كيف نتغلب على آلام الفراق؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, اللاهوت الأخروي - الإسخاطولوجي, صلاة اليوم الثالث, طقس الجناز, طقوس الكنيسة القبطية - اللاهوت الطقسي, عقيدة, قيامة الأموات
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ7 – الأخرويات والحياة بعد الموت – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

كيف نتغلب على آلام الفراق؟

يقدم لنا القديس أمبروسيوس صورة رائعة عملية للتغلب على آلام الفراق. فقد كان له أخر أصغر منه يُدعى ساتيروس Satyrus، كان محامياً مثله يحملان فكراً واحداً. فالاثنان كانا محاميين ناجحين، وعندما سيم أمبروسيوس أسقفاً على ميلان للحال أغلق ساتيروس مكتبه وطلب أن يتسلم مكتب أمبروسيوس لكى يتفرغ أمبروسيوس للخدمة. بعد سنوات قليلة فى 17 أكتوبر عام 379 م أصيب ساتيروس بمرض خطير. تأثر أمبروسيوس بموت أخيه المحبوب جداً لديه كما لدى الشعب. فسجل كتابين أحدهما بمناسبة جنازة أخيه والثانى بعد أسبوع من الوفاة، أعلن فى الكتابين فى صراحة كاملة عن مشاعره، وفى نفس الوقت كشف لنا كيف تغلب على آلام الفراق.

اقتطفت هنا بعض عباراته التى تكشف عن سرّ عزائه فى موت أخيه وما وراءها:

أ. إعطاء الأولوية لرسالته الإنجيلية فى العالم: فى صراحة كاملة تحدث القديس مع شعبه أنه كان يحب أخاه حتى حسبه جزءاً منه، وبموته مبكراً شعر كمن فقد شيئاً ثميناً، ولكنه حسب أن رسالته أن يشهد لمسيحه مخلّص العالم لها الأولية على مشاعره الخاصة نحو أخيه الراقد. كما فى أثناء جنازة أخيه حوّل حديثه عن محبته لأخيه إلى الحديث عما فيه بنيان ملكوت الله، مشتاقاً أن يموت هو ويحيا شعب الله. لم تستطع محبته لأخيه وشعوره بمرارة آلام الفراق أن تشغله عن محبته للشعب.

[ليس شئ من الأمور الأرضية يا إخوتى الأعزاء أحسبها ثمينة للغاية، وأفضلها عن الحب. ليس شئ عزيز علىّ مثل أخ كهذا، لكن الأمور العامة (التى تخص الجماعة) تتقدم أمام أمورى الخاصة.

يليق بكل أحد أن يتحق ما هى مشاعره مفضلاً أن يُذبح من أجل الآخرين عن أن يعيش لنفسه. لأن المسيح مات حسب الجسد من أجل الجميع، لكى نتعلم ألا نعيش لأجل أنفسنا وحدنا[26]].

ب. شكره لله الذى وهبه أخاه الأصغر قرضاً واسترده منه. فعوض الحزن على موت أخيه، يشكر الله الذى أعطاه هذا الأخ المبارك، يشاركه أفكاره فى الحياة مع الربّ وخدمة شعب الله.

[يليق بى ألا أكون جاحداً لله. إنما أفرح أنه كان لى أخ كهذا عوض أن أحزن على فقدانه. فإن الأول كان هدية من الله (إذ أعطانى هذا الأخ) والثانى (أنه مات). فيلزمنى أن ارد لله ما اقترضته منه... إنه من الخطا أن ترفض، ما اقترضته، ومن التقوى أن ترفض التضحية (أى موت الأحباء) [27]].

ج. ارتفاع فكره من النظر إلى الوراء، ما قدمه أخوه ساتيروس من محبة شديدة وإغلاقه مكتبه ليدير مكتب أخاه وسماته الفائقة من محبة ووداعة وحب لخدمة الآخرين. إنما بالأحرى ينظره وهو فى الفردوس لم يعد أخاً للقديس الذى لم يعد يرتبط فقط بأسرته، بل صارت كل البشرية أسرته وإخوته، يحب الجميع ويصلى لأجلهم.

شعر القديس أمبروسيوس أن عبور أخيه إلى الفردوس هوعبور إلى ما هو أفضل فى كيانه هناك، بهذا حسب أمبروسيوس أنه بالفعل دخل الفردوس، يا لها من مشاعر حب رائعة لدى أمبروسيوس نحو أخيه! يعتبر القديس أمبروسيوس رحيل أخيه إلى الفردوس جعله أكثر التصاقاً به، لأن الفردوس هو الميراث المشترك للاثنين.

[كيف يلزمنى أن أبكيك أيها الأخ الكلىّ المحبة، يا من أنتزعت هكذا منى كى تصير أخاً للجميع؟!

إننى لم أخسر شيئاً، إنما تغيرت علاقتى بك. قبلاً كنا منفصلين عن بعضنا بالجسد، والآن نحن لسنا منفصلين فى الحنو، فإنك تبقى معى وستبقى إلى الأبد معى. بالحق حين كنت تعيش معى لم تزلك بلدنا عنى، وأنت أيضاً لم تكن تفضل بلدنا (أى شعب الكنيسة) عنى، والآن بالتأكيد صرت فى بلد أخرىن فلا أكون غريباً هناك حيث نصيبى الأفضل هناك بالفعل[28]].

د. التطلع إلى محبة إخوته له فى الضيق: يتحدث القديس أمبروسيوس مع شعبه كإخوة له مملوئين حباً وحنواً. فيقول: [بالحقيقة الامتنان عميق نحوكم أيها الإخوة الأعزاء، أيها الشعب المقدس، أنكم تقدرون حزنى. إنه ليس إلا حزنكم، فتحسبون هذه الفاجعة كما لو حلت بكم، فقدتم لى دموع المدينة كلها من كل الأعمار، والأمنيات طيبة من كل الطبقات الاجتماعية بمودة غير طبيعية. هذا ليس بحزن مع تعاطف خاص، وإنما هو خدمة وتقدمة صالحة من العامة.. حقاً كنت أود أن يعيش أخى لكن الحنو العام المزدهر مبهج جداً، وفى الوقت الضيق مُستحب جداً[29]].

ﮪ. تقديره لدموع الباكين: إذ رأى القديس أمبروسيوس دموع المدينة كلها على أخيه تذكر دموع الأرامل على طابيثا، فصلى بطرس وطلب منها ان تقوم، فقامت وجلست (أع 9: 40). أما ساتيروس الذى خدم المدينة فبكت عليه، لكن ساتيروس رقد لا ليقوم فى العالم بل ليتمتع بالقيامة فى يوم الرب العظيم. [هذا الذى مات لا يجلس بعد على النعش، إذ يجد راحته فى المسيح، وإن كان لا يتحدث معنا، فهو يفرح إذ يرى الأمور التى أعلى منا[30]].

و. خطف أخوه وهو صغير السن كى لا يتعرض فهمه للفساد: [ "إنه لا يحتاج أن يقوم إلى حين، ذاك الذى ينتظر القيامة الأبدية. فإنه لماذا يرجع إلى هذه الحالة البائسة والتعسة من الفساد، ويعود إلى الحياة الحزينة...؟ [31]].

تحدث بعض الآباء عن انتقال بعض الأبرار فى سن مبكر، فيقول الشهيد كبريانوس: [هذا كان مسراً فى عينىّ الله أن أخنوخ قد تأهل أن ينطلق من سم هذا العالم. لكن يعلمنا الروح القدس أيضاً خلال سليمان أن يسرون الله يؤخذون من هنا فى سن مبكر، ويتحررون سريعاً، لئلا خلال بقائهم لزمن طويل فى هذا العالم يفسدون بواسطة التعامل مع العالم[32]]. ويقول القديس أمبروسيوس: [إن كان لا يحزن أحد على أخنوخ الذى انتقل (تك 5: 24) حينما كان العالم فى سلام، ولم تكن الحروب قد اشتغلت، وإنما بالحرى يهنئه، كما يقول الكتاب عنه: "خُطف لكى لا يُفسد الشر فهمه" (حك 4: 11)، فكم بالأكثر يمكن أن يُقال هذا بأكثر تبرير حيث كثرت مخاطر العالم للحياة غير المستقرة؟ لقد خُطف لكى لا يسقط فى أيدى البرابرة، لقد أخذ لكى لا يرى دمار الأرض كلها، ونهاية العالم، ودفن أقربائه، وموت زملائه المواطنين، وفوق كل هذا وأكثرهم مرارة من أى موت، لئلا يرى العذارى والأرامل القديسات يُفسدن[33]].

س. يتطلع إلى موت أخيه ليس فقداناً للحياة بل خلاصاً من الخوف من المتاعب التى تهدده: يوجه القديس أمبرسيوس حديثه إلى أخيه الذى انتقل، قائلاً: "هكذا إذن يا أخى أحسبك سعيداً فى كل من جمال حياتك وفى ملائكة موتك. فإنك قد خُطفت ليس منا بل من المخاطر، إنك لم تفقد الحياة بل هربت من الخوف من المتاعب التى تهددك[34]].

ح. أخيراً، إذ يوجه حديث لأخيه الراحل يقول له إنه لا يعود إليه، إنما هو (أمبروسيوس) ذاهب إليه. لقد عاشا فى شركة معاً فى أمور كثيرة وسيتمتع بالشركة معه على مستوى أبدى[35].

بعدما تحدث سفر الرؤيا فى أسلوب رمزى عن حال الكنيسة خلال جهادها على الأرض إلى يوم لقائها بربنا يسوع عريسها بدأ يحدثنا عن بيت الزوجية السماوى، اى الملكوت الأبدى، المُعد لنا منذ تأسيس العالم. هذا الملكوت ليس غريباً عن المؤمن الحقيقى، بل هو امتداد لما يتمتع به هنا على الأرض عربوناً للسماء، وما يحيا به فى الفردوس لحظة انتقاله. لهذا بدأ السفر يتحدث فى الأصحاح الحادى والعشرين عن الملكوت الذى نعيشه هنا، والسلطان الذى لنا على إبليس وجنوده، كبداية لامتداد أبدى ولقاء سماوى مع أبينا السماوى وجهاً لوجه.


[26] Book 1 on the Decease of His Brother, 2.

[27] Ibid Book 2: 1.

[28] Ibid 6: 1.

[29] Ibid 28: 1.

[30] Ibid 29: 1.

[31] Ibid 30: 1.

[32] On Mortality, 23.

[33] Of the Decease of Satyrus, Book 30: 1.

[34] Ibid 31: 1.

[35] Ibid 79: 1.

ماذا يعنى بتقييد الشيطان ألف سنة (رؤ 20: 3)؟

هل نتجاهل آلام الفراق المقدسة؟