مئة عام على وقف الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) – د ماجد عزت إسرائيل

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الدكتور ماجد عزت إسرائيل
التصنيفات العصور الحديثة (القرن 16 إلى الآن), قسم التاريخ, موضوعات تاريخية
الزمن القرن العشرين الميلادي
آخر تحديث 17 نوفمبر 2018

احتفل العالم  يوم 11 نوفمبر 2018م بوقف الحرب العالمية الأولى(1914-1918م)،وسواء كانت هذه الاحتفالات فى دول العالم التى حققت النصر دول الحلفاء بريطانيا وفرنسا وايرلندا وروسيا  والولايات المتحدة الامريكية،أو الدول التى تلقت الهزيمة وهى دول المركز الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا،تلك هذه الحرب كانت شرسة بدأت أوروبية وانتهت عالمية، كانت من أعنف صراعات  الحروب في التاريخ، واستمرت أكثر من أربع سنوات ما بين عامى 1914-1918م، وبلغت خسائرها البشرية نحو أكثر من عشرة ملايين قتيل، وساهمت في تغييرات سياسية كبيرة، سواء كانت على  على مستوى الدول الأوروبية أو دول الشرق الأوسط، كما كانت هذه الحرب وراء ثورات كثيرة في دول عديدة من العالم.

ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد احتفلوا يوم السبت الموافق 10 نوفمبر 2018 م بمرور مئة عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى التى انتهت في 11 نوفمبر1918م، حيث تشابكت أيدي الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية ووضعوا كل منهما رأسه على الآخر في احتفال مؤثر بذكرى توقيع اتفاقية الهدنة من إجل السلام. وفي خطابه بهذه المناسبة ذكر الرئيس الفرنسى ماكرون قائلاً” أوروبا تعيش في سلام منذ 73 عاما لأن ألمانيا وفرنسا تريدان السلام“.وربما كان هذا تنفيذاً لتعاليم الكتاب المقدس حيث ذكر قائلاً:” طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. “”آية (مت 5: 9).

وفي 11 نوفمبر 2018م شارك نحو(72) من زعماء العالم، لإحياء الذكرى المئوية للهدنة التى وضعت نهاية للحرب العالمية الأولى ولتكريم ملايين الجنود الذين لاقوا حتفهم فى صراع هذه الحرب. وقد حضرت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل،والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ضمن عشرات الملوك ورؤساء الدول والحكومات المقرر أن يحضروا المراسم عند قوس النصر الذى شيده الإمبراطور نابليون فى عام 1806، حيث دفن الجندى المجهول الذى يرمز لقتلى الحرب العالمية الأولى (1914-1918م).

والآن يجب علينا متابعة أحداث هذه الحرب العالمية الأولى.

الحرب العالمية الأولى(1914-1918م)،أطلق عليها الحرب العُظمى،وذلك لمشاركة الدول العظمى،وأيضًا  الحرب المقدسة كما وصفها البروتستانتية الألمانية، وكذلك الحرب النهائية حسب آراء العديد من مشاهير السياسية في ذات الفترة،كما دونها المؤرخين بإنه حرب ما بين قوات دول الحلفاء،وقوات دول المحور أو المركز. وقد نشبت بدايةً في أوروبا في 28 يونيو 1914م وانتهت في 11 نوفمبر 1918. بعد أن قدر ضحاياه بنحو عشرة ملايين قتيلاً، ما بين عامي 1914- 1918م، منهم ثلاثة ملايين من الجنود الفرنسيين والألمان. ودار كثير من أعنف معارك تلك الحرب في خنادق في شمال فرنسا وبلجيكا. ووصفت وقت حدوثها بـــــ”الحرب التي ستنهي كل الحروب”.

والحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، جمعت القوى العظمى الاقتصادية في تحالفين متعارضين في صراع دولي، وخاضته معظم دول أوروبا، بالإضافة إلى روسيا، والولايات المتحدة، والشرق الأوسط، ومناطق أخرى من العالم، حيث تمّ فيه تقسيم دول العالم إلى طرفين متنازعين هما: دول المحور (الدول المركزية وتقع في وسط أوروبا) التي ضمّت ألمانيا، والنمسا، والمجر، وتركيا، ودول الحلفاء التي تكوّنت من فرنسا، وبريطانيا العظمى، وروسيا، وإيطاليا،واليابان،والولايات المتحدة التي انضمت إليهم في عام 1917م، وقد انتهت هذه الحرب بهزيمة دول المحور وبوقف المعارك في 11 نوفمبر 1918م.

على أية حال،فقد تعدت العديد من الأسباب التى دفعت لنشوب الحرب العالمية الأولى والتى كان منها حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند  Franz Ferdinand (18 ديسمبر 1863-28 يونيو 1914م) مع زوجته على جسر في أثناء زيارتهما لمدينة سراييفو من قبل طالب صربي يدعى “غافريلو برينسيب” في 28 يونيو 1914م. بالإضافة إلى وجود العديد من التحالفات المتبادلة ما بين الدول من أجل الدفاع المشترك، فعند تعرض إحدى الدول للهجوم فإنّ الدول المتحالفة معها تقوم بالدفاع عنها، وذلك في ظل توتر العلاقات الدولية منذ مطلع القرن العشرين بسبب توالي الأزمات، كأزمة البلقان، والصراع الفرنسي الألماني حول الحدود، بالإضافة إلى نمو النزعة القومية داخل أوروبا وتطلع بعض الأقليات إلى الاستقلال.

كما كان لتزايد التنافس الاقتصادي والتجاري بين الدول الإمبريالية لاقتسام النفوذ عبر العالم والسيطرة على الأسواق لتصريف فائض الإنتاج الصناعي والمالي، والتزود بالمواد الأولية، فضلا عن دخول الدول الإمبريالية – وتعرف الإمبريالية على انها سياسة تتّبعها دول مُعيّنة، وتعني توسيع السُّلطة والسيطرة عن طريق استخدام القوة والتي غالباً ما تكون قوّة عسكرية،وتتم من خلال الاستيلاء على الأراضي وفرض السيطرة السياسية والاقتصادية عليها، كما انها سياسة تمارسه الدول القوية على الدول الضعيفة وخاصة بعد الثورة الصناعية؛ من أجل السّيطرة على المواد الخام وأسواق المُنتجات الصناعية – في تحالفات سياسية وعسكرية، أدت إلى سباق تسلح بين الدول المتنافسة التي رفعت من نفقاتها العسكرية،والتى كان من نتائجه تقسيم قارة أفريقيا وأجزاء من آسيا ما بين الدول الأوروبية ،وأدى ذلك لحدوث النزاع  ما بين الدول الأوروبية، وساهم بشكل رئيسى في إندلاع الحرب العالمية في عم 1914م. كما لم يمكن أن ننكر النزعة العسكرية حيث بدأ العالم في سباق التسلح بتصنيع السلاح والمعدات الحربية، فعى سبيل المثال كانت ألمانيا أكبر دولة تمتلك قوة عسكرية في أوائل القرن العشرين، كما زادت القوات البحرية لبريطانيا،وقد جعلت هذه النزعة العسكرية العالم مستعداً للحرب 1914م.

وقد اندلاعت الحرب في 28 يونيو 1914م عقب اغتيال ولي عهد النمسا وزوجته أثناء زيارتهما لسراييفو في منطقة البوسنة والهرسك، وبعد شهر من هذه الحادثة أعلنت النمسا الحرب على صربيا، فبدأت آلية التحالفات الأوروبية تتفاعل، حيث ناصرت روسيا صربيا وأعلنت الحرب على النمسا فقامت ألمانيا بإعلان الحرب على روسيا.وقد حقق الألمان عدد من الانتصارات على الحلفاء، فألحقوا الهزيمة بالروس في معركة “جورليس تارناو” واحتلوا بولندا ومعظم مدن لتوانيا، وحاولوا قطع خطوط الاتصال بين الجيوش الروسية وقواعدها للقضاء عليها،وكان من نتائج ذلك إخضاع البلقان للسيطرة الألمانية، وعبرت القوات النمساوية والألمانية معا نهر الدانوب لقتال الصرب وألحقوا بهم هزيمة قاسية.

وتوقف التقدم الألماني إلى فرنسا في معركة مارن وبحلول نهاية عام 1914، استقرت الجبهة الغربية على معركة استنزاف تميزت بسلسلة طويلة من خطوط الخنادق التي تغيرت قليلاً حتى عام 1917. على الجبهة الشرقية، دخل جيشان روسيان شرق بروسيا في 17 أغسطس، امتثالا لاتفاقهما مع فرنسا عام 1912 لمهاجمة ألمانيا خلال 15 يومًا من التعبئة. وأجبر الألمان على تحويل قوات من الغرب، لكنهم نجحوا في صد هذا الغزو بانتصارات في تانينبرغ وبحيرات ماسوريان. ومع ذلك احتل الروس مقاطعة غاليسيا الشرقية في النمسا والمجر.

ونجحت القوات النمساوية والألمانية في صد هجمات القوات الفرنسية والبريطانية.ومنذ بداية عام 1916 ازدادت حدة المعارك وخاصة بعد معركتي “فردان” و”السوم” التى وقعت داخل الأرضى الفرنسية وظهرت الدبابة الحربية لأول مرة في ميادين القتال، والتى كان من نتائجه تقهقر القوات الألمانية وهزيمته، وأيضا قتل الآف من قواتها وفشل صغار السن المجندين في صد قوات الحلفاء مما أدى إلى هزيمته وتراجعها في ساحة المعارك.

وقد انضمت الإمبراطورية العثمانية في عام 1914م إلى دول المركز (المحور)، وفتحت جبهات في القوقاز وبلاد الرافدين وشبه جزيرة سيناء. في عام 1915، انضمت إيطاليا إلى دول الحلفاء وانضمت بلغاريا إلى دول المركز. انضمت رومانيا إلى قوات الحلفاء في عام 1916.

ومع أوائل عام 1916م بدات إشارات عديدة تدل على احتمالية مشاركة الولايات المتحدة الامريكية في الحرب العالمية الأولى،حيث أدي غرق سبع سفن تجارية لها بواسطة الغواصات الألمانية،كما تأكيد  لها  تحريض المكسيك على شن الحرب عليها،كل ذلك دفع الولايات المتحدة أن تعلن الحرب على ألمانيا في 6 أبريل 1917.كما أدي انهيار المقاومة العسكرية الروسية ونقل أعداد كبيرة من القوات الألمانية إلى الجبهة الغربية إلى تخوف الولايات المتحدة من إنهيار قوات التحالف ولذلك شاركت في الحرب،ومن الجدير بالذكر أن الألمان استفادوا من نجاح الثورة البلشفية عام 1917م  في روسيا،حيث وقع البلاشفة اتفاقية صلح برست ليتوفسك في الثالث من مارس1918م التي خرجت بموجبها روسيا من الحرب العالمية الأولى،وربما كان هذا من أكبر الدوافع لمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية.

ونسجل للتاريخ أن الثورة البلشفية 1917م أنهت في روسيا الحكم الاستبدادي القيصري،وجائت بحكومة مؤقتة – مرحلة انتقالية- لكن استمرار السخط الشعبي الروسي  يندد بثمن الحرب،مما أدى إلى ثورة أكتوبر وإنشاء الجمهورية السوفياتية الاشتراكية.

واستغل الألمان فرصة الأحداث الداخلية في روسيا وخروجها من الحرب،وقاموا بالهجوم على قوات الحلفاء في مارس 1918م وحققوا ناجحًا في البداية، وحاولوا تقسيم القوات البريطانية والفرنسية، وكان كل طموحهم إنهاء حربها قبل وصول القوات الأميركية التي كان لديها عدد الكبير من الجنود، ولكن الحلفاء احتشدوا ودفعوهم مرة أخرى إلى التراجع في هجوم المائة يوم  أو معركة “أميان” فأجبروا الجيش الألماني على التراجع؛ ووقعت عدة معارك من أهمها معركة ألبرت في 21 أغسطس 1918م ومعركة أراس الثانية التي تضمنت معركة سكارب، ومعركة خط دروكورت كيويانت. وفي أول سبتمبر من ذات العام أطلقت القوات الأميركية والفرنسية هجوما نهائيا على خط هيندينبيرغ في معركة غابة أرجون، وفي الأسبوع التالي تعاونت الوحدات الأميركية والفرنسية على التغلغل إلى مقاطعة شامبانيا الفرنسية وبدأت معركة بلانك مونت ريدج مُجبرين الألمان على التراجع، وفي 28 سبتمبر طلب قادة الجيش الألماني الهدنة. وفي 4 نوفمبر 1918 وافقت الإمبراطورية النمساوية المجرية على هدنة”فيلا غوستي”، ومع حدوث ثورة في الداخل وعدم رغبة الجيش الألمانى في الاستمرار بالقتال، تخلى القيصر” فيلهلم الثانى” (27 إبريل 1859-27 يناير 1941م) عن العرش الألماني في 9 نوفمبر، كما وقعت ألمانيا أيضًا هدنة في 11 نوفمبر 1918.