7- ما هى مصادر مخافة الرب؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الخوف والقلق, معوقات الحياة الروحية
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

7 - ما هى مصادر مخافة الرب؟

عالج القديس مار فيلوكسينوس بطريقة إيجابية رائعة التمييز بين "الخوف" الذى يُحَطِّم النفس، وليد الفكر البشرى البحت، والخوف البناء الذى هو عطيّة الله. كثيرون يحاولون الدخول إلى "المخافة" بذارعهم أو فكرهم البشرى البحت، فيرون الله جباراً مخوفاً، يترقَّب الأخطاء ليدين كل بشر، يسكن معتزلاً فى سماواته، ولا يشعر بضعف الإنسان. أما المؤمنون الحقيقيّون فينالون "مخافة الرب" كعطيّة إلهيّة تبعث فيهم حياة التوبة بدموع صادقة، يصاحبها سلام الله الفائق وثقة كاملة فى الله المُخَلِّص، ورجاء حقيقى فى التمتُع بعجائبه وعربون أمجاده.

المخافة الأولى مرض خطير يدفع النفس إلى التقوقع والانغلاق على ذاتها، يلزم استئصاله إن دفعت إلى الندامة غالباً ما يصاحبها اليأس مع الضيق والتبرّم. أما مخافة الرب كعطيّة إلهيّة فإنها تهب مع حزن التوبة سلام الله الفائق، تكشف عن محبة الله فتهب رجاء. يخشى المؤمن الله كديّان، فيهرب لا إلى آخر بل إلى الديّان ذاته كمخلصٍ وفادٍ. ويبقى المؤمن تحت رعاية "خوف الله" الذى يسمو به، ويدخل به إلى أسرار الله الفائقة، حتى ينطلق مع التلاميذ الثلاثة بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل تابور (مت17: 1). هناك يتجلَّى الرب فى قلبه، فيسقط معهم كما على الأرض... لكنه ليس سقوط الخزي واليأس؛ إنما سجود المخافة الممتزجة بإشراقات بهاء الله (مت17: 6 - 7). يشتاق ألا ينزل عن الجبل، بل يبقى محصوراً بهذه المخافة العجيبة التى تعكس على النفس بهاء، تشرق عليه بالنور الإلهى، فلا يطيق مفارقة الحضرة الإلهيّة. لعل هذا هو الدافع وراء تأكيد مصادر "مخافة الرب" وهى:

أولاً: الإيمان. يقول مارفيلوكسينوس: [علّمونا أن مخافة الرب الحقيقيّة تولد من الإيمان الحقيقى.] شتّان ما بين من يدفع نفسه بنفسه إلى الخوف، ومن يطلب بإيمان فيهبه الرب مخافته كعطيّة ونعمة مجانيّة. الأول يقول بلسانه إنه يخاف الله، دون أن تتحرك أعماق قلبه... هذا الخوف الكلامى دون الحياة يدفع إلى الفريسيّة، فيعيش الإنسان مرائياً، ينطق بغير ما يبطن؛ الأمر الذى يدفع به إما إلى الاستهتار أو إلى الملل والنفور من الحياة الروحيّة. أما من يفتح بالإيمان أعماقه ليتقبَّل مجاهداً عطيّة الله، تملك مخافة الرب على نفسه، وتحرّك كل طاقتها، ليعيش الإنسان بكل كيانه فى خوف الله المفرح. يخاف الله بلسانه كما بقلبه، بجسده كما بنفسه. يقول مارفيلوكسينوس: [مخافة الرب ليست أن نقول: إننى أخاف الرب، كما يفعل كثيرون؛ بل هى مخافة تتحرك طبيعياً فى داخل النفس، تجعلها ترتجف وترتعب فى داخلها، فتؤثر على جميع أعضاء الجسد، وليس على النفس وحدها.] (عظة 6: 162).

ثانياً: التأمّل فى الله وتذكَّره. يقول مارفيلوكسينوس: [طالما أن الأفكار غير ممتصّة فى تأمّل الله وتذكّره، فإنها تهيم خارج نفسها، وتنشغل فى أمورٍ أخرى بعيدة عن الرب. وحينما تتأمّل فى الخير تسكن فى نور تذكُّر الله. حينما تشرد فى أمور فارغة وباطلة، تكون فى الجحيم، ومن يكون فى ظلام الجحيم لا يرى ولا يُرَى، لا يميز ولا يُميز، لا يعرف ولا يُعرف، بل يكون محروماً من جمال رؤية الخليقة، وغير مميّز لطريقه، وغير عارف بخط سيره] (عظة 6: 160) [كما أن النور يتلألأ فى الحدقة عندما تنفتح العين، هكذا أيضاً تتلألأ مخافة الرب فى الفكر بتذكُّر الله.] (عظة 6: 174).

المخافة التى تنبع عن التمتُع بالحضرة الإلهيّة وتذكُّر الله الدائم، تنقل المؤمن من الظلام كما إلى النور الإلهى، وتهبه نوعاً من الاستنارة: يرى ويعرف ويتمتَّع. يرى الله حاضراً فى كل حياته، ويرى كل ما صنعه جميلاً وممتعاً؛ ويُمَيِّز مشيئة الله عن كل مشيئة مخالفه؛ ويعرف أسرار الله، ويتمتَّع بأعمال الله العجيبة. هكذا بالتذكّر الدائم لله، والتمتّع بحضرته، ينال المؤمن رؤية صادقة وتميزاً ومعرفة وعربون مجد!

بتذكُّر الله أيضاً ينعم المؤمن بمخافة الرب فيصير مرئياً ومميّزاً ومعروفاً! ماذا يعنى هذا؟ من يذكر الله يذكره الله، ومن يخاف الله يهبه الله مخافة وكرامة وتقديراً فى أعين السمائيّين والأرضيّين، بل وفى نظر كل الخليقة. مخافة الرب لا تُحطِّم المؤمن أو تذلّه بل تهبه تقديراً خاصاً ونعمة! خف الله كما يليق، فتصير مخوفاً!

لقد أورد كاتب الاكلمنضيّات ذلك فقال متحدّثاً عن عدو الخير إبليس وكل جنوده: "إن أصغر إنسان مسيحى (يخاف الله) هو أقوى من أعظم شيطان!".

ثالثاً: اللَّهج فى كلمة الله. يقدّم لنا القديس فيلوكسينوس كلمة الله كمصدر حىّ للمخافة الإلهيّة، موصياً إيّانا ألا نردّدها بلساننا فقط، وإنما نعيشها فى قلوبنا، فتُفَجِّر فى داخلنا ينابيع إلهيّة تروى النفس، وتحوّل قفرها إلى فردوس مثمر. يقول مارفيلوكسينوس: [لننشغل دائماً بكلمة الله، ليس فقط بترديدها بألسنتنا، وإنما أيضاً بتأمّلنا فيها فى داخل قلوبنا، لكى يتكلم اللسان من فضلة القلب... من يرتوى باستمرار من التعليم الإلهى، يعطى كل حين ثماراً إلهيّة. تعلن أسرار القلب الخفية، وتظهر من خلال سلوك الحواس الأخرى وتصرفاتها. (عظة 6: 160).

إذ تنعم النفس بمخافة الرب كهبة إلهيّة تتمتَع بها خلال الإيمان الحىّ العامل بالمحبة (غل 5: 6) وتأمّلها الدائم فى الله مخلصها، ولهجها المستمر فى كلمة الله الفعّالة. تصير مخافة الرب قانون النفس أو ناموسها الروحى الطبيعى، وهى غير مخافة الجسد. يقول مارفيلوكسينوس: [يخشى الجسد الأشياء التى تؤذيه، وتخشى النفس ذاك الذى يستطيع أن يهلكها. يخشى الجسد هجمات الحيوانات المفترسة الخارجيّة، ويخاف من النار، ومن السيوف، ومن الغرق، ومن السقوط من المواضع المرتفعة، ويخشى اللصوص، والقضاة، والقيود، والسجون. هكذا تخاف أيضاً النفس بطبيعتها من القاضى والديّان الذى يستطيع أن يعذبها هى والجسد بالعذابات الروحيّة التى تناسب طبيعتها. وكما يخاف الجسد بطبيعته من جميع تلك الأشياء التى ذكرناها، هكذا أيضاً تخاف النفس بطبيعتها من دينونة الله... بالرغم من أن طبيعة النفس لا تتأثر بما يصيب الجسد. لكن لأنها متحدة به تخاف معه. وبالرغم من أن عينىّ الجسد لا تستطيع أن تنظرا العذابات الآتية، فمع ذلك، لأن النفس ترى تلك الآلام فى الخفاء وترعب منها، فإنها تجعل الجسد بجميع أعضائه يخاف ويرتعب. (عظة 6: 163).

8- هل مخافة الرب من طبيعة النفس؟

6- ما هو مركز "مخافة الرب" فى سلّم الحياة الإيمانيّة العملية؟