ما هو دور مسيحنا فى كهنوته السماوى الفريد؟

كارت التعريف بالسؤال

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ما هو دور مسيحنا فى كهنوته السماوى الفريد؟

أولاً: لم يقدم مسيحنا ذبائح حيوانية مثل هرون ونسله وهى عاجزة عن التكفير عن خطايانا، بل هى مجرد رمز لذبيحة المسيح. أما مسيحنا فقد قدم ذبيحته الفريدة مرة واحدة تمتد فاعليتها منذ الإنسان الأول وإلى نهاية الدهور دون أن تتكرر. الذبائح الحيوانية، لعجزها تتكرر على الدوام، حتى قدّم السيد المسيح نفسه ذبيحة على الصليب فأبطلها. وأما فى سرّ الإفخارستيا فلا يقدم المسيح نفسه مرة أخرى، وإنما نحتفل بذات الذبيحة الفريدة الوحيدة التى على الصليب. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [الا نقدم الذبيحة يومياً؟ نعم نقدمها، لكن هذا "أنامنسيس" (ذكرى) لموته، وهى ذبيحة وحيدة غير متكررة لقد قُدمت مرة، ودخل إلى قدس الأقداس.

الأنامنسيس anamnesis هو علامة موته، فإن ما نقدمه هو ذات الذبيحة، فلا تُقدم ذبيحة وغداً أخرى مغايرة.

واحد هو المسيح فى كل مكان، كامل فى كل موضع، جسد واحد، فإذ يوجد جسد واحد فى كل مكان تكون الذبيحة واحدة فى كل موضع.

هذه هى الذبيحة التى لا نزال إلى اليوم نقّربها. هذاما نعنيه ب "أنامنسيس". أننا نصنع أنامنسيس للذبيحة ([65])].

ثانياً: غاية تجسد الكلمة أنه وهو رئيس الكهنة السماوى أخذ جسداً ليكون له ما يقدمه لحسابنا. يقول القديس أثناسيوس الرسولى: [لقد ارتدى الكلمة جسداً أرضياً ليستطيع كرئيس كهنة أن يكون له هو أيضاً ما يقدمه (أى هذا الجسد عب8: 3؛ 10: 5) فيذبح نفسه للآب ويطهرنا من خطايانا ويقيمنا من بين الأموات ([66])].

ثالثاً: مسيحنا هو الكاهن السماوى الذى قدم نفسه ذبيحة عن العالم كله، وهو الشفيع والضامن لقبول الذبيحة إذ هو واحد مع الآب (يو10: 30). فالكاهن نفسه هو ابن الله الواحد معه فى ذات الجوهر. هو المحامى عن كنيسته وهو القاضى فى نفس الوقت. وكما يقول الرسول: "من الذى يدين؟ المسيح... الذى عن يمين الله، الذى يشفع فينا" (رو8: 34).

إنه الشفيع الذى يقدم طلباتنا وصلواتنا لدى الأب باسمه، وهو الضامن لاستجابتها. يقول العلامة أوريجينوس: [لتنسى الأرض وتصعد إلى سحب السماء... لتبحث عن خيمة الله (الكنيسة) حيث دخل يسوع ليعد لنا طريقنا، فيظهر أمام وجه الله يشفع لأجلنا ([67])]. ويقول القديس كيرلس الكبير: [إنه يكهن فوق الناموس، لأنه هو نفسه الذبيحة والحمل الحقيقى، وهو بعينه أيضاً رئيس الكهنة الذى بلا شر ولا لوم، الذى لا يكهن عن خطايا نفسه لأنه كإله فوق الخطية، بل يكهن لكى يُبطل خطايا العالم. فقد صار هو نفسه إذاً الكاهن الذى يكهن بذبيحة نفسه (عب7: 27) ([68])].

[إنه هو المُصالح والوسيط بين الله والناس. فلكونه حقاً رئيس كهنتنا الأعظم والأقدس، فهو يستميل بشفاعته مشاعر أبيه من نحونا، لأنه يقدم نفسه ذبيحة من أجلنا، فهو الذبيحة وهو نفسه الكاهن. هو الوسيط وهو نفسه الضحيّة الفائقة التى بلا عيب، لأنه هو الحمل الذى يرفع خطية العالم ([69])].

شتان ما بين الذبائح الحيوانية حسب الناموس وذبيحة المسيح القدوس الذى يقدم نفسه عن خطايا العالم. وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [الكهنة بحسب الناموس لا يكفيهم أن يقدموا ذبيحة واحدة، بل بالحرى ذبائح كثيرة يقدمونها كل يوم عن نفوسهم وعن جهالات الشعب بسبب الضعف المتكرر والتهاون فى خطايا متنوعة. وأما الذى هو فوق كل خطية لكونه إلهاً، فقدّم نفسه وصار لنا رئيس كهنة مدعوّا بحسب ناسوته خادماً ليتورجياً وذابحاً جسده الخاص لله أبيه ([70])].

كما يقول: [لما صار اللوغوس مشابهاً لنا، وتألم من أجلنا بالجسد، حينئذ دُعى لنا رئيس كهنة، ليس كمن يقدم ذبيحة غريبة عن نفسه، بل بكونه هو نفسه الحمل والمحرقة العقلية واليمامة الناطقة والحمامة النقية، خبز الحياة والمذبح الذهبى ([71])].

كثيراً ما يكرر القديس كيرلس العبارات التالية: [هو الكاهن وهو الذبيحة وهو المذبح ([72])].


[65] [] Ibid 137 (see also Hom. On Heb. 3: 17). Fr. Malaty: Christ in the Eucharist.

[66] [] ضد الأريوسيين 2: 7 (دير القديس الأنبا مقار: حياة المسيح المقدسة وألامه وموته وقيامته وصعوده وكهنوته السماوى من أجلنا بحسب تعليم القديسين أثناسيوس الرسولى وكيرلس الكبير، 1994ص107).

[67] [] In Num. hom 3.

[68] [] تفسير الرسالة إلى العبرانيين 4: 1. P. G. 969: 74 - 972.

[69] [] تفسير يوحنا 17: 9 - 11. PG 595: 74 - 508.

[70] [] تفسير الرسالة إلى العبرانيين 7: 27 PG 976: 74.

[71] [] تفسير الرسالة إلى العبرانيين 4: 14 PG 972: 74 - 973.

[72] [] العبادة بالروح والحق PG 596: 68 - 604; 616 - 625.

كيف يكون رئيس كهنة وفى نفس الوقت هو غافر الخطايا؟

ماذا يعنى بقوله كمرساة للنفس مؤتمنة وثابتة تدخل إلى ما داخل الحجاب؟