الفصل الرابع وصية الله للوالدين بخصوص الأبناء – القمص أشعياء ميخائيل – larry christenson – أيقونة الأسرة المسيحية

الفصل الرابع

وصية الله للوالدين بخصوص الأبناء

إن دعوة الوالدين، موجزة فى جملة واحدة أوردها القديس بولس الرسول حين قال:

"وأنتم أيها الآباء، لا تغيظوا أولادكم، بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره".

(أف 6: 4).

وهكذا فإن الرسول بولس قد لخص وصية الله للوالدين فى ثلاث أساسيات: الحب – التأديب – التعليم.

وهذه هى ببساطة مسئولية الوالدين الملقاة عليهما من الله نفسه. والله هو الذى أعلن صورته ومثاله فى الإنسان، لأنه خلق الإنسان على صورته ومثاله (تك 1: 26) وجزء من صورة الله ومثاله هو أننا نشترك معه فى الأبوة. إن الله هو الآب، وكل أبوة أرضية هى مشتقة منه. والله يتعامل معنا نحن أولاده الأرضيين، وفقاً لهذه النماذج الثلاث (الحب – التأديب – التعليم).

"فإنه إن أخطأنا بإختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق. لا تبقى بعد ذبيحة عن خطايانا!!

... بل قبول دينونة مخيف، وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين!!

... مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى!! "(عب 10: 26 و27 و31).

فهو يبدأ بالتعليم حيث يعطينا معرفة الحق!! وحينما نرفض التعليم أو نتجاهله فهو يؤدبنا!! وتأديب الله لنا ليس بسيطاً. إنه دينونة رهيبة!! وهذا التأديب لا يتعارض مع حبه، بل هو يسنده ويؤيده:

"وقد نسيتم الوعظ الذى يخاطبكم كبنين" با إبنى لا تحتقر تأديب الرب. ولا تخر إذا وبخك. لأن الذى يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل إبن يقبله "إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين. فأى إبن لا يؤدبه أبوه؟ ولكن إن كنتم بلا تأديب. قد صار الجميع شركاء فيه، فأنتم نغول (أبناء زنا) لا بنون. ثم كان لنا أباء أجسادنا مؤدبين، وكنا نهابهم. أفلا نخضع بالأولى جداً لأبى الأرواح فنحيا" (عب 12: 5 - 9).

وفى هذه الآيات نحن نرى الأساسيات الثلاثة واضحة ولكنها تبدأ من الآخر إلى الأول: التعليم – التأديب – الحب.

وهذا هو الأسلوب الذى يعبر به الله عن أبوته. إنه هو الآب الكامل. وهو مثال لأولئك الذين يتمتعون بصورته فى الأبوة هنا على الأرض.

أولاً: التعليم:

"ربُ الولد فى طريقه، فمتى شاخ أيضاً لا يحيد عنه" (أم 22: 6).

قال أحد المعلمين، أن كل طفل يأتى إلى العالم، ومعه أوامر مخفاة، وكل إنسان له شخصية خاصة يجب أن يكملها. وحين يولد الإنسان ثانية فى المعمودية فهذا الحق يظهر جلياً.

والرسول بولس يصف الكنيسة بأنها جسد المسيح، بحيث أن كل عضو له مكان وعمل خاص مميز فى الجسد، وكل إنسان يأتى إلى العالم، ثم يأتى إلى جسد المسيح – بالمعمودية – بأوامر محكمة الأغلاق، وله هدف خاص يجب أن يكمله. وجزء من مسئولية الوالدين هو أن يساعد الطفل على إكتشاف الأوامر التى تناسبه. وأن يجعلاه يكتشف ماذا يريده الله منه أن يفعله. ويجب أن يدربا الطفل ليس فقط فى الطريق الذى يجب أن يسير فيه كل طفل، بل أيضاً فى الطريق الخاص المميز الذى يجب أن يسير فيه هو على وجه الخصوص.

وهذا يُعنى أن الوالدين يجب أن يتعاملا مع كل أحد من أبنائهم حسب القيادة الإلهية للروح القدس. وكل من الوالدين يجب أن يتغير لكى يدرك صعوبة التعرف على تمييز كل طفل عن الأطفال الباقين، وأن يلاحظ ذلك كلما كبر الأبناء. وليس هذا معناه أن تكون الأسرة مجالاً لإنتشار الفردية والأنقسام. ولكنها تعنى أن إختلافات الطبائع تخلق فى الأطفال إختلاف فى مقاصد الله المحددة لكل واحد منهم.

لذلك يجب أن يكون الوالدان فى يقظة، لئلا يخلقا فى الأطفال شيئاً من رغباتهما أو طموحاتهما الخاصة. ومن الشائع أن يحاول الوالدان أن يُعيشا الطفل حسب شخصيتهما فى الحياة، وحسب الحياة التى عاشها كل من الأب والأم، وأن يجعلا طفلهما يسلك هكذا. ولو كانت طباع البنت مثل طباع الأم فلا يوجد ضرر عندئذ. ولكن إن كان للبنت طباع مختلفة عن الأم فإن ذلك سيوجد صعوبات شديدة.

والدراسة العامة ربما تلاحظ هذه الإختلافات ولكن فى حدود معينة بسيطة. إن الوالدين يجب أن يتسائلا: ليس فقط هل أنا أسلك بصواب؟ بل أيضاً هل أنا أسلك بصواب مع هذا الطفل على وجه التحديد، وهل توجيهاتى تساعده على التدريب على الطريقة التى يجب أن يسلك فيها أم لا؟

1 - التوجيه:

إن تعليم أطفالنا يبدأ حيث التوجيه الشامل. فهو توجيه فى أمور كثيرة، مثل كيفية ربط الحذاء، والأخلاقيات. والسلوكيات.

وفى صبر وحب نحن نعلم أولادنا ما نتوقعه منهم، إنها مسئولية الوالدين أن يتأكدا أن الطفل قد فهم تماماً ما هو متوقع منه، ولا يفهم ذلك عقلياً فقط، ولكن يجب مساعدته بأن نشرح له كيفية تنفيذ الأمر بطريقة صحيحة، وكيف يؤدى العمل جيداً. ولذلك يجب أن نغرس فى أطفالنا العادات الصالحة.

إن غالبية الوالدين يخطئان حين يصدرا الأوامر، دون ان يبذلا أى جهد فى توجيه أطفالهم إلى كيفية تنفيذ هذه الأوامر. إن الوقت والجهد الذى يبذل فى تعليم الأطفال كيفية تنفيذ الأوامر سوف يوفر ساعات كثيرة من الوقت الضائع خلال إهمال الأبناء لأوامر والديهم. وليس للوالدين الحق أن يتوقعا الحماس الجيد من الأبناء الذين لا يبذلون معهم أى جهد فى إعطائهم التوجيه الشامل (التوجيه الشامل هو توجيه فى كل الأمور وفى طريقة تنفيذ التوجيهات).

التوجيه الأول: العمل

إن الأطفال الصغار الذين لديهم أربع سنوات فقط، ولا يمارسون أكثر من اللعب، يمكنهم المساعدة فى المنزل عن طريق تفريغ الفضلات فى أماكن جمع القمامة. والأطفال الذين لديهم ست أو سبع سنوات، يمكنهم أن يساعدوا فى إعداد مائدة الطعام وترتيب الأطباق. وكل عمل يمكن أن ينفذ إذا صاحب العمل توجيه فى كيفية تنفيذ العمل. ولو حدث أن الطفل ألقى بعض الأوراق على الأرض، فإن الأم يجب أن تعطى وقتاً فى أن تقوده وتساعده فى جمع هذه الأوراق التى تناثرت على الأرض. قد يكون هذا الأمر (جمع الأوراق) سهلاً وسريعاً لو قامت به الأم بمفردها، ولكن هو تدريب عملى للطفل. والوقت الذى سوف يستغرقه هذا الأمر سوف يساعد الطفل على تعلم النظافة والنظام فى كل أعماله. وليس شئ يمكن أن يساعد الطفل على تدريبه مثل مساعدته على كيفية تنفيذ الأوامر ببراعة.

وأحد المشاكل الحقيقية المرتبطة بالتمدن والتحضر – حسب ثقافتنا – هو قلة الفرص للأعمال التى يمكن أن يمارسها الأطفال، ولكن يجب على الوالدين أن يبذلا جهداً، فى تقدم أبنائهم فى ممارسة عادات الأعمال الصالحة. والعمل المنزلى يجب أن يمارسه الأطفال حسبما يتدربون على ذلك. والوقت الذى يبذلونه فى اللعب والترفيه، يجب أن يتناسب مع الأعمال الجادة التى يؤدونها. إن الأطفال الصغار يقضون وقتاً طويلاً فى اللعب، وكلما ينمو الطفل قليلاً، كلما يجب أن يعطى وقتاً للعمل، حتى يصل إلى أن يشترك مع الأسرة فى قراءة الإنجيل. وتقريباً تعطى نسبة 1 / 7 من الوقت للترفيه، والنسبة الباقية من الوقت 6 / 7 تعطى للعمل.

"ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك. وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك لا تصنع عمل ما..." (خر 20: 9 - 10).

والعمل هنا يشمل المسئولية التى يمارسها الطفل خارج المنزل مثل الدراسة، والنشاط المدرسى، والرياضة، والواجب المدرسى، ودروس الموسيقى، ووقت التدريب.

وإحدى الإجراءات الوقائية للشباب، تعتمد على مدى بناء عادة الأعمال الجيدة فى الأطفال. كما أن جنوح الأطفال إنما يكون بسبب وجود فراغ كبير، ولذلك يجب أن يشاركوا فى تحمل المسئولية. وهذه هى القاعدة الأساسية التى يجب أن توضع بإحكام (أن اللعب لا يضرنا طالما هو فى الوقت المحدد له). والمساء هو الوقت المخصص للنوم.

ولقد كتبت إحدى المتخصصات فى التربية عن كيفية تأسيس عادة الأعمال الصالحة فى الأطفال فقالت:

"إنه من الواضح خلال الطريقة التى يمارسها غالبية الوالدين أنهما لا يعطون أى إهتمام للتأديب الذى يعلم الطفل كيفية ممارسة الأعمال... ولا شئ يحرك المشاعر قدر الأعمال الجسدية.

أيها الأباء والأمهات يجب أن تُعلموا وتدربوا أولادكم على أن يحبوا العمل، وإذا مارسوا هذا العمل فيجب ألا يشعروا بالغم والظلم. يجب أن تقودوهم إلى التعاليم والثقافة المسيحية. وخلال معونة الله سوف يتغيروا. ولكن إذا لم تدربوهم على العمل، فإنهم لن يقدموا أى شئ لله، ولا لأنفسهم، أو لكم. إن المسيحى الكسلان لن يفعل اى شئ لأجل الله... ".

نحن ننال المعونة خلال الكتب التعليمية، ولكننا نتعلم الحكمة خلال الأعمال الشاقة، ولا يوجد بديل آخر لتعلم الحكمة سوى العمل. فإذا حدث أن أحد الأبناء كسر أحد الأطباق خلال قيامة بغسل الأطباق. فإنه سيكون معرض لعقاب بسيط، حتى يقدر الأطفال أن يمارسوا العمل بمهارة!! وللأسف فإن الأطباق البلاستيك لن تعلم الأطفال شيئاً لأنهم سيحرمون من العقاب إذا كسرت!!

وهكذا حين ينمو الأطفال فى العمل، فإنهم سوف يمارسون الأنشطة المختلفة، وتلقائياً سوف يتعاملون مع المشاكل التى تصادفهم، بنوع من النشاط والحيوية.

وحينما تدرب طفلك على العمل، لا تسمح له بأن يفند ويوسع المناقشات التى لا داعى لها، حتى يواجه العقبات التى تجعله يفكر فى عدم العمل، أو يترك الشئ دون أن يؤديه. وإذا لم تكن شديداً فى ذلك، فإن هذه الروح (الكسل) سوف تمتلكه، وحينما يكبر، ويريد ان يؤدى أى شئ بنفسه، سوف يفشل، لأنه قد تعود أن يترك ويرفض ذلك الشئ الذى لا يسبب له المسرة!!.

إن الطفل سوف يفعل – حين يكبر – بالضبط ما تعود أن يفعله وهو طفل صغير. أما الأعمال الصعبة فإنه لن يؤديها لأنه لم يتعود على ممارستها بتوجيه الوالدين. والأطفال الذين لم يمارسوا فى طفولتهم غير اللعب فقط، كيف يواجهون الهموم، وظروف الحياة التى يجب أن يحيوها فى أمانة. إنه وقت متأخر لهذا التعليم.

إن العمل يضبط أجسادنا، ويجعلنا فى سعادة وقت الراحة، إن الذين تعلموا ذلك فى طفولتهم المبكرة، فإنهم مدربون، ولن يمارسوا الخطية حين يكبرون!!.

ونحن الآن نرى الأم تبذل وقتاً طويلاً فى الأعمال المنزلية، بينما إبنتها التى وصلت من العمر 12 أو 16عاما تجلس أمام المرآة لتهذب جسدها وتتباهى بجمال شعرها. هل تقولين أيتها الأم أنها مازالت صغيرة. فى الأيام الأولى كان الطفل الصغير يقف على كرسى ليغسل الأطباق، لأن هذا هو السن الذى يجب أن يتعلم فيه الأطفال تحمل المسئولية.

ومن السنين الأولى يجب أن تتعلم البنات كيف يغسلن ملابسهن، ويساعدن أمهاتهن، وأن يقدمن تضحية من أجل عائلاتهن، بأن يساعدن فى الطبيخ والأعمال المنزلية الأخرى. وكيف يمكن للولد أو البنت أن يقدموا أنفسهم لله حين يدعوهم، إذا لم يتم تدريبهم من قبل على العمل والتضحية فإنهم لن يقدروا على التضحية بعد ذلك. إن لم يتدربوا على الطاعة فى الأمور الصغيرة، لن يستطيعوا الطاعة فى الأمور الكبيرة.

إن الإتضاع والحكمة من جانب الوالدين يجعلا الأبناء ينصتون إلى النصيحة ويقبلون الإنذارات المخيفة أمام الحقائق غير المطروحة للتعايش. هكذا حين يسير الإبن فى طريق الخطأ ويسلم نفسه للشيطان، فإن الوالدين يبحثان عن أحد الأشخاص القريبين من الإبن لكى يتحدث معه بخصوص المشكلة التى توجع قلبهما وتدميه. إنهم سوف يرفعان أصواتهما ويبكيان ولكنهما لن يجدا مكاناً للتوبة، رغم أنهما يطلبانها بدموع، لأن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد (غل 6: 7) وعندئذ سيكون الوقت متأخراً. ولذلك لعل الله يساعدنا على أن ننتبه إلى السنين الأولى للطفل حيث يمكن عمل أشياء كثيرة.

ونحن الآن نرى شباباً لا هم لهم سوى أن يقضى وقته فى التسليات والتسكع والإنحراف. ولا يوجد فى حياة هؤلاء الشباب أى رغبة فى العمل، ولكنهم مصابون بالرغبة التى لا حد لها فى المسليات. والسبب فى كل ذلك أن سنينهم الأولى فى طفولتهم لم يكن بها أى عمل يعملونه، ولم يتدربوا على العمل، ولم يمارسوا تحمل المسئولية منذ طفولتهم.

والبعض يسأل لماذا يقوم بعض الشباب بأعمال التخريب، التى نقرأ عنها فى الجرائد، ولقد ساءت حالتهم شيئاً فشيئاً، لقد كان إنحرافهم بسيطاً، ولكنه نما وأصبح شديداً ومرعباً وبلا ضوابط. هؤلاء الشبان والشابات يجب أن يستيقظوا مبكراً عوض عن نومهم حتى وقت الظهر، ويذهبون للعمل، ويشتغلون طوال اليوم وعندئذ لن يجدوا وقتاً للشرور التى يمارسونها.

وإذا كنت قد بدأت خطأ فى غير ذلك الإتجاه، فقف وإعمل تغييراً. ومن الطبيعى أن أولادك كلما كانوا كباراً كلما كان الأمر صعباً. ولكن إبدأ بتدريبهم على العمل حتى لو كان ذلك صعباً لأنهم لم يتعودا على ذلك، كما لو كانوا سوف يصعدون إلى الجبل، ولكنه طالما لديك إرادة فإنك سوف تعمل ذلك. حقيقة إن الأمر سيكون صعباً فى البداية وفقاً لعمر الأطفال. ألا يستحق أن تربى هؤلاء الأطفال الذين أعطاهم الله لك، وأن ينموا الأطفال لكى تمجد الله وتحيا سعيداً فى حياة مثمرة؟

وعلى وجه التحديد خلال الروح الوديعة الحلوة، والصلاة ليلاً ونهاراً يساعدك الله لكى تبدأ فى الحال، وسوف ترى فى قوت قصير كل المنزل محاطاً بتحمل المسئولية ويصير له شكلاً جميلاً لكل أفراد الأسرة. وسوف يستيقظ الكل مبكراً لكى يقضوا وقتاً مكرساً لله، لأن كل أحد سوف يساعد فى أعمال المنزل المتعددة.

وسوف يتعلم الأبناء الطاعة من أعمالهم، وسوف تكون نفوسهم منضبطة لأنهم قد تعودوا أن يقودوا أرواحهم. وسوف لا يكون الأب والأم متعبين ومرهقين، لأن الأبناء سوف يهتمون بالعمل داخل المنزل، وسوف ينبع الحب من الوالدين إلى الأبناء، ومن الأبناء إلى الوالدين، لأن كل شئ سوف يكون فى نظام وترتيب.

إبدأ الآن مع الأبناء الصغار على قدر الإمكان – دربهم على العمل – لأنك إن تركتهم حتى سن العاشرة أو الثانية عشر، فإن الأمر سوف يزداد صعوبة لأن أرواحهم سوف تكون قد إعتادت على العناد، الأمر الذى يصعب معه أن يتخلصوا منه. إن البيت الصلب هو ذلك البيت الذى يبقى جميع أفراده ساعات طويلة فى العمل. لأن الأطفال يتعلمون العمل بالتكرار.

وإنى أثق أنكم لن تسيئوا الفهم وتظنوا أن الأطفال يجب على أن يعملوا من الصباح حتى المساء!! لا وبلا شك لا، لأنه لابد أن يكون لديهم وقت للراحة واللعب، لأن اللعب سيكون له تأثير على تنظيم حياتهم، طالما أن الوقت المخصص للعب محدداً، ولا يجب أن نتحاجج معهم بإستمرار حول النظام والبعد عن الفوضى، لأنهم سيكونون فرحين طالما لديهم وقت للعب، وأنهم قد أدوا أعمالهم. وسوف يلعبون بفرح بعرائسهم، ولن يسيئوا إلى والديهم، ولن يعم الإضطراب الذى يسببه الكسل. ولنتذكر جيداً أن الكسل هو مصنع الشيطان!!

وبكل الطرق والوسائل، دربهم مرة ومرتين، وسوف تجد أن الصعوبات قد إجتزتها، وكل الأطفال الذين يأتون بعد ذلك سوف يتبينوا ذلك التدبير. وحينما يسلك الأبناء الكبار هكذا (العمل المستمر) فإن الصغار سوف يقلدونهم، وسوف تسرى فيهم روح إخوتهم الكبار، وسوف يحبون العمل كل أيام حياتهم.

التوجيه الثانى: الفضيلة والأخلاق

إن التوجيه الأول هو العمل، أما التوجيه الثانى فهو كيف نغرس الحياة الروحية فى حياة الطفل؟ وهنا نعطى توجيه نحو الفضيلة والأخلاق.

إن الصدق والإيمان والتواضع هم أهم ثلاثة فضائل للشباب. وبالتوجيه لن يكون هناك أى صعوبة لإكتسابها، وهذه الثلاث فضائل هى أساس لكل الفضائل المسيحية. لأنه يجب أن ننزع أولاً من الوالدين عدم الصدق وعدم الإيمان والكبرياء وعندئذ يمكن أن نزرع الفضائل فى الصغار. وحينما نزرع هذه الفضائل الثلاث فى الأطفال، فإن الوالدين سيكون لهم تعزية كبيرة فى أولادهم إلى أن يكبروا ويستقلوا عنهم.

1 - الكذب:

إن الكذب وإخفاء الحق فى الطفل يعتبر خطية، وأحياناً يمارس الأطفال الكذب كنوع من الخبث والإلتواء، وعدم إحتساب الأمور بدقة. فهو يعتبر خطية عندئذ.

كل كذب هو خطية، ولكن الكذب يصير خطية عظيمة حين يسقط فيها من هو فى السلطة (الوالدان وغيرهما)، وتأثير ذلك شديد على من يكذبون عليه. وسوف يلاحظ الأبناء كذب الوالدين. أما كذب الأبناء على الوالدين فهو أكثر جسامة، لأن الوالدين لهم الإحترام المقدس، ولهم الحق فى طلب الصدق، وهذا الطلب هو أعظم من كل الطلبات.

ولكن لماذا هذا الإهتمام الشديد بخطية الكذب؟ لأن الصدق يتضمن كل الحياة الروحية أما أولئك الهالكين فإن الكذب هو أساس أحكامهم، كما يقول الكتاب المقدس:

"وهذه هى الدينونة. أن النور قد جاء إلى العالم. وأحب الناس الظلمة أكثر من النور. لأن أعمالهم كانت شريرة لأن كل من يعمل السيآت يبغض النور ولا يأتى إلى النور لئلا توبخ أعماله. وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور. لكى تظهر أعماله أنها بالله معمولة" (يو 3: 19 - 21).

إن المصير الأبدى فى الإنسان يعتمد على نتيجة التصارع بين الحق والكذب فى أعماق قلبه.

ولكن كيف يكون الطفل مستقيماً تجاه الله، إذا كان لا يمارس الاستقامة والصدق مع والديه؟ وما هو أقدس من هذا العمل الذى هو حماية أبنائنا من السقوط فى تجربة الكذب. ولذلك يجب على الوالدين أن يقودا أولادهما خلال المعركة ضد الكذب حينما يظهر فى حياتهم، وأن يزرعا فيهم الصدق حتى لا يظهر فيهم محبة الظلام (الكذب).

وهكذا وفوق كل إعتبار يجب ألا يوجد أى كذب على أفواه الوالدين، ويجب أن نكون صادقين مع أطفالنا، وهذا هو واجبنا نحوهم، مثل واجبهم نحونا بعدم الكذب. ولذلك يجب أن نفى بوعودنا لهم، وأن نعطيهم ما وعدنا به لأنهم ينتظرون إستجابتنا للوعود، وهذا هو ما يؤسس فيهم محبة الحق.

2 - الإيمان:

إن إمكانية الإيمان فى روح الطفل هى ميراث مقدس. لأن الله طالب الإنسان بالإيمان. وهكذا فإن الإيمان أى الثقة هو فضيلة مثل فضيلة الشكر. والشك هو تدمير القلب مثل عدم الشكر.

3 - التواضع:

التواضع هو الفضيلة الثالثة الرئيسية. ويجب على الوالدين أن يلاحظا مدى وجودها فى الأطفال. ويجب أن يزرعا فيهم أسباب كثيرة لكى يحصدوا هذا التواضع. وأن يعلما مستوى معين من الملابس، والسلوك، والحديث وحيثما لا يوجد التواضع فى الفكر، فإن الروح القدس يُقيد، وغياب التواضع هو علامة على عدم الرضا، وعدم الإيمان فى هذا المجتمع الحديث. لأن حيثما يغيب روح الله، يغيب معه الصدق والإيمان والتواضع عن الإنسان.

ويبدو أن جيلنا قد أصبح فاقد التواضع من حيث الملابس، والكلام، وتعمد الإهانة، والتبجح الذى دخل إلى بيوتنا، وإلى مدارسنا، وحتى إلى الكنائس أيضاً.

وهنا يجب أن يقوم الوالدان بتوجيه أولادهما، بعناية فائقة وصبر، حتى يزرعا فيهم مستوى معين من التواضع اللائق بالأبناء فى البيوت المسيحية. إنه ليس حسناً أن يسرى فى حياة أولادنا مستوى الأخلاق الهابط الذى يسرى فى أيامنا هذه. إن العالم اصبح غير شغوف بالتواضع. ولكن المسيحية يجب أن تضع أساسها الخاص فى حياة أبنائها، وهو الأخلاق وهذا المستوى يختلف عن مستوى العالم المحيط بنا. وحينما تبدأ الحضارة تحتقر الأخلاق، فإن أبناء الله يجب أن يتوقعوا أن الفرق بين أسلوبهم فى الحياة وأسلوب العالم يجب أن يكون واضحاً جداً. وإذا لم تعد نفوسنا أن تتقبل عدم الموافقة الخاصة على أسلوب العالم، عندئذ يجب أن نسأل أنفسنا جيداً، هل نحن قد استعددنا أن نكون تابعين حقيقيين للمسيح أم لا؟

يجب على الوالدين أن ينظما مشاهدة التليفزيون والتمثيليات والمسرحيات. ويجب أن يبقيا على مستوى معين من الملابس، ويجب على الأم أن تشترى لإبنتها الملابس الجذابة وفى نفس الوقت المتواضعة. ولكن يجب أولاً على الأم أن تكون متأكدة أن ملابسها هى وسلوكها هى حسب التواضع المسيحى، وذلك لكى تحيط كل من حولها بالتواضع، لئلا تحرم هى من الإيمان والدعوة لحياة القداسة.

إن الأمهات المسيحيات اللاتى يرتدين الملابس الخليعة غير المحتشمة، فإن بناتهن سوف يكن على نفس أسلوب أمهاتهن. ألا تلاحظ الأمهات هذا الأسلوب الخالى من التواضع؟ ألا يلاحظن مدى إمكان إعثار الرجال من هذه الملابس الخليعة؟ أم لا يبالن بأنهم مازالوا رجالاً؟

إن عدم التواضع لا يقود فقط إلى مجرد الشهوة، وهذا وحده شر كاف، ولكنه يقود إلى إلتهاب الشهوة، لأن عدم الحشمة فى الملبس هو الذى قاد إلى الإنحرافات الخلقية، والأخلاق الدنيئة. إن إرتباط الأخلاق بالنظرة السليمة للزواج يتم من خلال التواضع.

2 - وضع القواعد:

تعليم الآخرين يحتاج إلى وضع قواعد، وهنا يجب أن نلاحظ أمرين خطيرين جداً، وهما عكس بعضهما البعض، وعلى نفس الدرجة من الخطورة!!

الأمر الأول: هو أن تضع قواعد وفى نفس الوقت تقدم شفقة زائدة فى عدم تنفيذها. والأمر الثانى: هو وضع قواعد ثقيلة وفوق إحتمال الأطفال، وهذا يقود إلى الفوضى. وكل من هذين الأمرين يعتبر خطية على الوالدين، كما أن كل من هذين الوضعين يقود إلى عدم الرضا والتذمر.

وحين لا يكون هناك أى ضوابط توضع وتحفظ، فإن الذى يحرك الطفل هو دوافعه وشعوره، سواء من نفسه أو من والديه. إن الأطفال ينجحون ويزدهرون حين يكون هناك قواعد وتقاليد ينفذونها ويخضعون لها. ربما يجاهدون ضد هذه القواعد، بسبب أنهم لم يتعودوا عليها، ويريدون أن يخضعوا لمشاعرهم فى عدم تنفيذ هذه القواعد. والطفل الذى ينمو ويكبر ويشعر بعدم إحتياجه إلى قواعد جديدة يلتزم بها، فهو طفل منحرف فى كل الإتجاهات. وهو كسول لم يتربى بعد. دعنا نواجه ذلك. إن الأمر يحتاج إلى جهد وإرادة لكى توضع قواعد تنفيذ وتستمر. إن الطفل دائماً يحتاج إلى هذه القواعد، وأيضاً بسهولة يمكن للطفل أن يطرح هذه القواعد جانباً. ولكن النتيجة هى إزدياد التعب فى المنزل، وهذا التعب يقود إلى رفض الوصايا الإلهية.

إن الوقت سوف يكون قد مضى وعبر حين يحاول الوالدان أخيراً – وبعد أن يكبر الطفل بدون قواعد – أن يضعوا قواعد لأبنائهما. ولذلك إقض وقتاً مع طفلك وضع له قواعداً يسير عليها. وإبذل كل جهدك مع طفلك، لأنك سوف تحصد من وراء ذلك فوائد كبيرة فى سنوات قليلة. وحينئذ فإنه سوف يشكر الله من أجل الوالدين اللذين أعطيا بعض القواعد لإبنهما.

ونحن الوالدان أحياناً نكون متراخين فى وقت يجب أن نكون فيه أبراراً، متسامحين فى وقت يجب أن نكون فيه متمسكين، كرماء فى وقت يجب أن نكون فيه مقطرين، وبلا عمل فى وقت يجب أن نكون فيه مشغولين للغاية. وها هى بعض الأمثلة لإهمال الوالدين:

1 - هل تعطى أولادك فى سن المراهقة، مالاً أكثر من إحتياجاتهم؟ إن هذا الأمر هو الذى قادهم إلى الإنحراف نحو الرفاهية والتدخين والخلاعة.

2 - هل تعلم ماذا يفعل أبناؤك بعد المدرسة؟ وأين يذهبون؟ صحيح أن الأبناء يحتاجون إلى الحرية ومعاملتهم مثل الكبار. ولكن لكل حالة معاملتها الخاصة. إن كثيرين من الأبناء منجرفون لأن والديهم لا يعرفان عنهم أى شئ، ولا يهمهما أن يعرفا شيئاً عنهم!!.

3 - هل تعرف أصدقاء أولادك وبناتك؟ هل هم مناسبون، ويسلكون نفس المسلك؟ أم يسلكون مثل أهل العالم؟

4 - هل تعرف والدى أصدقاء إبنك أو بنتك؟ وهل إلتقيت معهم وتعرفت بهما؟

وها نحن نضع بعض القواعد المشرقة التى نقترحها لكل والدين:

1 - مادام الوالدان قادرين على إيفاء كل الإحتياجات فيجب على الأبناء أن يساعدوا فى بعض الأعمال المنزلية.

2 - إن الوالدين اللذين يسددان مصاريف تعليم أولادهما، يجب أن يمارسا الرقابة على أولادهما فى مدى إنتظامهم فى المدرسة.

3 - غالبية أبناء هذا الجيل لديهم إمكانيات مالية كبيرة، ولديهم هموم كثيرة وهم محبون للحرب ومشغولون بالجنس أكثر من الجيل الذى مضى.

4 - يجب على الوالدين أن يساعدا أبنائهما المراهقين على أن يذهبوا إلى الطبيب النفىسى (تقوم الكنيسة بهذا الدور خلال الندوات والمحاضرات التى يقدمها المتخصصون) ولو لاحظ الوالدان مدى سوء أفعالهم لأدركا مدى الأوامر السيئة التى تصل إلى الأبناء، ولذلك يجب أن يكونا فى يقظة، لئلا ينحرف الأبناء فى الإتجاه العكسى، وعندئذ تكون الأوامر عبئاً عليهم.

هناك قوانين كثيرة، وهناك أيضاً أخطاء كثيرة بالنسبة للحكومة، حين تضع كل شئ تحت قيادتها، وهى تعلم الناس – دون أن تدرى – أن يكونوا متكلين تماماً على الحكومة، أكثر من المسئولية المستقلة. والنتيجة هى أن هناك قوانين عديدة توضع، ولكن قليل جداً منها هو الذى ينفذ، ونتيجة ذلك هو عدم إحترام القانون.

والإنسان الذى يستطيع أن يقودنا إلى أن تحكمنا قوانين قليلة، ولكنه يرشدنا من فوق، ويلاحظ ويدرب الضمير على الطاعة، فهو القائد الصالح المفيد للحكومة والمدرسة والأسرة.

والشئ الذى يبسط القواعد هو إستخدامها فى أوقات محددة. مثل مشاهدة التليفزيون فى أوقات محددة. وهكذا الأنشطة الأخرى أيضاً يكون لها أوقات محددة. بدلاً من وضع قواعد كثيرة ولا تنفذ، نضع قاعدة واحدة بسيطة وسهلة يمكن تنفيذها. ويجب أن تعطى الأبناء فرصة إختيار الألعاب والتسليات التى تناسبهم.

يجب على الوالدين أن يمارسا ملاحظة أولادهما، ويجب ألا يخضعا للحاجة المستمرة لأبنائهما. إذ بعد الإنذارات والممنوعات، يسمحا لهم بعد ذلك بحرارة، ويجب ألا نترك الطفل فى وضع خطر، ولكن من الحكمة أن نوصلهم إلى حالة يعملون فيها من أجل أنفسهم، ونلاحظهم من بعيد، كما لو كنا نمسك بحبل فى أيدينا ونجره فى الوقت المناسب.

وفى يوم الأجازة تترك لهم حرية الاستيقاظ، وحرية إختيار أى شئ يقبلونه، وهذه تجعلهم أحرار من الروتين، ثم يأتى بعد ذلك وقت العمل والنشاط العائلى الذى يكون مثمراً عندئذ.

وهناك كلمات خاصة بالأوامر التى تعطى للأبناء فى مرحلة التحول من الطفولة إلى النضج، حيث يكون لديهم شرور المراهقة. ولذلك يجب أن نعطى مثل هذا الولد حرية أكبر خلال هذه الفترة، لكى يتحرك فى خطوة نحو تحمل المسئولية والإعتماد على نفسه والنضج المبكر.

والذى يجب أن يحتفظ به الوالدان باستمرار فى فكرهما، هو أن الطفل دائماً ما يرغب فى الحرية. ويجب على الوالدين – وليس على الإبن – أن يحددا كمية ونوع الحرية التى يجب أن يتمتع بها الإبن الناضج.

ولكن عكس هذا بخصوص البنات. فإن تقاليدنا تضع أعباء ثقيلة غير محتملة على البنات فى هذا السن. وأحياناً نحن نسمح لهن ببعض الصداقات مع الجنس الآخر ولكن لا نعطيهن التوجيه والإرشاد المناسب. وفى الوقت الذى يحتجن فيه إلى الإرشاد والتوجيه فإننا نتركهن فى إنحلال من اى قواعد أو نظم أو توجيهات!!

وحين نضع قواعد لهن فى موعد رجوعهن للمنزل يقلن لنا: ألا تروا أن الثقة توجد حيث الخبرة وليس حيث الإفتعال. فأنتم أيها الوالدان هل تثقا فى إنسان مجرد تخرجه من كلية الطب أن يقوم بإجراء عملية جراحية؟ هذه الثقة عندئذ ستكون فى غير محلها، لأنها قبل النضج.

إن الثقة فى أولادنا بدون قواعد أو إرشاد أو ضوابط، هى تماماً كأن يمسك طالب فى كلية الطب – وقبل التخرج – بمشرط ليجرى عملية جراحية!! فهذه ليست ثقة بل هى نوع من الغباوة وعدم تحمل المسئولية.

إن التقاليد القديمة تضع بعض القيود على العلاقات بين الشباب والشابات، وتسمح بها تحت قيود وضوابط شديدة، ولا تسمح بتواجد الأولاد مع البنات لمدد طويلة منفردين. وبصيغة أخرى فإن الصغار الذين لا يستطيعون أن يضبطوا أنفسهم بأنفسهم، تضع لهم التقاليد حدوداً من القواعد والضوابط حتى يتم حماية هؤلاء الصغار من عنف الغريزة الجنسية التى لا يستطيعون أن يضبطوها.

هذه القواعد الخاصة بالصغار قد تطورت وأصبحت تحل مشاكل، ليس فقط فى المدارس الثانوية والجامعات، ولكنها أيضاً نزلت إلى المرحلة الإعدادية لدرجة أن البنات فى سن ال 11سنة أصبحن يضعن الروج فى شفاههن، والبنات فى سن ال13 أصبحن يرتبطن بعلاقات عاطفية مع الأولاد.

لذلك يجب وضع قواعد بخصوص الحفلات والخروج والإختلاط والأنشطة الإجتماعية، ويجب ألا يترك الأولاد أو البنات فى سن المراهقة لذواتهم. بل يجب أن يضع لهم والديهم حدوداً ينمون خلالها فى جو مريح. وهذه القواعد هى ضرورية لحماية الصغار. وإن لم توضع هذه القواعد من المجتمع، فإن الوالدين المسيحيين يجب أن يضعاها من أجل أولادهما. حتى لو كانت هذه القواعد تجعل أولادنا مختلفين عن باقى من هم فى سنهم!! وهذه القضية – قضية وضع القواعد – تثار فى سنين النمو حتى النضج، وهى قواعد ضرورية وهامة جداً، ويجب أن يخضع لها من هم فى سن المراهقة!!

3 - كن قدوة لأبنائك:

كن فى الصورة التى يجب أن يكون الآخرين عليها. كن هكذا فى كل أمورك. وإذا كنت فى صورة غيرما أنت عليه فى الخفاء. فتوقع عدم النجاح وعدم البركة، وتوقع أن يصيبك الخزى كأب أو كأم. والرسول بولس يقول:

"تمثلوا بى كما أنا أيضاً (أى أتمثل) بالمسيح" (1كو 11: 1).

وهكذا يجب أن يكون الوالدان فى صورة لائقة حتى يستطيع الأبناء أن يتمثلوا بهم.

إن كثير من الآباء يرغبون فى أن يجعلوا أولادهم متدينين، فى الوقت الذى هم أنفسهم غير متدينين. ومثلهم مثل السياسين الذين يرون أن التدين هو أمر رائع للناس، بينما هم أنفسهم لهم إتجاه آخر.

ولقد لاحظ قادة الكنيسة أن الشباب النشيط فى الكنيسة هم الذين ينتمون لوالدين نشطاء وإيجابيين فى الكنيسة. وبصيغة أخرى نقول أن قوة مثالية الوالدين لها فعل عجيب فى تعليم الطفل أكثر من أى شئ آخر. إجعل الله يدربك، إذا أردت أن تدرب الآخرين. هذه هى القاعدة الأساسية. وبدون هذا لا يتوقع أحد أن يكون لمجهوده أى ثمر مع أولاده.

وليس من المنطق أن نتوقع أى نجاح أخلاقى مع أبنائنا، دون أن نخضع أنفسنا لقانون الأخلاق. ولا يفكر أى أحد أنه من السهل عليه أن يخفى عن أولاده أخطاءه ومخالفاته لوصايا الرب. وإذا لم يكن للوالدين أى تأثير على أبنائهم، فإنه من الممكن أن يكتشفوا أن هناك أمراً خاطئاً فى حياتهم. وهذه المحاولة – التعليم رغم عدم القدوة – هى ليست محاولة غبية ولكنها جسارة أيضاً من الوالدين.

ولو نجح الوالدان فى أن يخفيا أخطائهما عن أبنائهما، فإنهما يكونان قد خدعاهم، ولو حتى لفترة من الزمن، ولكننا لا نستطيع أن نخدع الله ولو لحظة واحدة فقط. وكأننا نريد أن نخلق فيهم تحفة رائعة من الأخلاق، دون أن نضع أساس لهذه الأخلاق من جانبنا نحن.

إن الوالدين يريدان أبناء مطيعين لهم، فى الوقت الذى فيه هما أنفسهما غير مطيعين لله.

إن الكتاب المقدس يكشف لنا العلاقة بين الأفعال التى فى الخفاء، التى يصنعها الوالدان وبين سلوك الأطفال. مكتوب فى حياة داود النبى أنه دمر أسرة أوريا الحثى، ثم بعد ذلك بدأ الاضطراب يدب فى أسرته هو. لقد سقط داود فى خطية الزنا وخطية القتل، فهو قد دمر الكرامة بالزنا والحياة بقتل أوريا. ثم سقط أبناؤه فى نفس الخطية، مخطئين فى حق أنفسهم وفى حق أبيهم داود. هو فعل خطية الزنا فى الخفاء، ولكن كان العقاب هو خطية الأبناء أمام أعين كل العالم.

إن الأبناء يتحملون نتيجة أخطاء والديهم، كما يتحمل الإنسان أخطاء وطنه وعشيرته. ولكن فى الحياة الأخرى فى ملكوت الله، فإنه يوجد قانون آخر يسود، أن كل واحد سينال بحسب أعماله، ولن يعاقب أحد عن أخطاء آخر، بل عن أخطائه هو!!

لقد تحدث السيد المسيح عن ذلك الرجل الذى بنى بيته على الرمل (مت 7: 24 - 27) فإنه بسهولة وبسرعة إرتفع المنزل، ولكن حين هبت الريح، وهطلت الأمطار، سقط هذا المنزل، وكان سقوطه عظيماً، هكذا كل من يسمع وصايا المسيح ولكن لا ينفذها. وهكذا يحدث مع الذى يعلم الوصايا ولكن لا يعمل بها.

لا شئ أهم من تأسيس سلطة الوالدين على الأبناء، وهناك أكثر من مثال يجب أن يطبقه الوالدان على حياتهما الخاصة. فيجب أن يكون القائد هو الحياة المتجسدة للمبادئ التى يقود بها جماعته، سواء كانت هذه الجماعة هى الوطن أو الجيش أو الكنيسة أو الأسرة!!

إن الجماعة تقبل سلطة القائد، لأنه هو نفسه رمزاً لما يؤمنون به. فيجب على الوالدين أن يكونا صورة متجسدة للتعاليم التى يعلمونها لأولادهما، إذا كانوا يريدون أن تكون سلطتهم متأصلة. لأنه لا يستطيع أحد أن يؤسس سلطته، ولكنها تؤسس على الذى أقامه فى السلطة.

إن السلطة الأبوية قد تأسست من الله الذى أوجد هذه العائلة. وأمام الله يكون رب الأسرة مسئولاً تماماً عن أولاده.

ثانياً: التأديب:

هذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة جداً أمام الوالدين، وهى أن الله هو الذى أقامهم لتأديب أبنائهم. فإذا أدبت إبنك بحسب كلمة الله، فإنك سوف تنال رضى الله وبركته، وإذا فشلت فى أن تفعل ذلك، فإن الله سوف يجلب عليك الغضب الإلهى.

إن الله قد عاقب بيت عالى الكاهن لأنه فشل فى أن يؤدب أولاده (1صم 3: 13 - 14). إن كلمة الله قد عينت الأب ليكون مسئولاً عن تأديب الأبناء (أم 4: 1 و3). وهكذا فإن الأب مسئول عن التوجيه والتأديب للإبن. وعن أن يقوده لكى يطيعه ويطيع أمه أيضاً. والزوجة مساعدة لزوجها فى أن تؤدب الأبناء فى حالة غياب الأب. وهو يفوضها فى ذلك. ويجب على كل من الوالدين والأبناء أن يعلموا بأن طاعة الأبناء لوالديهم ليست أمراً مرغوباً فيه فقط بل هو مطلوب أيضاً، وليس أمراً إختيارياً بل هو أمراً يطلبه الله من الوالدين ويطلبه من الأبناء عن طريق الوالدين.

ولكن لأى حد يكون هذا التأديب ضرورياً؟ حين تكون هناك خطية، عندئذ يكون التأديب المسيحى لازماً وضرورياً. إن التأديب المسيحى لازم وضرورى لكى نخلع الإنسان العتيق الذى ينتهى بالموت.

"كذلك أنتم أيضاً أحسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية. ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو 6: 11).

ولذلك فنحن حين نرتد عن الإيمان فإننا نعيد الإنسان العتيق إلى الحياة مرة أخرى. ولهذا فإن المسيح تألم لكى يسود على الخطية وان يضعها تحت الموت، فلا يجب أن نوقظها ثانية حيث صرنا خليقة جديدة – بالمعمودية – فلا نصير آلة للخطية، ولذلك فهناك إحتياج لليقظة والتأديب. وهذا هو المعنى الحقيقى للتأديب والقمع، وهو أن نمارس ونؤسس أنفسنا على النصر الدائم ضد الإنسان العتيق. وهذا هو هدف التأديب الذى يطالبنا الله به. وتأديبنا لأبنائنا ضرورى جداً، مثل تأديب الله لنا.

إن التأديب والعقاب متلازمان. ولذلك فإن كل التأديبات هى نوع من العقاب، ولكن ليست كل العقوبات تأديباً. إن العقاب ومعرفة الصواب أمران متلازمان. وخلال التأديب، فإننا فى الحال نتذكر قصد الآب السمائى فى الخلاص ونتذكر أيضاً التطهير والشفاء. ولكن قد يكون التأديب له هدف آخر هو مكافأة البر!!.

1 - التعليم مع التأديب:

إن التأديب يبدأ حين يكون الطفل فى المهد. إن الطفل الرضيع الصغير يعرف كيف يتلاعب على والديه. وإن إستطاع فإنه سوف يفعل ذلك. إن الطفل الذى يكتشف أن صراخه وشهقته وتوقف تنفسه ورفضه الرضاعة أو الطعام سيجعل منه نجماً جذاباً فى الأسرة، فإنه سوف يصرخ أو يشهق أو يصنع مشكلة فى الأكل!!

لا تخف أن تكون قائدا. لأن الأطفال يحتاجون أن يروا أحداً قوياً وحكيماً فى الأسرة. وحينما يتطلب الأمر قف وإمنع طفلك وأمره بما يجب أن يسلكه، ربما يعترض طفلك على ذلك بشدة. ولكن ضع فى بالك أنه سوف يسعد بأنك تحبه، وأنك تعالج غيظه. وأنك تملك الحكم السليم والقدرة بأنك تحميه ضد غباوة ونقص خبراته.

إن الطفل الذى تعطيه كل شئ، وتفعل له كل شئ، ولا شئ قط يطلب منه، فهو الطفل الذى سوف ينحرف حين يكبر. إن الطفل يحتاج إلى تعليمات محددة، ولذلك يجب أن نبدأ معه من نقطة الصفر. وحينما يتم السيطرة عليه من الخارج، فإن الطفل سوف ينتقل إلى نفسه، ويجعل الأوامر جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ثم يبدأ بالتنظيم الداخلى، بأن يجعل نموه يتكامل للأفضل!!

إن الوالدين اللذين يحاولان أن يرضيا طفلهما، بأن يعطوه كل شئ، ولا يطلبا منه أى شئ، فإنهما لن يرضيا أى أحد، ولا حتى هذا الطفل، وفى النهاية حين تبدأ المتاعب فإن الطفل سوف يلوم الوالدين اللذين أوصلاه إلى هذه البجاحة!!

وفى كثير من الأحيان يكون العقاب الشديد غير ضرورى. أما العقاب الحقيقى فإنه لازم، ويجب أن يتم تكراره، حين يتم تكرار الخطأ. وحينما يكون التأديب ضرورى فيجب أن يتم بالقدر المناسب، حسب قول الحكيم سليمان:

"لأن القضاء على العمل الردئ لا يجرى سريعاً فلذلك قد إمتلأ قلب بنى البشر فيهم لفعل الشر" (جا 8: 11).

2 - أساسيات فى سوء الفهم:

إن الكثير من الوالدين ينظران إلى أبنائهم، أنهم صالحين وكاملين، حتى حين يظهرون سوء سلوكهم، ويسأل الوالدان، ما الذى حدث لملاكنا الصغير حتى أنه يفعل مثل هذه الأشياء؟! إن السبب الرئيسى لخطأ الطفل أنه لم يفهم. وحين يفهم الخير الطبيعى فإنه سوف يظهره ولن يخطئ. ولكن فشل التأديب فى الأسرة أو فى المجتمع هو بسبب إصرار بعض الناس على فكرة إن الطبيعة البشرية صالحة صلاحاً نظرياً.

3 - التأديب والحب:

"من يمنع عصاة يمقت إبنه، ومن أحبه يطلب له التأديب" (أم 13: 24).

وهكذا فإن حرمان العصا هى نوع من عدم الحب، إن التعليم غير المسنود بالتأديب الإنجيلى لا يثبت الحب والفهم بالنسبة للطفل، وإلى أن يصل الحب والفهم إلى الطفل فإنه سيكون فاقد الإدراك.

لقد قالت مرة إحدى البنات فى سن السبع سنوات إن أمها لا تحبها، وحين سألوها لماذا؟ قالت لأنها لم تؤدبنى قط؟

لقد إستخدم الإنجيل أسلوباً قوياً، حين قال إن العصا هى أسلوب ضرورى للتأديب. ولكن ما هو الأسلوب الأبسط والأقل من العصا فى التأديب؟ (إن العصا هى رمز للعقاب والتأديب وليس المقصود هو العصا، بالمعنى الحرفى حين تستخدم).

ويزعم البعض أن التأديبات الجسدية لا تأثير لها على الأخلاق قط، لأنها تقع على الحواس فقط. وهم يصرون على أنه فى المستقبل سوف يبتعد الإنسان عن الشر خوفاً من العقاب الجسدى. وأن الذى يحرك الطفل عندئذ هو الجسد، وليس الدافع والباعث الفردى اللذان يجب أن يكونا المحرك لكل أخلاقياتنا. ولكن هذا الرأى هو فقط ضد العقاب الفظ القاسى ولكن إذا كان التأديب صحيحاً وفى محله، فإن تأثيره لن يكون على الجسد فقط، ولكن خلال ألم الجسد، يوقظ الضمير خلال القوة الأخلاقية التى تسود علينا.

إن الحكم الصحيح والقانون الذى لا يمكن كسره ولا يمكن أن نتحلل منه، هو الذى يقوى الرباط الأخلاقى الذى يتأكد من خلال ذلك.

إن الألم الجسدى الناتج عن العقاب يمضى ويعبر، ولكن هناك تأثير هام يبقى فى النفس، وهذا يساعد الطفل على مواجهة التجارب التى سوف تأتيه فى المستقبل.

إن التأديب خلال الضرب (ضرب بسيط على كَف اليد) يحوى رباطاً يجمع بين الحب والخوف. وهذا يقودنا إلى العلاقة مع الأب السماوى.

بعض الناس يضطربون من أجل موضوع خوف الله. لأن هناك شعار عاطفى قد زحف على تفكيرنا، وهو أن الحب والخوف لا يمكن أن يجتمعا معاً. ولكن الكتاب المقدس يخبرنا دائماً أن الخوف والحب لا يمكن ان ينفصلا عن بعضهما بعضاً:

"اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك... الرب إلهك تتقى. وإياه تعبد. وبإسمه تحلف..." (تث 6: 4 – 5 و13).

"يا معلم أية وصية هى العظمى فى الناموس.. فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك..." (مت 22: 36 - 37).

إن هذه هى الإجابة الصحيحة، وهى أن السيد المسيح لم يكتف بحب الله فقط بل إستمر – فى الأصحاح التالى – يصب ويلاته على الفريسيين، وهو عكس ما كان يفعله المسيح تماماً. وكان سبب هذه الويلات، هو أن يوحى إليهم بضرورة خوف الله السليم. لأن محبتهم لله أصبحت باردة وشكلية وجامدة، وإرادتهم أصبحت ناقصة وذلك بسبب نقص خوف الله.

والعهد الجديد أيضاً قد أدرك هذه العلاقة بين الحب والخوف، والحث ليس فقط على حب الله بل على خوفه أيضاً (أع 13: 16، أع 10: 1 - 2).

كان كرنيليوس رجلاً يخاف الله، (كو 3: 22).

والبعض يترجم كلمة خوف الله بإحترام الله وتوقيره. ولكن الكلمة تفيد خوف الله بالأكثر (أع 9: 26، أع 16: 38، أع 27: 23 - 24). إن تأديب الله لأولاده هو الذى يزرع فيهم خوف الله، وهذا ليس معناه فشل أو إنعدام الحب. إن الحب يعمل كحافز، لأن الذى يخاف الله هو الذى يحبه، ولو كان الله الأب الكامل يؤدب أولاده لكى يزرع فيهم خوف الله، فهكذا يجب أن نسلك نحن مع أولادنا.

ويجب على الوالدين أن يتحررا من لهجة الحديث مع أبنائهما كمجرمين حين يؤدبانهم، لأن هذه النظرة تغير الجو المحيط بالأسرة. إن الله يسمح لك بان تؤدب إبنك حين يتمرد ولا يطيع. ونحن نستخدم الضرب البسيط (على كف اليد) كأسلوب أخير فى التأديب. ولا يكون ذلك بدافع الغضب منا، ولكن هى وصية الله التى تدعونا للتأديب بالضرب. ولكننا نقترب من التأديب ليس بدافع الغضب ضد الطفل ولكن بدافع الطاعة لله، وعندئذ يختلف الجو العام ويشعر الأطفال بذلك. وأحياناً يكون الضرب صعباً وقاسياً، ولكن يجب أن يكون نادراً، ومن خلاله ينبع الحب الذى لا يمنعه التأديب والطاعة، ولكنه ينتشر خلال الأسرة بأكملها. وحقيقة وبلا شك فإن الوالدين يشعران بالغضب والعداوة ضد أبنائهما مرة أو مرتين، ولكن الحقيقة هى اننا نحب أولادنا وهم جسدنا ودمنا ولا يكره اى أحد جسده قط.

ومن الناحية الأخرى فإن الإنجيل يحوى الكثير من توجيهات التأديب لأبنائنا. ولذلك يجب ألا يمتنع الوالدين عن تأديب أبنائهما، بحجة أن الأبناء يتسلل إليهم عداوة خفية من والديهما. ولكن الوالدين غير الطبيعيين هما اللذان يكرهان الأبناء الطبيعيين. ولكن الوضع الطبيعى هو كراهية الطفل المتمرد غير المطيع. إن الطفل الذى نربيه مطيعاً لله، هو ذلك الطفل الذى يتم تأديبه بالحب. إن التأديب لا يتناقض مع الحب قط، لأن التأديب هو القناة التى من خلالها ينمو الحب.

4 - العصا للتأديب فى المرحلة الأولى وليست الأخيرة:

إن كثير من الآباء يستخدم الضرب الخفيف على اليدين كنهاية للحزم، حينما تفشل كل الوسائل الأخرى للتأديب من حديث وتهكم ومهادنة، عندئذ يثار غضب الوالدين ويقومون بضرب الطفل. إن الله لا يريد أن يكون الضرب هو نهاية التأديب الذى يقوم به الوالدان. إنه أول عمل يقوم به الوالدان فى الطاعة لله لإصلاح عدم الطاعة فى الأبناء. إنه العمل الإيجابى الإصلاحى المعين من الله لتحرير الطفل وحمايته من إصراره على العناد.

"العصا والتوبيخ يعطيان حكمة. والصبى المطلق إلى هواه يخجل أمه" (ام 29: 15).

ولذلك يجب على الوالدين أن يتذكرا هذه الحقيقة البسيطة، أن الله هو الذى أقامهما كسلطة على أولادهما. لا تتوسل إلى إبنك من أجل الطاعة. ولا تهدده بأن تقول له، "إن لم تفعل ذلك سوف تضرب". تحدث بكلمة السلطة وأعطه الأمر. الكلمة القوية التى يفهمها الطفل وينفذها. يجب أن يتعلم الطفل كيف يطيع كلمتك. وإذا رفض الطفل أن يطيع يجب ان تأخذه جانباً، وأن تعلمه – خلال الكتاب المقدس بأكمله – التأديب، ثم تأخذه ثانية وتكرر له الأمر. وإنك حينما تصنع له ذلك فى حياته المبكرة وباستمرار، فإن الطفل سوف يتعلم سريعاً بأن سلطة والديه ليست أمراً تافهاً. إن الطفل الذى يتم تهذيبه، فإنه لن يحتاج إلى الضرب إلا نادراً، وسوف يصير سعيداً وآمناً، وسوف يكون طفلاً مطيعاً، ويحيا تحت حماية سلطة والديه. ويحيا وفقاً لإرادة الله.

إن إحترام الأوامر والسلطة التى يتعلمها الطفل فى هذه السن المبكرة تبعد عنه كل الألم والمتاعب.

وتأثير الضرب يمتد إلى دقائق معدودة. وإذا لم يتعلم الدرس فى هذه المرحلة من مراحل حياته، فإنه سوف يتعلمها فى المرحلة المقبلة بطرق أخرى، ولكن بألم شديد. وإن عاجلاً أو آجلاً فإن درجاته فى الجامعة ستكون ضعيفة لأنه سيكون كسلاناً، وسوف يكون غير موفق فى عمله، لأنه سوف يتحدى سلطة رئيسه، ولن يترقى بسبب عاداته الرديئة فى العمل. ولسوف يتعلم أخيراً أن مسئولية والديه عنه كان يجب أن يتعلمها قبل سن ال12 عاماً. لأن فى سنينه الأثنى عشر الأولى من حياته يمكن أن يتعلم ما لا يستطيع ان يتعلمه بعد ذلك بمعاناة شديدة.

"لأن أولئك أدبونا أياماً قليلة حسب إستحسانهم" (عب 12: 10).

فيجب على الوالدين أن يضعا أعينهما على الأبناء لكى يدربانهم ويحاولان أن يصلا إلى التوافق مع أبنائهما. وإن كنا لا نفهم ما يفكر فيه الأبناء وقت تأديب والديهم لهم، إلا أن ما سوف يفكر فيه الأبناء بعد عشرين عاماً من طفولتهم هو أمر هام جداً!!

5 - إن عصا التأديب لها عمل:

إن كثيراً من الآباء لا يقومون بتأديب أبنائهم إستناداً على الآية.. "أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم لئلا يفشلوا". ولكن ما هذا الغيظ الذى يقود إلى الفشل؟ إنه التأديب الذى يحوى الغضب والملاججة والتمرد. فإذا ضربت طفلك لكى تجعله غاضباً ومتمرداً فقط فإنك لم تسلك بحسب حق الإنجيل فى التأديب. إن الضرب يجب ألا يتعدى حدود الغضب. إنه يجب أن يثير فى الطفل الخوف، إ ن الخوف – من سلطة الوالدين وتأديبهم – هو الذى يملأ فكر الطفل، وعندئذ لن يكون لديه وقت للغضب. وهذا هو رد فعل للوسيلة التى يتعامل الله بها معنا:

"مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى" (عب 10: 31).

ولو كان عقابنا هو ممثل لعقاب المسيح، فيجب أن يكون عادلاً ومتماثلاً مع الخطأ. ولا يجب أن يكون قاسياً فى وقت ما وتدليلاً فى وقت آخر لنفس الواقعة. ويجب أن يكون العقاب متناسباً مع الخطأ. ولا يجب أن تقيس مدى الخطأ بالخسارة المادية، ولكن تقيس الخطأ بالتأثير على الأخلاق. حين يكسر الطفل شيئاً عن غير قصد، فإن كلمة التوجيه تكفى. ولكن حين يرتكب الطفل خطأ وهو لا يبالى بذلك، مثل الكذب، أو معاملة الحيوانات بقسوة فإنه يجب أن يتم تأديبه بشدة.

إن المسيحيين يعيشون تحت تأديب المسيح. وهو يؤدبنا دائماً حسب إحتياجاتنا، وهو لا يقصد من هذا أن يسبب لنا ألماً، بل لكى يميت شهوة الجسد. ولذلك فهو يؤدبنا دائماً بإعتدال. ولا يتعمد أن يعذبنا. وحالما يرى أننا قد إتضعنا وعرفنا أخطاءنا، فهو يقترب منا ويعزينا، ويجعلنا نشعر بحنانه. فهكذا يتعامل معنا وهكذا نحن نتعامل مع أولادنا:

"... بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره" (أف 6: 4).

وهذا يعنى أننا نؤدب أبناءنا كما يؤدبنا المسيح. وأن نوبخهم كما يوبخنا المسيح. يجب على كل أب أن يسلك كما يسلك المسيح ويجعل نفسه آلة فى يده. والمسيح خلال الوالدين سوف يربى أبنائهما.

والأب يجب أن يعاقب أولاده بشدة حيثما تكون الشدة مطلوبة، ولكن ليس يغضب وإنفعال لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله (يو 1: 20). إن غضب الإنسان الطبيعى يظهر كسلوك طبيعى (الطباع) ولا ينتج أى ثمار أخلاقية جيدة. إن الغضب ينتج غضباً، والسخط ينتج سخطاً. وكل فائدة العقاب تنتهى حينما لا تكون بحسب حق الإنجيل، وتصير كأنها نزعة شريرة وخاطئة.

ولذلك يجب على كل أب أن يجعل الغضب يموت، وخوف الله يسود عليه. وعندئذ يصير آلة فى يد الله. ومن الممكن أن يكون هناك بركة خلال عقابه.

ويجب أن يكون كل من الأب والأم على وفاق، ولهم إرادة ورأى واحد، وإتفاق مع بعضهما البعض. ولكن لو كانا على خلاف مع بعضهما البعض، فيجب أن يكون ذلك فى الخفاء، إلا لو كان يسبب أمر خطير جداً. وإنه من الأفضل لأحد الشركاء (الزوج أو الزوجة) أن ينسحب فى أمر ما، يكون الشريك الآخر قد بدأه، بدلاً من أن يتحديان بعضهما بعضاً فى حضور الأبناء وحين يتوقع الأبناء أن يجعلوا أحد الوالدين ضد الآخر، فإنهم سوف يفعلون ذلك.

وإذا وجدنا أن أحد المنازل مملوء بأطفال غير مطيعين، فإننا سوف نكتشف أن الأم دائماً على خلاف مع الأب لكى ترفض سلطته، أو تجعلها عديمة الجدوى، وهى سوف تدفع الثمن وهو أن الأبناء سوف يكونون غير مطيعين لها، كما هى غير مطيعة لزوجها.

إن الزوجة التى تجرى لتأخذ السلطة التى لا تخصها، وتفقد تلك التى تخصها، وتحاول أن تجعل سلطتها تسود، خلال المشورة الفاسدة التى تعطيها، وهى بالتالى تفقد سلطتها، بينما فى إمكانها أن تسود بغير منازعات. إن الزوجة لا يمكن أن تضعف سلطة الأب، دون تقوض سلطتها هى. لأن سلطتها تعتمد على سلطة زوجها. ولذلك يجب على الزوجة أن تحترم هذه القاعدة الأساسية - إحترام سلطة الزوج - على العائلة، ولا تعارض الزوج امام الأبناء قط.

وكما أن الزوج لا يتوقع أن الزوجة تقوض سلطته، كذلك فإنه من الواجب المقدس للزوج، أن يجعل للزوجة سلطة واقعية فى حضور الأبناء. وإن كان مضطراً أن يوقف معارضتها فى أمر خطير، فيجب أن يفعل ذلك برقة ووداعة. وإذا عاملها بقسوة وخشونة، خوفاً على سلطته، فإن الزوجة ستكون فى نفور فى قلبها، وفوق هذا أيضاً، فإن الأبناء سيشعرون بالضعف فى القوة الأخلاقية التى تسود عليهم. وإن كان فى حضورهم يتم لوم أمهم، كأنها أم غبية وعنيدة، وكأنها طفلة صغيرة، أو خادمة، فإن الأبناء سوف يتبدد منهم كل ورع للأب وللأم معاً.

إن المسئولية الأولى بخصوص التأديب، ملقاة على الأب، فحين يكون فى المنزل فهو المسئول عن تأديب الأبناء. وهنا تكون الزوجة مجرد معينة. وحين تقوم بالتأديب فهى تقوم بذلك نيابة عنه، سواء كان ذلك فى حضوره، أم فى أمور أخرى فى غيابه.

ويجب أن نربى أبناءنا على هذه الحقيقة، لأنها قاعدة أساسية فى القانون الإلهى. وبداهة فإن الأبناء لهم إحترام كبير للأب أكثر من الأم. وهذا هو الواجب أن يكون. والأب الذى يتنازل عن سلطته، أو الزوجة التى تغتصب سلطة زوجها، فإنهما يدخلان إلى الخطورة بخصوص الوصية الإلهية.

والأمور الصغيرة فى المنزل قد تديرها الزوجة بنفسها، أما الأمور الهامة والخطيرة فيجب أن تتركها للأب. ويجب عليها ألا تكتم عليه الحوادث، وتحجب عنه ذلك. ويجب على الزوج أن يحمل العبء، لأن لديه القوة والكفاءة، وعليه الواجب والمسئولية التى يجب ألا يتخلى عنها.

ويجب على الأب ألا يخاف أنه – بسبب التأديب – يصير مرعباً أو بعبعاً للأبناء. ولكن لو عاش الأب بروح الأبوة وسط أولاده، فإنه سوف يشاركهم ليس فقط أحزانهم، ولكن أفراح سلوكهم الطيب أيضاً!!.

ولو كان العقاب الشديد ضرورياً جداً، فيجب أن يكون مقروناً بإحترام الطفل ويجب ألا يكون العقاب أمام أخوته أو أخواته، وبالتأكيد لا يكون أمام الغرباء أيضاً. ويكفى ان الأبناء الآخرين يعرفون من بعيد ما حدث، ولكن لو شاهدوا عقاب أخيهم، فإنهم سوف يظنون انه عقاب عاماً، والشيطان هو الذى يفرح بهذا. وحيثما توجد السخرية من خلال العقاب أمام الآخرين. فإن المرارة وفقدان الإحترام الشخصى سوف يلحقان بالطفل الذى يعاقب.

6 - العصا التى عينها الله هى رمز للتأديب:

إن الوالدين لن تكون لديهما رؤية واضحة لتأديب أبنائهما، إلا لو قبلا العصا (التأديب) على أنها معينة من الله. إنها إختيار للحكمة الإلهية والحب الإلهى وليضع الوالدان كلمة الله فوق شعورهما وفكرهما الخاص:

"لا تمنع التأديب عن الولد. لأنك إن ضربته بعصا لا يموت. تضربه أنت بعصا فتنقذ نفسه من الهاوية" (ام 23: 13 - 14).

وتذكر أيها الأب أنك سوف تقف يوماً ما أمام الله، لتعطى حساباً عن الأسلوب الذى ربيت به أبنائك:

"لأنه لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسى المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع. خيراً كان أم شراً" (2كو 5: 10).

ولسوف يسألك الله: ماذا فعلت مع الأولاد الذين وثقت فيك لكى ترعاهم. هل ربيتهم حسب كلمتى؟

إن الله قد وضع قواعداً هامة جداً، بخصوص التأديب من أجل الخلاص الأبدى. لا تخاف أن تستخدم سلطتك. وبخصوص علاقة الوالدين مع الأبناء فإنهما لا يستخدمان إلا جزءاً ضئيلاً جداً من الحقوق التى أعطاها الله لهما بخصوص تربية أبنائهما. وكل ما يستعملانه هو التفاهم والإقناع والملاطفة فقط، ولكنهما لا يستخدمان الأمر والحزم والقرار والسلطة. والطفل يعرف ذلك بالفطنة، مثلما تفعل الحيوانات. إن الرجال أكثر حكمة فى تدريب الأحصنة (جمع حصان) أكثر من تدريب أولادهم. ولذلك هم يكدون ويتعبون فى تدريب الحيوانات أكثر من تدريب أولادهم.

إن مسئولية الوالدين هى رهيبة ومخيفة، ولذلك فإن الله قد أعطى تعليمات واضحة لكى نكمل غرضه ونتمم قصده إن الإنسان غير الحكيم هو الذى يرفض الدخول إلى الفلك الذى أعده الله، ويتبع تعليمات العالم المريض الميت. وهذا هو بإختصار ما فعله جيلان من الآباء، فهم قد تركوا حكمة الإنجيل الواضحة، والتى إختبرتها الأيام، ووثقوا فى رغبات أبنائهم، وآرائهم المتهورة والمتعارضة مع الإنجيل. إن السطحية خلال المدنية الحديثة – بخصوص تربية الأبناء – قد أضرت الكثير من الآباء. ولكنها لم تؤثر فى الأبناء، وأصبح الأبناء يهربون من الوالدين. وأصبح الوالدان ينقادان إلى أولادهما. فى جيلنا كان الأب هو القائد والرأس الذى لا يناقشه أى أحد بالمنزل. ولكن الذى حدث بعد الحرب العالمية الثانية أن الأم حَلت محل الأب. أما الآن فقد أصبح الوضع هو أن الأبناء هم الذين يقودون.

ويجب أن نلاحظ أن الضرب الحقيقى هو خاص بالأبناء غير المطيعين، والمتمردين، والعنيدين، ولذلك يجب أن تلاحظ العند فى طفلك، حيث يجب أن تعطى الإبن العنيد الكثير من الحب والعطف. ويجب أن تعطى ذلك الحب وذلك العطف للأبناء فى سن المراهقة أكثر من أى سن آخر. إن العناد هو أخطر ما فى سمات الإنسان، وهى صفة موجودة فى كل الأبناء المنحرفين نحو المخدرات وخلافه. وهكذا فإن الآباء الآن أصبحوا كسالى، ولا يبالون، مثل عالى الكاهن الذى أهمل فى تربية أولاده.

إن الله سوف يبارك الوالدين الذين يربيان أولادهما، ويدين الوالدين الذين يهملان أولادهما.

إذا تركت عصيان الأبناء وغرورهم بدون عقاب، فإنك تجعل حكمتك ورأيك فوق الله. وهكذا أيضاً بخصوص أخطاء عدم الأمانة والتخبط والفشل من الأبناء. وهنا يكون التأديب لازماً. لأن إهتمامنا الأول هو تشكيل أخلاق أولادنا، والإهتمام الثانى هو الزهد فى الممتلكات والأشياء المادية.

وبالتأكيد لو أصبح خطأ الطفل عادة، فيجب أن ننبهه إلى ضرورة التنظيم (كأن ننبهه إلى ضرورة وضع كوب اللبن وسط المنضدة حتى لا ينسكب) وإذا تكرر ذلك أكثر من ثلاث مرات أو أربعة، فيجب أن يعاقب بالضرب الحقيقى على يده، حتى لا يتمرد الطفل صراحة أو ضمناً ضد السلطة. ولا يجب أن يعاقب الطفل على الأخطاء العارضة حين تكون أثناء التدريب والتعليم والنمو.

وبعد أن يتم ضرب الطفل، يجب أن يركع كل من الأب والإبن للصلاة، وأن يجعل الإبن يصلى ويطلب الغفران من الله على هذا الخطأ الذى إرتكبه (كأن يقول يا رب سامحنى على الوقاحة التى صدرت منى ضد أمى).

ثم بعد ذلك يجب أن نعود الطفل على ممارسة سر الإعتراف، حتى تصير عادة صالحة من عاداته الروحية.

ولو أخذنا بجدية عمل الأب القيادى فى الأسرة وقيادته للأبناء نحو الغفران (بالصلاة وممارسة سر الإعتراف) لوجب على الأب أيضاً أن يعلن مسامحته للإبن المخطئ خلال إحتضانه وتقبيله، لأن هذا هو غرض التأديب وهو الغفران والتصالح. والطفل الذى يخطئ لن يحمل روح مكسورة خلال التوبة والغفران.

إن الأمر الهام هو أن يشعر الطفل أن الذى يغفر الخطية هو الله. وأن الضرب لن يغفر أو يمحوها. ولكن دم المسيح هو الذى يفعل هذا بعد التوبة والإعتراف لدى الأب الكاهن. والطفل الذى يتعلم هذا سيكون قد تعلم الحقيقة الروحية الثابتة. والإنتقال من العقاب إلى الغفران هو أمر هائل جداً وهو غرض التأديب. ولذلك فإن ما هو أهم من العقاب نفسه، التحول والإنتقال إلى الغفران. ولذلك بعد العقاب يجب أن تأتى الكلمات الهادئة التى تحمل فيها الشفاء مثل العسل الذى يهدئ لدغات النحلة، والزيت بالنسبة لألم الجروح.

وفى هذه الساعة – بعد العقاب – نستطيع أن نقول عندئذ أننا إذا إستخدمنا الصوت الهادئ الوديع ومع تألمنا ومشاركتنا فى ألم الطفل – فإننا نخفف من ألمه. ولكن كل إستمرار للغضب العاصف هو سموم. إن الأمهات بسهولة يسقطن فى خطأ إستمرار العقاب، وهذا الاستمرار للغضب، هو عقاب يقود إلى فشل الحب فى إتجاهات ثلاث: إما أن الطفل يفشل فى إدراك هدف العقاب لأنه غارق تماماً فى الحاضر المملوء من الغضب ويفقد عندئذ تأثير العقاب. وإما أن يكون راضياً بغياب علامات الحب وأن يحيا بدون هذا الحب. وإما أن يتمرد ويتعب جداً بسبب إستمرار العقاب عن الخطأ.

وخلال إمتداد القسوة فإننا نفقد التحول الحلو والجميل من العقاب إلى الغفران. وعندئذ رويداً رويداً يفقد العقاب قوته.

وهذا التمايز بين العقاب والغفران هو الأساس فى موضوع التأديب الذى يجب أن نفهمه. إن الضرب يهدف إلى ضبط السلوك الخارجى، ولكنه لا يغير الحياة الداخلية للطفل، ولكنه يخلق فقط جواً أصلح من الخارج ممكن خلاله ان تتطور الحياة الداخلية. والغفران مرتبط أصلاً بالحياة الداخلية للإنسان. والأمر الأساسى هو أن الله وحده هو الذى يستطيع أن يؤثر بالتغيير فى الحياة الداخلية. إن العقاب يؤثر فقط على تغيير سلوك الطفل بينما الروح القدس هو الذى يستطيع أن يغير قلبه.

ولو فهم الوالدان هذا الغرض الأساسى، وحدود العقاب، فإنهم سوف يتجنبان مشاكل كثيرة، وسوف يدركان أن التأديب له عمل محدود وهو ضبط السلوك الخارجى، ولن يمارسا التأديب بقسوة وفظاظة، بأن يحاولا الضغط على الأبناء بشدة للتأثير عليهم داخلياً.

إن الأب يستطيع أن يقول لإبنه: إجلس وكل، ولكنه لا يستطيع أن يقول له: إستمتع بالطعام. ويستطيع أن يقول لإبنه: إجلس هادئاً بجوارى فى الكنيسة، ولكنه لا يستطيع أن يقول له: سوف تحب الكنيسة. إن الأب يمكنه أن يطلب من الإبن السلوك الموقر، ولكنه فقط يستطيع أن يصلى من أجل الإتجاه الداخلى للحب والإحترام.

ومن الضرورى أن يقدم هذا التمايز للطفل (التأثير الخارجى والداخلى) ويحتاج الأمر أن نعرف أن الرباط السرى لحياة الطفل الداخلية لا يمكن أن نقتحمه، يمكننا فقط أن نخبره بشعورنا وإيماننا، ولكننا لا نستطيع بأى وسيلة أن نضغط عليه لكى يؤمن بما نؤمن به نحن. وإذا تمرد الأبناء ضد إيمان والديهم، فإن ذلك بسبب أنه لم يعطيانهم الحرية بأن يعبروا عن رأيهم. ولم ينصت أى أحد لما يقولونه بإهتمام وحنان. وإذا كان الطفل جاداً فى رأيه، وينال إحتراماً فى هذا الخصوص، ولديه الحرية أن يعبر عن نفسه فإن ذلك سيكون له التأثير على عدم التمرد. ولذلك يجب أن نسمع للطفل بكل إحترام وجدية.

ولكن هذا لا يعنى أن الطفل يجب أن يسمح له أن يختار أسلوب الحديث والمناقشة مع العائلة، وليس معنى أن يعبر عن رأيه مرة أن يستمر بعد ذلك فى إعلان رأيه لو كان على عكس رأى الأسرة. ولكن يجب أن الطفل يعرف فقط أن والديه لن يجبراه ويؤثرا عليه داخلياً فى التعبير عن رأيه ولقد قال أحد التربويين.

يمكنك أن تتوقع أن يطيعك إبنك، لكنك لا تستطيع أن تجبره أن يتفق معك فى الرأى ".

وقطعاً يستطيع الوالدان أن يكون لهما تأثير قوى على إيمان الطفل وعقيدته، ولكن هذا التأثير هو تأثير غير مباشر أكثر منه مباشر. وهذا هو عمل الصلاة وقوة تأثير المثل، وهذا هو تماماً عمل الروح القدس.

وهذا هو غاية أمل الوالدين، وصلواتهم، وتوقع إيمانهم، أن ينمو أولادهم ويكونوا مسيحيين حقيقيين. ولكن لا أستطيع أن أجبرهم على هذا الإيمان بالعقاب والتأديب. يستطيع الأب أن يكون لهم أباً حنوناً، كما يريده الرب يسوع المسيح. يستطيع الأب أن يقدم أولاده إلى عرش النعمة كل يوم خلال الصلاة فقط. وأن يشركهم فى العبادة العائلية، والحوارات، والتعاليم. مع ملاحظة أن كل أحد يجب أن يكون له قراره الخاص ورأيه الخاص.

ثالثاً: الحب:

وقد يحدث أحياناً أن يكون الأبناء مزعجين لكى يشدوا الإنتباه. وكذلك فإن بعض الآباء لا يوقظهم السلوك الحسن قدر السلوك السئ لأبنائهم. إن الأبناء يريدون صحبة والديهم لهم لكى يكونوا معاً، يلعبون، ويشتغلون فى المنزل، ويجلسون معاً يقرأون قصة، أو يشاهدون برنامجاً مفيداً فى التليفزيون.

وعلى كل أب أن ينصت إلى إبنه حين يخبره بأى شئ. هناك عدة طرق يستطيع خلالها الأب أن يخبر إبنه بأنه يحبه، ربما يستغرق ذلك بعضاً من الوقت. ولكن يجب على الأب أن يلقى جانباً الجرائد التى فى يده، أو أن يؤجل المكالمات التليفونية لما بعد أن يذهب الأطفال للنوم. إن الأطفال لا يجب أن يكون لهم الأولوية فى كل شئ، ولكن لا يجب أن يكونوا أيضاً فى مؤخرة الإهتمامات.

إن الراحة والسعادة فى المنزل ضرورية للأب مثل ضرورية التأديب، والإبن (أو الإبنة) غير المحاط بالمسرات فى المنزل، لن يشعر بمشاعر الإنتماء العائلى، وسوف يذهب ليبحث عن هذه المسرات خارج المنزل، وسيهرب من الحياة العائلية، وسوف يجد راحته خارج المنزل، مع الأصدقاء، والمدرسين، والجيران، الذين يحلون محل أبوه وأمه وأخوته وأخواته. وسوف يقوده ذلك إلى الإهمال.

لذلك يجب على الآباء أن يبذلوا كل جهدهم، بأن يجعلوا منزلهم هو مركز سعادة الطفل، ومسرته، لكل حياته، وأن الأمر لا يتطلب صعوبات أو مستحيلات، لكى تجعل إبنك سعيداً، لو حدث أنه تربى فى جو من النظام، ولو أهمل الآباء ذلك سيكونون فى تعاسة فيما بعد.

وكما أن العقاب يتطلب التعبير عنه جسدياً، هكذا أيضاً الحب. إن لمسات الحواس تبرهن على الحب أكثر من أى أمر آخر. وهذه هى أول وسيلة للتعبير عن الحب مع أبنائنا وهم أطفال صغار. إن إحتضان الطفل الرضيع يخبره بأشياء كثيرة تفوق الكلام وإن حجر الأب والأم يصير المكان المألوف للطفل. ويجب ألا نخجل من حبنا لأولادنا.

والتأديب يسير جنباً إلى جنب مع الرقة والحضن والحب، لأن فى كليهما – التأديب والحب – يكون حواس الطفل هى المجال المهيأ لذلك. إن يوم الأجازة الأسبوعية والراحة والعطلة يجب أن يكون هو يوم الحب من الآباء لأولادهم، فى إحتضانهم وإشعارهم بهذا الحب. إن وقت الطفولة هو وقت الحب الذى يكون الطفل محتاج إليه. وكما أن الطفل حين يكبر لا يحتاج إلى من يسانده فى دروسه، هكذا الحب أيضاً، لأن الطفل يحتاجه فى طفولته، لأن سر المراهقة هو الوقت الذى يحاول فيه أن يصنع قراره بنفسه.

ونحن نستطيع أن نحب أولادنا دون أن ننفق الكثير من المال، وبدون إستعدادات موسعة، وبدون أدوات ومعدات كثيرة، ولكننا لا نستطيع ان نعبر عن حبنا لأولادنا بدون الوقت الذى نقضيه معهم بإنتظام وكأنه أمر طبيعى، بدون أن تكون عيوننا مشتتة بينهم وبين النظر إلى الساعة وبين قراءة الجرائد والمجلات ومشاهدة التليفزيون، بل يجب أن نعطيهم الكثير من الوقت.

وكثيراً ما يسقط الآباء فى خطأ الإنشغال عن أبنائهم وعدم تخصيص أى وقت لهم، وذلك بالإنشغال بالنجاح فى أعمالهم ووظائفهم.

وماذا تقول عن الأب الذى يتهرب من واجباته، فى تدريب أولاده روحياً وأخلاقياً، لأنه مشغول بالسعى نحو الغنى أو الشهرة أو المركز؟ فهو يهتم بهذا ويجهل مسئوليتة نحو أولاده. ومن ذا الذى يستطيع أن يبرره حينما يجرى وراء المكسب العالمى بطريقة لا يتبقى معها أى وقت فائض للأسرة؟ فهو لا يعرف شيئاً عن واجباته كأب، وهو لا يريد أن يقدم أى تضحية من ماله أو من وقته، لكى يكمل مسئوليته كأب ورأس للأسرة.

إن المسيحيين أصبحوا يهملون فى يوم الرب – كيوم للعبادة – وأصبحوا يستخدمون هذا اليوم لكى يستريحوا من أعمالهم العالمية. ويجب أن يعلم كل أب أن الله سوف يبارك كل أيام السنة لو أنه خصص يوم الرب للعبادة والممارسات الروحية. ويجب على كل أب أن يستريح قليلاً كل يوم، من أعماله، لكى يستطيع أن يخدم الله فى تربيه أبنائه. وثمار هذا التعب سيكون له مكافأة حلوة أكثر من كل الفوائد الأخرى. وحينما يهتم الأب بهذه الضرورات الخاصة بتربية أبنائه، فإنه بثقة ينتظر المعونة والحماية التى تأتى من فوق.

وأن تقضى وقتاً مع أولادك، ليس معناه أن تكون تحت تدبيرهم، وأن تتدخل فى أنشطتهم، وإن كان ممكناً أن تفعل ذلك أحياناً. ولكنها متساوية فى التأثير ومثيرة جداً للطفل أن يدخل الأبناء فى أنشطة الوالدين، مثل إشراك الأبناء مع والديهم فى هواية الصيد أو ركوب المراكب أو بعض الأنشطة الأخرى.

وهذه اللحظات التى يقضيها الأب مع إبنه بطريقة عفوية، مع إشراكه فى أنشطته وإنشغالاته، تربط الوالدين مع الطفل برباط الحب. وإصطحاب الآباء لأبنائهم لشراء بعض الحاجيات. والمناقشات فى طريق الذهاب والعودة يوجد نوع من المسرة والبهجة ويخلق وقتاً للتسلية. إنه ليس مجرد واجب نؤديه أن نعطى وقتاً لأولادنا. بل هو شئ ممتع.

إن معظم الوالدين الآن لا يهملان قط فى الواجبات الضرورية لحياة أبنائهم، مثل الطعام الجيد، والملابس المناسبة، والإحتياجات الطبية الضرورية والتعليم. بل يجهلان أيضاً إنهم يحتاجون إلى الحب والحنان أكثر من الإحتياج إلى هذه الضروريات.

وهناك خطأ آخر يقع فيه الوالدان، وهو أنهما يزودان أبنائهما بأشياء زائدة عن إحتياجاتهم الضرورية بأن يعطيانهم أشياء كثيرة يمتلكونها، وهذا يعتبر خطأ، لأنهم محتاجون من الوالدين أن يعطيانهم أنفسهما. إن الطمع الطبيعى الموجود فى الأبناء يجب أن يخضع للقيود والتنظيم. يجب أن يتعلم الطفل أن النجاح سببه هو الشكر والكرم فى عمل الله، ومساعدة المحتاجين، وليس التباهى والإفتخار والإنغماس فى أى نزوة.

ولو رأى الطفل أى تفاخر فى الوالدين، ففى الحال سوف تفقد التعاليم قوتها. إن الأطفال فى العائلات المسيحية يجب أن يتعلموا أنه ليس المهم أن يحصلون على الأشياء بزيادة، بل المهم أن الله هو الذى يعطينا ما نحتاجه، لأن الله هو رب الأسرة ومدبرها من الناحية المالية.

إن نصف ساعة تنصت فيها إلى إبنك، أو عشاء مع كل الأسرة خارج المنزل، سيؤدى إلى التعبير عن الحب بشدة، أكثر من إضافة شئ إلى ممتلكات الطفل. إن فكاهة بسيطة مع الأطفال، سيكون لها تأثير حيوى لا ينسى قط فى الحياة العائلية. إن الدعابة لها طبيعة تجعل الأشياء لها صورة مبهجة. لأنه قد يحدث أحياناً أن تكون الأسرة فى متاعب ومشاكل وتحتاج إلى مثل هذه الدعابة، وبها نستطيع أن نرى أنفسنا، وأوضاعنا، من وجهة نظر جديدة.

ويجب أن يعامل الطفل بنوع من اللطف، بأن نقول له: من فضلك، وشكراً. وحين نتعامل مع أطفالنا، يجب أن نتعامل معهم، كما لو كنا نتعامل مع أصدقائنا برقة وإحترام. ويجب أن ينصت الوالدان لأولادهما.

إن الحب للأبناء يشمل لمسات الحنان، ويشمل تقضية وقت معهم ويشمل كل مديح على حسن إختيار الصديق ويشمل الصلاة من أجل أبنائنا لكى يقضوا يوماً حسناً فى المدرسة كما يشمل إعطائهم مجلة للقراءة، إن الحب هو لمسات الحنان على الشعر، ومسح الدموع وقت البكاء، إنها البركة وقت النوم.

أن نكون والدين هى مسئولية رهيبة، ولهذا فإن الله.

قد أعطى تعليمات واضحة. لمساعدتنا كوالدين وهى:

التعليم.

التأديب.

والحب.

وبهذه الثلاثة سوف نجلب البركة لأولادنا، ثم يكبرون ويصيرون بركة للآخرين، ويمجدون الله أيضاً.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

لا توجد نتائج

No items found

الفصل الخامس وصية المحبة للأزواج - القمص أشعياء ميخائيل – larry christenson – أيقونة الأسرة المسيحية

الفصل الثالث وصية الله للأبناء الطاعة هى المفتاح - القمص أشعياء ميخائيل – larry christenson – أيقونة الأسرة المسيحية

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات