ما هو دور التقليد فى العصر الرسولى؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, التقليد المقدس, عقيدة
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ1 – مقدمات في الكاتيشيزم القبطي – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ما هو دور التقليد فى العصر الرسولى؟

ظهرت أسفار العهد الجديد تدريجياً فى عصر الرسل لكنها لم تكن بعد قد قُنيت كنسياً. وكان التقليد فى هذا الحين هو المصدر الوحيد للإيمان المسيحى والتعاليم المسيحية والعبادة.

ويمكننا أن نلخص الدور الذي قام به التقليد فى ذلك الوقت فى حياة الكنيسة، فى النقاط التالية:

1 - إذ ظهرت الكنيسة إلى الوجود استخدمت أسفار العهد القديم، وعلى مسئولية السيد المسيح ورسله تقبل المسيحيون هذه الأسفار من اليهود، وتطلعوا إليها بكونها حكمة الله الموحى بها التى لها سلطانها. حسبت الكنيسة نفسها وارثة لكنيسة اليهود فى تقليدها القديم هذا، أى وارثة للأسفار المقدسة.

وجدير بالذكر أن الكنيسة الأولى كانت تقرأ الأسفار المقدسة بعين مستنيرة بفكر مسيحى خالص، إذ قبلت النبوات المذكورة فى هذه الأسفار، واستخدمتها بتفسير معين[172]1 لم يكن قد عرفه اليهود بعد. هذا التفسير تسلمته الكنيسة من الرسل، ولدينا يقين أنه مُسلم من ربنا نفسه.

2 - مع إن كتب العهد الجديد لم تُقتن كنسياً، حتى منتصف القرن الثانى، لكن الآباء تقبلوها ككلمة الله الموحى بها، واقتطفوا منها فى كتاباتهم.

3 - خلال التقليد أدرك آباء الكنيسة وحدة الأسفار المقدسة، أقصد الوحدة بين العهدين القديم والجديد، بكونهما كلمة الله الواحدة، حتى قبلما تُقنن أسفار العهد الجديد كنسياً.

4 - أعلن الرسل أن التقليد الذى تسلموه خلال تلمذتهم ليسوع المسيح هو أحد مصادر سلطانهم الرسولى، فقد كرزوا كشهود عيان لأحداث حياة السيد المسيح وأعماله الخلاصية. فالقديس يوحنا يقول: "الذى كان من البدء، الذى سمعناه، الذى رأيناه بعيوننا، الذى شاهدناه، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة..." (1يو1: 1). وفى إنجيله يقول: "الذى عاين شهد وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم" (يو19: 35). وأشار القديس لوقا إلى أن أحداث السيد المسيح قد "سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة" (لو1: 2).

وإذ أراد الأحد عشر تلميذاً أن يُقيموا من يحتل مركز يهوذا، أصروا على أن يختاروا واحداً عاش وعاين الرب "الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذى فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج. منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذى ارتفع فيه عنا يصير" واحد "منهم شاهداً معنا بقيامته" (أع1: 21، 22)، هكذا بدأ التقليد الرسولى بشهود عيان لأحداث حياة الرب، لكن "شهادة العيان" لم تكن وحدها كافية أن تُقيم هذا التقليد، بل بالحرى تأسس بالروح القدس الذى يقود حياة الكنيسة ويهبها الاتحاد مع الله فى المسيح يسوع، يقول لوقا الرسول: "تقليد المسيح" للكنيسة شاهد عيان لهذه الأحداث، لكنه تقبل الرسولية بدعوة خاصة، بالروح القدس تقبل التقليد الكنسى كأنه مُسلم له من الله مباشرة. إذ يؤكد قائلاً "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب..." (غل1: 1). كما يقول: "لأنى تسلمت من (apo) الرب ما سلمتكم أيضاً" (1كو11: 23). ويلاحظ استخدام حرف الجر اليونانى (apo) فى العبارة "من الرب" يشير إلى نقل الخبر خلال وسيط أو أكثر، كما أن المقطع "para" فى كلمة "تسلمت paralambano"، تؤكد مثل هذه الوساطة[173]2.

5 - التقليد الذى تسلمه الرسل من السيد المسيح وأودع لدى الكنيسة، فى جوهره هو "الحياة الجديدة التى لنا فى المسيح بالروح القدس". بهذا فإن التقليد الرسولى ليس بالوديعة الجامدة، إنما يحمل فى داخله استمرار البنطقستى فى الكنيسة ككل وفى حياة كل عضو حى من أعضائها. بالتقليد الكنسى ليس فقط الجماعة المسيحية ككل تمارس هذه الحياة، وإنما يتقبل كل عضو علاقة شخصية مع الله فى الروح دون اعتزاله الكنيسة الجامعة.

خلال هذه النظرة نتطلع أيضاً إلى تقليدنا فى جوهره كعطية روحية، لا تقدم من إنسان لآخر، بل لها فاعليتها فى حياة من يُقدم التقليد ومن يتسلمه. وكما كتب القديس بولس إلى أهل رومية "لأنى مشتاق أن أراكم لكى أمنحكم هبة روحية لثباتكم، أى لنتعزى بينكم بالإيمان الذى فينا جميعاً، إيمانكم وإيمانى" (رو1: 11، 12). وفى هذا أيضاً يقول القديس أغسطينوس: "من أجلكم أنا أسقف، ومعكم إيمانى أنا مسيحى[174]1". وكأنه يشعر فى أعماقه أنه مُعين من قبل الله لكى يودع شعبه التقليد المسيحى، وفى نفس الوقت يُمارس هذا التقليد معهم كواحدٍ منهم.

6 - خضع الرسول لبعض التقليدات اليهودية فى العبادة والطقوس التى كانت تتفق مع إيمانهم وذلك بعد إعطائها مسحة مسيحية، الأمر الذى نعود إليه فيما بعد إن شاء الرب.

7 - بالتقليد ركزت الكنيسة على الولاء للأساقفة، إذ تطلعت إليهم كخلفاء للرسل، مُعينين كمسئولين عن الحفاظ على نقاوة التعليم.

فى اختصار نستطيع القول بأن الكنيسة فى عصر الرسل قبلت التقليد الحى، به قبلت أسفار العهد القديم، وأدركت نبواته، واكتشفت رموزه وعلاماته، وتعرّفت على وحدته مع الشهادة الرسولية، كما تقبلت شهادة الرسل العيانية، وأعلنت سلطان خلفائهم فى الحفاظ على الإيمان المسيحى ومارست العبادة الحقة لله.


[172] 1 J,Kelly: History of the Early Christian Doctrines, N,Y 1960, p 32.

[173] 2 F. F. Bruce, p33.

[174] 1 J. P. Mavkey: Tradition & Change in the Church, Ireland 1968, p. 20.

ما هو ارتباط التقليد الرسولى بالإنجيل؟

ما هى مادة التقليد؟