20ـ بولس الرسول 02 06 2010 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

بمناسبة صوم الرسل كنت في الإسكندرية يوم الأحد الماضي 30 مايو 2010 وتكلمت عن الآباء الرسل بصفة عامة. أريد اليوم أن أكلمكم عن واحد من هؤلاء الآباء الرسل أحبه جداً وهو في نظري من أعظم الآباء الرسل بلا قياس. وهو بولس الرسول. أريد أن أكلمكم اليوم عن بولس الرسول.

بولس الرسول كان مثقفاً إلى أبعد الحدود:

غالبية الرسل كانوا أشخاص غير مثقفين قال عنهم بولس نفسه “بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ”. (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 27 ) وكانوا غالبيتهم من الصيادين. وعندما عمل بطرس ويوحنا بالكرازة في أول العصر الرسولي وقبض عليهم يقول الإنجيل “وجدوا أنهما إنسانان عاميان”: “فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا. فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ” (سفر أعمال الرسل 4: 13) أي غير مثقفين. أما بولس فكان رجلاً مثقفاً إلى أبعد الحدود.

من الناحية العلمانية درس في جامعة طرسوس. وكان اسمه شاول الطرسوسي. ومن الناحية الدينية تتلمذ عند قدمي غمالائيل أعظم أساتذة الناموس في عهده. ففي الماضي كان الأساتذة أو المعلمين يجلسون على كراسي والتلاميذ يجلسون على الأرض عند قدميهم. لذلك يقول الإنجيل عن بولس الرسول أنه تتلمذ عند قدمي غمالائيل.

وأيضاً كان من الناحية الدينية من المدققين جداً في الشريعة ولذلك قال عن نفسه “كنت فريسياً ابن فريسي” (أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ) (سفر أعمال الرسل 23: 6)، والفريسيين كانوا أكثر الناس مدققين -ولو نظرياً- في مسألة العقيدة.

بولس الرسول تحوَّل من القوة في اضطهاد المسيحية إلى القوة في الدفاع عن المسيحية:

بولس نشأ هذه النشأة الطيبة، ولذلك حسب حماسته الدينية كيهودي اضطهد المسيحية أكبر اضطهاد وكان يقود رجالاً ونساءً إلى السجن، إلى أن ظهر له السيد المسيح في الطريق إلى دمشق. فعندما كان ضد المسيحية كان قوياً في اضطهاده للمسيحية، وعندما تحوَّل إلى المسيحية صار قوياً في الدفاع عن المسيحية. فالسيد المسيح لم يلغي قوة شاول الطرسوسي، إنما حوّل هذه القوة تحويلاً إيجابياً طيباً.  كان اسمه شاول الطرسوسي وبعد أن آمن سُميَ بولس الرسول.

دُعيَ بولس الرسول إلى الإيمان والخدمة من الثلاثة أقانيم:

بولس هذا دعي إلى الإيمان والخدمة من الثلاثة أقانيم:-

من الله الآب

كما ورد في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 1: 15، 16: ” وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْمًا وَدَمًا”.

واختير من الابن:

في الطريق إلى دمشق (سفر أعمال الرسل 9).

وأختير من الروح القدس:

عندما قال الروح القدس للكنيسة: “وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ. (سفر أعمال الرسل 13: 2).

وبما إنه أختير من الأقانيم الثلاثة كلٍ على حدة، قبل أن توضع عليه اليد. كما يقول الإنجيل “فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا” (سفر أعمال الرسل 13: 3)

أي بولس الرسول وضع عليه الأيادي. فلا يجب أن يقول أحدهم: “أنا ربنا إختارني” أو “الروح القدس إختارني”. لا. بل لابد أن تخرج من تحت يد الكنيسة.

بولس الذي أختير من الآب والابن والروح القدس كل على حده . اختير من الكنيسة لكي يأخذ قانونية الوضع.

خدمة بولس الرسول لا تعرف الحدود:

بولس كان رجلاً قوياً فعندما دخل في الخدمة لم تكن هناك حدود لخدمته؛ خدم في أورشليم ثم أنطاكيا ثم قبرص ثم آسيا الصغرى، وذهب إلى بلاد اليونان ووصل إلى روما.. وظل يخدم بطريقة لا تعرف حدوداً ولا سدوداً في الخدمة. بل صدقوني فيما بعد كان يخدم ويبشر حتى وهو في السجن، ارجعوا في ذلك إلى أعمال 16 عندما سجن في فيلبي وعمل الله معه معجزة بشر سجان فيلبي ثم سأله سجان فيلبي: “مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟” (سفر أعمال الرسل 16: 30).

فأجابه بولس الرسول: “آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ”.

وذهب إلى بيته وعمده، هو وكل الذين معه. فكان يخدم في كل مكان. حتى في السجن.

بولس الرسول أسس كنيسة روما:

الأهم من ذلك أنه بشر كنيسة روما وبمعنى آخر أن بولس الرسول هو الذي أسس كنيسة روما. هو الوحيد الذي كتب رسالة إلى روما. وقال لهم فيها: “سآتي لأمنحكم نعمة” (لأَنِّي مُشْتَاقٌ أَنْ أَرَاكُمْ، لِكَيْ أَمْنَحَكُمْ هِبَةً رُوحِيَّةً لِثَبَاتِكُمْ) (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 1: 11). وهو أيضاً الذي كان مسئولاً عن هؤلاء ففي الرسالة إلى غلاطية يقول: “أن الله استأمن بطرس لخدمة اليهود وأستأمن بولس لخدمة الأمم” (أَنِّي اؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ الْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ الْخِتَانِ) (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 2: 7). ورومية كانت من الأمم.

وبعد ذلك السيد المسيح نفسه دعاه في أعمال الرسل إصحاح 23 وقال له: “كَمَا شَهِدْتَ بِمَا لِي فِي أُورُشَلِيمَ، هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَشْهَدَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا” وفعلاً ذهب إلى رومية. وعندما ذهب إلى رومية في إصحاح 28 وجد أنهم لا يعرفون شيئاً عن المسيحية، حيث قالوا له: “لا نعرف عن هذا المذهب إلا إنه مضطهد في كل مكان” (لأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَنَا مِنْ جِهَةِ هذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَاوَمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ) (سفر أعمال الرسل 28: 22). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فكلمهم، وعندما لم يقبلوا يقول الكتاب في آخر آيتين في سفر أعمال الرسل: “وَأَقَامَ بُولُسُ سَنَتَيْنِ كَامِلَتَينِ فِي بَيْتٍ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ يَقْبَلُ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ إِلَيْهِ، كَارِزًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمُعَلِّمًا بِأَمْرِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ، بِلاَ مَانِعٍ” (سفر أعمال الرسل 28: 30، 31)

اتذكر عندما زرت الفاتيكان Vatican سنة 1973 أي منذ 37 سنة وزرت الكنيسة الكبرى الكاتدرائية (كنيسة سانت بيتر The Papal Basilica of Saint Peter، وبالإيطالية: Basilica Papale di San Pietro in Vaticano بازيليكا سان بيترو) فقلت للكاردينال cardinal الذي كان معي:

– “I know quite well that The Church of Rome was established by St. Paul and not by St. Peter”.

– but he replied: “by both”.

أى: إني أعرف أن كنيسة روما تم تأسيسها بواسطة القديس بولس وليس القديس بطرس. فأجابني: بل بواسطة كليهما. لكن لا توجد آية في الكتاب المقدس تقول أن بطرس أسس كنيسة روما.  ليس موضوعنا الآن ولكن نشكر الله أنه تم تأسيسها على أي حال.

لكن الحقيقة أن الذي أسس كنيسة رومية هو القديس بولس، ونتيجة تبشيره في كل موضع قيل أن “كلمة الرب كانت تنمو وتزداد”.

كان بولس الرسول يبشر بإرشاد الروح:

فقد أراد مرتين أن يبشر في آسيا ولكن منعه الروح القدس. ثم في رؤيا جاءه رجل من مكدونيا يقول له “أسرع إلينا وأعنا” (اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا) (سفر أعمال الرسل 16: 9) فذهب إلى هناك.

بولس الرسول تعب أكثر من جميع الرسل:

بولس الرسول هذا تعب أكثر من جميع الرسل وهو نفسه قال: “أنا الذي تعبت أكثر من جميعهم ولكن لست أنا بل نعمة الله العاملة معي” (أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي مَعِي) (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 10).

بولس الرسول كتب 14 رسالة ولكن باقي الرسل كتبوا رسالة أو اثنين ويوحنا كتب ثلاثة رسائل (الرسالة الثالثة إصحاح واحد) كل الرسل الباقين (رسالة يعقوب ورسائل بطرس ورسائل يوحنا ورسالة يهوذا غير الاسخريوطي) مجموع ما كتبوه 21 إصحاح. أما بولس الرسول فكتب 14 رسالة مجموعها 104 إصحاح أي مثل ما كتبه باقي الرسل جميعاً خمس مرات.

وبولس الرسول لاقى اضطهادات وعذابات كثيرة. فاليهود كانوا يهيجون عليه الشعب في كل مكان.

وأحياناً المتاعب كانت تأتي عليه من الوثنيين كما حدث في افسس حيث تضايق الوثنيون عندما كان يتكلم عن المسيح فقالوا عظيمة هي أرطاميس إلهة أفسس وقاموا بأعمال شغب أثناء صياحهم عظيمة هي أرطاميس. وتعب بولس الرسول في أفسس لدرجة أنه قال في أحد المرات “حاربت وحوشاً في أفسس”.

بولس الرسول سجل عذاباته ومتاعبه في رسالة كورنثوس الثانية إصحاح 11 (23-27) حيث يقول “فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ، فِي الْمِيتَاتِ مِرَارًا كَثِيرَةً.  مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً.  ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ، مَرَّةً رُجِمْتُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ، لَيْلاً وَنَهَارًا قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ.  بِأَسْفَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ ِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ”.

صعوبات وصعوبات وعلى الرغم من تعبه الكثير في الكرازة والتعليم لاقى تعباً أكثر وعذابات أكثر وسجون أكثر.  الله لم يمنع عنه التعب لكي يأخذ بركة التعب.

في أحد المرات 40 شخص من اليهود نذروا أنفسهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا شيئاً حتى يقتلوا بولس!  مَنْ مِنْ الخدام حدث له حادث كهذا..؟! ولكن الله نجاه..

ووقف أمام ولاه وأمام حكام، أمام فيلكس الوالي وأمام فستوس الوالي وأمام أغريباس الملك، وأمام ولاه في كثير من البلاد.

بولس ومواهب الروح القدس المتعددة:

ومع ذلك الله أعطاه مواهب كثيرة، لدرجة كانوا يأخذون المناديل التي على جسده وربما التي على قروحه ويضعوها على الناس فيشفون وتخرج منهم الأرواح الشريرة كما ورد في أعمال الرسل إصحاح 19.

وكانت مواهب الروح القدس تعمل معه والنعمة تعمل معه ومن جهة التكلم بألسنة كان يتكلم بألسنة أكثر من الجميع.

ومن بركة بولس الرسول وعظمته أنه في أحد الأوقات أصعده الله إلى السماء الثالثة أي إلى الفردوس وسمع أشياءً لا ينطق بها.. لم يحدث مثل هذا مع باقي الرسل.

ولهذا الله أعطاه موهبة المعجزات؛ فكان يشفي الأمراض، وكان يخرج الأرواح الشريرة وأقام ميتاً. هو أفتيخوس حيث كان بولس يعظ وأطال في العظة حتى نصف الليل.  وكان أفتيخوس جالساً بجوار الطاقة ونام فوقع من ثالث دور. وتوقع الجميع أنه مات فنزل إليه بولس وحمله واحتضنه وقال للجميع “لا زالت روحه فيه” (لاَ تَضْطَرِبُوا! لأَنَّ نَفْسَهُ فِيهِ) وقدمه لهم حياً (سفر أعمال الرسل 20: 9-12).  أي أنه أقام موتى.

بولس الرسول كلمه الرب 4 مرات:

من ضمن الأشياء العظيمة في حياة بولس أن الله كلمه 4 مرات.

أول مرة: في أعمال 9 كلمه في الطريق إلى دمشق وقال له: “لماذا تضطهدني وأرسله”.

ثاني مرة: كلمه وهو في كورنثوس وقال له: “لاَ تَخَفْ، بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ (مدينة كورنثوس)” (سفر أعمال الرسل 18: 9، 10).

ثالث مرة: كلمه في أعمال 22 وقال له: “ها أنا مرسلك بعيداً إلى الأمم” (اذْهَبْ، فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى الأُمَمِ بَعِيدًا).

المرة الرابعة: في أعمال 23 وقال له : “كما شهدت لي في أورشليم ينبغي أن تشهد لي في رومية أيضاً” (كَمَا شَهِدْتَ بِمَا لِي فِي أُورُشَلِيمَ، هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَشْهَدَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا).

أى الله كلمه أربع مرات. لا يوجد رسول كلمه الله كما كلم بولس 4 مرات.

بولس الرسول يجمع بين الشدة والوداعة:

ومع ذلك نجد بولس الرسول أحياناً شخص قوي يتكلم بسلطان. وبالنسبة لخاطئ كورنثوس كما ورد في الإصحاح الخامس من كورنثوس الأولى: قال لهم وأنا غائب عنكم أتكلم كأني حاضر (فَإِنِّي أَنَا كَأَنِّي غَائِبٌ بِالْجَسَدِ، وَلكِنْ حَاضِرٌ بِالرُّوحِ، قَدْ حَكَمْتُ كَأَنِّي حَاضِرٌ فِي الَّذِي فَعَلَ هذَا). “أأمر أن يسلم هذا الإنسان للشيطان لإهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب” (أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ، لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ) (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 5: 3، 5). فنجد بولس الرسول يتكلم بشدة وبسُلطة.

وفي مرة أخرى ضرب بولس الرسول عليم الساحر الذي كان يسمونه باريشوع بالعمى فلم يبصر شيئاً وتم تسليمه لمن يقود خطواته.

وعلى الرغم من هذا كان شخصاً وديعاً جداً كما حدث في مرات عديدة.

ففي سفر أعمال الرسل إصحاح عشرين “ومن ميليتس أرسل إلى أفسس وإستدعى شيوخ الكنيسة وقال لهم ثلاث سنين قضيتها بينكم لم أفتر أن أنذر بدموع كل أحد” (ثَلاَثَ سِنِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا، لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ) (سفر أعمال الرسل 20: 31). ينذر بدموع؟! أين السلطان في هذا الموقف؟

وفي أحد المرات قال في رسالته “أنا بولس الذي في الحضر ذليل، وفي الغيبة متجاسر عليكم” (أَنَا نَفْسِي بُولُسُ الَّذِي فِي الْحَضْرَةِ ذَلِيلٌ بَيْنَكُمْ، وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ فَمُتَجَاسِرٌ عَلَيْكُمْ) (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 10: 1)؛ أي وهو موجود معهم ذليل.  هل بولس العظيم هذا يكون ذليل؟! وفي الغيبة متجاسر عليكم؟ من هذا نتعلم من بولس الرسول أن لكل شيء تحت السموات وقت: للوداعة والطيبة وقت، وللشدة وقت.

فبولس الرسول كان طيباً جداً.  ولكن عند اللزوم يكون جبار بأس.

وسأعطيكم مثل آخر على ذلك.

والمثل الذي سأقوله من الأمثلة القليلة في الكتاب المقدس التي يدافع فيها بولس الرسول عن حقه.

وأنا أقول هذا المثل لمن يسألني:

هل من الممكن أن أقيم دعوى أمام المحكمة للمطالبة بحقي؟ أم يعتبر هذا خطيئة؟

فأرد عليه قائلاً: لا يا حبيبي، ارفع دعوى وأحصل على حقك.

ففي أحد المرات أخذوا بولس الرسول وربطوه وكانوا سيجلدونه، وكان هذا بأمر الوالي الروماني، فقال لهم بولس الرسول: أيجوز لكم أن تجلدوا رجلاً رومانياً غير مقضي عليه؟ “أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَانًا رُومَانِيًّا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟” (سفر أعمال الرسل 22: 25) (أي لم يُصْدَر حكم قضائي عليه). فذهبوا سريعاً للأمير فسأل بولس: هل أنت روماني؟ (قُلْ لِي: أَنْتَ رُومَانِيٌّ؟) فرد عليه بولس بالإيجاب. فقال الأمير: أما أنا فأخذت هذه الجنسية بأموال كثيرة. وأنت كيف أخذتها؟ فرد عليه بولس: أنا ولدت فيها (فَأَجَابَ الأَمِيرُ: «أَمَّا أَنَا فَبِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ اقْتَنَيْتُ هذِهِ الرَّعَوِيَّةَ». فَقَالَ بُولُسُ: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا»). أي وُلِدَ في بلد روماني فأخذ الجنسية الرومانية. فأمر بفكه سريعاً والاعتذار له.

ومرة أخرى في أفسس قبضوا عليه وألقوه في السجن، وعندما علموا أنه رجلاً رومانياً أرادوا إخراجه من السجن فقال لهم: “تضربون وتسجنون علناً وتريدون إطلاق سراحي في السر؟ لا بل يجب أن تعتذروا لي هنا (ضَرَبُونَا جَهْرًا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ. أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرًّا؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا) (سفر أعمال الرسل 16: 37). فجاءوا إليه واعتذروا وتضرعوا إليه لأنه لو قدم شكواه للحاكم الروماني سيضارون.  فكان يتكلم عن حقه ويُطاِلب به.

وفي أحد المرات أراد الحاكم أن يسلمه لليهود ليتخلصوا منه. واليهود كانوا ينتظرون هذه الفرصة. فعندما قال الحاكم ذلك، نظر إليه بولس وقال له: “أمام كرسي ولاية قيصر أنا واقف، إلى قيصر رفعت دعواي.” (أَنَا وَاقِفٌ لَدَى كُرْسِيِّ وِلاَيَةِ قَيْصَرَ.. إِلَى قَيْصَرَ أَنَا رَافِعٌ دَعْوَايَ!) (سفر أعمال الرسل 25: 10، 11)؛ أي: هل تُسَلِّمني لهؤلاء؟! لا بل ولايتك هذه ولاية قيصر، وإلى قيصر أنا رافع دعواي. فقالوا له: “إِلَى قَيْصَرَ رَفَعْتَ دَعْوَاكَ. إِلَى قَيْصَرَ تَذْهَبُ”. وأعدوا العدة لسفره مع حراس. كان يريد أن يذهب إلى روما للتبشير فطلب أن يحاكم أمام قيصر روما.  كان بولس الرسول رجلاً يدافع عن حقوقه ولا يرى في هذا أي شيء ضد الروحانية.

بولس الرسول كان كثير التعليم:

وكان إنساناً كثير التعليم، ونطاق تعليمه في الناحية اللاهوتية.. تكلَّم عن خطية آدم وقال في الرسالة إلى رومية إصحاح 5: “مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 12).

وهو أكثر الرسل الذين تكلموا عن الفداء والخلاص..

وتكلم عن القيامة خصوصاً في رسالة كورنثوس.

وتكلم عن المجيء الثاني وما يسبقه من الارتداد العام apostasy ومن ظهور إنسان الخطية مدعي الإلوهية في تسالونيكي الثانية إصحاح 2.

وتكلم عن سر الافخارستيا (التناول) وقال فيه كلمة عجيبة حيث قال “تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا” (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 11: 23).  متى تسلمت يا بولس من الرب؟! من المؤكد أن هذا كان في لقاء آخر خلاف ما قلناه.

وتكلم عن التناول باستحقاق والتناول بدون استحقاق في كورنثوس الأولى أصحاح 11.

وتكلم عن قضية الاختيار والرفض  في الرسالة إلى رومية إصحاح 9. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وتكلم عن موضوع ما ذبح للأوثان بالنسبة لِمَنْ تشككوا في اللحم أنه قد يكون من اللحم الذي ذبح للأوثان، وقال: “إن كان أكل اللحم يعثر أخي لا آكل لحم طوال حياتي” (لِذلِكَ إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إِلَى الأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي) (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 8: 13).

وتكلم عن المواهب في كورنثوس الأولى إصحاح 12.

وتكلم عن “التكلم بألسنة” في كورنثوس الأولى إصحاح 14.

ومن جهة الروحيات تكلم عن المحبة بتفاصيل لم يذكرها رسول آخر في كورنثوس الأولى 13.  “الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ.. َلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا.. إلخ” (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 13: 4، 5).

تكلم عن الشذوذ الجنسي باستفاضة في أول رسالة رومية وفي كورنثوس الإصحاح السادس.

وكلام بولس كان كلاماً مؤثراً حتى في الحكام:

وكلام بولس عموماً كان له تأثير، ليس فقط من جهة الذين قبلوا الإيمان وساروا وراءه: وكانت كلمة الرب تنمو وتزداد “كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ تَنْمُو وَتَقْوَى بِشِدَّةٍ” (سفر أعمال الرسل 19: 20)، ولكنه أثر أيضاً في الحكام.

فعندما وقف أمام فيلكس الوالي يقول الكتاب: أن بولس لما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة ارتعب فيلكس الوالي! تصوَّروا رجلاً مُقيّداً بسلاسل أمام حاكِم، وهذا الحاكم يرتعب من كلامه!

وعندما تكلم مع أغريباس الملك.  نظر إلى أغريباس الملك وقال له: أَتُؤْمِنُ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ بِالأَنْبِيَاءِ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُؤْمِنُ. فقال له أغريباس: “بِقَلِيل تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا” (سفر أعمال الرسل 26: 28).

بولس الرسول كان رجلاً له تأثير.  نحن نريد أشخاصاً بنفس قوة شخصية بولس. قوة الشخصية في التعليم وفي التأثير وفي مواجهة المواقف.

وكان رغم تواضعه يلجأ للشدة عند اللزوم:

وكان متواضعاً كما قلت لكم.  فقد قال لهم: “أَنَا نَفْسِي بُولُسُ الَّذِي فِي الْحَضْرَةِ ذَلِيلٌ بَيْنَكُمْ، وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ فَمُتَجَاسِرٌ عَلَيْكُمْ) (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 10: 1) ومع ذلك جاء عليه وقت قال فيه: “ألزمتموني أن أغير صوتي” (أُغَيِّرَ صَوْتِي) (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 4: 20) وقال لهم “أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3: 1).

وأيضاً جرأته في توبيخ بطرس الرسول؛ عندما وجد بطرس يأكل مع الأمم، وكل شيء يسير طبقاً لنتائج المجمع، ولكن أمام اليهود يستحي ولا يأكل! قال: “وبخته مواجهة لأنه كان ملوما”ً (قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُومًا) (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 2: 11)، فقال له: “إذا كنت وأنت يهودي تفعل كالأمم فلماذا تطلب من الأمم أن يتهودوا؟” (إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمَمِيًّا لاَ يَهُودِيًّا، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الأُمَمَ أَنْ يَتَهَوَّدُوا؟!) (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 2: 14). وإذا سألناه هل تقول هذا لأحد الذين أخذت منهم الموافقة على الرسولية؟ يرد ويقول: “هناك وقت للجد. في وقت الجد يمكن أن أقول هذا”.

وأيضاً من تواضعه عدم قبوله التأله في لسترة؛ حيث كان هناك شخص مُقْعَد من بطن أمه لا يستطيع أن يتحرك، قال له بولس الرسول: قف وتشدد فقام الرجل وظل يقفز (قُمْ عَلَى رِجْلَيْكَ مُنْتَصِبًا!. فَوَثَبَ وَصَارَ يَمْشِي) (سفر أعمال الرسل 14: 10).  فقال الناس عن بولس إنه إله. وبدأوا يذبحون له ذبائح!! فقال لهم لا أنا مجرد إنسان (نَحْنُ أَيْضًا بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ مِثْلُكُمْ).  فإنقلب الموقف حيث ضربوه وجرّوه!! (إما أن يكون إله أو يُضْرَب؟!) هذا لا يُعقَل! شخص يعرضوا عليه الألوهية ويرفض! هذا يدل على مدى إيمانه بالإله الواحد الذي لا يوجد أحد غيره.

22ـ قضاء الله 16 06 2010 - عظات يوم الأربعاء فيديو - البابا شنودة الثالث

19ـ كيف تربح الناس 26 05 2010 - عظات يوم الأربعاء فيديو - البابا شنودة الثالث

عظات يوم الأربعاء - 2010 - البابا شنودة الثالث
عظات يوم الأربعاء - 2010 - البابا شنودة الثالث