ما هى البركات التى يتمتع بها المؤمنون الأبرار؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, اللاهوت الأخروي - الإسخاطولوجي, عقيدة, قيامة الأموات
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ7 – الأخرويات والحياة بعد الموت – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ما هى البركات التى يتمتع بها المؤمنون الأبرار؟

افتتح السيد المسيح الموعظة على الجبل بتسع تطويبات (مت 5: 2 - 11)، تلاها بتشجيع المؤمنين أنهم ملح الأرض (مت 5: 13) ونور العالم (مت 5: 14)، وأبرز أبوة الله السماوى لهم (مت 7: 11)، وفى حديثه عن الملكوت، قال: "المُعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت24، 25)، وعندما تحدث عن النار الأبدية قال: المعدّة لإبليس وملائكته "(مت 45: 41).

هذا هو منهج رب المجد فى تعامله مع مؤمنيه، يبرز ما هو إيجابى ومُفرح ويؤكد لهم أنه مشغول بهم منذ تأسيس العالم. وأما العقوبات فهى مُعدة لإبليس وملائكته. هذا المنهج اتبعه الرسول بولس، ففى رسائله يبدأ بإبراز ما هم عليه من أمور صالحة، ويعالج الأخطاء بعد ذلك، فيلمسون فيه تقديره لهم ومحبته وتشجيعه، وإن كان الروح القدس يتستّر على الأخطاء أو الخطايا خلال توبة المخطئ. أهم البركات التى يتمتع بها المؤمنون الأبرار هى الآتى:

أولاً: يفتتح الرب موعظته بتسع تطويبات. كلمة "طوبى" باليونانية لا توجد لها ترجمة دقيقة فى اللغات الأخرى، فهى لا تعنى مجرد "يا سعادة" أو "يا لفرح". إنما تشير إلى الحياة الملائكية السماوية التى لا يُعبر عنها. هذا ما سنتمتع به حين نلتقى مع أبينا السماوى وندخل فى شركة مع السمائيين، وتصير الكنيسة المنتصرة أشبه بطغمة سماوية. هذا التطويب الذى ينتظر الأبرار يملأهم بالسعادة السماوية الدائمة التى لا يُنطق بها.

تدعونا كلمة الله أن نتذوق هذا التطويب أثناء جهادنا على الأرض وتمتعنا بالنعمة الإلهية.

يقول الأب شيريمون: [بالحقيقة علامة (تمتعنا) بالطوباوية العميقة وبالصلاح الفريد هو الاستمرار فى تعلم الحب وتعليمه للغير، هذا الذى به نلتصق بالرب، فنتأمل فيه كل أيام حياتنا، ليلاً ونهاراً، كقول المرتل، ونقوت أنفسنا التى تجوع بنهم إلى البرّ وتعطش إليه، باجترارها هذا الطعام السماوى[85]].

يرى المعلم دانيال الصالحى التطويب هو عطية الروح القدس الممنوحة لراغبيها فإن لفظ "طوبى" هو أحد القاب السيد المسيح، إذ يقول القديس بولس: "المبارك العزيز الوحيد، ملك الملوك ورب الأرباب" (1 تى 6: 15). وكأن لتطويب هو عمل الروح فينا باتحادنا مع المطوّب المبارك، رأسنا يسوع المسيح.

يُلاحظ البعض أن المرتل يطوب مقاومى الشر (مز1)، ليؤكد أن هبة هذه التطويب تُمنح كعطية مجانية لمقاومى الخطية. فيؤكد القديس أغسطينوس أن الشاب الذى يقاوم فكراً شريراً لا يثور فى مشاعر أو أحاسيس الطفل الصغير يهبه الله إكليلاً أعظم مما للطفل. فالشاب المقاوم للخطية ينال إكليل الجهاد عن حب وصراع، لا كالطفل لا يسقط فيه عن عجز. طهارة الشاب المقاومة للشر هى طهارة النضوج، أما طهارة الطفل فهى عن ضعف!

ثانياً: يتمتعون بفردوس الله الذى فى وسطه شجرة الحياة (رؤ 2: 7)، التى حُرم منه آدم وحواء بعصيانهما للوصية الإلهية. لقد تجسد كلمة الله بصليبه ندخل إلى الفردوس السماوى الذى يُدعى مدينة الله المقدسة النازلة من السماء من عند الله والمُعدة كعروس مزينة لرجلها (رؤ 20: 3). إنها خيمة الله التى يسكن فيها الأبرار مع الله، الحاملة مجد الله (رؤ 21: 11). والتى ليس بها هيكل لأن الله القدير والحمل هما هيكلها (رؤ 21: 22). إنها مجمع وكنيسة الأبكار الذين يتجددون فى السماء (عب 12: 23). هى الميراث غير الفاسد وغير الدنس الذى لا يزول، محفوظ فى السماوات (1 بط 1: 4).

يقول القديس مار أفرآم:

[شجرة الحياة (مصدر الخلود) رمز لابن الله الحىّ[86]].

[مجمع القديسين هو علامة خارجية للفردوس، يقطفون كل يوم ثمرة ذاك الذى يهب الحياة للجميع[87]].

[مبارك هو الرحوم، الذى رأى السيف بجوار الفردوس، يحجز الطريق إلى شجرة الحياة. جاء وأخذ لنفسه جسداً، الذى جُرح بفتح جنبه ليفتح الطريق للفردوس[88]].

[لعل تلك الشجرة المباركة، شجرة الحياة، بأشعتها هى شمس الفردوس. وأوراقها تتلألأ، يُطبع عليها بركات تلك الجنة. نسمات الأشجار الأخرى تنحنى، كما لو كانت تسجد أمام قائدة الأشجار وملكتهم[89]].

ثالثاً: ليس من يقدر أن يصف البهاء المنعكس على الأبرار، والجمال الفائق الذى يدهش السمائيين. سيتمتع الأبرار بشركة الطبيعة الإلهية التى اختبروها أثناء جهادهم فى هذا العالم فى حدود بعمل النعمة الإلهية فيهم، دون أن يفقد كل بار شخصيته وطبيعته البشرية. إذ اتحد كلمة الله بطبيعتنا البشرية وبقى إلهاً، نتمتع نحن بشركة الطبيعة الإلهية ونبقى بشراً.

فى جهادنا نحن مدعوون أن نتمتع بشركة الطبيعة الإلهية فكم بالأكثر فى الحياة الأبدية. نحن لنسا مدعّوين لفضائل خارجية بل للاتحاد بالله، والامتثال به، فيكون لنا حب الرب، وقداسته، وصبره واحتماله وطول أناته ووداعته وبساطته. لهذا يقول الرسول: "لكى تصيروا شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذى فى العالم بالشهوة" (2 بط 1: 4).

رابعاً: يصيرون ملوكاً يجلسون عن يمين ملك الملوك. يملك الأبرار أبدياً، حيث لا يعانون من خوف أو جوع أو عطش أو صراع مع قوات الظلمة. إنما يسود الوفاق والتناغم والوحدة بين النفس والجسد، كما بين كل الأبرار ورثة المجد الأبدى وبعضهم البعض، وبينهم وبين الطغمات السماوية.

خامساً: يتمتع الأبرار بالوحدة بصورة فائقة، كطلب السيد المسيح من الآب قبل آلامه بفترة قصيرة: "ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضاً من أجل الذين يؤمنون بى بكلامهم. ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فىّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا" (يو 20: 21).

سادساً: يرون الله كما هو، كقول القديس يوحنا الحبيب: "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله، ولم يُظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذ أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو (1 يو 3: 2). رؤيتنا له تخلق فينا فرحاً عظيماً كما حدث للتلاميذ أثناء التجلّى، حيث قال بطرس:" جيد يا رب أن نكون ههنا "(مت 17: 14). ويقول الرسول بولس:" ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآة نتغيّر إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجدٍ كما من الرب الروح "(2 كو 3: 18). ويقول الرب:" حينئذ يضئ الأبرار كالشمس فى ملكوت أبيهم "(مت 13: 43).

لن يتوقف عطش المؤمن الحقيقى إلى رؤية الله بكل وسيلة، ليتمتع باللقاء مع محبوبه السماوى وجهاً لوجه. هذه الرؤية لن تحدث فى الحياة العتيدة وحدها، وإنما هى امتداد لحياة مُعاشة يختبرها المؤمن كل يوم.

شهوة قلب كل مؤمن وكل لاهوتى حقيقى ان يكون من حق المختارين أن يتمتعوا برؤية الله فى الحياة الأبدية. هذا ما يعلنه القديس يوحنا الرسول: "لأننا سنراه كما هو" (1 يو 3: 2). غير أنه فى ذات الرسالة يقول: "الله لم ينظره أحد قط" (1 يو 4: 12). ويؤكد الرسول بولس: "ساكناً فى نور لا يُدنى منه، الذى لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه" (1 تى 6: 16). هذا يثير أسئلة كثيرة منها:

أ. هل هذه الرؤية محفوظة فقط للحياة الأبدية؟ أم يُمكن أن تبدأ هنا فى خبرة داخلية فى أعماق النفس؟

ب. هل رؤية السمائيين لله هى رؤية لجوهره؟

ج. هل يتمتع المؤمنون فى السماء برؤية الجوهر الإلهى؟

الكلمة الحقيقى والابن الوحيد الجنس وحده يرى الآب، رؤية الواحد معه فى ذات الجوهر. لا يضارعه فى هذا كائن ما على الأرض أو فى السماء. ليس من مجال للمقارنة بينه وبين إبراهيم أب الآباء أو موسى مستلم الشريعة أو غيره من الأنبياء، ولا وجه للمقارنة بينه وبين أية طغمة سماوية. يقول القيس ثاوفيلوس أسقف أنطاكية: [تقول لى: يامن ترى الله، هل تُظهر لى ما هى هيئة الله؟

اسمع يا إنسان. هيئة الله لا يُنطق بها، ولا يُمكن شرحها، إذ لا تراها الأعين الجسدية. إنه فى المجد غير مُدرك، وفى العظمة لا يُسبر غوره، وفى العلو لا يُدرك، وفى القوة لا يُقارن، وفى الحكمة منقطع النظير، وفى الصلاح لا يُضاهى، وفى الحنو لا يُنطق به.

عندم أقول عنه إنه "نور"، أنعت عمله،.

إن دعوته "الكلمة"، أدعو سلطانه؛

إن دعوته "عقلاً"، أتحدث عن حكمته؛

إن قلت إنه "روح"، أتحدث عن نسمته...

إن دعوته "العناية"، أشير إلى صلاحه؛

إن دعوته "الملكوت"، أشير إلى مجده؛

إن دعوته "الرب"، أشير إليه كديَّان؛

إن دعوته "الديان"، أشير إليه كعادل؛

إن دعوته "أب"، أتحدث عنه كمصدر كل شئ؛

إن دعوته "ناراً" أشر إلى غضبه... [90]].

[عندما تخلع عنك الفاسد وتلبس عدم الفساد ترى الله بحق. فإن الله يقيم جسدك فى عدم موت مع نفسك، وإذ تصير غير قابل للموت، ترى "الواحد الذى له عدم الموت"، إن كنت تؤمن به الآن[91]].

يرى القديس إيرينيئوس أن الإنسان يتقدم فى رؤيته لله حتى فى الحياة الأبدية: [حتى فى العالم الآتى سيُعلم الله على الدوام، ويتعلم الإنسان دائماً من الله[92]]. وأن الرؤية تختلف من شخص إلى آخر، لذا قيل: "فى بيت أبى منازل كثيرة (يو 14: 2) [93].

يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [اقبل المسيح، اقبل البصيرة الداخلية، تقبل نورك حتى يمكنك أن ترى الله والناس حسناً. عذبة هى الكلمة التى تهبنا نوراً، إنها أثمن من الذهب والحجارة الكريمة، وأشهرى من العسل والشهد "[94]].


[85] Cassian, Conf. 15: 11.

[86] Hymns on the Church 16: 49.

[87] Paradise Hymns 8: 7.

[88] Hymns on Nativity 4: 8.

[89] Hymns on Nativity 2: 3.

[90] Theopilos of Antioch to Autolyctus, Chapter 3.

[91] Theopilos of Antioch to Autolyctus, Chapter 7.

[92] Adv. Hae Adv. Haer. 28: 2: 2 - 3.

[93] Adv. Haer 36: 5: 2.

[94] Stromata. 12: 5.

[95] - راجع من تفسير وتأملات الآباء الأولين: إنجيل متى الأصحاح 5.

كيف نتمتع برؤية الله؟

ماذا يقول العهد القديم عن الدينونة العامة؟