ما هو ارتباط التقليد الرسولى بالإنجيل؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, التقليد المقدس, عقيدة
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ1 – مقدمات في الكاتيشيزم القبطي – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ما هو ارتباط التقليد الرسولى بالإنجيل؟

إيماننا بالمسيا المُخلص، أى بإنجيل الكنيسة، هو عصب تقليدنا المقدس ومركزه. فى اكثر من موضع يخبر الرسول بولس شعبه أنه يُسلّمهم تقليد "إنجيل الخلاص" أو "كلمة الخبر" أو "عمل الله الخلاص"، التقليد الذى نقبله من الكنيسة، إذ يقول: "وأعرفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذى بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه... فإنى سلمت إليكم فى الأول ما قبلته أنا أيضاً: إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه دُفن وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب" (1كو15: 1 - 4). كما يقول: "تسلمتم منا كلمة الخبر من الله قبلتموها لا ككلمة أناس بل كما هى بالحقيقة ككلمة الله التى تعمل أيضاً فيكم أنتم المؤمنين" (1تس2: 13).

حقاً تقبل الرسل إنجيل الكنيسة، ليس مكتوباً على ورق بل تسلموه شفاهاً، لكى يودعوه فى الكنيسة بالتقليد الشفهى كما بالكتابى أيضاً.

فى هذا يقول C. Richardson: "قامت الكرازة المسيحية على العهد القديم والتقليد الحى ليسوع، هذا الذى تناقله فم من فم. فقد كان الشعور بالشهادة الشخصية فى الكنيسة الأولى قوياً للغاية فبايباس مثلاً سجل لنا تفضيله الصوت الحى الكائن فينا على الكتب... [175]1.

لقد بدأ كثير من الباحثين فى الغرب يدركون هذه الحقيقة: أن التقليد لا يقف جنباً إلى جنب مع الكلمة المكتوبة كأنهما اثنان، إنما هما شئ واحد، ما يعلنه الكتاب تسلمته الكنيسة تقليداً شفهياً.

يقول F. Bruce أستاذ الدراسات النقدية للأسفار المقدسة وتفسيرها بجامعة مانشستر: "بينما يميل مسيحيو الغرب إلى إقامة الكتاب المقدس والتقليد، الواحد مقابل الآخر كما لو كان التقليد شفهياً فحسب وغير مكتوب، ليس ما يمنع أن يكون التقليد مكتوباً. فقد أخذ التقليد الرسولى يُشك مكتوباً فى حينه. وسار كتاباً يحمل سلطاناً رسولياً على ذات المستوى، إذ يشجع القديس بولس مسيحيى تسالونيكي:" اثبتوا وتمسكوا بالتقاليد التى تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا "(2تس2: 15) [176]2.

وجاء فى قاموس وستمنستر الجديد للكتاب المقدس: "على أى الأحوال، استخدم هذا التعبير" التقليد "فى معنى حسن عن التعليم الرسولى المُسلم فى الكنيسة بالكلمة الشفهية أو المكتوبة[177]3".

يقول J. N. D. Kelly: "لهذا عادة يقصد الآباء بالتقليد، التعليم الذى عهد به الرب أو رسله للكنيسة، سواء كان مٌسلماً شفاهاً أو بالكتابة..." لقد وضح هذا التعبير تماماً فى إشارة القديس أثناسيوس[178]4 للتقليد الفعلي الأصيل للكنيسة الجامعة وتعاليمها وإيمانها بأنه "الأمر الذى وهبه الرب وأعلنه الرسل وحافظ عليه الآباء[179]5".

حقاً، لقد استلمت الكنيسة "كلمة الله" قبل أن تُسَطر على الورق، وتمتعت بالبشارة المُفرحة، وتفهمت بالروح القدس المعنى العميق لكلمة الله، خلال التقليد الشفهي، وتسلمته ليس فقط خلال الكلمات بل أيضاً خلال طريقة الحياة. لقد قبلت حياتها قبلما أن يكون العهد الجديد مكتوباً أكثر من عشرين عاماً. وحينما سجل الإنجيليون والرسل العهد الجديد بوحى الروح القدس، قبلته الكنيسة وكرمته وفهمته كحيات سبق لها أن عاشتها. هكذا الإنجيل ليس بغريب عن التقليد، لكن الأول جزء من الأخير، كلاهما يعلنان "الحق الواحد"، ويشرحان طبيعة الكنيسة.

ربما يتساءل أحدهما إن كان التقليد الشفهى قد توقف بظهور أسفار العهد الجديد. لكننا نجيب بأن الرسل أنفسهم قد ذكروا المؤمنين بالتقليد الشفهى حين كتبوا رسائلهم للجماعات المسيحية الأولى، إذ من خلاله يستطيعون أن ينالوا فهماً للحق المسيحى: "إذ كان لى كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر، لأنى أن آتى إليكم وأتكلم فماً لفم لكى يكون فرحنا كاملاً" (2يو12). "وكان لى كثير لأكتبه لكننى لست أريد أن أكتب إليك بحبرٍ وقلمٍ. ولكننى أرجو أن أراك عن قريب فنتكلم فماً لفم" (3يو14، 13). أما الأمور الباقية فعندما أجئ أرتبها "الكلمة اليونانية تعنى" أطقسها "(1كو11: 34)." لأجل هذا تركتك فى كريت لكى تكمل ترتيب الأمور الناقصة وتقيم فى كل مدينة قسوساً "(تى1: 5).

فى مواضع كثيرة يُوصى الرسول بولس تلاميذه أن يحفظوا التقليد، ويودعونه اناساً آخرين، وأن يتمسكوا بالتقاليد التى تعلموها بالكلام أو برسالته وأن يتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التقليد الذى أخذه منه (2تس3: 6). كما حذرنا من كل تقليد بشرى مقاوم للإيمان "حسب أركان العالم وليس حسب المسيح" (كو2: 8).

علاوة على هذا، ففى الكنيسة الأولى قبل البعض المسيحية فى أمم كثيرة بالرغم من وجود ترجمة للكتاب المقدس إلى لغتهم حتى ذلك الحين، وبهذا لم يكن فى قدراتهم أن يتعلموا الحق منها بل من التقليد الشفهى[180]1.

القديس إيرنياؤس فى القرن الثانى هو أول من ناقش موضوع التقليد. لقد أثار تساؤلاً مفترضاً: لو لم توجد أسفار مقدسة ماذا كان يحدث؟ إلى أى شخص نلتجئ؟ "أما كنا نلجأ إلى الكنائس الأكثر قدماً، التى عاش فيها الرسل، ونأخذ عنها ما هو ثابت وأكيد؟! أى بديل لذلك لو أن الرسل أنفسهم لم يتركوا لنا أية كتابات، أما كنا ملتزمين أن نعتمد على تعاليم التقليد التى قدّموها لأولئك الذين عهدوا إليهم بالكنائس[181]2؟!".


[175] 1 C. Richardson: Early Christian Father, p 957.

[176] 2 F. F. Bruce, P. 37.

[177] 3 New Westminster Dictionary of the Bible, p 957.

[178] 4 Athanasius: Ad Serap. 28: 1.

[179] 5 J. Kelly, p. 30,31.

[180] 1 P. E. Hallett: A Catholic Dictionary, London 1951, p 782.

[181] 2 St. Irenaeus: Adv. Haer 4: 3: 1. J. F. Bethume – Baker: An Introduction to the Early History of Christian Doctrine, London 1920, p 55 - 56.

كيف حُفظ الكتاب المقدس إلى اليوم؟

ما هو دور التقليد فى العصر الرسولى؟