إحياء الموسيقى القبطية – د ماجد عزت إسرائيل

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الدكتور ماجد عزت إسرائيل
التصنيفات الآثار والفنون المسيحية, الآثار والفنون والعمارة القبطية, الموسيقى القبطية
آخر تحديث 19 نوفمبر 2023
تقييم الكتاب 4.999 من 5 بواسطة فريق الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
1MB

شهدت الموسيقى القبطية في العصر الحديث تطوراً في بعض جوانبها؛ بدأ من جذورها وانتمائها للحضارة المصرية القديمة،وأدواتها البدائية (البلـدية) والحديثــة ( الإفرنجية)، وهو ما إدي الى تنوع ألحانها وقداستها وتراتيلها الموسيقية؛ وأصبح لكل منها رواده وهو ما سوف نوضحه في هذه الدراسة.

ــ جذور الموسيقى القبطية

إذا رجعنا إلى الماضي الغابر، أو بالتحديد إلى عصور ما قبل التاريخ نستطيع أن نجد لوحات منقوشة من عمل الإنسان الأول تدل على إنسان تلك العصور قد عرف الموسيقى البدائية( )،وتشير الصور المنقوشة على جدران المقابر والآلات الموسيقية التى عثر عليها فى مصر، على أن المصري القديم كان منذ فجر التاريخ، يميل بطبعة إلى الغناء، والموسيقى ويستخدمها فى المناسبات في حياته الاجتماعية وفى العديد من حياته الدينية( ).

ويمكننا أن نقطع بأن الموسيقى على غرار سائر الفنون وثيقة الصلة بها كالرقص والتمثيل الإيمائي والشعر والمسرح، تنحدر من أصل ديني ( )، وهى موسيقى عامة يشترك فيها كافة البشر، وتتصف بالبساطة في أصولها وتتميز ببروز قوي في إيقاعها، كما أن طابعها يتسم بالمسحة الدينية ويتصل بطقوس معتقداتهم( )،ومما يدلنا على ذلك ما ذكره “فيثاغورس” العالم اليونانى الذى جاء إلى مصر في عهد الاحتلال الفارسي،أي في القرن السادس قبل الميلاد، من أنه جمع ما وجده في مصر من عناصر موسيقية مكنته من وضع نظريته في الموسيقى ( ).

كذلك ذكر “هيرودوت” عندما زار مصر فى سنة 460 قبل الميلاد، فقرة رقم(79)، أن المصريين ينشدون لحناً حزيناً،هو أقدم الألحان عندهم( )،وذكر “ديمتريوس الفاليري” نحو عام280 قبل الميلاد، أن كهنة مصر كانوا يكرمون آلهتهم في الاحتفالات بالتراتيل، وكانوا يرتلون بالأحرف المتحركة السبعة: واحداً بعد الآخر على التابع، وكان هذا النوع من الغناء يغني عن استعمال المزمار أو القيثارة، هذا ولايزال الكثير من الألحان القبطية يرتل بهذه الأحرف إلى اليوم، وكان القدماء المصريون يرون أن طريقة الترتيل بهذه الأحرف يؤدي إلى التعبير عن شعور ديني عميق( ).

ومع انتشار المسيحية في البلاد المختلفة منذ القرن الأول الميلادى، وبداية بناء وتكوين الكنائس نشأ ــ في كل قطرــ فن موسيقي كنسي ــ تمشي مع النزعة الفنية الموسيقية لكل شعب ( )، وشكل الشعب موسيقاه، بما يتفق مع ذوقه، مستمدًّا ذلك من تقليده ( ).

على أى حال، ترجع جذور الموسيقى القبطية إلى التراث المصري القديم، أو بمعنى أكثر شمولية مثلت الوريث للموسيقى الفرعونية القديمة( ) وأكد ذلك الفيلسوف الإسكندري اليهودي “فيلون” الذي عاش في القرن الأول الميلاي فقال:”إن الجماعة الأولى من المسيحيين  المصريين اقتبست ألحاناً لعبادتها الجديدة من الأنغام المصرية القديمة، و يوضح ذلك لنا كيف انبثقت الموسيقى الكنسية المصرية من الفن الموسيقى المصرى القديم( )، وسواء أخذوا منها كما هي أو أخذوها منها وأضفوا عليها عمقا روحيًّا أو لم يأخذوا، فعند بدء المسيحية كان اللحن القبطي مصريًّا لحمًا ودمًا”، ويذكر عالم المصريات الفرنسي الشهير” إيتين دريتون” آخر مدير أجنبي لمصلحة الآثار المصرية قبل أن يتولاها المصريون،أن ” مفتاح سر الموسيقى الفرعونية يوجد في طابع أداء الموسيقى القبطية الكنسية المستخدمة في أيامنا هذه”( ).

و بعض الألحان الشائعة إلى الآن فى الكنيسة المصرية لاتزال تحمل أسماء بلاد قد اندثرت منذ عهد بعيد، ونذكر على سبيل المثال اللحن “السنجاري” نسبة إلى بلدة سنجار( )، التي تقع شمالي محافظة الغربية، والتي عرفت منذ أيام ” رمسيس الثاني” وكانت تحوطها الأديرة في العصر القبطي ( )، وكذلك اللحن “الأتريبي”( ) نسبة إلى أتريب القديمة، بالقرب من الديرين الأحمر والأبيض بمنطقة أخميم( ).

كما أن الموسيقى القبطية في الكنيسة هي بعينها الموسيقى المصرية القديمة ــ احتفظت للأقباط  بالأنغام في توقيع الكلمات والمعاني المسيحية،لكن الموسيقى ذاتها فرعونية، ولذلك تعد الألحان القبطية المستخدمة في الكنيسة القبطية أقدم تراث موسيقى مصري شرقي، ومما هو جدير بالذكرأن لحن جولجوثا Golgotha الذي يرتله رجال الدين المسيحي في يوم الجمعة العظيمة بعد صلاة الساعة الثانية عشرة، وهم يدفنون صورة السيد المسيح المصلوب كوسيلة إيضاح لدفن جسد المسيح بعد موته، هو بعينه اللحن الذى كان يستخدمه الكهنة الجنائزيون فى مصر القديمة اثناء تحنيط الجثة ودفنها من حيث الموسيقى لا من حيث الكلمات ( ).

كما أن لحن “بيكثرونوس” ومعناه “عرشك يا الله” والذي ترتله الكنيسة في يوم الجمعة العظيمة هو بعينه نفس اللحن، الذي كان يزف به الفرعون عند موته، حيث كان ينزل من القبر إلى مركب الشمس ليدور مع الشمس في الخلود، والحياة الأبدية ( ).

ـ الآلات الموسيقية القبطية

منذ آلاف السنين عرف الإنسان كيف يستخدم صوته في أداء جمل وعبارات موسيقية مرتبة ومنظمة في أبسط صورها، ورنم ورتل في صياغة موسيقية بسيطة مقاطع لفظية بحروف كون منها كلمات وعبارات، كانت حينئذ كافية لإشباع حاجاته،ولتحقيق غاياته وممارساته الموسيقية المتواضعة حين يعجز صوته بإمكانياته المحدودة عن تحقيق الكفاية والكفاءة اللتين يرجوهما،كما تساعده تلك الوسائل على تضخيم الصوت لكى يملأ الفراغات المتسعه التى تتم فيها الممارسات الإنسانية والاجتماعية الغنائية والطقوسية والاحتفالية، حتى يمكنه أن ينقل بها أحساسيسه ورغباته اذا عجزت الكلمة عن ذلك ، أو عجز هو عن التعبير بها عما يحس به( ).

عرفت الموسيقى القبطية العديد من الآلات الموسيقية بأنواعها المختلفة مثل  آلات الطرق أو النقر، وذوات النفخ،و الآلات الوترية، ومعظمها استخدمه الفراعنة منذ الآف السنين وظل بشكله وطريقة صناعته البسيطة، وكيفة استخدامه واستخراج الصوت منه، كما هو دون تعديل ولا يزال يستخدم منها داخل الكنائس حتى يومنا هذا( )، وسنذكر فى هذا الجزء أهم تلك الآلات بنوعياتها و تصنيفاتها على النحو التالي:

أولاً: آلات الطرق

كانت أدوات الطرق والدق الإيقاعية البسيطة من المقارع والشخاليـل، هى أول الآلات الموسيقية التي عرفهــا واستعــان بها الإنســـان( )، والتى صنعــها من الحـجارة أو الأخشاب أو النباتات الجافة وأية مادة متاحة فى بيئته التى يستوطنها ( )، وأعتمدت الموسيقى القبطية على بعضها، وورد ذكر بعضها فى الكتاب المقدس ( ) ونذكر منها على سبيل المثال:

ــ المنعنيم

ويرجح أنها كانت تصنع من أقراص معدنية تصلصل حول قضبان من المعدن وقد علقت ضمن إطار من خشب.

ــ المتزليم

صنوج نحاسية ، وكان اللاويون فى الهيكل يستعملونها للإشارة إلى البدء والختام والوقف عند إنشاد بعض الفصول.

ــ الصاجات

ارتبطت الصاجات بالنساء في مصر( ) نتيجة تأثير الثقافتين اليونانية والرومانيةعلى المصريين( )؛ فقد كانت الأضحيات آو الأعياد الليلية التي تُقدمها النساء إلى باخوس والتي تُسمى نيقتلياNyctellia)) أى الأعياد الليلية  فقد كانت ” عابدات باخوس ” يصنعن ضجة كبيرة في الأضحيات الليلية وكانت ” كنية ” عابدات باخوس ” شالكودريستاس Chalcodristas ” وهى تكاد تعني ” الحك على الصاجات “( ) ،وقد تحول اسم هذا النوع من الآلات الموسيقية، إلى كيمبالون( Kymbalon )، وإن كانت هذه الكلمة فى الواقع هي نفسها الكلمة الإغريقية التي تعني الصناج أو الصاجات ؛ كما أننا لا نشك فى أن هذه الكلمة لاتنتمى إلى اللغة المصرية القديمة،  هناك أحجام متعددة وتصنع من النحاس على شكل دائرة مقعرة وقطر الصاجات القبطية من ” 20 سم ” إلى ” 25 سم ” وهى أكبر حجم لأنواع الصاجات المصرية المختلفة؛ لازدياد عدد المصلين وبعد دخول الإسلام مصر وخاصة فى العصر المملوكي ظهرت أنواع وأحجام مختلفة من الصاجات، فأصبحت الصاجات القبطية أكبر الصاجات حجماً فى مصر، تمييزاً لها عن بقية أنواع الصاجات التي تختلف باختلاف أحجامها وهي:

1-  الحجم الصغير قطره من 3 – 6 سم : تستعملها الراقصات بحيث تقبض على زوج منها في كل يد ( بين الأصبعين الوسطى والإبهام مثبتة بواسطة رباط من وسطها ).

2-  الحجم المتوسط   قطره 15 سم ؛ ويستخدمها الباعة ” كباعة العرقسوس “.

3- الطورة  ويستخدمها الجماعات الصوفية في حلقات الذكر والاحتفالات الدينية.

أما الصاجات المستخدمة في تراتيل القداسات القبطية فحجمها يتراوح بين ” 20 – 25 سم ” وتسمى بالناقوس وعادة ما تصاحب آلة المثلث ( ).

ــ المثلث (التليانتو)

عبارة عن قضيب معدني، يتم تشكيله على هيئة مثلث مفتوح من أحد جوانبه، ويربط من أعلى بخيط حتى تتاح له حريه التذبذب عند طرقه بواسطة قضيب صغير آخر من نفس المادة المصنوع منها المثلث نفسه كالحديد، ويصدر عند الطرق عليه درجة صوتية واحدة ذات رنين معدنى متميز، وهو آلة من آلات مجموعة الأوركسترا السيمفوني كآلة إضافية تستخدم كمؤثر صوتي، ولا يزال المثلث يستخدم شعبيًّا لمصاحبة التراتيل الكنيسية القبطية لضبط الوحدة الزمنية إلى جانب رنينه المتميز، مصاحبًا عادة بالناقوس والقضيب ( ).

ــ  الكاسات

أداة طرق إيقاعية شعبية مصرية قديمة، استخدمها الفراعنة في مصاحبة تراتيل الطقوس الدينية، وهي عبارة عن صاجات واسعة أو دائرة من النحاس ذات حافة مستديرة عريضة مقعرة من الداخل( )وتستخدم في الكنائس القبطية الكاثوليكية وكنائس الروم ( في حين يستخدم الأقباط الأرثوذكس الناقوس بدلاً منها ) ( ).

– الجلاجل

هي أداة طرق وشخللة أيديوفونية، وهي من نوع الشخاليل التى تصنع عادة من البرونز على شكل مجموعة من الكرات المعدنية، كل واحدة منها مثقوبة بعدة ثقوب صغيرة حتى لا تسقط ما بها من قطع معدنية صغيرة من الحديد( )، وهي على شكل بيضاوى وقطرها نحو ” 13.5 سم ” وعند هز أو رج الجلاجل المربوطة أو المثبتة معًا، تصدر صوتًا رناناً مجلجلاً معدنيًّا حين ترطم الكرات الصغيرة بالجسم الداخلي، ولذا كانت تعلق داخل الكنائس.

ــ الدف

آلة نقر لها طارة فيها صنوج صغار كانت تستعمل في مواكبة الغناء والرقص ، وفى زمن الخروج نقرأ عن مريم أخت هارون أنها أخذت الدف بيدها ، وتبعتها جميع النساء بدفوف ورقص( ).

على أية حال،نحن لا نعرف كيف كانت تعزف هذه الآلات ، لأنه كان محظورا على العبرانيين تصوير البشر، ولكننا نحصل على فكرة لا بأس بها من رسوم تظهر فيها الآلات الموسيقية المماثلة عند المصريين والآشوريين  والبابليين ، وكانت الآلات تصنع من مواد متنوعة – خشب الأرز أو خشب الصندل ، الجلد ، الأمعاء ،العاج، الصدف،الذهب والفضة.

وكان للموسيقى مكانتها المهمة في العبادة ” بالهيكل ” وفي سفر أخبار الأيام الأول وصف لكيفية تنظيم الملك داود النبى لأوركسترا الهيكل و المرنمين فيه ” مسمعين برفع الصوت بفرح “( ) ، وغالبا ما كان الإنشاد فى الهيكل يتم بالتبادل ، فترنم مجموعة بيتا فترد أخرى وترنم آخر ، كذلك كان الرقص في أغلب الأحيان جزءًا من التعبير عن الابتهاج فى العبادة ، فلما جيء بالتابوت (صندوق العهد) ( ) إلى أورشليم ، جعل العبرانيون يرقصون “أمام الله بكل عز”، ويذكر العهد القديم تفصيلاً تاماً للآلات الموسيقية في خبر نقل التابوت ” وداود وكل إسرائيل يلعبون أمام الله بكل عز و بأغانى وعيدان ورباب ودفوف وصنوج وأبواق ” ( ).

– الناقوس

هو نوع من الصاجات متوسطة الحجم، عبارة عن دائرة أو طبق مفلطح من النحاس أو البرونز يشبه ــ الطورة ــ تمامًا ( )،ويسميه الأقباط بالناقوس ” المِفرِد ” أي غير المزدوج ويصنع من خشب اللوز وارتفاعه ” 32.5 سم ” وعرضه ” 4.1 سم ” وسمكه ” 0.9 سم ” ويمسك من أحد طرفيه باليد اليسرى ويُضرب عليه باليد اليمنى بعصا طويلة ” 24.4 سم ” ” وسمكها ” 1.4 سم ” وتنتهى برأس مستدير قطره ” 4.7 سم ” وهو الطرف الذي يُدق به الناقوس ، وإسم ” ناقوس ” في اللغة مشتق من اسم آلة في اللغة الأمهرية تسمى ” تكقا Takqa ” ،وتجدر الإشارة إلى وجود نوعين من النواقيس : ناقوس خشبي ، وناقوس حديدي ( ).

وينقسم النوع الأول إلى قسمين: فهناك نواقيس يبلغ عرضها نحو قدم واحدة ، فى حين يصل طولها إلى نحو ست أقدام ؛ وهذه تعلق بواسطة حبال في سقوف الكنائس ، وتستخدم في حث المؤمنين على أداء الخدمة المقدسة ، ويُضرب الناقوس بمطرقة خشبية صغيرة الحجم ، وهناك صنف آخر أصغر من ذلك حجماً بكثير، يمسك باليد ويُضرب بالمثل بمطرقة صغيرة من الخشب( ) أما الثانى ، أى الناقوس الحديدي ، فهو عادة أقل حجماً من النواقيس الخشبية ، وهو يستخدم بصورة أكثر خصوصية في كنائس الأروام في الشرق المسيحي أو الكنائس الشرقية ، ويطلق عليه بعض المؤلفين اسم ” سمينترى “، وإن كان الاسم الحقيقي الذي يعطيه الأروام أو اليونانيون هو ” هاجيوزيدير Hagiosidere  “( ).

ويستخدم فى مصاحبة التراتيل الدينية والكنيسة القبطية المصرية، والمناسبات الدينية الاحتفالية الأخرى كأداة طرق لضبط الوحدة الإيقاعية للمؤدين من الرهبان وطائفة المصلين( ).

ثانياً: الآلات ذوات النفخ

ــ الهليل (المزمار):

آلة شاع استعمالها بين العامة وكانت تصنع من القصب أو من الخشب أو العظم ، واسم الآلة “هليل” مأخوذ من طريقة صناعتها فمعناها الحرفى ” مثقوب ” بالعبرية أو ” مجوف ” ، وكان العازف يستعمل قصبة رئيسية في هذه الآلة، ويحمل في جراب قصبات إضافية( ).

ــ القرن

كان يصنع من قرن حيوان كالأيائل والكباش وبستعمل كبوق ” الشوفار” بالعبرية إذا كان من قرن كبش ، كان ينفخ فيه في الأعياد الدينية والمناسبات الرسمية والعامة( ). ــ الهزوزرا

بوق معدني كان يصنع من الفضة في أزمنة الكتاب المقدس،وكان النفخ المستمر في بوقين من الفضة هو إشارة الاجتماع في خيمة العبادة، أما إذا نفخ في بوق واحد من الفضة “الهزوزرا”، فمعنى ذلك دعوة الرؤساء إلى الإجتماع( ).

ـــ البوقسان

وهى آلة ، للإعلان عن مواعيد الصلوات و الأضحيات والأهلة والأقمار الوليدة ، وإعطاء إشارة البدء للجيوش عند بدء الحرب، وبشكل عام فإن الآلات من ذوات النفخ لها مكانة خاصة لارتباطها بالطقوس الدينية ( ).

ـــ النفير

وهو آلة تستخدم بشكل خاص عندما يتصل الأمر ببعض الأمور الهامة والتي تتطلب إسهام الشعب كله ، ولم يكن النفير سوى أنبوب مستقيم أو مخروطي الشكل أو هو على أكثر تقدير ينحني ببساطة عند طرفه على غرار البوق أو البوقسان مع إختلاف وحيد، هو أن النفير يصنع من الخشب والصلصال أو من المعدن ، وعادة ما يحدث اختلاط بين الناي والبوق وسبب ذلك هو أن كليهما كان بالمثل مصنوعاً من أنبوب كما كان كلاهما يحدث صفيراً ، والناى دائمًا ما يكون مصنوعًا أصغر حجما من البوق وهو عبارة عن قطعة من عيدان البوص أو الغاب التى تنمو عادة في الأحراش ، وكان يشار لكليهما بإسم ” توبا Tuba ”  باللاتينية وتعني ” الأنبوب ” أو باسم ” سيرنكس Syrinx  ” باليونانية ، وذلك قبل أن يفكر الناس في صنع الناي من عظم ساق الإبل ، ومن الإسم اللاتيني جاء الإسم ” تيبيا Tibia ” الذي أصبح اللاتين يشيرون به بعد ذلك إلى الناي ( ).

ثالثاً: الآلات الوترية

ــ القيثارة(الكنور)

من ذوات الآوتار ؛ “الكـــنُّور” هي القيثارة أو العود في الترجمة العربية للكتاب المقدس والمقصود في الكتاب المقدس بالكنًّور آلة الطنبور أو”السمسمية” وهي آلة صغيرة ذات ثمانية أوتار أو عشرة مشدودة على هيكل خشبي ، ويسهل حملها ونقلها ، ولانملك أدنى قدر من المعرفة فيما لو كانت تلك الآلة تُضرب بالأصابع أو بالريشة ، ولعلها هي الآلة الظاهرة في رسوم الجبانة القديمة ببني حسن – المنيا،لكاهنة تعزف الطنبور أو السمسمية من مقبرة خنوم حتب – بنى حســــــــن( ).

ـــ الرباب (النبل)

” النبل” ، الرباب أو السنطير ، آلة وترية أخرى ، جسمها من الخشب غالبًا ، تضرب نقراً بالأصابع ، ومعنى “نبل” قربة من جلد أو جرة ، مما يذكرنا بها، اثنان من العبرانيين أحدهما يعزف النبل والآخر الهارب المحمول – منظر يصور احتفالات اليهود منذ أيام السبي البابلي الثاني ،من مصوت كالذي نعرفه في العود ، ويذكر العهد القديم أن الملك داود النبي كان بارعا في ضرب “الكنور” و”النبل” كلتيهما ( ).

ــ الألحان القبطية

الألحان القبطية هي ذلك التراث التسبيحي الذي حفظته الكنيسة القبطية على مدى ألفي عام، وكانت وسائل الحفظ له هي الصلوات والأصوام والمطانيات، الدموع والعرق والدم عبر القرون العديدة ( ).

واستطاعت الكنيسة أن تحفظ هذه الألحان داخل صحنها المقدس ألفي عام، رغم عدم تدوينها موسيقيا ورغم عدم توافر أجهزة التسجيل التي انتشرت فقط فى هذا القرن، فاعتمدت الكنيسة على التقليد الشفاهي “Oral Tradition” في حفظ هذه الألحان، وأوجدت من أجل هذا المرتلين “Cantors” وهم عادة ما يكونون من مكفوفي البصر لقدرة ذاكرتهم على اختزان هذا القدر الكبير من الألحان،التي يصل عددها إلى حوالي 575 لحنًا، وتتراوح أزمانها، ما بين نصف دقيقة إلى عشر دقائق ( ).

ويعتبر التقليد الشفاهي “Oral Tradition’ لحفظ هذا الكم الكبير من الألحان القبطية معجزة،ساعد على وجودها إصرار الكنيسة القبطية التقليدية على عدم التفريط فى كل ما تسلمته من الآباء الرسل دون أدنى حيود عنه، بل يذهب البعض إلى أن بقاء تراث الألحان القبطية طيلة هذه القرون، يفوق أو يضاهي  معجزة بقاء آثارنا الفرعونية  ( ).

على أية حال،يخبرنا ديمتريوس الفــــالروني Demetrius Alph” ” أحد أمناء مكتبة الإسكندرية عام(297 ق.م) أن كهنة مصر كانوا يسبحون آلهتهم من خلال السبعة الحروف المتحركة”Vowels” ويأخذون في الغناء بها الواحد تلو الآخر وكان ترديدهم بهذه الحروف المتحركة ينتج أصواتاً عذبة ( ) وقال العالم الرياضي “نيكوميخوس” الذي عاش في القرن الأول الميلادي أن أصوات كل واحد من السبعة الكواكب التي كانت معروفة في ذلك الوقت ينتج صوتاً لحرف من الحروف السبعة،وهو نفس الأسلوب المتبع الآن في الكنيسة القبطية، إذ يرتل الكثير من ألحانها على حرف واحد، و مثال ذلك لحن هلليلويا الهوس الكيهكي، المعروف بآللي القربان يرتل على حرف الألفا (A) ( ).

واعتقد بعض الباحثين فى مجال الموسيقى القبطية، أن الألحان الكنيسة قد اكتملت في القرن الخامس الميلادي، بعد أن انتشرت الديانة المسيحية بين المصريين جميعًا، وبدأت تتكون معها ملامح الصلوات والطقوس، وأخذت في التطور التدريجي حتى استقرت( )وما يؤكد ذلك اكتشاف أقدم نوتة موسيقية قبطية في ذات الفترة ( ).

وأرجع العالم “ولتر كرم” مخطوطة قبطية إلى ما بين القرنين العاشر والحادى عشر الميلادى،تحتوي على نوتة موسيقية تحتوى على كلمات وعلامات موسيقية و خطوطاً عمودية أحادية وثنانية وثلاثية ورباعية وخماسية، وهي على غرار النوتة اليونانية النيوماتك وهذه الشروط تعني الهزات وتظهر مفردة أو أسفل النوتة أو أعــلاها وبها علامة صليب مع حرف(S ) وهي تشبه العلامة اللاتينية (Oriscus) و تعني الإطالة ( ).

ومع مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر(1798ـــ 1801م) حاول أحد أعضائها ويدعى “فيلوتو” تدوين أول نوتة للألحان القبطية ( ).

على أية حال، يرجع الفضل إلى البابا كيرلس الرابع (1854 – 1861 م) والذي بفضل مجهوداته وتشجيعه استعادت الألحان القبطية صحوتها بعد فترة الركود، واستعان البابا بالمعلم” تكلا” الذي جاب البلاد طولاً وعرضًا، وما من لحن وجده سليمًا إلا واعتمده, حتى جمع الألحان كلها على أحسن صورة والتى يشملها طقس الكنيسة, فصار معلم الكتـّاب الملحق بالكنيسة البطريركية ،الذي كان يتعلم فيه أولاد الأعيان, إلى أن أنشأ البابا “كيرلس الرابع” مدرسة الأقباط الكبرى فعين المعلم تكلا معلمًا للألحان بها, وبعد ذلك رسمه قسًّا على الكاتدرائية لبالغ اهتمامه بطقس الكنيسة( ).

وتعاون المعلم تكلا وعريان بك مفتاح معًا لوضع كتاب يضم الألحان الكنيسية لخدمة الشماس( )،(أستاذ اللغة القبطية في ذلك العصر), لأول مرة بكتاب خدمة الشماس،أضاف المعلم تكلا إلى الألحان القبطية بضعة ألحان يونانية قديمة, هى اثنا عشر لحنًا, لم يبق منها حتى اليوم سوى القليل منه: لحن يقال فى عيد الميلاد وهو لحن “ايبارثينوس … اليوم البتول تلد الفائق الجوهر”, واثنان يقالان فى دورة عيد القيامة والخماسين المقدسة وهما لحن “تون سينا نارخون لوغون … نسبح نحن المؤمنين” ولحن “توليثوس فراجيس….. لما ختم الحجر من اليهود”

وقد دبر الله سبعة عباقرة، أن يدرسوا على يد المعلم تكلا, فاستلموا منه الألحان كلها فكانت نهضة للحن الكنسي, ومن أشهرهم المعلم مرقس والمعلم أرمانيوس( ).

وواصل المعلم ميخائيل جرجس البتانوني، الذي ولد في 14 سبتمبر سنة 1873 م، بالقاهرة وكان في صباه يبصر قليلاً وبعد ثلاث سنين أصيب بالرمد فسلمه والده الى الكنيسة ليتعلم الألحان ولم يكن يبخل عليه بالمال فى سبيل تحقيق ذلك, فتتلمذ على يد المرتلين مرقس وأرمانيوس ــ تلميذي المعلم تكلاــ, وما إن بلغ التاسعة عشرة من عمره حتى كان قد استوعب الألحان وملك زمامها ( ).

ولذلك رسمه البابا كيرلس الخامس البطريرك (112)(1874-1927)  شماساً فى سنة 1886م، ارتقى إلى منصب كبير المرتلين في الكاتدرائية المرقسية في سن مبكرة, بعد أن التحق بالإكليريكية عام 1891 م، وفي 2 نوفمبر عام 1893م عين مدرساً للألحان بالإكليريكية وكان معروفاً بدقته في الآداء وجمال صوته وحفاظه على أصول هذه الألحان( ).

وبين عشية وضحاها، ذاع صيته واتجه بعد ذلك لتأسيس مدرسة للعرفاء العميان بالزيتون عام 1901 م. وقام بإعداد كتب للألحان القبطية على طريقة “بريل” لمساعدة المكفوفين،ومنح لقب البكوية لمجهوداته الكبيرة في نقل القداس القبطي إلى اللغة العربية( ).

ومع بداية القرن العشرين اهتم راغب مفتاح( )بالألحان الكنسية، لجمعها بطريقة علمية حديثة، فعمل على ضم  المعلم ميخائيل إليه فعملاً معاً لمدة أربعين سنة، بدأت في شتاء عام 1928م، وفي  حضور الموسيقي العالمي” نيولاند سميث”, وصاحبه تسجيل العديد من تراث الألحان القبطية, حتى رحيله فى 18 أبريل سنة 1957 م( )،وبلغ عدد ما تم تسجيله من ألحان في النوتة الموسيقية ما يقرب من ستة عشر مجلداً، وهى التى حولها العلامة راغب مفتاح إلى تسجيلات صوتية، وبعد رحيله حاولت” لــورنس مفتــاح” بالتعــاون مع مكتبــــة الكونجرس تحويلها إلى أسطونات، وقام بتسليمها إلى يد قداسة البابا “شنــــودة الثالث البطريرك  الحالي ( ).

ويذكر أن الأستاذ “ملاكة عريان” ساهم في السعي وراء عمل نوتة موسيقية  في عام 1946م، ومن أجل ذلك قام بتأجير شقة بجوار الكنيسة المرقسية في كلوت بك، وشراء بعض الأدوات الموسيقية وأخذ يجمع حوله  بعض الأقباط الذين لهم مواهب موسيقية، لتكوين فرقة لعزف ألحان الكنيسة القبطية، واعتمد على المعلم ميخائيل جرجس البتاتوني كبير المرتلين، فقد كان يسجل صوته وينقل هذه الألحان إلى نوتة موسيقية لتتناقل بصورة حديثة من جيل إلى جيل بصورة موسيقية جميلة( ).

الطرق المستخدمة فى الألحان القبطية :

1- الطريقة الفرايحي: وتستخدم في الأعياد الكبرى الخاصة بالسيد المسيح، كذلك في الخماسين المقدسة.

2-  الطريقة الحزايني: وتستعمل في الأسبوع الذى يسبق عيد القيامة، ويعرف حسب الاصطلاح الكنسي”أسبوع الآلام” أو “البصخة المقدسة”.

3-  اللحن الصيامي: ويستخدم فى ألحان الصوم الكبير ، وهو الصوم الذى يسبق عيد القيامة، ويعتبر من أقدس الأصوام وأهمها عند الأقباط.

4-  اللحن الشعانينى: ويستخدم في يوم أحد الشعانين أو “أحد السعف “وكلمة شعانين مشتقة من كلمة “هوشعنا” بالعبرانية ومعناها “خلصنا”، وهو الهتاف الذي صرخ به الشعب عند دخول السيد المسيح إلى أورشليم، ويستخدم أيضا في عيدي الصليب ( ).

5-  اللحن السنوى: وهو اللحن المستخدم فى بقية أيام السنة خارج هذه المناسبات الأربع( ).

طرق أداء الألحان القبطية :

1-  التسبيح في خورسين: هو ما يعرف بالغناء التبادلي أو التقابلي، أو الأنتيفونا، حيث تنقسم الكنيسة إلى خورسين، خورس قبلي وخورس بحري، ثم يقوم الخورسان بتلاوة كل قطعة من التسبحة بالتبادل.

2-  التسبيح بطريقة المرد: حيث يقوم المرتل بأداء اللحن الصولو، بينما يرد عليه بقية أفراد الخوؤس “أو الشعب” بالمرد الثابت مثل “آمين” أو “الليليويا”.. إلخ.

3-  التسبيح الجماعي: حيث يقوم الشعب كله بالتسبيح والترنيم، بينما يكون دور المرتل الرئيسي هو ضبط النغمات بالناقوس أو الدف.

4-  التسبيح المنفرد: وفيه يقوم المرتل بأداء الألحان كاملة منفرداً.

ومن أشهر الألحان القبطية المستخدمة حاليًّا نذكراللحن السنجاري والأتريبي والشامي ( ).

القداسات المستعملة في الكنيسة القبطية:

1-  القداس الباسيلى: نسبة إلى القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة الكبادوك “القرن الرابع الميلادي”، وهو يتميز بسهولة ألحانه واختصار صلواته، وتصلى به الكنيسة في الأيام السنوية المعتادة.

2-  القداس الغريغوري: نسبة إلى القديس غريغوريوس المعروف بالناطق بالإلهيات في القرن الرابع الميلادى، وتصلي به الكنيسة غالبا في الأعياد السيدية، وتتميز الحانه بالطول والعمق.

3-  القداس الكيرلسى: واضع هذا القداس هو القديس مارمرقس الرسول، ثم جاء القديس كيرلس الكبير البطريرك الرابع والعشرين من بابوات الكنيسة القبطية، حيث قام بتنقيحه وإضافة بعض الألحان والصلوات إليه، وللاسف فإن كثيراً من ألحان هذا القداس قد فقدت لقلة استعماله، وتصلي به الكنيسة غالبًا أثناء الصوم الكبير( ).

يذكر أن الآلة الموسيقية لا تصاحب هذه الألحان في الليتورجيا المقدسة أية آلات موسيقية، وهو أسلوب عرف في الكنيسة القبطــية وانـــتشر في العـــالم باسم “أكابيلا” “Acappella” الأسلوب الذي اشتهر به الموسيقار “باليستريا” في القرن السادس عشر، وقد يصاحب الألحــان الفرايحي، آلة الناقوس Cymbals والمثلث Triangle لضبط الإيقاع، ولإعــلان حالة الفرح التي تعــيشها الكــنيسة في هذه المناسبة،إلا أنه يمكن تقديم هذه الألحان بالآلات الموسيقية خــارج الليـــتورجيا المقدسة( ).

أسباب منع استخدام الآلات الموسيقية:

1- أن الرعايا لم تستطع أن تشتري آلات غالية الثمن، كالتي استخدمت فى العــهد القـــديم، لأن الكنائس في العـهد الجديد، كانت دائمة الانتقال لسبب الاضطــهاد، لذا لم يكن لها وقت لتـــطوير الموسيقي أو لتدريب الموسيقيين.

2- يعلل أحد الباحثين عدم استخدام الآلات الموسيقية بالكنيسة بأن الطبيعية المعمارية لكـــنائس العصور الأولى والتي كانت تبني تحت الأرض هربًا من الاضطهاد كانت لا تسمح للألحان أن تؤدى إلا بالأصوات البشرية فقط، ومن المستبعد أن تكون الآلات الموسيقية خاصة الإيقاعية قد استخدمها هؤلاء المضطهدون الذين يتعبدون وهم مهددون بالموت في أية لحظة.

3- ويفسر البعض منــــع استخدام الآلات الموسيقية في اللـــيتورجيا المقدسة لأنها كانت تشكــل عنصرًا أساسياً فى المعابد الفرعونية, ولكى لا يوجد ربط ذهنى من بعيد أو من قريب بين عبادة السيد المسيح والعبادات الأخرى, وذلك تركيزا لأنتباههم في قوة الصلاة والكلمات الإلهية.

4- يؤكد الأب” متى المسكين” في كتابه “التسبحة اليومية، يؤكد أن الأقبـــاط تسلـــموا من النساك اليهود المتنصرين طريقة التسبيح بالناي “المزمار” (في اجتماعاتهم العامة المسماة “الأغـــــابى”، وأنهم ظلوا يستخدمون الناي حتى سنة 190م، حينما أوقف كليمندس الإسكندري الناي واستبدل به الناقوس Cymbalon. ( ).

نماذج لبعض الألحان  الكنيسة القبطية

1- لحن أجيوس

هو لحن الفرح القبطي وهو يؤدًّى في قداسات الأعياد الكبرى كالميلاد والقيامة،وتوجد ألحان عديدة لهذه الكلمات، ففي الأعياد والأكاليل يؤدًّى هذا بهذا اللحن الفرايحي، وفي الأيام العادية (السنوية) يؤدًّى لحن الفرح بدون الإطناب النغمي الذي يبدأ به لحن الفرح، وفي يوم الجمعة العظيمة والجنازات يؤدًّى لحن الحزن المفرط في حزنه وطوله.

أما عن أسلوب أدائه فيؤديه كل الشعب مع خورس الشمامسة بمصاحبة الناقوس والمثلث، وكثيرًا مايدور حوار شيق بين مرنم منفرد ومجموعة الشمامسة والشعب وخاصة في الإطناب النغمي للحرف الأول من كلمة أجيوس، والذي عادة ما يبدؤه المرنم المنفرد بجملةٍ يرددها بعده بذات اللحن مجموعة الشمامسة، وهكذا يستمر الحوار بينهم، يبدأ  اللحن من مقام سيكاه بإطناب نغمي لأول حرف لفظي لكلمة أجيوس وفي ميزان رباعي، ويتميز بأن كل جملة موسيقية فيه تتكرر مرتين، لهذا تحرص كنائس كثيرة على تقسيم هذا التكرار بين مجموعتين من الشمامسة، أو مرنم منفرد ومجموعة الشمامسة،ومن المفارقات أن أول جملة فيه تبدأ بعبارة موسيقية تتكون من ثلاثة موازير فقط، وهذا غير معتاد للشكل التقليدي للجملة الموسيقية، إذ إنها  عادة ما تتكون من عبارتين، كل عبارة فيها تتكون من أربعة موازير، كما أنه لحن نشيط تقدر سرعته بحوالي مائة نبضة في الدقيقة، وتتميز جمله الموسيقية بسلاسة ونعومة وخفة تدعو إلى الطرب والسعادة، وجمله الموسيقية المتحركة، بها تقنية موسيقية عالية، لذا يحتاج أداؤه إلى مهارة وصوت مدرب( ). وتوجد أدلة تاريخية تؤكد أن هذا اللحن يقال في الكنيسة منذ القرن الأول الميلادي، وبالطبع لا يخلو من جمل موسيقية فرعونية كانت تقال في الأعياد والأفراح.

كلمات هذا اللحن بالكامل باللغة اليونانية :

أجيوس أوثيئوس أجيوس يس شيروس أجيوس أثاناطوس

أو إكبارثينو جين نى تيس إيلي إيسون إيماس

أجيوس أوثيئوس أجيوس يس شيروس أجيوس أثاناطوس

أو إستافروتيس ديماس إيلي إيسون إيماس

أجيوس أوثيئوس أجيوس يس شيروس أجيوس أثاناطوس

أو أناسطاس إكتون نيكرون

كي آنيلسون ييستوس أورانوس إيلي إيسون إيماس

ذوكصاباتري كى إيو كى أجيو ابنفماتي

كى نين كى آ إي كى أيستوس إى أوناس تون

إى أونون أمين أجياترياس إيلي إيسون إيماس( ).

2- لحن غولغوثا

لحن غولغوثا يقال في يوم جمعة الآلام، وهو لحن جنائزي حزين هادىء يعبر عن أحداث دفن السيد المسيح، ، ويضرب هذا اللحن بجذوره لآلاف السنين، وعندما ندقق السمع إليه نجده غاية في بساطة التركيب الموسيقي، حتى أنه يوحي للسامع بأن الجملة الأولى منه تبدو وكأنها لحن من ألحان التعديد والنواح السائدة في ذلك الوقت( ).

ويؤكد الفيلسوف فيلون الإسكندري من القرن الأول الميلادي أن جماعة المسيحيين الأولين ؛قد أخذوا ألحاناً من مصر القديمة ووضعوا لها النصوص المسيحية،ومن بين هذه الألحان لحن غولغوثا الذي كان يرتله الفراعنة أثناء عملية التحنيط وفي مناسبة الجنازات، ويقال هذا اللحن في نهاية الساعة العاشرة من يوم الجمعة العظيمة في ذكرى دفن السيد المسيح( ).

وهذا اللحن ينقسم إلى جملتين موسيقيتين أساسيتين:الجملة الأساسية الأولى وهي التي ينطبق عليها قول فيلون الفيلسوف من أنها من الخلايا الموسيقية الفرعونية التي أخذها جماعة المسيحيين الأولين من مصر القديمة ووضعوا لها النصوص المسيحية، إذ تبدو وكأنها لحن من ألحان التعديد السائدة في ذلك الوقت لما فيها من بساطة التركيب وعدم الازدحام بالنغمات – أربع نغمات فقط – ولأن هذه النغمات موضوعة في منطقة غنائية سُلَّمِية بسيطة يستطيع أي إنسان أن يؤديها بلا عناء حتى وهو مجهش بالبكاء، فهي ليست في منطقة القرارات الخفيضة التي يتطلب أداؤها دقة وحذرًا كما أنها ليست في منطقة الجوابات الحادة التي يتطلب أداؤها مجهودًا.

أما الجمل الثانية فلا ينطبق عليها هذا، لأن الصياغة الموسيقية وأشكال الموتيفات مختلفة عن الجملة الأولى ولأن أداءها يتطلب عناية فائقة لما فيها من قفزات صوتية خامسة تامة وحركة سريعة لبعض النغمات،وتوجد باللحن بعض الكلمات اليونانية والتي تشير إلى أن هذا اللحن قد انتقل من اللغة المصرية القديمة إلى اليونانية ثم إلى القبطية( ). واللحن من مقام عجم المعروف بالسلم الكبير هو أبسط سلم موسيقي في المقامات الشرقية والغربية على السواء،أما الميزان الموسيقي البسيط التركيب فهو ثنائي 2/4 أي أنه لا يتعدى ضربتين إيقاعيتين، الأولى قوية والثانية ضعيفة،وأما سرعة اللـحن فهي تقـدر بحوالي 80 نبضة في الدقيقة ويجب ألا تزيد على ذلك وإلا تحول إلى مارش عسكري وفقد لمسة الحزن التي تتلفح بها نغماته ( ).

كلماته هي :

غولغوثا إمميت هيفيريؤس بي اكرانيون امميت أوينين

الجلجثة بالعبرانية، الإقرانيون باليونانية

بيما إيتاف أشك ابشويس انخيتف أك فورش اننيك جيج ايفول

الموضع الذي صلبت فيه يارب، بسطت يديك

إف إيشي نيماك انكيسوني اسناف ساتيك أوي نام نيم ساتيك جاتشي

وصلبوا معك لصين، عن يمينك وعن يسارك

انثوك اككي خين توميتي أو بيسوتير إن أغاثوس

وأنت كائن في الوسط، أيها المخلص الصالح

ذوكساباتري كي إيو كي أجيو ابنفماتي

المجد للآب والابن والروح القدس

أف أوش إيفول إنجى بيسوني ايتساؤوي نام افجو امموس

فصرخ اللص اليمين قائلا( ):

جي أري باميفئي أو باشويس

اذكرني يارب

أري باميفئي أوباسوتير

اذكرني يا مخلصي

أري باميفئي أوبا أورو

اذكرني يا ملكي

أكشان إي خين تيك ميت أورو

متى جئت في ملكوتك

أف إيرؤو ناف انجى ابشويس خين أو اسمي امميت ريم رافش

أجابه الرب بصوت وديع:

جي امفوؤ إك إيشوبي نيمي إن إهري خين تاميت أورو

إنك اليوم تكون معي في ملكوتي

كي نين كي آ إي كي ايستوس إي أوناس تون إي أونون آمين

الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين

آف إي انجى ني ذيكيؤس يوسيف نيم نيكوديموس

أتي الصدِّيقان يوسف ونيقوديموس

آفتشي ان اتساركس انتى بخرستوس أفتي ان اوسوجين إي إهري ايجوف

وأخذا جسد المسيح وجعلا عليه طيباً وكفَّناه

أفكوسف أفكاف خين أو امهاف إيفهوس إيروف ايفجو امموس

ووضعاه في قبرٍ وسبَّحاه قائلين:

جي أجيوس أوثيئوس أجيوس يس شيروس

قدوس الله قدوس القوي

أجيوس أثاناتوس أو استافروتيس ذي ايماس إيليسون إيماس

قدوس الذي لا يموت، الذي صلب عنا ارحمنا( ). 3

3- لحن ابؤورو

لحن أبؤورو يعد أول لحن سجله الأستاذ “ملاكة عريان “على أسطوانات ويعتقد أن لحن أبؤرورا تردد أنه كان السلام الفرعونى لتنصيب فرعون بعد موت أبيه( ).

كلماته:ابؤورو انتيه تي-هيريني، موي نان انتيك هيريني، سيمني نان انتيك هيريني، كا نين نوفي نان ايفول

يا ملك السلام، أعطنا سلامك، قرر لنا سلامك، واغفر لنا خطايانا

جور ايفول انني-جاجي، انتيه تي اككليسيا، اري سوفت ايروس، انيسكيم شا اينيه

فرق أعداء، الكنيسة، وحصنها، فلا تتزعزع إلى الأبد

اممانوئيل بين- نوتي، خين تين-ميتي تينو، خين ابؤو انتيه بيف-يوت، نيم بي-ابنفما اثؤاب

عمانوئيل إلهنا، في وسطنا الآن، في مجد أبيه، والروح القدس

انتيف ازمو ايرون تيرين، انتيف-توفو اننين-هيت، انتيفطالتشو ني-شوني، انتيه نين-ابسيكي نيم نين-سوما

ليباركنا كلنا، وليطهر قلوبنا، وليشفي أمراض، نفوسنا وأجسادنا

تين- اوؤوشت امموك او بي-خريستوس، نيم بيك-يوت ان-اغاثوس، نيم بي-ابنفما اثؤاب، جي اك-إي اكسوتي اممون

نسجد لك أيها المسيح، مع أبيك الصالح، والروح القدس، لأنك أتيت وخلصتنا

الليلويا فاي بيه بي-ايهوءو ايتا ابشويس ثاميوف

هذا هو اليوم الذي صنعه الرب

مارين سيليل انتين اونوف اممون انخيتف

فلنفرح ونبتهج فيه

أو ابشويس أك-أي سوتين، أو ابشويس أك-أي ناهمين نين-مويت

يا رب خلصنا، يا رب سهل سبلنا

اف ازماروءوت انجيه في اثنيو خين افران ام ابشويس. الليلويا

مبارك الآتي باسم الرب. الليلويا( ).

4- لحن سوتيس ولحن تاي شوري

من ألحان القداس الإلهي

كلماته:

سوتيس امين كي تو بنيفماتي سو

خلصت حقا ومع روحك( ).

تاي شوري ان-نوف ان-كاثاروس

هذه المجمرة الذهب النقي

اتفاي خا بي اروماتا

الحاملة العنبر

اتخين نين جيج ان-آرون بي-اويب

التي في يديّ هارون الكاهن

افتالي او-استوي-نوفي إي ابشوي هيجين بي-ما-إن-ارشوؤوشي( ).

ــ رواد الموسيقى القبطية ـــ راغب مفتاح (1898 – 2001م)( نموذجاً)

إن الموسيقى الروحية تسمو بالنفس من عالم الماديات إلى عالم الروحيات، وهي هبة كامنة في النفس البشرية، ومن الناس من يمتلك القوة على التعبير بها، ومنهم من يتحلى بقدرة ثروتها والحس والثائر بها، باعتبارها إحدى وسائل التعبير في المجتمع، فهي مرآة واضحة للتقاليد والأخلاق السائدة في حياة العصور، ومن ثم تكون على اتصال وثيق بغيرها من سائر الفنون ومتمشية معها، وقد تسلسلت التيارات الموسيقية منذ عهد الأسقف “بيروتان الأكبر” أسقف كنيسة نوتردام بباريس في أواخر القرن الثاني عشر، الذي كان يردد أناشيد المنشدين داخل الكنائس القوطية، إلى عصر “لوللي” الذي اتسمت موسيقاه بطابع فرساي في عهد لويس الرابع عشر( ).

أما عصر “بيتهوفن” فيمكن أن يعد الرمز الكامل للتحول نحو الحركة الرومانتيكية الكبيرة إلى أن نصل إلى “سترافنسكي” مؤلف الموسيقى الروسي وزعيم المدرسة المعاصرة، فإذا اعتبرنا هؤلاء هم رواد الموسيقى بشكل عام، فراغب مفتاح هو رائد الموسيقى والألحان الكنسية القبطية بشكل خاص، فهو أحد الرواد الذين حفظوا لنا بكل أمانة وإخلاص نهر الموسيقى منذ أن عرفها القدماء المصريون ( ).

ولد راغب حبشي مفتاح في 21 ديسمبر 1898م بمدينة القاهرة، من أبوين كريمين شريفين، اشتهرا بالتقوى والصلاح وربياه على الفضيلة والتمسك بأهداب الاستقامة والثقافة القبطية، اشتهرت هذه الأسرة منذ أيام البابا بطرس الجاولي البطريرك رقم (109) (1809- 1852م)، منهم من تولى رئاسة المرقسية، ومن تلامذتها أقلاديوس الوجية , يوسف مفتاح  ، وعريان مفتاح (1826-1886) م ، وراغب مفتاح الذي أدخله والده المدرسة حتى حصل على درجة البكارلوريا سنة 1918م (الثانوية العامة)، ثم أرسلته الأسرة إلى ألمانيا لدراسة الزراعة بها، للوقوف على أحدث الدراسات والأساليب والأنظمة العلمية في هذا المجال حتى يكون عند عودته إلى مصر خبيراً في الزراعية ليتولى الإشراف على أراضيها وحاصلاتها الزراعية( ).

وبعد عودته من ألمانيا بدأ اهتمامه بالتاريخ القبطي والموسيقي والألحان القبطية، وفى سبيل المحافظة على سمات اللحن القبطي سافر إلى إنجلترا سنة 1927م ليستعين بخبراء الموسيقى، فتعرف على الأستاذ “أرنست نيولاند سميث” الأستاذ بالأكاديمية الموسيقية الملكية بلندن واتفقا – بعقد مكتوب – على أن يحضر سميث إلى مصر ويقيم بها لمدة سبعة أشهر سنويًّا ما بين (أكتوبر – إبريل) على نفقته الخاصة لتدوين الموسيقى القبطية وتواصل هذا العمل ما بين (1928- 1936م) ( ).

وفى ثلاثينيات القرن العشرين اختار راغب مفتاح المرتل “ميخائيل جرجس البتانوني” كبير مرتلي الكاتدرائية المرقسية الكبرى (بالأزبكية) وذلك من بين كثير من المرتلين المشهورين في جميع أنحاء البلاد، وبحضور الأستاذ سميث لتسجيل طقوس وألحان الكنيسة القبطية لتسجيلها كنوتة موسيقية على ورق، فبلغ ما سجله راغب مفتاح ستة عشر مجلدًا( ).

وقد رأى راغب مفتاح أن هذه الموسيقى القبطية تعكس تقاليد مصر الفرعونية، التي أثرت منذ زمن طويل على تطور الموسيقى الغربية، وأكد ذلك في عام 1931م عندما سافر بصحبة أستاذه في الموسيقى أرنست سميث والذي دعاه لإلقاء مجموعة من المحاضرات بجامعات إنجلترا وOxford , Cambridge. ( ).

وبين عشية وضحاها ذاع صيت راغب مفتاح في الموسيقى القبطية لدرجة حثت علماء أوروبا في مختلف العلوم على حضور محاضراته، وعلى سبيل المثال حضر محاضرته التي ألقاها بجامعة إكسفورد عالم المصريات بلاكمان Blachman،وعالم القبطيات كرم Crum، وعالم الفيزياء الشهير Einstein( ).

وفى عام 1932م وجهت الحكومة المصرية الدعوة لكبار الموسيقيين من ألمانيا والنمسا وفرنسا وإنجلترا والمجر وغيرها من البلدان، إلى مؤتمر لدراسة الموسيقى الشرقية للنهوض بها علميًّا، وقد بلغ عددهم 29 موسيقياًّ، كما وجهت الدعوة للأستاذ راغب مفتاح ممثلاً للموسيقى القبطية وكان من بين هؤلاء العلماء “بيلا برتوك Bela  Bartock ” و”إيجون ولز. Egon Wellesz” الذي فك رموز الموسيقى البيزنطية القديمة، ومدام “هيرشر كليمنص Clemence” رئيسة الجمعية الموسيقية في باريس، وقد طالب هؤلاء العلماء الموسيقيون بزيارة إحدى الكنائس الأثرية، فوقع الاختيار على كنيسة السيدة العذراء الشهيرة بالمعلقة بمنطقة مارجرجس بمصر القديمة، حيث أدى القمص مرقس شنودة صلوات القداس واشترك معه في ترديد المرددات والألحان المرتل ميخائيل جرجس، فتأثر الجميع تأثراً بالغًا حتى إن الأستاذ فلز قال: “إنه لم يتأثر في حياته بعذوبة ترديد الصلوات والألحان مثلما تأثر بها في هذا القداس” وقال آخر: “إذا كانت هناك موسيقى دينية تستحق الإبقاء عليها فإنها تكون الموسيقى القبطية”( ).

وفي عام 1940م قام راغب مفتاح بتكوين خورس بمهمشة (مكان بالقرب من القاهرة) ومن أجل ذلك قام بالبحث على أشخاص ذوي أصوات جميلة يستلمون اللحن من المعلم ميخائيل البتانوني ويؤدونه بإتقان بأصواتهم الجميلة واستغرق هذا الأمر منه بحثًا ووقتًا وجهدًا، حتى أصبحت لديه تسجيلات بصوت المعلم ميخائيل وبأصوات الذين استلموا منه( ).

وفى عام 1945م قام صاحبنا بتأسيس مركز لتسليم الألحان للمرتلين والشمامسة بمنطقة مصر القديمة “كنيسة العذارء قصرية الريحان” وآخر بالقرب من ميدان باب الحديد (ميدان رمسيس حالياًّ) لكبار المرتلين لاستلام وتثبيت الألحان( ).

وعندما تأسس معهد الدراسات القبطية سنة 1954م كان راغب مفتاح أحد مؤسسيه. وصار رئيساً لقسم الألحان والموسيقى فيه، وتزامن ذلك مع تأسيس القسم العالي للكلية الإكليريكية بمبنى الأنبا رويس وفيه مجموعة من صفوة الطلبة المثقفين فاعتمد عليهم في تطوير الخورس ليسجل لمجموعة من الطلبة بعد أن كان يسجل لأفراد، وليؤدي اللحن جماعة بصوت واحد، متفق ومنسجم، لا نشار فيه، وبذلك لم يعد صاحبنا يجول المدن والقرى يبحث عن ذوي المواهب والأصوات، بل أصبح طلبة القسم الداخلي بالإكليريكية يتلقون دروس الألحان يوميًّا في مكتبه بمعهد الدراسات القبطية، ويتابعهم ليصقلهم من خلال الدراسة، وفي الإجازة الصيفية كان يقيم لهم دورات دراسية في الموسيقى بضاحية أبي قير بالإسكندرية ( ).

وشارك في تدريس الخورس بالإلكيريكية والدورات التدربية أساتذة موهوبون، نذكر من بينهم المعلم توفيق من دير المحرق (أسيوط) وكان أستاذًا يتقن التسبحة، والمعلم صادق عطا الله من أشهر المعلمين الذين سلموا الخورس فيما بعد المعلم إبراهيم عياد الحالي( ).

على أية حال، كان الأستاذ راغب مفتاح يقوم بتسجيل الألحان بأسلوب علمي دقيق، فلو وجد هزة واحدة غير سليمة، يعيد تسجيله من أوله دون كلل ولو مرات عديدة، حتى يستقر في أدق وأروع صورة، ومن أجل ذلك اعتمد على التسجيل بالاستوديو الذي أسسه من قبل بمصر القديمة، ثم استكمله بمعهد الدراسات القبطية على يد صليب بسطروس مهندس الصوت، وكان يتولى هو بنفسه الإشراف على الجماعة الموسيقية( ).

واعتمد الأستاذ راغب مفتاح على مجموعة من العلماء في سنة 1970م، ومن أجل ذلك وجه الدعوة للعلامة الموسيقية المجرية “مارجريت توت” رئيس قسم موسيقى الفولكور بالأكاديمية الموسيقية المجرية، لاستكمال القداس الباسيلي الذي كان قد بدأه الأستاذ سميث واستمر العمل حتى تم تسجيله بألحانه تامة بالنوتة الموسيقية الصوتية( ).

ومن بين عام (1984- 2001م)، استمر صاحبنا في مواصلة عمله الجاد في تسجيل الموسيقى القبطية فأتم تسجيلات تشمل: طقس الأكليل، طقس الصوم الأربعيني المقدس، طقس أحد الشعانين (أحد الزعف) طقس سبت الفرح، طقس صوم الرسل طقس صوم السيدة العذراء، ثم القداس الغريغوري( ).

ولفتت أعمال راغب مفتاح الموسيقية أنظار العالم، فبدأت بعض الدول الأوروبية توجيه الدعوة لخورس ألحان معهد الدراسات القبطية بقيادة راغب مفتاح لزيارة مدن أوروبا، ففي سنة 1989م تلقى دعوة من إذاعة برلين، لباها فاستمع الشعب الألماني- لأول مرة- إلى الموسيقى الكنيسة القبطية وتوالت بعد ذلك الزيارات المماثلة( ).

كما أشارت مجلة الكرازة في مارس 1989م إلى بدء قسم الموسيقى والألحان بمعهد الدراسات القبطية في إعداد نوتة موسيقية على أسس علمية لأول مرة في تاريخ الكنيسة القبطية، وفى سنة 1996م صدر قرار بابوي بتدريسها بالمعهد( ).

وكان من مشروعاته المستقبلية رغم بلوغه سن 102(عامًا) تسجيل القداس الكيرلسي على النوتة( ).

ولمساندة مكتبة الكونجرس لأعماله الموسيقية والمساهمة في الحفاظ عليها ونشرها، قام في سنة 1995م بإهدائها مجموعة تسجيلات صوتية، موثقًا بها جميع الألحان القبطية لمكتبة الكونجرس الأمريكية ليتم حفظها كتراث هام من مجموعة التراث الموسيقي لهذه المكتبة العريقة( ).

ولإنجازاته في مجال الموسيقى والألحان القبطية، قام قداسة البابا شنودة الثالث البطريرك رقم (117) في 7 يناير 1984م، في ليلة عيد الميلاد المجيد، بمنحه الدكتوراه الفخرية( ).

وكرمه في حفل بهيج بالكاتدارئية بمناسبة عيد ميلاده المئوي في 21 ديسمبر 1998م، وأهداه صليبًا مذهبا تكريمًا لجهوده وما قدمه للكنيسة من أجل المحافظة على تراثها؛ وكان مما ذكره عنه قوله: “عمره قد شاخ، ولكن آماله لم تشخ مطلقا”، كما كرمته الجامعة الأمريكية بالقاهرة بهذه المناسبة، وصاحب ذلك صدور كتاب الموسيقى القبطية كأول تسجيل علمي متكامل لموسيقى ليتورجيه القديس باسيليوس الكبيرسنة 1998 م ( ).

وفى 18 يونيو 2001م رحل راغب مفتاح عن عالمنا عن عمر يناهز 102 عامًا، وبذلك يكون قد عاصر ثلاثة قرون، كان له في موسيقاها دور مبرز ساهم في تطويرها بحيث فاق مجهوده عدة جهود، كانت كفيلة بأن تشغل جوقة من الموسيقيين، عوضه الله في فردوس النعيم عن كل ما بذله( ).

يتبين لنا مما سبق أن الموسيقى القبطية جاءت امتدادًا للموسيقى الفرعونية، واستطاعت أن تحافظ على سماتها من ناحيتى الآلات الموسيقية المستخدمة وطبيعة الألحان، وقد انتقلت تواترًا من جيل إلى جيل واختلطت بالأداء الدينى القبطي حتى أصبحت جزءًّا من نسيجه، وأصبح بمثابة السجــل التـاريخي،الذى استطــعنا من خلاله إدراك مواصفات الفــن الموسيقي الفرعوني،والذي طوِّعه الأقباط بحيث يكون معبرًّا عن معتقداتهم فى الصلوات والقداسات والتراتيل، وقد أصبح له رواد، لا يزال عددهم يتنامى حتى زماننا هذا وقد قيد لنقل هذا الفن والقيام عليه علماء مصريون، رغبوا العالم الغربى فى الأخذ بسهم في نشره والتعريف بملامحه ومميزاته وأدواته وآلاته.

الملاحق:

نوته موسيقية قبطية ترجع الي القرن السادس (1)

المصدر : لمصدر

http://users.rcn.com/dante.interport/guitar.html (1)

جزء من ليتورجية قديمة “قداس “قديم القرن الخامس(2)

المصدر:

(2) مخطوط: دير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين – بسوهاج.