مُعتَّرِف مِن القَرن العَاشِر، الوَاضِح بِنْ رَجَا – تذكار نياحته 20 أبيب – الأستاذ شريف رمزي

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ شريف رمزي
التصنيفات سير قديسين وشخصيات
آخر تحديث 19 يونيو 2021


مُعتَّرِف مِن القَرن العَاشِر، الوَاضِح بِنْ رَجَا - تذكار نياحته 20 أبيب

شريف رمزي - باحث في التاريخ الكنسيّ.

12 يوليه 2019 - 5 أبيب 1735 ش.

يَحفَل تاريخ كنيستنا القپطيَّة بسِيَر القدِّيسين، والواقع أنّ هؤلاء القدِّيسين كانوا هُم أنفسهم صُنَّاعًا لهذا التَّاريخ الذِي تَشَكَّل بفعل جهادِهم وبطولاتهم وتأثِيرهم في حياة الكنيسة. لكن وبِرَغم الشُّهرة التي يَحظى بها الكثيرون من قدِّيسي كنيستنا، إلّا أنّ البعض منهم قد توارى في غَيَاهِب التَّاريخ في اِنتظار صَحوَة تُحيِّي ذِكرَاهم ومآثرهم.. تَنبُش في الماضي فتُعيد أمجادهم إِلى واجِهَة الحاضِر؛ تَكريمًا لهم وعِبرَة لجيلنا والأجيال القادِمة.

القدِّيس الوَاضِح بِنْ رَجَا هو مُعتَّرِف من القرن العاشر، اِعتَنَق الإيمَان المسيحيّ وكَرَز به ودَافَع عنه، واِحتَمَل في سبيل ذلك ضيقات كثيرة، وكان مُستَعِدًا في كلّ وقت للاِستِشهاد في سبيله. وتَرِد ترجمة حياة هذا القديس في مخطوط «سِّيَر البَيْعَة المُقَدَّسَة» كجزء من سيرة البابا فيلوثاؤس (البطريرك 63)، والذي امتدت حَبريته ما بين عامي 979–1003م، في زمن خِلافة العزيز بالله الفاطميّ (٩٧٥ - ٩٩٦م) وولده الحاكم بأمر الله (٩٩٦ - ١٠٢١م).

نشأ الواضح في مصر القديمة (الفسطاط)، لأبّ من الوجهاء ينتمي لجماعة الشهود (وظيفة دينيّة تابعة للقضاء يتمتَّع أصحابها بمكانة مرموقة)، فتربّى تربية دينيّة، وقد اقترنَت غيرته على دينه بشيءٍ من العُنف، كما يظهر من رِدَّة فعله حيال شاب سبقه إلى اعتناق المسيحيّة وكان في طريقه للإعدام، إذ حاول معه أولًا بالترغيب والترهيب] ثم قلع قدمه من رجله ولطمه به على فمه ووجهه ورأسه، وآلمه باللَطمِ جدًا [. فأجابه ذلك الشاب الضحية بكلماتٍ كانت كافية لتخترق نفس الواضح من الداخل كالسِهام المُلتهبة، وكان وعده له بالنور كفرمانٍ من ابن مَلِك لا يُمكِن للمَلِك أن يَرُده، فتوالت عليه الدعوات..

في طريقه لتأدية شعائر دينه رأى في المنام راهبًا شيخًا مُنير جدًا يخاطبه قائلًا: اتبعني تربح نفسك. وفي طريق عودته ضَلّ عن القافلة وتاه في البرية. وفيما هو مُتحيّر وخائف إذا بشابٍ راكب فرسًا يرتدي زي الأمراء وعليه منطقة من ذهب اقترب منه وقال له: "اركب خلفي على الفرس"، فلما ركب أسرع به حتى وجد نفسه بعد قليل في كنيسة الشهيد أبي سيفين بمصر القديمة، وفي هذه الكنيسة كانت ولادته الجديدة من الماءِ والروح.. استنارت نفسه بتعاليم الإنجيل، وسار أولى خُطواته نحو القداسة. ودُعِي اسمه في المعمودية «بولس».

انطلق الواضح إلى برية شيهيت، وترَّهَب بدير القديس أنبا مقار، ثم بعد مُدة عاد بنيّة الاستشهاد، فلما رآه أبوه بزي الرهبان اغتاظ، فأخذه وحبسه في مطمورة مُظلمة تُطرَح فيها كُناسة الدار، ومنعوا عنه الخبز والماء ستة أيام حتى خارت قواه، وظهر له في اليوم السابع الراهب الذي كان قد رأه في المنام وفي يده خبز نقي، وقال له: "أنا مقارة أبّ وادي هبيب وقد أُرسلت إليك لأُعزيك، فتقوّى واصبر فإنَّ لك مُجازاة عظيمة".

وكانت له قديمًا سُرّية رُزق منها ولدًا، فطلب أبوه من أخيه الأكبر أن يُجامعها أمامه ففعل، ثم استبدت القسوة بوالده فقال للواضح: إن لم تطعني وترجع عمّا أنت عليه غرّقت ابنك هذا الذي أنت تحبّه قدامك. فقال له: نعم أنا أحبّه وهو ولدي غير أنّي أحبّ الربّ أكثر منه. فأمر والده بإغراق الصبي قدامه. ولمَّا يَئِسَ والد القدِّيس من اجتذابه إلى حياته الأولى وإيمانه القديم، أقام ضِده دعوى رِدّة أمام القضاء، فوقف يُحاجِج ويُدافع عن إيمانه بقوة وبراعة، ولم تثبت لأبيه حجّة عليه، كما قال السيد المسيح إني اُعطيكم نطقًا وحكمة لا يقدر أحدًا أن يُقاومها، فأمر الخليفة بإطلاق سراحه. ثم شرَع القدِّيس في بناء كنيسة على اسم الملاك ميخائيل، وهي المعروفة الأن باسم الملاك القبليّ بمصر القديمة، ولما أتّم بناءها عاد إلى دير القديس أبو مقار وأقام فيه مدة سنتين، فلما رأى الرهبان صلاحه ونُسكه وعِلمه أمسكوه قهرًا ورسموه قسًا في كنيسة الأنبا بنيامين.

فلما سمع أبوه أنه قد صار قسيسًا أرسل دنانير إلى بعض العربان في تلك البرية ليقتلوه. فلما بلغ الخبر للرهبان قالوا له: قد فعلت ما يجب وأظهرت اسم المسيح في كل مكان، والآن فلا تُسَلِّم نفسك للموت، فأطاعهم وخرج إلى سَندَّفا (المَحلّة الكُبرى حاليًا) فأقام سنتين في كنيسة الشهيد تادرس الشطبي يخدم ويتعبد نهارًا وليلًا. واتفق حضور شماس من أهل منوف اسمه تيدر بن مينا، فلما دخل إلى البيعة وجد القديس بولس بن رجا وهو مريض بحُمّى شديدة، فرجاه القديس أن لا يُفارقه حتى يواري جسده التراب، فلما كان بعد يومين تنيَّح القديس. فاجتمع أهل المحلة وسَندفا في أقل من ساعة وأحاطوا بالبيعة، فلم يَدرِ الشماس تيدر ما يفعل بجسده، وفيما هو حائر يمشي في البيعة نزلت رجله تحت العتبة فتأمل الموضع فوجده مطمورة حسنة نظيفة مخفية، فأنزل جسد القديس بولس فيها وأردم التراب وأعاد البلاطة كما كانت عليه وأصلح الموضع كما يجب، ثم فتح الباب فدخل أولئك الرعاع وطلبوا جسده وطافوا البيعة فلم يجدوه.

وقد وضع القديس بولس بن رجا ثلاثة مؤلَّفات تشهد له بسعة العِلم والمعرفة والمُجاهرة بالإيمان. بركة هذا القديس العظيم في المعترفين «الواضح بولس بن رجا»، فلتكن معنا، آمين.