9- ما هى خبرة آباء الكنيسة فى الصلاة بالمزامير (صلوات السواعى “الأجبية”)؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الأجبية, طقوس الكنيسة القبطية - اللاهوت الطقسي, كتب القراءات الكنسية
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

9 - ما هى خبرة آباء الكنيسة فى الصلاة بالمزامير (صلوات السواعى "الأجبية")؟

أولاً: الأب هيبوليتس الرومانى (القرن الثانى)

يقول: [إن كنت داخل المنزل فصَلِّ وقت الساعة الثالثة وسَبِّح الله، وإن كنت فى أيّ موضع وجاء وقت هذه الساعة صلِّ فى قلبك لله[99].] ولنا على هذا النص ملحوظتان:

صلوات الساعات ليست عملاً مظهرياً، إنَّما يمكن للإنسان أن يُصَلِّيها فى بيته أو فى قلبه أثناء العمل دون أن يشعر به أحد.

قوله "سَبِّح الله" يشير إلى فهم الصلاة كعمل تسبيحى خاصة بالمزامير والتسابيح الكنسيَّة، إنه عمل مُفرِح للقلب وليس فرضاً نُمارِسه بدون روح الفرح.

تحدَّث أيضاً الأب هيبوليتس الرومانى عن الأفكار التى ينشغل بها المرء أثناء صلوات السواعى، فيرى أنَّه فى وقت الساعة الثالثة ينشغل بآلام المسيح الخلاصيَّة حيث بدأ دور الصليب عملياً، كما أشار إلى خبز الوجوه الذى كان يقدَّم فى وقت الساعة الثالثة وتقديم الحمل فى ذلك الوقت[100].] وفى وقت الساعة السادسة عُلِّق السيِّد على الخشبة، وانشقَّ نور النهار وصارت ظلمة (مت27: 45)، هكذا نصلِّى بروح النصرة والغلبة على قوَّات الظلمة[101]. وفى الساعة التاسعة طُعِن السيِّد فى جنبه فأفاض دم وماء (يو16: 34)، وتبدَّدت الظلمة، وصار نور حتى المساء. وكأنَّه جاءنا بفجر يومٍ جديدٍ، إذ بنومه على الصليب دخل بنا إلى قيامته[102]. أما عن صلاة نصف الليل فيقول: [قم اغسل يديك بماء وصلِّ. إن كان لك زوجة فصلِّيا معاً[103].] كما قدَّم لها تفسيرين:

التفسير الطبيعى[104]: فى هذا الوقت إذ تكون الخليقة ساكنة تقف الكواكب والنباتات والمياه لتُسَبحِّ الله. وفى هذا الوقت يكون السمائيُّون ساهرين يُسَبِّحون الله. هكذا يستيقظ المسيحى ليُسَبِّح الله مع الخليقة الأرضيَّة والسمائيِّة ومع الراقدين أيضاً.

التفسير الأخروى[105]: فى نصف الليل تسمع العذارى الحكيمات صوتاً: هوذا العريس قادم (مت25: 10). فيُقَدِّم المؤمن صلاة الحب مشتاقاً إلى العريس الأبدى.

ثانياً: الشهيد كبريانوس (القرن الثانى)

قدَّم لنا صورة حيَّة لما ينبغى على المؤمن أن ينشغل به أثناء الصلاة[106]. ففى وقت الساعة الثالثة يتذكَّر حلول الروح القدس (أع2: 15)، وفى الساعة السادسة يرفع قلبه نحو السماء مع بطرس الرسول الذى صعد على السطح ليصلى فتعلم من الرؤيا أن الله محب للبشر جميعاً، ليس بينهم من هو نجس أو دنس (أع10: 9). وفى الساعة التاسعة يتذكَّر كيف غسل الرب خطايانا بدمه على الصليب، وإعلان كمال نصرته بآلامه. وفى الغروب نذكر شوقنا إلى وجود المسيح – شمسنا – فى داخلنا وعدم غروبه عنا. وفى صلاة باكر نتذكَّر قوة قيامته.

ثالثاً: أثناسيوس الرسولى (القرن الرابع):

فى المقال De Virginitate المنسوب للقدِّيس أثناسيوس الرسولى، يُعطي الكاتب تعليلاً للالتزام بهذه الصلوات. نُصلِّى وقت الساعة الثالثة لأنه فى هذه الساعة جاءوا بالخشبة ليحملها، وفى السادسة رُفع على الصليب من أجلنا، وفى التاسعة سَلَّم الروح.

كما قدَّم تعليلاً لصلاة النوم، حيث نذكر أن الرب نزل إلى عالم الراقدين فنسبِّح معهم مُبتهِجين بخلاصه. وفى نصف الليل نذكر قيامته من الأموات[107].

رابعاً: القدِّيس باسيليوس الكبير

أكَّد أهميَّة هذه الصلوات لنموِّنا الروحى قائلاً: [ينبغى على الذين اختاروا أن يعيشوا حياتهم ساهرين لمجد الله ومسيحه ألاَّ يسقطوا أو يُهمِلوا إحدى هذه الصلوات[108].] وتعرَّض لأهميَّتها هكذا:

صلاة باكر (أو الفجر): باكر هو بدء نشاط النفس والعقل، فنُصلِّى حتى يكون كل ما فى داخلنا مُكرَّساً للرب. يقول المُرتّل: "باكراً تسمع صوتى، بالغداة أقف أمامك وترانى" (مز5: 3).

الساعة الثالثة: نذكر عطيَّة الروح القدس للكنيسة، فنسأله أن يعمل فى حياتنا: "قلباً نقياً اخلق فيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدّده فى أحشائى" (مز50LXX).

الساعة السادسة: إذ يحارب الإنسان شيطان الظهيرة (حيث الخمول والضجر) نُصلِّى كى ننجو منه (مز 90).

الساعة التاسعة: هذه الصلاة هى تسليم رسولى، حيث صعد الرسولان بطرس ويوحنا إلى الهيكل ليُصلِّيا فى وقت الساعة التاسعة (أع3: 1).

الغروب: نشكر الله من أجل عطاياه وما صنعه فينا من صلاح طوال النهار مع اعترافنا بعجزنا.

النوم (بدء الليل): نُصلِّى لكى تكون لنا راحة بغير انزعاج أو خيالات.

نصف الليل: تسلَّمناها كضرورة بواسطة القدِّيسين بولس وسيلا وهما فى السجن (أع16: 5). يقول المرتّل: "فى نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك" (مز119: 62).

يضيف القدِّيس باسيليوس صلاة "ما قبل الفجر" إذ يقول المرتل: "سبقت عيناى وقت السحر لأتلو فى أقوالك" (مز119: 62).

يرى القديس باسيليوس الكبير وغيره من آباء الكنيسة دور المزامير فى حياتنا الروحية التى تعمل فينا هكذا:

أولاً: تقدم المزامير عذوبة فى طريق الفضيلة الوعر، إذ يقول القديس باسيليوس الكبير: [يرى الروح القدس بوضوحٍ وعورة الطريق إلى ممارسة الفضيلة. يرى كيف يميل الجنس البشرى المزامير هى غناء منظوم فيها الحق، لصغار السن وصغار النفوس، وإن كان الإنسان ينسى سريعاً كلمات الوعظ والنبوة، إلا أنه لا ينسى المزامير التى يُرَدِّدها كثيراً، فى البيت، وفى الخارج. وترتيل المزامير يطرد الغضب الذى يجعل من الإنسان حيواناً مفترساً، ويسرق منه سلامه، ويملأه ثورة. التسبيح بمزمورٍ يجلب هدوءً للروح، فنستقر فى سلام، كما يهدئ عواصف أفكارنا العنيفة. فهو يسيطر على الشهوة، ويطفئ النار التى فى صدورنا قبل أن تلتهب. أتريدون أن ترتبطوا بصداقةٍ وتصالحوا المتخاصمين ويغفر الأعداء لبعضهم البعض؟ رنموا مزموراً (مز96: 1). كيف يمكن لأحد أن يحتضن عداوة لآخر يلتصق به وهو يُسَبِّح الله بصوت واحدٍ؟ الحب هو أعظم صلاحٍ من الكل، والتسبيح بالمزامير يجلب الحب، لأنه يُقَدِّم نوعاً من رباط الوحدة، إذ يجمع الشعب معاً فى خورُسٍ واحدٍ متناغمٍ... إنه نقطة البداية للمبتدئين، وعون للذين هم بالفعل فى الطريق، ومصدر القوة للبالغين. إن كان التسبيح بمزمورٍ يجلب حزناً، فهو حزن إلهى، لأن المزمور يقدر أن يهب دموعاً للقلب الحجرى!].

ثانياً: تهب المزامير النفس سلاماً داخلياً، إذ يقول القديس باسيليوس الكبير: [المزامير تهب النفس الطمأنينة وتعطيها السلام وتهدئ فيها بلبلة الأفكار وتراكم الشهوات. هذا الكتاب هو كتاب المحبة... هو سلاح ضد الشيطان... هو سبب راحة بعد تعب النهار... هو تعزية الشيوخ هو باعث أفراحنا وأحزاننا المقدسة... هو نشيد رائع، هو صوت الكنيسة، هو بخور زكى الرائحة[109].].

ثالثاً: تقدم المزامير لكل شخصٍ ما يناسبه من دواءٍ للنفس. يقول القديس باسيليوس الكبير: [ "كل الكتاب موحى به من الله، ونافع" (2تى3: 16). كُتِب بواسطة الروح القدس، لكى تجد نفوسنا كل نوعٍ من الدواء لشفائها، مهما كان عددنا، ومنه تختار الدواء المناسب لحالتها. لأن العلاج يسكن خطايا عظيمة (جا10: 4). يُقَدِّم الأنبياء نوعاً واحداً من التعليم، وتقدم الكتب التاريخية نوعاً آخر، والناموس آخر، ويوجد نوع آخر فى حكمة الأمثال، أما سفر المزامير ففيه خلاصة كل الفوائد التى جاءت فيها جميعاً. فهو يتنبأ عن المستقبل، ويشير للتاريخ، ويُحَدِّد قوانين لتجديد الحياة، ويوصى بما ينبغى عمله. باختصار هذا السفر هو نوع من الدليل للتعاليم الصالحة فى كل شيءٍ والنافعة لكل أحدٍ. يضمد الجرح الحديث، فيشعر المريض بالتحسُن، وهو يعطى شفاءً للمريض، ويحفظ القائمين. وخلاصة الأمر يرفع حرب الشهوات التى تُدَنِّس النفس بطرق كثيرة، ويجذبها بالفرح والتسبيح، لتنمو فى الحكمة.].

كما يقول: [المزامير تطرد الشياطين، وتجلب لنا معونة الملائكة. هى سلاح فى فزع الليل، راحة من عناء اليوم. هى الأمان للأطفال، وزينة للكبار، عزاء الشيوخ، وزينة النساء. هى حكمة الساكنين فى البرارى، مُعَلِّمة التجار، نمو النامين، سند الكاملين.

إنها صوت الكنيسة، فهى تضفى الفرح على الأعياد، وتبكت الضمير. المزمور يجعل النفوس الحجرية تبكي، والمزمور هو عمل الملائكة، وهو حياة السمائيين، وهو البخور الروحانى.

جاءت بترتيب حكمة إلهية، ليجعلنا نرتل وتُعَلِّمنا كل ما هو مفيد. تستقر المزامير فى الفهم، فما تتعلمه بالتغصب سرعان ما يتلاشى، بينما تستقر فى داخلك جاذبية التلذذ بالمزامير.

لماذا لا تحفظ المزامير؟ فتجد فيها الشجاعة والعدل وكمال الحكمة، والطريق إلى التوبة، وكمال الصبر. فيها كل ما هو مفيد، فيها كمال علم اللاهوت، ونبوات عن مجئ المسيح فى الجسد، ورجاء القيامة، والخوف من العقوبة، والوعد بالمجد، والكشف عن الأسرار، نجد كل هذا المخزون فى المزامير، كما فى مخزنٍ يفتح أبوابه أمام الجميع.].

رابعاً: المزامير هى إحدى السهام التى تُطعَن بها الشياطين وتقتلهم. يقول القدِّيس ماراسحق السريانى: [خدمة المزامير، والصلاة الربانية لأبينا السماوى، وصلاة التلاوة التى يرتجلها الإنسان ويطلب بها الرحمة والعون والخلاص، هذه الثلاثة مثل ثلاثة سهام بها تطعن الشياطين وتقتلهم[110].].

خامساً: تسند المؤمن فى عدم تشتيت الفكر. بقول القديس أوغريس: [عظيم هو أن تصلى بدون تشتيت الفكر، وأعظم أن تُسَبِّح بالمزامير بلا تشتيت].


[99] Cf. Gregory Dix: The Treatise on the Apostolic Tradition, London, 1937, 2: 62.

[100] Ibid 3: 62.

[101] Ibid 4: 62.

[102] Ibid 5: 63.

[103] Ibid 8: 65.

[104] Ibid 12: 67.

[105] Ibid 13: 67.

[106] De Orat. Dominica.

[107] Enchiridion Ascet 221.

[108] - نسكيات 38.

[109] - راجع الأب الياس كويتر المخلصى: القديس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989، ص292. عظة على المزامير.

[110] - جزء 1، ميمر 5.

10- ما هو دور المزامير فى حياة الرهبان؟

8- ما هى المناسبة التي وراء كل ساعة من ساعات الصلوات؟