الفصل الخامس وصية المحبة للأزواج – القمص أشعياء ميخائيل – larry christenson – أيقونة الأسرة المسيحية

الفصل الخامس

وصية المحبة للأزواج

حينما نسأل الأزواج، هل تحبون زوجاتكم، فإن غالبيتهم يجيبون قائلين "نعم بالتأكيد" وحين يقولون ذلك فإنهم يعنون، ما يشعرون به تجاه زوجاتهم، أو ربما ما يفعلونه لأجلهن من رعاية وإهتمام. ولكن الحب الذى يعنيه الرسول بولس للأزواج نحو زوجاتهم هو ما يلى:

"أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها" (أف 5: 25).

"أيها الرجال أحبوا نساءكم ولا تكونوا قساة عليهن" (كو 3: 19).

وهذا النوع من الحب، لا يقاس بما يشعر به الإنسان، ولا بما يفعله، ولكنه يقاس بالتضحية التى يضحيها الإنسان من نفسه!!

1 - أيها الزوج أحبب زوجتك وضح بنفسك لأجلها

إن كلمة الحب فى اللغة اليونانية تعنى ثلاثة معان، وهذه المعانى الثلاث لها ثلاث كلمات بينما فى اللغة الإنجليزية فإن الحب له كلمة واحدة فقط (وكلنا يعلم أن العهد الجديد لغته الأصلية هى اليونانية).

وهذه الثلاث كلمات للثلاث معان للحب هى:

1 - إيروس Eros: وهى تعنى شهوة الحواس، والرغبة والشهوة الجنسية. والكلمة Erotic مشتقة من الكلمة نفسها وتفيد معنى (شهوانى أو جنسى) وهذه الكلمة لم تظهر قط فى العهد الجديد. وهذا هو المعنى الأول لكلمة الحب.

2 - فيلو Philo: وهى تفيد الحب الإنسانى، والإهتمام البشرى، ومنها جاءت الكلمة Philanthropy ومعناها محب البشر. وهذه الكلمة إستخدمت قليلاً فى العهد الجديد وتطلق هذه الكلمة على محبة الأصدقاء أو محبة الأقارب أو محبة العائلة.

3 - أغابى Agape: وهى تعنى الحب المضحى، وهذه هى الكلمة التى تستخدم فى العهد الجديد للدلالة على الحب. وعلى محبة الله، وعلى الحب الذى ينسكب فى الإنسان (رو 3: 16، رو 5: 5، 1كو 13). وهى نفسها كلمة الحب التى يستخدمها الرسول بولس حين يقول: "أيها الرجال أحبوا نساءكم" وهو يعنى بوضوح الحب المضحى، لأنه يستطرد ويقول: "كما أحب المسيح الكنيسة وبذل نفسه من أجلها" (أف 5: 26).

ونحن هنا نلمس القمة الروحية لوصية الله للأسرة. ونحن أولاً نرى الزوج والأب كسلطة فوق زوجته وأولاده. وهذا هو العمود الفقرى للرجل كسلطة عليا فى المنزل. ولكن حين ننظر بتأمل، فإننا سوف نكتشف أن السلطة الإلهية المعطاة للزوج والأب هى مثال لسلطة المسيح المستمدة من تضحيته.

وحينما كانت الجلجثة خلف المسيح. قال لتلاميذه: "دفع إلىّ كل سلطان فى السماء وعلى الأرض" (مت 28: 18). إن سلطة المسيح، وبالتالى سلطة الزوج والأب، ليست هى سلطة بشرية جسدية، وليست هى سيادة من إنسان على إنسان، ولكنها سلطة إلهية روحية، تعتمد على تضحية الإنسان بنفسه، إن الإحساس فى التعبير عن ذلك هو تعضيد الزوج للأسرة. ولكن الذى حدث هو تهدم القيم فى زماننا هذا، حتى أصبح من السهولة أن يلقى الزوج المسئولية على زوجته، وهذا يعنى الإبتعاد عن وصية الله، أو بمعنى آخر أصبحت الحياة العائلية بلا تأثير.

إن عبء تعضيد الأسرة ورعايتها مالياً يقع على الزوج. والمرأة تفرح وتسعد بأنه يتحمل هذه المسئولية عنها، لأنها مسئولية ثقيلة، والأكتاف القوية أعطيت للرجل، وكذلك لديه طبيعة قوية عقلية تجعله قادراً على أن يقع تحت عبء الأزمات من خلال مسئوليته. أما قلب المرأة فهو أكثر جبناً وإكتئاباً. والله هو الذى جعلها هكذا.

وهو الذى جعلها أيضاً تستغنى عن مسئولية إمداد الأسرة وتعضيدها. ولكن العناية بالأشياء فى المنزل تلائم المرأة. بينما شراء الأشياء وعبء العمل والكفاح يلائم الرجل وحده. والإقتصاد والتوفير، والإخلاص فى الإحتفاظ بالأشياء، هو من طبيعة المرأة، بينما الأعمال الشاقة لتدبير إقتصاديات المنزل، وجعله ملائماً ومناسباً هو من عمل الرجل، أما عبء تربية الأبناء وتدبير المنزل فهو العبء الملقى على المرأة، وهذا عمل كاف لها.

وعلى الزوج أن يعمل من أجل تمويل الأسرة، وتوفير إحتياجاتها، حتى لا يكون للمرأة أى عذر فى القيام بالأعمال المنزلية المناطة بها. أما فكرة أن المرأة تعمل، لزيادة الدخل، فهى فى الواقع زيادة فى الرفاهية، ونوع من الاستعباد للأهداف المالية. إن إحتياجات الأسرة الضرورية لا ينكرها أحد، ولكن نلاحظ دائماً أن دخل المرأة يذهب نحو الرفاهية، ويمكن غالباً ألا تعتمد الأسرة على دخل الزوجة، وقد تكون حجة الزوجة فى العمل، هى أنها تدخر بعض المال للمساعدة فى تدبير المنزل. ولكن هذا غير صحيح، لأنه لا يوجد أى كمية من المال من الممكن أن تتساوى مع فقدان العائلة لتواجد الزوجة الأم داخل المنزل. وعلى الزوج أن يعمل لكى تجد الأسرة ما تحتاجه. ويجب أن يعيش الزوجان فى بساطة فى حدود الدخل الذى يصل إليهما. وهذا لن يغضب الله قط.

ولكن من الخزى أن تصير شهوة الأشياء المادية لاغية للأمر الإلهى الذى وضعه الله من أجل حفظ كيان الأسرة.

وكما أن الكنيسة تنظر إلى المسيح وحده، من أجل الحصول على إحتياجاتها وخيرها، هكذا يجب على الزوجة والأبناء، أن يحصلوا على إحتياجاتهم المادية خلال عمل الزوج وخدماته الأمينة. ويجب على الزوج أن ينكر نفسه لكى يعبر عن حبه لأسرته ويستطيع أن يخدمها.

إن الزوج والأب الذى يهتم بأن ينفذ أمر الله بجدية نحو عائلته، يجب أن يأخذ كلمات المسيح يسوع ربنا إلى واقع التنفيذ.

"وحينئذ قال يسوع لتلاميذه أن أراد أحد أن يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى" (مت 31: 24).

ولذلك يجب على الزوج أن يحب زوجته. ولكن هذا الحب هو الأغابى الذى هو أقوى من الحب الطبيعى للرجل نحو المرأة. وهذا الحب يوجد وينمو حين ينكر الزوج نفسه ويضحى حتى الموت. وهذه هى حكمة الله للأزواج. هى دعوة للتزامل مع الصليب. وهذا هو الحب النادر الوجود وهو حب روحى بحت، حيث تشعر المرأة بالدفء والراحة والأمان والتشجيع الذى تحتاج إليه فى كل يوم من أيام زواجها وحياتها على الأرض.

ولكن دعنا نرى ما هى حقيقة هذا:

2 - أيها الزوج أحبب زوجتك وإهتم بخيرها الروحى

إن الزوج الذى يحب زوجته، وفقاً لوصية الإنجيل، يعطى الإهتمام الأول لإحتياجاتها الروحية. وإهتمامه الأول هو أن يكون لها علاقة مع الرب، وهو يدرك أن أى سعادة حقيقية وكل كمال لها كإمرأة وزوجة وأم يجب أن يقوم على الأساس الصلب لعلاقتها مع الرب يسوع المسيح. وهذا هو أهم شئ أن يسود الرب يسوع المسيح على كل الأمور!!.

إن أهم واجب للزوج المسيحى، هو أن يهتم بتقديس حياة الزوجة. ومثاله فى ذلك هو الرب يسوع المسيح الذى ضحى بنفسه من أجل الكنيسة، لكى يقدسها. فالزوج يعمل مع الزوجة ليس فقط لكى يقودها للحياة المسيحية، ولكن أيضاً لكى يعمل بكل قوته حتى تحل عليها بركة الله الكاملة، خلال الكنيسة، وفى المنزل خلال الصلاة والكلمة، لكى يحفظها روحياً، ويقودها فى المعرفة المسيحية. ولا يستطيع أى كاهن أو خادم أن يعمل ويكون له تأثير على الزوجة، إذا كان هذا ضد رغبة الزوج. وإذا حاول هذا الخادم (الكاهن أو الأسقف) أن يعمل مع الزوجة لأجل خدمتها وخلاصها فيمكن للزوج أن يعيقه من ذلك. ولذلك كان على الزوج أن يراعى المسئولية الملقاة على عاتقه من أجل السلامة الروحية لكل أفراد الأسرة. وأن يشعر بثقل هذه المسئولية.

وكما أن الراعى سوف يقدم حساباً عن كل حالة من أفراد الكنيسة، هكذا رب الأسرة سوف يعطى حساباً عن كل أفراد الأسرة. وهذه المسئولية سوف يطلبها الله منه. وكل ما يقع على الزوجة من لوم أو فضيلة، من مدح أو ذم يرجع إليه مباشرة.

ولا يمكن أن يكون لأى أحد على الأرض تأثير قاطع على السلامة الروحية للزوجة إلا زوجها فقط، سواء كان يشعر بذلك أم لا؟ إن تاريخ تأثير الزوج على زوجته سواء إيجابياً أو سلبياً هو قوى جداً. والتأثير سيكون على الجزء الخفى لشخصيتها.

وإن تأثير الإكليروس إذا كان سلبياً (إذا كان للراعى ضعفات خاصة ويتظاهر بالتقوى ويخفى ضعفاته)، سيكون لفترة مؤقتة ينجح فيها بإخفاء ضعفاته، أما الزوج فلا يستطيع ذلك، لأن الزوج لا يستطيع أن يخفى عن زوجته حقيقته الواقعية، ولا يمكن أن ينجح فى الرياء، لأنه يستحيل أن يخفى واقعه، لأنه عندئذ يضيع تأثيره، ويضعف معنويات زوجته. فلا يجب أن يخطئ فى الخفاء، ولا يجب أن يقسى قلبه ويمتنع عن الحنان المطلوب منه نحو زوجته. يجب على الزوج أن ينكر نفسه لكى يقوت زوجته ويتجنب كل خطأ. يجب أن يهتم الزوج من أجل قداسة زوجته. ولو إهتم بها حقاً، فإنها سوف تصير هكذا، لأنها مسيحية، ويمكن أن تحتفظ بالقداسة، وتكمل حياة القداسة. ولا يمكن أن ينجح أحد فى الإهتمام بأمورها الروحية مثل زوجها. ولا يمكن لأى أحد أن يشجع تقدمها فى كل ما هو صالح سوى زوجها، فهو الذى قد تَعين من الله أن يكون بالنسبة لها القناة التى تجلب لها البركات من الله. ومن فمه تتعلم الأشياء التى يكون قد تعلمها من الكنيسة من أجل النفع الروحى (1كو 14: 35). ربما تكون هى أقل منه فى المعرفة الروحية، وأحياناً تقاوم طريق الخلاص، ولكن الزوج يكون قد سار فى هذه الطرق الروحية بخبرته، ولا يجب أن يهبط عزيمتها قط، أو يكسر قلبها، أو يشكك فى قدراتها. ولكن بكل الثبات والحنان، يساعدها على أن تعيش بكل ما هو صالح. وخلال الزوج فإن الله سوف يشرق على الزوجة، ويغير فكرها، ويقودها حسناً.

إن الشيطان دائماً يخلق خلافات تنشأ بين المسيحيين بعضهم بعضاً، ولذلك يجب على الزوج أن يحرس زوجته، لكى لا تقوم هذه المنازعات مع زوجته. ويجب ألا ينظر إليها على أنها أقل منه فى الإيمان. ويجب أن يعرف أنه قد حصل فى المعمودية على الرباط الإلهى للوحدة.

وإلى جانب هذا الإهتمام الروحى من الزوج لزوجته، فإن كل الإهتمامات الأخرى تأخذ المرتبة الثانية. ويجب على الزوج أن ينظر إلى زوجته بأفكار سعيدة، أنه مُعين لبركتها، وليس من أجل سعادتها فى هذا العالم فقط، بل يبذل نفسه من أجل سعادتها الأبدية أيضاً، ويجب أن يحبها مثل حب المسيح للكنيسة.

إن الزوج الذى يمارس مسئوليته بجدية، حسب أمر الله من أجل الأسرة، لن يهمل فى أمور زوجته الروحية، ويقول أن هذا الأمر (حياتها الروحية) هو بينها وبين الله. بل يجب أن يدرك دعوته بأن يكون القائد الروحى لزوجته، كما أن المسيح مسئول عن رعاية ونمو الكنيسة، فإن الزوج مسئول عن رعاية ونمو زوجته وعائلته روحياً.. وهذا هو ما أوضحه الرسول فى رسالة (أف 5: 25 - 33).

3 - أيها الرجال أحبوا نساءكم وأحملوا الصليب وإتضعوا

كيف يمارس الزوج مسئوليته؟ وكيف يسود على زوجته؟ هل بإعطاءها الأوامر والتعليمات وما عليها إلا أن تنفذها فقط؟ هل بأن يعطيها محاضرات فى المبادئ والسلوكيات والحياة الروحية؟ لا، بل بأن يبذل نفسه عنها، وبأن يسير فى طريق الصليب قبلها. وأن يريها بالمثال والتطبيق، ما هو معنى أن يموت من أجلها. وهو لا يفعل هذا من أجل قداسته هو، بل من أجلها أيضاً. فهو بإختصار، لا يقودها خلال المناقشات الحسية، ولكن يقودها إلى المسيح، حين يسمح للصليب أن يكون له عمل فى حياته.

ولكن كيف يمارس هذا عملياً؟. لاحظ الممارسة اليومية. حين تبدأ المنازعات تدب، فمن واجب الزوج أولاً أن يتضع، ويطلب السماح والغفران عن كل ما هو خطأ فى سلوكه. وهذا هو موت الذات. ربما يكون الخطأ فادحاً من ناحية الزوجة، ولكن هذا لا يهم، لأن دعوة الله له، هو أن يحب زوجته كما أحب المسيح الكنيسة. إن المسيح يسوع ربنا قد إتضع ومات عنا ونحن بعد خطاة (رو 5: 8). وفى هذا الشأن، فإن الزوج لا يدين زوجته عن خطئها، ولا يبرر عدم توبته بسبب خطئها هى. بل يذهب فى طريق الصليب وينكر نفسه، ويتنازل عن كل حقوقه، لأن هذه هى دعوة الله للزوج. وهذا هو باب الحياة الروحية حمل الصليب، والبركة خلال التوبة، لأن الزوج والأب هو القائد الروحى للأسرة، فيجب أن يكون هو القدوة فى التوبة. وربما تأخذ المرأة إعتذار زوجها لها على أنه نوع من تبرير ذاتها. وهنا يجب ألا يقول الزوج لزوجته "أنا قد إعتذرت عن خطئى، فيجب عليك أنت أيضاً أن تعتذرى عن خطئك". فهنا لا يكون الزوج قد سار فى طريق الصليب. بل يجب على الزوج أن يحمل الصليب قبل كل أفراد الأسرة، لأن الروح القدس يكون قد أعطاه الندم على خطاياه الخاصة. وهو يعرف أن التوبة والغفران هما الإجابة الوحيدة للأسئلة العديدة.

إن الزوج الذى يتحدث مع زوجته دائماً عن واجبها فى الخضوع له، يكون قد فقد دعوة الله له، وهى تكميل الوصية المعطاة له فى الأسرة، وليس وعظ زوجته عن واجباتها.

إن موسى النبى، هو من أعظم القادة فى كل الأوقات، ولقد زوده الله بسلطة عظيمة، ولكنه كان "حليماً جداً اكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عدد 13: 3).

وحينما تمرد شعب بنى إسرائيل ضده، دخل موسى إلى الخيمة وتضرع من أجلهم، ثم تعامل الله مع هؤلاء المتمردين (عب 12: 10، 16: 33) ولكن حينما حاول موسى أن يتعامل معهم بنوع من الحقد والغضب، تعامل الله معه بشدة، لدرجة حرمانه من الدخول إلى أرض الموعد (عدد 20: 2 - 12) إن السلطة التى يمارسها الزوج على زوجته وأولاده، ليست هى سلطته هو، بل هى السلطة التى عهد الله بها إليه، وفوضه إياها. ولذلك يجب على الزوج أن يمارس هذه السلطة بنوع من الحكمة، لأن الله هو الذى منحه هذه السلطة وأبقاها له.

وإذا وجد الزوج، أن الزوجة والأولاد، يتمردون على سلطته، فإن الحديث الأول يجب أن يكون مع الله، ويجب أن يضبط نفسه، ويبدأ فى ممارسة التوبة عن أفعاله الخاصة. ويجب على الزوج عندئذ أن يسأل الله: لماذا لم أستطع أن أمارس السلطة على الأسرة؟ وما هو خطئى الذى لم يجعلنى آلة لقصد الله؟

إن رأس كل رجل هو المسيح، ورأس كل إمرأة هو زوجها (1كو 11: 3) وإذا كانت الزوجة غير خاضعة لزوجها، فإن معنى هذا هو أن الزوج غير خاضع للمسيح، سواء فى السر، أو فى العلانية. إن الذين يعيشون تحت السلطة هم أولئك الذين يستطيعون أن يستخدموا السلطة ببراعة. إن الزوج الذى تتمرد زوجته عليه، يجب أن ينظر أولاً إلى علاقته مع سلطته، الذى هو المسيح. وهذا هو إختبار التواضع. وبدون ذلك تأتى الروح المكسورة المهزومة.

إن التوبة والوداعة والحنان هى إختبار لنوع جديد من السلطة، تلك السلطة التى لا يجاهد الزوج لكى يمارسها، بل هى سلطة تمنح له من الله بسرور، لأنه قد أمات ذاته، وعندئذ سوف يبسط الله سلطته على هذه الأسرة.

وحيثما توجد إماتة الذات من أجل العائلة، عندئذ يعمل الروح القدس فى هذه الأسرة.

إن حب الزوج لزوجته وأسرته، هو الذبيحة المحترقة، وهو بذل الذات وعندئذ يمنح الروح القدس الحكمة بطلاقة للزوج لكى يقود أسرته. وإن بذل الزوج لذاته من أجل أسرته، معناه تحمل الألم من أجل أسرته. وهذه هى إرادة الله ودعوته. وهذا هو وعد الله:

"الحق الحق أقول لكم: إن لم تقع حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير" (يو 12: 24).

وهكذا حين يقول الإنجيل، أيها الرجال أحبوا نساءكم، فهو يعنى أكثر من الشعور المؤثر من الزوج لزوجته، إنه يجب على الزوج أن يموت من أجلها، كما مات المسيح من أجل الكنيسة. وخلال هذا البذل والموت سوف يجلب الروح القدس ثماره على كل العائلة التى هى:

"محبة فرح سلام. طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف" (غل 5: 22).

4 - أيها الزوج أحبب زوجتك ومارس السلطة بإحترام وإتضاع.

يجب أن تبقى السلطة فى جانب الزوج، ولكن يجب ألا يشعر أنها حق من حقوقه، بل واجب من واجباته. ويجب ألا يفكر فى القوة التى منحت له، بدون أن يفكر فى المسئولية الملقاة على عاتقه. يجب على الزوج أن يعرف فائدة السلطة، أنها عبء وحمل ومسئولية. ويجب أن يجعل كل ما يحدث فى المنزل تحت إشرافه، لأن المسئولية عن كل شئ تقع على عاتقه. ويجب ألا يخفى المسئولية عن نفسه، أو بسبب ضعفاته يلقى هذه المسئولية بعيداً عنه. يجب على الزوج أن يمارس التضحية والبذل، لأن هذا نافع ومفيد، لأنه يجب أن يحاسب نفسه عن أخطائه، ولذلك يجب أن يعرف كل ما يحدث فى العائلة.

ولا يوجد أى عذر لخطئه، وغباوته، وتجاوزاته، وعثراته. لأنه هو المسئول عن كل ما يحدث داخل المنزل من منازعات. لأن المسئولية الملقاة عليه ليست من الناس بل من الله، ويجب أن يبتعد عن الإزعاج الناتج من إظهار السلطة أمام الآخرين. وفى كل الأمور يجب أن يسلك بوداعة وحكمة وثبات كرأس للأسرة.

كتبت إحدى الزوجات رسالة إلى الأزواج تقول فيها:

"أيها الزوج لا تتنازل عن سلطتك، لأنك عندئذ سوف تتخلى عن واجباتك، وهذا هو ما يتعبنا جداً. إن السلطة تنذرنا وتفيدنا أكثر من أى شئ آخر، وتعطينا الرؤية الصحيحة. وتجعلنا نحب أزواجنا بالدرجة الأولى. سوف نعطيك السلطة فى المقام الأول فى البيت. سوف نتنازع معك، ولكننا نريدك أن تكسب، هناك اضطراب فى قلوبنا نحو سلطتك، ولكننا نريد أن تكون أنت هو حامل السلطة، لأننا لم نوجد لحمل السلطة".

لذلك فإن الزوج هو المسئول، وله السلطة على كل من فى المنزل. ويجب على الزوج أن يخدم زوجته، فيما تقوم به من واجبات وأعمال، ويجب أن يعطيها التفويض والصلاحية. ولا شئ ينقص من سلطته، أن يأخذ رأى زوجته ومشورتها بشأن القرارات. إنه من الحكمة أن يأخذ مشورتها، مثلما يأخذ رئيس العمل مشورة من يعملون معه فى الإدارة. ولكن من الخطأ أن يكون القرار والسلطة للزوجة، ومن الخطأ أيضاً أن يتدخل الزوج فى الأمور المنزلية الصغيرة، ويظن أنه يهتم أكثر من زوجته بتلك الأمور المنزلية. ويجب على الزوجة أن تقدم إحتراماً لزوجها أثناء قيادته وسلطته. ويجب على الزوج أيضاً أن يحترم زوجته فى قيامها بالأعمال المنزلية، ولا يوصف الأعمال التى تقوم بها بالتفاهة. فهو مسئول أن يعضد زوجته ويعولها بنوع من الرقة والحنان. ولو حدث أنه حقر من أعمال زوجته ومسئولياتها المنزلية، فإنه سوف يسبب لها أذى شديد يصعب علاجه بعد ذلك.

إن المرأة تحتاج إلى مقوى فى حياتها. وهذا هو ما تحتاجه البيوت المسيحية. إن الرجل يعمل ويكسب المال، وقيمته تتوقف على ما يكسبه. أما المرأة فهى بخلاف ذلك (يقصد المرأة التى لا تعمل) تحتاج إلى تقدير وتشجيع. وكثير من الأزواج لا يدركون هذا الإحتياج، ولا يقدرون هذا التقدير وهذا التشجيع.

ويصف سفر الأمثال المرأة الصالحة هكذا:

"ثمنها يفوق اللآلئ. يقوم أولادها ويطوبونها. زوجها أيضاً فيمتدحها: بنات كثيرات عملن فضلاً. أما أنت ففقت عليهم جميعاً" (أم 31: 10 - 31).

أيها الأزواج اعتبروا زوجاتكم كنزاً، أعطى لكم من غنى الله الوفير. أحبب زوجتك وإكرمها، ولتلاحظ مواهبها، وقّدر مجهودها وأشعر بشعورها. وبرقة وحنان عبر عن حبك لها بطرق مختلفة كل يوم، وهذا هو الفيتامين اليومى، الذى يجعل الحياة الزوجية لها قيمة بالنسبة لك ولها أيضاً.

"أيها الرجال أحبوا نساءكم، ولا تكونوا قساة عليهن" (كو 3: 19).

هنا يحذرنا بولس الرسول من القسوة، التى تُفشل الزواج الناجح، إن القسوة تقف مثل الصخرة أمام الحياة الزوجية. وفى الوقت الذى يسلك فيه الزوج بإحترام مع الآخرين الغرباء، يهمل فى معاملة زوجته برقة وحنان. ومن أجل الآخرين يرتدى الزوج الملابس الأنيقة، ولكن فى المنزل يكون إنساناً آخر.

إن أى إيذاء لأى إنسان لا يساوى إيذاء الزوج لزوجته. إن من واجبه أن يفرح قلبها كل يوم. وأن يربطها به، ويوحدها معه خلال حنانه ونُبل سلوكه معها. وإذا لم يحاول أن يرضيها هكذا فإنه سوف يجرح شعورها. وكل لوم لها أمام الأبناء، وكل شكوى ضدها أمام الغرباء، هو ألم مرير لها. وإذا فعل ذلك فإنه سوف يهبط من كرامته وإحترامه.

إن الزواج مبنى على الإحترام والتقدير المشترك والتقدير والمديح يؤيد هذا الإحترام. ويجب أن ينبع هذا الإحترام من الداخل. ويجب على الزوج أيضاً أن يقدم لزوجته المساعدات اللازمة، والمعاملة الحسنة فى الحياة الزوجية اليومية.

وهكذا فإن الإهمال فى ملابسنا وكلامنا فى المنزل، يؤكد عدم إحترامنا للشريك الآخر.

ونحن نعرف أنه هناك علاقة بين نظافة الجسد وطهارة النفس. وهكذا فإن عدم الإحترام الخارجى، يقود إلى عدم الإحترام للنفس وللآخرين أيضاً.

وحينما طالبنا الكتاب المقدس أن نعامل زوجاتنا، بالحنان والتكريم، كوارثات معنا نعمة الحياة، فإنه أضاف هذا التحذير للأزواج حين قال، لئلا تعاق صلواتكم.

"كذلك أيها الرجال. كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائى كالأضعف. معطين إياهن كرامة. كالوارثات أيضاً معكم نعمة الحياة. لكى لا تعاق صلواتكم" (1بط 3: 7).

لأن حين يُجرح شعور المرأة، وتواجه عدم الإحترام – من الزوج – فإنها تصاب بالإيذاء داخلياً ولا يوجد من يقدر على الأرض أن يشاركها هذا الألم. ولذلك فإن الله القاضى العادل، هو الذى ينظر إلى أحزانها. وحين يصلى الزوج فإن الله سوف يكشف له عن جمال سلوك زوجته، وكيف عاملها سيئاً وجرحها!!.

ولذلك فإن صلواته لن ترتفع إلى السماء!! وسوف يجد أن السماء مغلقة أمامه، وكلماته ترتد إليه ثانية، وتدفن عند شفتيه، وكأن شيئاً قد وقف حائلاً بينه وبين الله – وذلك حين يقترب من عرش النعمة – وهو حزن زوجته الذى تسبب فيه. ولذلك فإن الله قد أغلق قلبه ضده، لأنه قد أغلق قلبه ضد زوجته. فهذا قد أحزن روح الله الذى داخلها، ولذلك فإن الله فى عدله سوف يجعله يذوق الحزن الشديد، وكما تعالى الزوج على زوجته وإحتقرها، فإن الله سوف يصنع معه هكذا، فهو لن يستطيع أن يحيا فى صلح مع الله، إلا حين يقوم فى وداعة وبذل ذات ويتصالح مع زوجته. وذلك لأن السلطة الروحية هى غير ذلك تماماً، لأنها دائماً مقرونة بالإتضاع وغسل الأرجل (يو 13: 3 - 4).

وبالرب يسوع المسيح هو صاحب السلطة الكاملة، إنحنى وغسل أرجل التلاميذ. وهذا هو مثال للسلطة العائلية، التى يجب أن تمارس بطريقة مناسبة، بلا كبرياء، ولا عنف، ولا إفتخار. ولكن بإتضاع يجب أن تمارس السلطة الروحية وكذلك السلطة العائلية.

والخلاصة التى يجب أن نقولها هى أن سلطة الزوج على زوجته وأولاده، هى سلطة متواضعة من الله، وهى سلطة روحية، لها مبادئ ثابتة، قد مارسها الرب يسوع المسيح، حين غسل أرجل تلاميذه، مقدماً لنا مثالاً فى ذلك، قد أكمله بالصليب.

والذى يمارس السلطة يجب أن يكون خادماً للكل، ويجب أن يصل إلى حد إمكانية الموت من أجل أولئك الذين هم مسئولون منه.

أيها الأزواج أحبوا زوجاتكم. أتركوا كبرياءكم. وإتبعوا الرب يسوع المسيح. حتى الصليب. وحب الجلجثة سوف ينبع فى بيوتكم.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

لا توجد نتائج

No items found

الفصل الرابع وصية الله للوالدين بخصوص الأبناء - القمص أشعياء ميخائيل – larry christenson – أيقونة الأسرة المسيحية

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات