الفصل الأول وصية الله للأزواج – القمص أشعياء ميخائيل – larry christenson – أيقونة الأسرة المسيحية

الفصل الأول

وصية الله للأزواج

إن وصية الله للأزواج واضحة جداً فى الإنجيل، ومنذ البداية كانت وصية الله لهم هى أن يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بأمرأته (تك 2: 24)، ومعنى أن يلتصق بإمرأته، هو أن يصير مع زوجته جسداً واحداً.

ولقد خلقنا الله ذكراً وأنثى كجزء من خليقته. وحين خلق الجنس البشرى على صورته ومثاله، لم يخلق الرجل فقط وإلا لكان ينقصه شئ. ولذلك قال الله نخلق له معيناً (تك 2: 18) فخلق له المرأة عندئذ. والآن أصبح لدى الرجل كل شئ وأصبح الرجل والمرأة معاً كزوجين، يعلنون كمال الله ومثاليته.

وهذا هو قصد الله كقاعدة عامة، أن الرجل يصير له شريكاً – أى زوجته – وباتحادهما معاً، يتم إنجاب البنين والبنات. ومن الأمور المدهشة جداً أنه بعد الحروب – حيث يتناقص عدد الرجال – نجد فى الحقبة التالية مباشرة، يزداد عدد المواليد من الذكور، وبذلك يتم التوازن، وهذا هو ما حدث فى أوروبا عقب الحروب.

1 - قاعدة الجنس:

ولكى نحصل على نتائج طيبة، يجب أن نرجع إلى واضع القوانين، ألا وهو الله!! وذلك حتى تلتئم الزيجات المريضة. وها هى وسائل الإعلام المختلفة، من مجلات، وكتب، وأفلام تتحدث عن إغرائات الجنس. ولكن يجب أن نعلم جيداً أن الله القدوس، هو الذى أعلن لنا عن كيفية التعبير الصحيح عن الجنس خلال العلاقات الزوجية. إن الإتحاد الجنسى فى الزواج هو أحد أسرار الله الرائعة. ربما يحتل الجنس مساحة صغيرة فى الزواج من حيث الوقت الذى تستغرقه العلاقة الجنسية بين الزوجين. ولكن بدون هذه المساحة الصغيرة لا يعتبر الزواج زواجاً!!

والعلاقة الجنسية بين الزوجين تشبه البوجيهات فى السيارة. هى صغيرة ولكنها ضرورية. إنها تسيطر على كل الطاقة العاطفية!! ونحن نقول أن الإتحاد الجنسى فى الزواج هو سر، لأنه لا يمكن التعبير عن قوة هذه العلاقة وتأثيرها المنتشر فى الزواج، بل فى الحياة نفسها. ورغم أن العلاقة الجنسية هى علاقة جسدية، إلا أن لها بعداً أشمل من هذا!!

والعلاقة الجنسية فى الزواج لا تطلب لذاتها، ولوقتها فقط، ولكنها تطلب من أجل إتحاد الزوجين معاً. فهى تُوحد الأثنين معاً ليصيرا جسداً واحداً، فهى تعبيرعن أهمية وعمق العطاء، حيث يعطى كل طرف جسده ونفسه للآخر، وعندئذ يتحد كل منهما بالآخر.

ويقع المسيحيين عادة فى خطأين إثنين بالنسبة لنظرتهما للجنس. والخطأ الأول هو أن ينظر للجنس كأنه شر لابد منه. وهذه النظرة جاءت من الفكرة اليونانية أن الجسد هو شر. وأن الوسيلة لكى يصير الإنسان روحياً، هو أن يقهر الجسد على قدر الإمكان. ولقد عبر القديس بولس الرسول عن هذه الفكرة حين قال "إن لم يضبطوا أنفسهم ويتزوجوا لأن التزوج اصلح من التحرق" (1 كو 7: 9).

وهذا لا يمنع من القول بحقيقة أن الشر له علاقة بالجسد. ويجب أن نلاحظ أيضاً سوء إستخدام الجنس. ونستطيع أن نقول أن أجسادنا أحياناً تلتهب بالشهوة. وهذا ما يجب أن نلاحظه طوال أيام حياتنا. ولكن هذا لا ينطبق على العلاقة الجنسية بين الزوج وزوجته لأن الرجل والمرأة خلقهما الله لكى يستمتعا بالعلاقة الجنسية فى إطار الحياة الزوجية.

وهناك خطأ آخر يقع فيه المسيحيون وهو التطرف الزائد فى التعفف عن الجنس وروحانيته. ولكن يجب أن تعلم أن الجنس هو فعل عطاء كامل، حيث يعبر كل من الرجل والمرأة عن العطاء الذى يمنع أى إنفصال، وهذا الخطأ الثانى الذى يقع فيه المسيحيون وهو التطرف فى التعفف الجنسى وروحانيته، قد عالجه الكتاب المقدس، حين عبّر الإنجيل عن العلاقة بين الرجل والمرأة، كرمز للعلاقة بين المسيح والكنيسة (أف 5: 32).

والعلاقة الجنسية هى فعل مادى ولكنه مقرون بعاطفة قوية!! ولا يوجد أقوى من الأصحاح السابع من رسالة كورنثوس الأولى، للتعبير عن العلاقة الجنسية بين الزوجين، حين قال القديس بولس الرسول: "ليوف الرجل المرأة حقها... لا يسلب أحدكم الآخر" (المعنى هو لا يمتنع أحدكم عن الآخر).

إن الجنس هو أحد عناصر الزواج، مثل باقى الأمور الأخرى الموجودة فى الزواج، ويجب أن يمارس حسب الإمكانيات، ولكن يجب أن تغطيه بقية الأمور الأخرى. مثلاً حين تجلس الأسرة لتناول الغذاء، فإن الزوج يريد أن تكون زوجته طباخة ماهرة، فهذه هى الخدمة المطلوبة فى ذلك الوقت. وحينما يسلك الأطفال بطريقة غير لائقة، فإن الزوجة تريد أن يكون لزوجها تأديب مؤثر على الأبناء. وحينما ترى الزوجة أن زوجها منشغل عنها بمشاهدة التليفزيون، فإنها تشتكى من أنه لا يكف عن مشاهدة التليفزيون، وذلك لكى يتحدث معها.

يجب على الأزواج والزوجات، أن يقضوا معاً وقتاً كافياً، ليستمتعوا معاً بالعلاقة الجنسية. ولكن حين يكون لديهم بعض المشاكل والمضايقات، فإنهما لن يستمتعا بهذه العلاقة الجنسية. وذلك لأن العلاقة الجنسية لا تأتى من تلقاء نفسها، بل تستوجب بعضاً من الوقت والتهيئة الذهنية.

إن تجاوب أى طرف (الزوج أو الزوجة) مع المبادرة الجنسية من الطرف الآخر، يشبه الحب تماماً. فيجب ألا يكون لديه دافع من الداخل، بل يجب أن يتجاوب مع الطرف الآخر عندما يبادره. لأنه حتى لو تجاوب وخضع هذا الطرف بدافع الواجب فقط، فإن العلاقة قد تنمو وتتطور للأفضل. وفى الواقع فإنه يوجد وقت فى الحياة الزوجية يخضع فيه أحد الأطراف للآخر بدافع الواجب فقط بدون الرغبة. وهكذا فإن الكتاب المقدس يقول:

"ليس للمرأة (الزوجة) تسلط على جسدها بل للرجل (زوجها). وكذلك الرجل (الزوج) أيضاً ليس له تسلط على جسده. بل المرأة (زوجته)".

(1 كو 7: 4).

فهذا يفيد فى أنه إذا رغب أحد الأطراف، فإن الطرف الآخر يجب أن يخضع ويتجاوب معه. وعندئذ يختبر الزوجان نوع من الرضا فى الحياة الزوجية وبذلك تتعمق فى الحياة الزوجية نوع من الواقعية، ولا يكون هناك أى خيال، أو عدم مثالية.

2 - الإنفصال والطلاق:

وفقاً للمجتمع فإن الزواج هو عقد بين رجل وإمراة، مستقلين، بحيث يمكن أن ينحل، لو وجد ما يستدعى ذلك. فإنه وفقاً للمجتمع فإنه يمكن أن توجد أسباب لإنحلال الزواج، والدخول فى زيجة أخرى.

ولكن حينما جاء الفريسيون ليجربوا الرب يسوع المسيح، ويسألونه عن الطلاق أجابهم قائلاً:

"أما قرأتم أن الذى خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى؟ وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته. ويكون الإثنان جسداً واحداً. إذاً ليس بعد إثنين بل جسد واحد. فالذى جمعه الله لا يفرقه إنسان".

(مت 19: 4 - 6).

وفى الأصحاح الثانى من سفر ملاخى يقول أن الله يكره الطلاق. وهكذا فإن الإنجيل لا يترك مجالاً للشك، بأن الزواج هو لمدى الحياة. والإنفصال والطلاق هو ضد وصايا الله. وهكذا نحن نضع هذا الأساس كحقيقة أساسية وأن ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان. وحينما يسلك الإنسان بحسب وصايا الإنجيل، فإن الله سوف يحرسه، وسوف يضمن له إستمرار الحياة الزوجية الناجحة!!

وليعلم المسيحيون، أنهم حين إتخذوا اسم المسيح (وصاروا مسيحيين) أنهم يقبلون مستوى معين من الزيجات، تختلف عن زيجات أهل العالم!!

ولكن ما هو الحل أمام الزيجات غير الموفقة المملوءة بالمشاكل؟ إن الإجابة هى أنه لو تحمل أحد الأطراف متاعب الطرف الآخر، فسوف يوجد رجاء فى حل المشاكل، وأمكن تغيير الطرف الآخر!! والطرف الذى يتحمل المتاعب هنا، سوف يستريح فى الأبدية بعد أن يتحمل صليب الطرف الآخر. وإحتمال متاعب الزوج أفضل من تحمل عقاب الطلاق. لأن المسيحيين يجب أن يحيوا حسب القانون الإلهى، رغم المستويات السلوكية (المنحطة) الموجودة فى العالم المحيط بهم.

وهكذا يجب على الرعاة والخدام والمرشدين أن يعلّموا المسيحيين أن يتحملوا الصعاب فى الحياة الزوجية من أجل المسيح.

ويجب أن نلاحظ أنه فى البلاد التى تضاعفت فيها نسبة الطلاق، مثل ولاية كاليفورنيا، قد تزايدت الأمراض العديدة، والخمور، والأمراض العقلية، والأطفال غير الأصحاء. وحوادث الإنتحار تكثر أيضاً بين حالات الطلاق. ولقد وضع قانون الطلاق (المدنى) إستجابة للرغبة البشرية.

إن الزواج هو حجر الأساس للمجتمع. والدمار كله يكمن فى قانون إباحة الطلاق. ولا يوجد خطأ مدمر قوى مثل خطأ الوقوع فى الطلاق، حيث الإزدراء بالمبادئ الأخلاقية، وطرح الدين جانباً. إن إنحلال الزواج معناه طرح الأساس الإلهى للسلام البشرى، فى حالة ما إذا طبقنا القانون المدنى (الذى يبيح الطلاق) وهكذا فإن الطلاق هو أكثر الشرور ضد السلطان والقانون الذى شَرعه الرب يسوع المسيح "ما جمعه الله لا يفرقه إنسان".

(مت 19: 6).

لقد شرع السيد المسيح هذا القانون الإلهى وفقاً لخطة الله للجنس البشرى. وهكذا يجب أن نقدم التضحية الوقتية لسعادتنا الأرضية، من أجل الحصول على الأبدية. وأن نتحمل البؤس والتعب الوقتى، أفضل من المعاناة فى العذاب الأبدى.

3 - التقدير المشترك:

إن التقدير المشترك لكل طرف من الطرف الآخر، هو الشرط الأول للسعادة الزوجية. وتقدير كل طرف للطرف الآخر، هو أن ينظر إليه، لا فى ذاته ولكن فى الوضع الذى رسمه الله له. ولأننا نحن دائماً نحترم ونقدر الإنسان الذى فى وظيفة ومركز مرموق من أجل مكانته، فكيف يكون تقديرنا للشريك فى الحياة الزوجية؟ ولأن تحديد وظيفة الزوج أو الزوجة هو من الله، ومن يمارس هذا التقدير إنما هو يقدمه لله لحساب الملكوت!! إن التقدير هو أحد عناصر الحب والتقدير يحمى الزواج من حتمية الصعود والهبوط والمواجهة.

وهكذا فإن معاملة الزوج لزوجته فى رقة وحنان وإهتمام، يعتمد على الأسلوب الذى تسلكه فى أى يوم من الأيام!!. وكذلك الزوجة سوف تعامل زوجها حسب الطريقة التى يعاملها بها!!

إن الحب هو مصدر الإنفعال والشعور. ولقد أراد الله أن يكون الحب فى الزواج هو الأساس الثابت. وهذا الأساس يتوقف على الوضع الذى عينه الله للزواج.

إن الله لم يطالب الزوجين بالحب بناء على إمكانياتهم الخاصة. ولكن هو أولاً باركهم بالزواج، وبعد أن يحصلوا على هذه البركة يطالبهم بالحب!! إن الحب لا يجب أن يسمح بالاستبداد والقسوة فى العلاقات الزوجية، حيث غياب الحب وإقرارهم أنهما لم يعودا يحب أحدهما الآخر!! ولكن يجب أن نزرع الحب وأن ننميه، لأننا قد قررنا فى فكرنا أن نفعل ذلك. وفى الزواج لسنا عاجزين عن برهان الحب، ولكننا ندرب أنفسنا على أن يكون الحب هو الخادم المنشود فى الزواج!!

وهذا الحب لا يمكن أن ينمو ويتعمق إلا فى تربة الإحترام والتقدير المشترك!! فالزوجة تقدّر زوجها جداً حسب وصية الله وتقدير الله له كزوج. كذلك الزوج أيضاً يقدر زوجته التى قدّرها الله وأعطاها هذا الاسم لكى تصير زوجة.

وهذا التقدير والإحترام من كل طرف إلى الآخر، هو الذى يُكوّن أساسيات الحب، بحسب ما عبّر عنه القديس بولس الرسول فى رسالته الأولى إلى كورنثوس الأصحاح الثالث عشر:

"المحبة تتأنى وترفق... المحبة لا تسقط أبداً".

4 - سر الزيجة:

إن الإنجيل ينظر إلى الزواج ليس على أنه علاقة إجتماعية بين إثنين، يربطهما عقد، ممكن أن ينحل فى أى وقت. ولكن ينظر إلى الزواج على انه سر (كنسى) وهكذا يكتب القديس بولس الرسول إلى أهل أفسس قائلاً:

"من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته. ويكون الاثنان جسداً واحداً. هذا السر عظيم، ولكننى أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة" (أف 5: 31 - 32).

وبأسلوب آخر نقول أن الزواج المسيحى يمثل العلاقة بين المسيح والكنيسة!! إن الفرح الحقيقى فى الزواج يأتى من العطاء أكثر من الأخذ، لأن الزواج المسيحى يمثل العلاقة بين المسيح والكنيسة. وفى كل زواج مسيحى يجب أن يرى العالم، صورة العطاء الذى يمثل العلاقة بين المسيح والكنيسة!! ويجب أن يقدم الزوج لزوجته كل يوم، صورة الحب والعطاء، الذى يمثل حب المسيح للكنيسة. وأن تقدم الزوجة لزوجها صورة العطاء والإخلاص الذى تقدمه الكنيسة للمسيح!! كما تحدث الرسول بولس فى الأصحاح الخامس من رسالة أفسس أن تكون الكنيسة (والزوجة أيضاً) مقدسة وبلا عيب ولا دنس!!

وهذا هو عمل الروح القدس مع كل زوجين!!

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

لا توجد نتائج

No items found

الفصل الثانى وصية الله للزوجات - القمص أشعياء ميخائيل – larry christenson – أيقونة الأسرة المسيحية

وصية الله للأسرة - القمص أشعياء ميخائيل – larry christenson – أيقونة الأسرة المسيحية

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات