قراءة في «سِيَر البِيْعَة المُقَدَّسَة».. طَوْر التَّكوين (١) – الأستاذ شريف رمزي

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ شريف رمزي
التصنيفات سير قديسين وشخصيات
آخر تحديث 19 يونيو 2021


قراءة في «سِيَر البِيْعَة المُقَدَّسَة».. طَوْر التَّكوين (١)

شريف رمزي - باحث في التاريخ الكنسيّ.

30 أكتوبر 2020 - 20 بابه 1737 ش.

إنَّ الدَّارس المُتعمِّق لكتاب «سِيَر البِيعَة المُقدَّسَة» - المنسوب للأنبا ساويرُس بن المُقفَّع أسقف الأشمونَين - يُمكِنه بسهولةٍ أن يستشعر أهمِّيَّة ذلك النَّصّ التَّاريخيّ الفريد المُفعَم بالحركةِ والحياة، كونه يعكس لنا صورةً هي أقرب ما تكون إلى الواقعِ الَّذي عاشته الكنيسة القبطيَّة مُنذ تأسيسها وحتَّى وقت قريب.

يَنظُر الدَّارسون إلى «سِيَر البِيعَة» بوصفِه عملاً تراكُميًّا، تكوَّن بجَهدِ عددٍ من «الكُتّاب» - الواحد تلو الآخر - في أزمنةٍ وأماكن مُختلفة. وقد دوِّنت أجزاؤه الأولى باللُّغةِ القبطيَّة، ثُمَّ جرى نقلها إلى اللُّغةِ العربيَّة - أواخر القرن الحادي عشر - بعد أن تراجعت معرفة الأقباط بلُغةِ أجدادِهِم، لذا لا يُمكن بأيِّ حالٍ إغفال الدَّور الَّذي أسهَم به «المُترجِمون» بنقلِهِم السِّيَر من اللُّغةِ القبطيَّة إلى اللُّغةِ العربيَّة.

وإلى جانبِ الكُتَّاب والمُترجمين، يبرُز دور «الرُّواة» الَّذين استقى منهم أولئك الكُتَّاب معلوماتهم عن أحداثٍ ووقائع لم يُعاصِروها، تتَّصل بشكلٍ مُباشر بسِيرةِ أحد الآباء البطاركة أو بالمناخِ السِّياسيّ المُحيط به. وهو دورٌ يعكس أثر التَّواتُر الشّفهيّ في كتابة التَّاريخ. فضلاً عن الاستعانةِ بـ«المصادرِ التَّاريخيَّة الأقدَم» للوقوفِ على سِيَرِ البطاركة الأوائل، في ظلِّ صمتٍ شبه تامّ للمصادرِ القبطيَّة عن التَّأريخِ لهم.

ثُمَّ يأتي دور «النُّسَّاخ» (و "المُهتمُّون" من ورائِهِم) في المرتبة التَّالية من حيث التَّأثير في العملِ - سلبًا أو إيجابًا - والانتقال به من وضعِ الثَّبات إلى وضعِ الحركةِ والتَّفاعُل مع مُجريات التَّاريخ. فدور النَّاسِخ لم يكُن يتوقَّف عند حدود النَّقل، بل يتخطَّاه إلى التَّدخُّلِ في النَّصِّ نفسه، تارة بالحذفِ أو بالإضافةِ، وتارة بالتَّعديلِ في بنيةِ النَّصِّ بتقديمِ بعض فقراته وتأخير بعضها، أو حتَّى باختصارِ بعض السِّيَر الطَّويلة في بِضعِ سُطورٍ! كما تبرُز ثقافة النُّسَّاخ - كلّ منهُم على حِدة - كأحد العوامل بالغة التَّأثير في المُخرَجِ النّهائيّ. ولا يقف ذلك عند حُدود الشَّكل والأسلوب - حيث الاهتمام بجودةِ الخطِّ أو الإلمام بالقواعدِ اللُّغويَّة السَّليمة - بل يتعدَّاه إلى المضمون، كما تَدُلّنا على ذلك الأخطاء الشَّائِعة في بعضِ النُّسخ.. أخطاء تاريخيَّة وأخرى تتعلَّق بالتَّقاويم وحساب السِّنين. لكن أبرز تلك الأخطاء النَّاتجة عن جهلِ النُّسَّاخ وأهمّها على الإطلاق: نِسبة كتاب لغيرِ مؤلِّفِه!

وسَوف نتناوَل بشيءٍ من التَّفصيلِ إسهام كلّ فئة من أولئك (الكُتَّاب والمُترجمين والرُّواة والنُّسَّاخ)، من واقعِ دراسةٍ مُتعمِّقة لأقدمِ مخطوطات «سِيَر البِيْعَة المُقَدَّسَة»..

يتبع...