البابا كيرلس الرابع أبو الأصلاح – د ماجد عزت إسرائيل

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الدكتور ماجد عزت إسرائيل
الشخصيات البابا كيرلس الرابع - بابا الأسكندرية رقم 110
التصنيفات أدب مسيحي, سير قديسين وشخصيات
آخر تحديث 22 أكتوبر 2023
تقييم الكتاب 4.999 من 5 بواسطة فريق الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
2MB

ولد داود توماس بشوت داود سنة (1532ش/1816م) في قرية الصوامعة الشرقية من مديرية جرجا في مصر العليا (الآن تابعة لمحافظة سوهاج ) وكان اسمه داود، وكان والده مزارعاً معروفا بين قومه بالسذاجة وسلامة النية، وكان أميا لا يعرف القراءة والكتابة، ولكنه لم يغفل عن تربية ولديه وهما داود و يوسف، فعنى بتعليمهما  بارسلهما إلى الكتابِ حيث درج أولاد القبط على التعليم، فتعلما القراءة والكتابة في اللغتين العربية والقبطية ومبادىء الحساب ( ).

ولما أكمل داود تعليمه على قدر ما سمحت به مدارس تلك الأيام عكف على مساعدة والده في أعماله الزراعية، فكان يقضى يومه بين المزارع والمراعى في الأعمال الخشنة فنما جسمه وتشددت عضلاته، وعندما بلغ أشده أختلط بالعربان المجاورين لقريته فتعلم منهم ركوب الخيل حتى صار يراكبهم ويسابقهم ويرافقهم في أسفارهم في الجبال والبرارى والصحارى وألفِ كثيرا ًمن الطرق الصحراوية حتى أنه لم يحتاج إلى دليل يرشده إلى طريق الدير عندما أراد الرهبنة( ).

وقبل أن ينخرط داواد في سلك الرهبنة، كان لا يهمه شيء من أعمال الدنيا، ولم يكترث بعمل من الأعمال العالمية، وكاُن العنايه الالهيه حفظته لخدمة لا يقوم بإعبائها الأ قليلون من بنى الإنسان( ).

على أية حال، عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره ترك بيت أبيه وفارق الأهل والأصحاب، وأتجه إلى دير القديس الأنبا أنطونيوس بالصحراء الشرقية، وصار من غير مرشد لأن نجمه الهادي كان يسطع في داخله؛ وكان الدير آنذاك تحت رئاسة القس أثناسيوس القلوضى (نسبه إلى قلوضا بلد تابعة لمحافظة المنيا ) ومن المؤلم أن أباه حاول قدر المستطاع أن يرجعه عن عزمه، ولكن المراحم الإلهية آزرته وأبقته لخير الأمة القبطية بأسرها، وقد احتفظ باسمه الأصلي “داواد”( ).

وبعد رهبناتة لم يلبث أن ذاعت شهرته بين الرهبان بالذكاء والتواضع ودماثة الأخلاق والهمة والنشاط؛ لدرجة توليه رئاسة الدير في أثناء سفرالقس أثناسيوس، فيتولى تدبير شئون الدير، ويجمع الرهبان في وقت محدد لكي يقراء لهم ويشرح ما صعب عليهم، وانعكست محبته لهم بمحبتهم له ( ).

وبعد أن انتقل القس أثناسيوس إلى الأمجاد السماوية، أجمع الرهبان جميعا ًعلى انتخابه رئيسا ًلهم، وحينما سمع الأنبا بطرس الجاولى البطريرك رقم “109” (1809-1852م)، بفضائله والإجماع على اختياره، استدعاه ورسمه قساً باسمه “داود” وزوده بالنصائح الأبوية ليتولى شئون الدير. ( )

واندفع القس داود بغيرته الروحيه إلى إعداد كل ما يحتاج إليه الرهبان كي لا يجد أحدهم عذرا في مغادرة الدير، وقرر أن لا يبقى بالعزبة التابعة للدير ومقرها بوش(مدينة تقع شمال محافظة بنى سويف، وتعرف الآن باسم مركز ناصر ) غير الرهبان القائمين بأعمال الزراعة.

وفى عزبة دير بوش وجه عنايته إلى الاهتمام بالرهبان القائمين على الزراعة وتعليمهم؛ فإنشاء كتاباً، و مكتبة تحتوى على العديد من الكتب النادرة، وسمح لأهالي بوش بالتعليم مجانا ًلمن يرغب، وكان أحيانا يقوم بالتدريس بنفسه في بعض الموضوعات الدينية والأدبية والتاريخية( ).

وبين عشية وضحاها ذاع صيت القس داود بين الرهبان في دير الأنبا أنطونيوس بالصحراء الشرقية، ودير العزبة ببوش بغرب النيل، فنال رتبة القمصية، وقد كان نوراً تنبعث منه أشعة الفضيلة والقدوة الحسنة في سائر المسكونة، وأجمع الجميع على اختلاف المذاهب على حبة واحترامه ومشاورته في مهامهم( ).

وعندما تلاعب الإنجليز بسلامة الكنيسة القبطية في بلاد الحبشة وفشلت رسائل البطريرك بطرس الجاولى (البابا 109)، وأصبحت الحاجة ملحة لأيفاد أحد الآباء لاحتوى الأزمة، رشحه البطريرك لهذه المهمة الدولية، وقبل داود ولكنه طلب من البابا أن يرافقه السفر أحد الرهبنان ويدعى برسوم (صار بعد ذلك نيافة الأنبا يؤانس أسقف المنوفية )، وودعه البطريرك عام 1851م في مشهد مهيب وقال له:”أنك إذا أديت هذه المهمة على وجه مرضى تنال فيه نصيباً صالحا عند عودتك مكافأة لك “.

وفى بلاد الحبشة قضى القمص داود ورفيقه برسوم ما يقرب من 16 شهراً، واستطاع بالحوار والمناقشة والنقد البناء ما بين مطران الحبشة والكهنة والشعب إلى أعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه ورجع الحب والسلام إلى الكنيسة في الحبشة ( ).

وفى أثناء مهمة القمص داود في الحبشة تنيح البابا بطرس الجاولى “البطريرك 109” في عام 1852م، وتم ترشيح داود ليخلف البابا، ولكن ظهرت معارضة شديدة ربما لصغر سنه، أو لأفكاره المتطورة؛ التي كان يتبعها لتطوير الكنيسة ووضعها في طريق الحداثة، ولاحتواء الأزمة تم الاتفاق على رسامته أسقفاً عام ليتولى إدارة شئون البطريركية، وبعد 14 شهرا أجمع الشعب القبطي والأساقفة على اختياره و تزكيته للكرسي البابوي، وتم رسامته باسم كيرلس الرابع؛ وبعدها أصدر والى مصر سعيد باشا في يوم الأحد الموافق 28 بشنس 1570ش/4يوليو 1854م قرارا يتولى البابوية ليصبح البابا رقم “110” 0( )

كان التعليم على رأس أولوياته، فقام بإنشاء العديد من المدارس منها بالبطريركية، وحارة السقايين (عابدين )،وأسس مدرسة للبنات،وأقتصر التعليم فيها على دراسة اللغة القبطية والعربية والإنجليزية والفرنسية والحساب ،وعندما ذاعت شهرت هذه المدارس أرسلت الطبقات العليا أبناءها ،وأصبح هؤلاء الخرجين هم القوى العاملة و القادة في الدولة  أواخر القرن التاسع عشر( ) .

ومن أجل الحداثة والإصلاح أنشاء المطبعة، التي قام باستيرادها من النمسا على نفقة الكنيسة القبطية؛ للمساهمة في طباعة الكتب التي تحتاج إليه المدارس التي إنشائها، وطبع النشرات والقرارات البابوية، والمقالات والتقارير( ).

كما أهتم ببناء وترميم وعمارة الكنائس؛ فقام باستكمال الكاتدرائية المرقسية (بكلوب بك )بالقاهرة، وترميم بعض الكنائس في مصر القديمة وحارة الروم، وسائر أرجاء المسكونة( ).

ويرجع إليه الفضل في إدخال فكرة تعداد السكان الأقباط، عن طريق التزام الكنائس بتسجيل عدد المواليد والوفيات بسجلات الكنائس، وعن طريقها يمكن الحصول على التعداد العام للأقباط، وحساب معدل الزيادة الطبيعية (الفرق بين عدد المواليد والوفيات )، ودراسة الحراك الاجتماعي للأقباط (الهجرة الداخلية )، ومعرفة الكثافة السكانية لهم (مناطق تركزهم، وندرتهم ) لكي يتسنى له توفير الكهنة والأساقفة والمطارنة لخدمة هذا الشعب ( ).

ومن دواعي الحداثة إنشائه إدارة مالية لتمويل هذه المشروعات؛ فأعاد تنظيم إدارة أملاك ( أوقاف ) الكنيسة؛ بتسجيل ألا راضى الزراعية ومعرفة مساحتها، وتسجيل العقارات والمحلات التي أوقفها أصحابها، وإنشائه إدارة المصروفات والإيرادات.

وبرز دوره الوطني عندما استدعاه والى مصر سعيد باشا (1854-1863م) بصفته بطريركا لمصر وإثيوبيا، لأرسله في بعثه إلى بلاد إثيوبيا ليوقف الاعتداءات البريطانية على الأملاك المصرية، وقضى مِن أجل ذلك سنة ونصف وأستطاع تحقيق أحلام الوالي ( ).

كما أتصف البابا كيرلس الرابع بروح التسامح و التصادق مع الطوائف المسيحية، ولاسيما الأرمينية واليونانية.

ولكثرة أنجازته وإصلاحاته في شتى مناحي الحياة، عرف البابا كيرلس الرابع لدى الكتاب والمؤرخين بـ”أبو الإصلاح”( ).

وفى يوم الأربعاء الموافق 30يناير 1861م، انتقلت روحة الطاهرة إلى الأمجاد السماوية، بعد حياة مليئة بالجهاد والتعب الروحي، وهو لا يزال في سن السادسة والأربعين، كما لم يسدل الستار حتى كتابة هذه السطور عن البحث عن أسباب و فاته لأنها كانت غير طبيعية ( ).