لمحة عامة عن البابا كيرلس السادس (1902-1971م) – د ماجد عزت إسرائيل

كارت التعريف بالكتاب

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الدكتور ماجد عزت إسرائيل
الشخصيات البابا كيرلس السادس - بابا الأسكندرية رقم 116
التصنيفات أدب مسيحي, سير قديسين وشخصيات
آخر تحديث 19 نوفمبر 2023
تقييم الكتاب 4.999 من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

تحميل الكتاب

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل الكتاب
4MB

لمحة عامة عن البابا كيرلس السادس (1902-1971م).

     

لمحة عامة عن  البابا كيرلس السادس (1902-1971م)

  فى 9 مارس من كل عام يستعد الشعب المصرى لاستقبال شهر الربيع،حيث تتفتح الزهور وتنتشر رائحة العطور الجميلة،ويرتدى الشعب ملابسه المزركشة المتعدة الألوان،وفى ذات اللحظة تستعد كنيستنا القبطية للاحتفال بذكرى مرور 44 عاماً على نياحة القديس البابا “كيرلس السادس”البطريرك رقم (116) (1959-1971م)،وتمر السنين ولكن رائحته العطرة وسيرته وقيمه الروحية وحياة البساطة والحكمة ، تزداد حباً لدى الأقباط حتى أن الأطفال يعشقون سيرته، وكأنها أسطورة من أساطير الزمان ،رجل الصلاة كما لقبته الكنيسة وشعبها عبر حياته، ورجل المعجزات كما سجلها التاريخ،ورجل الحكمة والعقل كما وصفه رجال الفكر والسياسة،ويكفى أن إذاعات العالم عند نياحته قالت:مات الصديق الشخصى لعبد الناصر….. بحق رجل الربيع برائحته وسيرته العطرة…والآن علينا متابعة لمحة عن حياة قداسة البابا “كيرلس السادس” البطريرك رقم (116)(1959-1971م)!

ولـد عازر يوسف عطا، فى يوم الجمعة المــوافق 2 أغسطس 1902م، بقرية طوخ النصارى التابعة لمدينة دمنهور،محـــافظة البحيرة ، وكان  والـده محب للسيد المسيح و للكنيسة، واشتهر كناسخ وجامع للثراث القبطى.ومنذ طفولته عــــاش عازر يوسف عطا محباً للكهنوت ورجاله،وكانت أسرته من المترددين على أديــــــرة وادى النطرون، وخاصة ديــر البراموس وكانت مسقط رأسه وقفاً لدير البراموس  لدرجـة أن بعض الآباء القـــديسين قـــال عنه إنه:” كان ينام على حجر الرهبان فكان من نصيبـهم” وكـــان لقرب المسـافة بين قرية طوخ  وديرالبراموس بوادى النطرون فرصة لــزيارة بعض الرهبان للقرية والخدمة بها،ولذلك اعتاد الرهبـان زيارة منزل والـــده، لِـــما عُرِفَ عنه من حُب وتضلع في طــقوس الكنيسة، ومن هـــنا بدأ عازر يوسف عطا حياته الرهبنية، فإعتاد على قراءة الكتب الروحية والطقسية وكتب الآباء القديسين وتاريخ الكنيسة.

وبعد حصوله على شهادة “البكــالوريا” عام 1921م،عمــل لدى أحدى شركات الملاحة البحرية بمدينة الإسكندرية والتى تعـرف بإسم”كـوك شيبينج”،وكان نموذجـاً للامانة والمحبة والطاعـــة والاخلاص،وظــــــل يعمل حتى سلك طريق الرهبنة عام 1927م،وترهبن بدير البراموس، وعرف باسم “مينا البراموسى”.

ويعد قداسة البابا كيرلس السادس(1959-1971م) صاحب مدرسة منفردة فى الرهبنة القبـــطية، والرهبنة فى حياته كانت تعنى حياة الوحـدة والزهد والنسك والصلاة والتسبيح، ،كما أنها فلسفـــة الـديانة المسيحية، والجامعة التي تـخرج فيها مـئات البـطاركـة والأساقفــــة الذين قادوا الكنيسة بالحكمة، فـــلكي يكون الإنسان راهباً، ينبغي أن تكون له ميول للفلسفة والحكــمة، لان حيـــــاته كفاح وحرمـان وإنتــاج من  أجل هـذه الرسالة الساميـة ،التي يـدرك خلالـها أن فضيـلته باطـلة إن  كان  ضياؤها لا يتعدى جـــدران الـنفس الـبشرية ولا ينـعكس على الـبشرية كلـها ليغمرها بمعرفة الله.

وقداسة البابا كيرلس السادس”البطريرك رقم (116) (1959-1971م)، يعد من أول البطـاركة الــذين تم اختيـارهم لمـــــبدأ “الـــتفويض” ولائحــــة” 2 نوفمبر 1957م”، والتفويض يعنى أن يفوض الشعب شخصاً واحداً متمثلاًً في (الأسقف أو المطران ) الخاص بالإيبارشية للتصويت على اختيار البطريرك. والبابا “كيرلس الســادس” البابا (116) معروف في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولدى المـؤرخين والسياسيين برجل (الصلاة و القـداسات)، تم انتخابه من بين مرشحين لكرسي مارمرقس،وهم: القـــمص دميان المحرقى، والقمص أنجيلوس، والقــمص مينا البراموسي، وبعد قــداس القرعة الــهيكلية فى (19 إبــــــريل 1959م)، تم اختياره بطريركـاً باسم البابا “كيرلس السادس”، وتم تجليسه على كرسى مارمـــرقس فى (26 إبريل 1959م ) حتى رحيله عن عالمناً الفـانى فى( 9 مارس 1971م).

   تميز عهد قداسته بانتعاش الإيمان ونمو القيم الروحية ولا شك أن ذلك راجع لان غبطته إنما وضع في قلبه أن يقدس ذاته من أجلهم – أي من أجل رعيته – على مثال معلمه الذي قال: “لأجلهم أقدس أنا ذاتي” فحياته المعيشية تميزت بالبساطة في ملبسه الخشن وشاله المعروف وحتى منديله،كما كان مأكله بسيط فلم يكن يأكل إلا مرتين، وفي أيام الصوم مرة واحدة،ويقضى كل وقته فى الخدمة والتأمل والصلاة، فكان مثال الراعي الصالح للتعليم لا بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق والقدوة الصالحة.   

        إنه عينة حقيقية من كنيسة أجدادنا القديسين كنيسة الصلاة، وتقديس الذات أكثر منها كنيسة المنابر والوعظ الكثير فهو رجل الصلاة، نعم إنه رجل الصلاة الذي أدرك ما في الصلاة من قوة فعالة، فكانت سلاحه البتّار الذي بواسطتها استطاع أن يتغلب على أعضل المشكلات التي كانت تقابله، وكثيرا ما كان يزور الكنائس المختلفة فجر أي يوم حيث يفاجئهم ويرى العاملين منهم والخاملين في كـرم الرب فكان معـلما صامتا مقدمًا نفسه في كل شئ قدوة مقدما في التعليم نقاوة ووقارًا وإخلاصًا . 


الأسرة والأكراد في عيون البابا كيرلس السادس (1902-1971م)

كانت تربية عازر يوسف الاجتماعية دليل يؤكد على عمق العلاقات الأسرية والحب والتواصل مع الأخر، فالذي جمع ما بين عائلته الحب، فعلى الرغم من انشغال الأب فى عمله إلا أنه اوجد الوقت ليجلس مع زوجته وأولاده، ولسان حاله قائلاً لهم: ” كونوا أولاداً مطيعين لوالديكم ومحبين ومتمتعين بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ ” فكان يريد توصيل رسالة تعليمية لأولاده بأنهم يعيشون حياة أفضل فيجب عليهم بذل الجهد وطاعة الوالدين.

وهنا يجب أن نؤكد على أن عازر عاش في مناخ الأسرة الروحي والكنسي، والإرتباط بالكنيسة وحضور القداسات الإلهية، وسير الأباء القديسين والحرص على الإحتفال بتذكاراتهم المقدسة. وهنا يجب أن نؤكد على أن عازر يوسف عطا ارتبط بشبكة علاقات اجتماعية بعائلته وخاصة مع أخيه الأكبر “حنا” وأخيه الأصغر “ميخائيل”، وكان على تواصل دائم معهم من خلال المعيشة بمنزل واحد أو الصلاة أو الذهاب للمدرسة أو الكنيسة أو الحورات الأسرية. وأيضًا الراهب كيرلس الأنبا بولا الذى تعرف عليه فى كلية الرهبان اللاهوتية بحلوان،وكان لاستقبال الأسرة الكثير من الآباء الرهبان أكبر الأثر على”عازر” فأدي ذلك إلى زيادة علاقاته وشغفه بهم، فتعلق قلبه بالقمص” تادرس البراموسي”،الذى كان ينام فى ركبتيه، لدرجة أن والدته قدمت اعتذرت للراهب،فقال لها:” دعيه لأنه من نصيبنا. وقد كان،حيث صار عازر حقا من يومها من نصيبهم”، وكان عازر يقوم بتقليده ،حيث كان يرتدى مريله سوداء اللون فوق ملابسه وهو ابن أربع سنوات تشبهين بالآباء الرهبان فى زيهم. وبعد رهبنته فى دير البراموس ارتبط بمعلمه ومرشده القمص عبد المسيح المسعودى البراموسى، ورويدا رويدا توسعات بعد ذلك شبكة علاقته الاجتماعية وخاصة بالآباء الكهنة والبطاركة .

وكان لعازر يوسف عطا مواقف تعبر عن محبته للآخر وتقبله على الرغم من الأختلافات العرقية والدينية، ونذكر على سبيل المثال كان عازر يوسف عطا يحتج على والديه عندما يرى المائدة ممدودة وعليها العديد من أنواع الطعام. كان يقول لماذا نأكل نحن هذه الأطعمة،والآخرون يأكلون الخبز الجاف؟. وحدث فى يوم رفاع الصوم المقدس (الكبير) أن المائدة ازدحمت بأطايب المأكولات، فثار عازر،وقال لأمه أمام أبيه: أننا نأكل كل يوم من هذا الطعام الفاخر،وبجوارنا عائلة “الكردي” فقيرة محتاجة،ألا يحسن اهداء هذا الطعام لهم من أجل المسيح الذى نصوم له باكرا،ونكتفي نحن بوجبة متواضعة”فانشرح قلب والديه لهذا الشعور النبيل. وعندما ذهبوا إلى عائلة الكردي بالطعام،استقبلتهم بالدهشة والاستفسار. ولما علموا أن صاحب هذه الفكرة هو عازر قبلوه ودعوا له .

بالحق نقول أن عاز يوسف عطا أو البابا كيرلس السادس(1959-1971م) نفذ تعاليم السيد المسيح التى وردت فى الكتاب المقدس الذي ذكر قائلاً:” “تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ.  لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي.  عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ.  فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟  وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟  وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟  فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.  «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي.  كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي.  حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟  فَيُجِيبُهُمْ قِائِلًا: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا.  فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَاب أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ” (إنجيل متى 25: 34-46).

وهنا يجب علينا أن نشير إلى الشعب الكردى العريق وقضيته التى تشغل الرأى العام المحلى والعالمى، فيعيش الأكراد فى أقليم غرب آسيا، فى المنطقة التى تقع جغرافياً ما بين منطقة جبال زاجــروس وطـوروس(أقلــيم كردستان) شرقاً حتى ساحل البحر المتوسط غرباً، وبالتحديد فى جنوب شرق تركيا،وشمـال العراق،وشمـــال غرب أيران،وشمال شرق سوريا، وشمال لبنان،وأرمنيا ومنطقة أزبيجان،ويتحدث الأكراد اللــغة الــــكردية، ويدين غالبيتهم بالإســلام، والبعض يدين بالمسيحية، واليـــهودية، واليزيدية، والمـــجوسية ويصل تعــدادهـــم فى شتى بقــاع العالم بنحو أكثر من(40) مليون نسمه،ويتـميز الأكراد بحبهم للعـلوم والثقـافة،وخاصة الموسيقى والتمثيل والنحت والرســــوم، وكانت مصر من بين الدول التى عاش بها العــديد من رموز الطائفة الكرديةـوتركوا تراثاً ثقافياً لا يزال حتى كتــابة هذه السطور. وترجع شهرة الجالية الكردية فى مصر إلى “صلاح الدين الأيـــوبى” (1138-1193م)، الذى يــــنتسب إلى بنى أيوب فى الـعراق،الذى ترجع أصولـــه إلى أكـــــراد الروادية،وأستطاع صلاح الدين الأيوبى، لأطــاحة بالدولة الفاطمية،وتأسيس الدولــــة الأيــوبية،التى تمـتد فى اليــمن و الحجازو العراق وديار بكر،وأتخذ من مصر لـموقعها المتميز؛ مركزاً للسلطة،خــلال الــــقرنين الثانى والثالث عشر المـيلاديين، وبالتحـــــديد ما بين (1171-1262م)، وأشتهر بحبه للـعلوم الدينيــة،وعلم السير الذاتيـــــة، والــشعر، وركوب الخيل،والفنون والموسيقى.وفى عصر محمد على (1805-1848م) ــ والذى يقال أنه ينتسب لأكراد ديار بكر وخـلـــفائه زاد تعداد المهاجرين إلى مصر، حتى وصل تعـــدادهم فى عام 1952م نحو 20 ألف نسمه،وتنتشر الطائفــــة الكردية فى شتى بقاع مصر،ومن أشهر عائـــلاتهم عائلة تيمور باشا، وعائلة بـدرخان، الأورفـلي، ظاظا، الكردي، وانــــلي، عوني، خورشيد، آغا، شوقي، وأمين،وأباظة،وبعد نشأة حى شـــبرا فى شمال مدنية القاهرة،أتخذه الأكــــراد مركزاً لنشاطهم الثقافى، بتأسيس (الجمعية الكردية)، وشـغل أكــــــراد مصر شتى الوظـــائف الإدارية والقـــــيادية والفنية،والصحافة والأعــلام، والمحاماه.

وعند كتابة هذه السطور يعانى الأكراد فى سوريا كثير من المشاكل بعد تعرض مدينة عفرين – تشتهر هذه المدينة بإنتاج الزيتون الذي يشير للسلام – السورية للدمار والخراب  الذي راح ضحاياه الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب على يد “رجب طيب أردوغان” حاكم تركيا الذي يريد إبادة جذور الشعب الكردى من منطقة الشرق الأوسط، ولا نبالغ فى القول أن الأكراد هاجروا إلى كل بقاع العالم هروبا من الظلم والاضطهاد، واعتقد أن الشعب الكردى دائما لا ييأس من الدفاع عن حقوقه،وهذا ما نادى به المفكر الدكتور”طارق حجى” في عام 2010  عندماحاول تقديم القضية الكردية للصحافة المصرية والعربية من خلال سلسلة مقالته وعنوانها “لو كنت كرديا…..” حاول خلالها تقديم عرض ووصف لمعانت الكرد فى بلادهم فذكر محاولة هدم تراثهم قائلاً” لو كنتُ كرديّاً من سوريا، لَمَا ترددّت لحظةً في رفع صوتي للأعالي كي تسمع الدنيا بأسرها بما تجري بحق شعبي من مظالم مبرمجة تستهدف النيل من وجوده ومَحْو لغته وثقافته، ولناضلتُ بكافة الوسائل السلميّة الديمقراطيّة لفضح …..  الأنظمة من أجل حقوق المواطنين الذين يعيشون على هامش الحياة محرومين من كافة حقوق المواطنة. ويختتم كلمه قضيتي هي المواطنة والمساواة والعدالة،ولا سبيلَ لي غير العمل السلميّ الديمقراطيّ اللاعنفيّ.

والحقيقة التاريخية والاجتماعية أن “عازر يوسف عطا” أو البابا كيرلس السادس قدم لنا نموذجاً للمحبة وتقبل الأخر فى أوائل القرن العشرين،فبتقديمه الطعام للعائلة الكردية ما هو إلا رمز للتعبير عن حق المواطن في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، حتى ولو لم تكن بلده الأصلى أو موطنه الأصلى لأبد أن يعيش حياة  كريمة،وهذا ما نتمناه للشعب الكرى. والحقيقة التاريخية أن قداسة البابا كيرلس السادس ظل في عطائه ومحبته للجميع  حتى تنيح فى 9 مارس1971م ، وهنا لا نملك إلا أن نذكر ما ورد  في الكتاب المقدس على لسان معلمنا بولس الرسول حيث ذكر قائلاً:” اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ”!!

 

البابا كيرلس السادس والسلطة السياسية (1959-1971م)

الكنيسة القبطية مؤسسة دينية ذات تراث عريق متميز بين جميع كنائس  العـالــم؛ يمتد لأكثر من ألــــفي عام، لاعتمادها على مصادر تشريعية تـتمثل في الكتاب المــقدس، والدسقوليــــة، وقوانين الآباء، والرسل، والمجامع المقدسة، وآباء الكنيسة، فضلا عن الـطقوس، وهى التي ســـاهمت في صنع القرار داخل المـؤسسة الكنيسة، وهو ما يميزها بمسحة ديـمقراطية،  وتأخذ هذه المؤسسة شـــكلا هرميا يأتـي على قمته البطريرك أي (البابا)، الذي يعتبر خـليفة السيد المسيح ورسله. و التاريخ الكــــنسي القبطي يسجل لنا (118) بطريركــاً،جاءوا من عدة أديرة في أنحاء مصر، ومن بين هؤلاء جاء قداسة البابا “كيرلس السادس”،الذى أشتهر بين بطاركة الكنيسة برجل الصلاة.

والبابا كيرلس السادس اسمه العلمانى (قبل الرهبنة) عازر يوسف عطا،  وقد ولد فى 2 أغسطس 1902م، بقرية طوخ النصارى التابعة لمدينة دمنهور،محافظة البحيرة ، وكان  والده ناسخاً وجامــع للــتراث القبطى،ومن المترددين هو وابنه عازرعلى زيارة الأديــرة بوادى النطرون، وخاصة ديــر البراموس،وكان عازر كثيراً ما كان ينام على حجر بعض الرهبان فكان من نصيبهم، وبالفعل بعد أن حصل على “البكالوريا”ــ الثانوية العامة حاليا ـ عام 1921م،عمل فترة لدى شركة “كـــوك شيبينج”، وكان نمـــوذجـاً للامانة، والمحبة والطاعة والاخلاص،وظل يعمل حتى سلك طريق الرهبنـــة عـــام 1927م، وعرف باسم “مينا البراموسى”. وكانت الرهبنة فى حياته تعنى حياة الوحـدة والزهد والنسك والصلاة والتسبيح، وهي فلسفـــة الـديانة المسيحية، والجامعة التي تـخرج فيها مـئات البـطاركـة والأساقفـة الذين قادوا الكنيسة بالحكمة.

ويعد البابا كيرلس السادس (1959- 1971م) من أول البطـاركة الــذين تم اختيـارهم طبقاً لــ” لائحـة” 2 نوفمبر 1957م “حيث تم انتخابه من بين ثلاثة مرشحين وهـم: القمص دميان المحرقى (دير المحرق)،  والقمص أنجيلوس المحرقى (دير المرق)، والقمص مينا البراموسي (دير البراموس).  وبعد قــداس القرعة الــهيكيلة فى (19 إبــــــريل 1959م)، تم اختياره بطريركـاً باسم البابا “كيرلس السادس”، وتم تجليسه على كرسى مارمرقس فى (26 إبريل 1959م ) حتى رحيله عن عالمناً الفانى فى( 9 مارس 1971م).

على أية حال، تزامنت فترة جلوس البابا كيرلس السادس البطريرك رقم 116(1959-1971م)على كرسى مارمرقس ،مع جلوس الرئيس “جمال عبد الناصر”على كرسى رئاسة جمهورية مصر في يونية 1956 (بعد الاستفتاء على الدستور وعلى رئاسته حتى رحيله في 28 سبتمبر 1970)، وقد عبر الكاتب السياسى”محمد حسنين هيكل” فى بعض مقالاته، عن هذه العلاقة قائلاً:  “كانت العلاقة بين البابا كيرلس والرئيس جمال عبد الناصر ممتازة  وعـــلاقات  إعجاب متبادل، وكان معروفــــاً أن البطريرك يستطيع مقابلة  جمال عبد الناصر فى أى وقت، يشاء، وكان كيرلس حريصاً على تجنب المشاكل، وقد استفـــاد كثيراً من علاقته الخاصة بعبد الناصر فى حل العديد من المشاكل”.

كما ذكر  القس “رفــائيل افامينا” فى كتابه “مذكراتى عن حياة البابا كيرلس السادس” مدى حب البابا كيرلس السادس لمؤسسة الرئاسة،من خلال  لقاء جمع ما بين  البابا  و  الرئيس “جمال عبد الناصر ” حيث تحدث البابا كيرلس  للرئيس عبد الناصر قائلاً”” إنى بعون الرب سأعمــــل على تعليم أبنائى معرفة الرب، وحــــب الوطن، ومعنى الأخوة الحقة ليشب الوطن وحدة قــوية لديها الإيمان بالرب والحب للوطن”.

ولا تنسى الكنيسة القبطية المصرية الموقف الوطنى للزعيم “جمال عبد الناصر” الذى أصدر قراراً بإنشاء الكاتدرائية المرقيسة بالعباسية، ووضع حجر تأسيسها فى 24 يوليو 1965م،حتى تتماشى مع مكانة الكنيسة المصرية”. وقد عبر “محمد حسنين هيكل” فى كتابه “خريف الغضب” قائلاً: كان الرئيس يدرك المركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسى فى التاريخ المصرى، ثم أنه كان واعياً بمحاولات الإستقطاب التى نشط لها مجلس الكنائس العالمى .. وهكذا فإنه قرر على الفور أن تساهم الدولة بنصف مليون جنية فى بناء الكاتدرائية الجديدة، نصفها يدفع نقداً ونصفها الآخر يقدم عيناً بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام والتى يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء…” .

كما ساهم أبناء رئيس الجمهورية مادياً فى بناء الكاتدرائية بتبرعهم بقدر معين من مصروفهم بتشجيع من والدهم (الرئيس عبد الناصر)، وفي هذا يذكر الكاتب الصحفى”محمود فوزى” فى كتابه “البابا كيرلس وعبد الناصر” قائلاً: “تعود قداسة البابا أن يزور الرئيس عبد الناصر فى منزلة .. وفى زيارة من هذه الزيارات .. جاء إليه أولاده , وكل منهم يحمل حصالته وقفوا امامه فقال الرئيس لقداسته : ” أنا علمت أولادى وفهمتهم إن اللى يتبرع لكنيسة زى اللى يتبرع لجامع، والأولاد لما عرفوا إنك بتبنى كاتدرائية صمموا على المساهمة فيها، وقالوا حنحوش قرشين، ولما ييجى البابا كيرلس حنقدمهم له، وأرجوا لا تكسفهم وخذ منهم تبرعاتهم ..”.

وفى حفل إفتتاح الكاتدرائية المرقيسة بالعباسية فى 25 يونية 1968م، توجت العلاقة بين الكنيسة والسلطة السياسية حيث حضر الرئيس”جمال عبد الناصر” رغم مرضه، وإمبراطور الحبشة(أثيوبيا) “هيلا سلاسى”، وممثلو الكنائس العالمية. وفى 26 يونية 1968م دشن قداسة البابا كيرليس مذابح الكاتدرائية بصلاة القداس،كما أودع رفات مار مرقس الرسول التى أحضرها من ايطاليا تحت هيكلها الكبير.

ويذكر التاريخ المصرى الموقف الوطنى للكنيسة القبطية، من أعلن الرئيس عبد الناصر تنحيه عن مؤسسة الرئاسة،أثر نكسة 5 يونيو 1967م وهزيمة الجيش المصرى، حيث يصف لنا “القس رفائيل افامينا” فى كتابه مذكراتى عن حياة البابا كيرلس السادس هذا المشهد قائلاً: “فى صباح يوم 9 يونيو 1967 م صلى  البابا القداس رافعاً قلبه لأجل مصر وشعب مصر وكان حزيناً , ثم ذهب مباشرة إلى بيت السيد الرئيس عبد الناصر وصحبه ثلاثة مطارنة وحوالى 15 كاهناً، ووصل البابا لمنزل الرئيس بصعوبة من شدة الزحام، ولم يستطع مقابلته…. ،فطلب الرئيس أن يكلم البابا بالتلفون وقال له: ” أنا عمرى ما تأخرت فى مقابلتك فى بيتى فى أى وقت ، ولكنى عيان والدكاترة من حولى ” .. فقال له البابا كيرلبس : ” طيب عاوز أسمع منك وعد واحد ” .. فرد عليه الرئيس : ” .. قل يا والدى : ” فقال قداسته: “الشعب بيأمرك أنك ما تتنازلش” .. فقال له الرئيس : ” وأنا عند أمر الشعب وأمرك”

وبعدها غادر البابا كيرلس السادس بيت الرئيس وفى طريق عودته طلب الإستعداد لضرب الأجراس،وبعد قليل أعلن السيد “أنور السادات “رئيس مجلس الأمة “أن الرئيس جمال عبد الناصر نزل على إرادة الشعب “.

على أية حال،عبرت الكنيسة المصرية عن تأيدها للرئيس جمال عبد الناصرعقب احتلال إسرائيل لشبة جزيرة سيناء،حيث أصدر قداسة البابا “كيرلس السادس”تعليمته لشعب الكنيسة بالصلاة من أجل صمود مصر،كما طلب من الأمبراطور “هيلاسيلاسى” أن يتخذ موقفاً مؤيداً لقضية مصر فى الأمم المتحدة،وأيدت الكنيسة قرار مؤسسة الرئاسة “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”، وخسرت إسرائيل الكثير خلال حرب عرفت تاريخياً باسم  الإستنزاف (1967-1970م).

وبكت الكنيسة  القبطية المصرية،كما بكى شعب مصر جميعاً، وحزن قداسة  البابا كيرلس السادس ،عقب سماعه نبأ وفاة الزعيم “جمال عبد الناصر” فى 28 سبتمبر 1970م ،وإعــــــلنت الكنيسة القبطية الحداد على وفاة الرئيس، وأصدر البابا كيرلس،  أوامــره لجميع الكنائس والأديرة بدق الأجراس الحزاينى ،وأن تتشح جميع الكناس بالسواد طول فترة الحداد،كما تلقى البابا برقيات عزاء من بعض ملوك و رؤساء العالم . وفى 9 مارس 1971م تنيح قداسة البابا “كيرلس السادس” البطريرك (116)، وإذاعت صوت إمريكا خبر نياحته قائلة: “توفى الصديق الوفى  لعبد الناصر”، واعـــــربت مؤسسة الرئاسة عن حزنها لوفاته، وحضر وفد من الرئاسة برئاسة الرئيس محمد أنور السادات”( 1971-1981م) لتقديم العزاء للقائمقام البطريركى، وأعضاء المجمع المقدس. ويعد مزاره بدير القديس مارمينا العجايبى بصحراء مريوط غرب مدينة الإسكندرية، مقصد للملايين من مصر وكل أنحاء العالم، وإذا جاز لنا التعبير أصبح منارة لفلسة الرهبنة القبطية.

وأخيراً هذه مصر التى عشنا فيها، عبر أكثر من 14 قرناً من الزمان؛ تجمع المصريين جميعاُ تحت جناحيها دون تفرقة أو تميز، فئة عن فئة آخرى، يسعى الجميع لتقديم نفسه فـداء لوطننا العزيز، فهل تستطيع مؤسسة الرئاسة الحالية إعادتنا لـــهذا الزمن الجميل؟