤكد لنبيِّه وشعبه أن مجده يملأ السماء والأرض حتى فى اللحظات التى يُسَلم شعبه للأمم للتأديب.

فى سفر الرؤيا رأى القديس يوحنا لكل مخلوق حىّ وجهاً فرأى فى الأربعة، أربعة وجوه فقط. أما حزقيال النبى فيقول إنه رأى أربعة وجوه لكل مخلوق حى، من كل جانب وجه. ولعل السبب أن القديس يوحنا تطلَّع إلى هذه الخليقة من جانب واحد ولم تكن تتحرَّك فى كل الاتجاهات، أما حزقيال النبى فتطلع إليها من كل الجوانب، إذ رأى المركبة فى حالة تحرك من كل الجهات.


[47] - كلمة "بيل" ترادف "بعل" فى العبرية. وهو الإله القومى، والرئيسى فى بابل، يسمى "مردوخ" إله الشمس والربيع.

9- لماذا وُضِع كاروبان من الذهب على تابوت العهد؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

9 - لماذا وُضِع كاروبان من الذهب على تابوت العهد؟

يظهر كاروبان من الذهب على تابوت العهد فى خيمة الاجتماع وفى الهيكل (خر 25: 17 - 22). ويُسَمَّى تابوت العهد كرسي الرحمة، حيث كان يُمَثِّل عرش الله المملوء حنواً نحو أولاده. وفوقه الكروبان، واحد من كل طرف باسطان أجنحتهما إلى فوق، ووجهاهما كل واحدٍ نحو الآخر. وعلى كل من الجانبين حلقتان ذهبيتان لكى يدخل فى كل حلقتين عصا من خشب السنط المغشاه بالذهب، تُستخدَم لحمل التابوت. وكل المنوط بحراسته وحمله بنو قهات (عد 3: 29 - 31).

يشير الكروبان إلى المجد الإلهى علامة الحضرة الإلهية، وكان الله يتحدث مع موسى من خلالهما. وجود كروبين فوق تابوت العهد، يشير إلى أن الله الساكن وسط شعبه يتحدث معهم ويتعامل معهم خلال الرحمة والحب. أيضاً وجود اثنين يشير إلى دور السمائيين من نحونا: الصلاة لأجلنا والعمل كخدام للعتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14).

الكروبان هما علامة انفتاحنا على الخليقة السماوية وشركتنا مع السيرافيم والكروبيم فى تسابيحهم وليتورجياتهم. قال الرب لموسى النبى: "وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك، من على الغطاء من بين الكروبين اللذين على تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلى بني إسرائيل" (خر 25: 22). أما ظهور السحاب بين الكروبين وتراءي الله هناك وسماع صوته، وظهور لون أزرق سماوى (خر 1: 26) عند الكروبين... هذا جميعه يشير إلى إسخاتولجية (الفكر الخاص بالحياة ما بعد الموت) ليتورجيتنا فى المذبح الجديد، واتسامها بالطابع السماوى. رُسِم شكل الكروب على ستائر الخيمة والحجاب (خر 26 - 31) يقترب من شكل الإنسان مجنحاً، فيعلن عن اقتراب الطبيعة البشرية إلى الحضرة الإلهية.

8- لماذا أقام الله كاروباً لحراسة طريق الفردوس؟

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ5 – المؤمن والطغمات السماوية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

8 - لماذا أقام الله كاروباً لحراسة طريق الفردوس؟

ارتبط الكروب بخلاصنا ارتباطاً وثيقاً، ظهر فى أول أسفار الكتاب المقدس ممسكاً سيفاً ملتهباً ناراً يحرس طريق الفردوس حتى لا يدخل الإنسان المتمرد على الله إلى شجرة الحياة (تك 3: 24). إذ لا تقدر طبيعة الإنسان الساقطة أن تقترب من سرّ الحياة. لم يحمل الكاروب كراهية للإنسان إذ ظهر فى آخر أسفار الكتاب المقدس مع الأربعة وعشرين قسيساً السمائيين يشتركون معاً فى تسبحة الحمل التى هى تسبحة خلاصنا (رؤ 5: 9). إذ طُرِد الإنسان من الفردوس، أقام الله كروباً للحراسة حتى جاء الجالس على الكروبيم نفسه إلى عالمنا يحملنا فى جنبه المطعون ليدخل بنا إلى فردوسه السماوى، فتتهلل كل طغمة الكروبيم مع بقية الطغمات السماوية لانضمام الإنسان إلى خورُس السمائيين.

إقامة حراسة مُشدَّدة على جنة عدن يقوم بها واحد من أعلى الرتب السماوية، تحثّ على إدراك خطورة التمرُّد على الله، وأن المصالحة بين الله والإنسان المُتمرِّد تحتاج إلى تدخُّل إلهى.

هنا أقتبس ما تصوَّره القديس مار يعقوب السروجى عندما انطلق ديماس اللص إلى الفردوس، والحوار الذي دار بين الكروب حارس الفردوس واللص اليمين.

[إذ كان (اللص) يقتحم أساس اللهيب العظيم، التقى به الكروب، وقام يسأله متعجباً.

قل لى يا رجل: من أنت؟ ومن أين أنت؟ وكيف أتيت فى طريق اللهيب المخيف؟

وكيف حملتك الرياح لتسير على أكتافها؟ ألم تحرق أمواج النار ضعفك؟

كيف عبّرتَ الهوة العظيمة المملوءة ناراً؟ كيف عبَرتَ بين أمواج اللهيب ولم تحترق؟

أيها الهباء المنثور، من ساعدك لتركض على العواصف، ولم تتبدد بعنفها؟

كيف وطأ أخمص اللحم اللهيبَ، ولم يذب بغليان حرارته؟

يا حبة التراب، كيف عبرت فى بحر النار، ووقع طينك بين الأمواج، ولم يتفتت؟

هل أنت آدم المجبول بيدَيّ اللاهوت؟ أم شيث (تك 4: 26) البهى المحاط بأسرار الوحيد؟...

إظهرْ لى يا ابن التراب من أنت، لأن جسارتك عبرت بحر اللهيب.

صرخ اللص: يا ابن اللهيب لا تغضب، سأقول لك من أنا، ومن أرسلنى.

أنا لص، كنتُ أسلك فى الرذائل، وكنت أغتسل بدم الناس فى الطرقات.

خطفتُ الكنوز من التجار واقتنيتها، وجعلت الرؤساء محتاجين (بسرقة) كنوزهم.

قتلتُ قتلاً، وسبَحت فى دم البشر، وعذبتُ الشيوخ، ولم أحزن على الشباب.

أغلقت الطرقات على المارين والمسافرين، وظل التجار فى منازلهم (محرومين) من الأرباح.

سلبت ثروات اناسٍ بلا عددٍ، وفى البرية سبَحت فى الشرور كما لو فى المياه.

سمع (الكروب) النارى الجدال العجيب فتحيَّر، ودعا جموع الناريين المخيفة وهو يرتعب.

قال المستيقظ (الكروب) والقوات متعجبة: أيها الرجل الدنس، ماذا تعمل فى الموضع الطاهر؟

أيها الملطخ بالدم، بأى طريق تم مجيئك، ولم تجرفك أمواج النار وأنت تعبر؟

يا سالب الكنوز، إن موضع شعبنا لا يُسلَب، يا قتّاَل الناس لا توجد إمكانية ليموت المستيقظون (السمائيون).

يا مستغل الأحرار، لا تقدر أن تتنهب المستيقظين! عد واذهب إلى موضعك، لئلا تحترق بأجنحتهم!

يا باقة الأعشاب، كيف تسبح فى بحر النار؟ يا جثة الدم، ماذا تعمل بين الناريين؟

أساس عدن (الفردوس) هو لهيب لا يُنقَب، والمزلاج عظيم، وقد ختمه الملك ولا يُفتَح.

هوذا المفتاح فى الملكوت، من يخرجه؟ والسور نارى، ولا تقدر أن تقتحم الأساس.

رمح النار يلتهب ويخيف، فلو تجاسرت أيها العشب الضعيف ستضمحل به.

أيها الترابى، لقد استهنتَ باللهيب، ولم تجرفك أنهار النار المخيفة.

ذكر اللص لابن اللهيب: أيها الروحى اسمع لأقول لك الحقيقة: كنتُ لصاً، واصطادتنى المراحم من الرذائل، فسبحت واغتسلت من الشرور التى كنت ملطخاً بها.

كنت أقترف الإثم فى الطرقات طيلة النهار، واصطادتنى المراحم لأتوب وقت المساء.

دعتنى أعمالى الشريرة لأموت على قمة الخشبة (الصليب)، وبالتوبة جذبتنى المراحم لأرث الحياة (لو 23: 42).

اعطانى الملك ربُّك الحياة، لأننى اعترفت باسمه، وفتح أمامى باب النور، لأدخل إلى عدن.

أيها الروحى، يلزمك أن تفرح بالضال الذي عاد، فإن ربَّك يفرح به...

جميع المستيقظين (السمائيين) يفرحون بخاطئ واحد يتوب، ويبتهج به بنو اليمين ليرث معهم (لو 15: 7). وأنت، هل تحزن؟ ولماذا؟ لأننى أتيت بينما ابن الملك وقواته يفرحون بعودتى؟ [46].].


[46] - الميمر 177 على الكاروب واللص (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سونى).