كارت التعريف بالسؤال
البيانات | التفاصيل |
---|---|
التصنيفات | أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الصلاة, الوسائط الروحية |
آخر تحديث | 13 يناير 2022 |
تقييم السؤال | من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية |
2 - من هم الساجدون الحقيقيون؟
كان اليهود يترقَّبون مجيء المسيَّا فى أورشليم حيث يوجد هيكل سليمان، وفيه تُقَام العبادة الحقيقية منذ مجيئه، أما السامريون فكانوا يعتقدون أن المسيَّا يأتى على جبل جرزيم، لهذا قالت المرأة السامرية للسيد المسيح: "آباؤنا سجدوا فى هذا الجبل، وأنتم تقولون إن فى أورشليم الموضع الذى ينبغى أن يُسجَد فيه" (يو4: 20). فأجابها السيد: "يا امرأة، صدقينى أنه تأتى ساعة، لا فى هذا الجبل، ولا فى أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتى ساعة، وهى الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا" (يو4: 21 - 24).
ما يشغل كل اليهود والسامريين هو ممارسة العبادة، هل هى فى أورشليم أم على جبل جرزيم. أما المؤمنون بالله الذى لا يُحدّ لاهوته بموضع مُعيَّن، فيرفعون قلوبهم بروح العبادة أينما وُجِدوا. لهذا مع تنازل الله لأجل محبته للبشر فيُقيم بيتاً له فى وسط شعبه، غير أن المؤمن إذ يقف بخشوعٍ ويبسط يديه ويرفع قلبه نحو السماء، تنطلق أعماقه كما إلى العرش السماوى. ويحسب نفسه مع إخوته الذين يصلّون معه وقد انطلقوا للشركة مع الطغمات السماوية ومع المؤمنين الذين رحلوا من العالم. هذا ما لمسه يوحنا الحبيب فى رؤياه، إذ قال: "رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتِلوا من أجل كلمة الله" (رؤ6: 9). "وسمعت عدد المختومين مئة وأربعة وأربعين ألفاً مختومين من كل سبط من بنى إسرائيل" (رؤ7: 4).
يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [إن سألت: ومن هم الساجدون الحقيقيون؟ أجبتك: الذين لا يربطون عبادتهم بمكانٍ مُحَدَّدٍ، وهم ينجذبون بالروح. وكما يقول بولس الرسول: "الذى أعبده بروحى فى إنجيل ابنه" (رو1: 9). وفى موضع آخر يقول: "أطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تُقَدِّموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو12: 1). قول المسيح للمرأة السامرية: "الله روح" لا يدل على معنى آخر إلا على أنه خالٍ من جسم، لذلك ينبغى أن تكون العبادة للخالى من جسم خالية من جسم أيضاً، وأن نقدمها بما هو فينا خالٍ من جسم، أى أن تكون بروحنا وبنقاوة عقلنا، لذلك قال المسيح: "والذين يسجدون له، فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا"... كان كل من اليهود والسامريين شديدى الاهتمام بالجسد، يطهرونه بمختلف الطرق. لذلك يقول إنه ليس بطهارة البدن، بل بطهارة ذلك الجزء غير الجسدى من كياننا، أى العقل. به نعبد الله اللاجسدى، كما لا يكون القربان بذبح العجول والخراف، بل بتكريس الإنسان نفسه لله. اهلك ذاتك، فتقدم ذبيحة حية... إنه لم يفضل مكاناً آخر، إنما أعطى الأفضلية للنية[2].
ويقول القديس جيروم: [لست أتجاسر فأَحدّ قدرة الله الكلية أو أُقيّدها بشريحة ضيّقة من الأرض، هذا الذى الأرض والسماء لا تسعانه. كل مؤمن يُدَان ليس حسب مسكنه هنا أو هناك، وإنما حسب برارى إيمانه. العابدون الحقيقيون يعبدون الآب، لا فى أورشليم، ولا على جبل جرزيم[3].].
يقول العلامة أوريجينوس: [الإنسان الكامل والمقَّدس يتعدَّى حتى هذا، إذ يعبد الرب بطريقة تأملية وإلهية بالأكثر. فكما أن الملائكة (كما يتفق حتى اليهود) لا يعبدون الآب فى أورشليم، لأنه يعبدونه بطريقة أفضل عمن يعبدون فى أورشليم، هكذا الذين يستطيعون أن يكونوا مثل الملائكة (لو20: 36) فى ميولهم لا يعبدون الآب فى أورشليم، بل بطريقة أفضل[4].].
يقول القديس أغسطينوس: [لو أن الله جسد، لكان يحق أن يُسجَد له على جبلٍ، لأن الجبل مادى، وكان يحق أن يُعبَد فى هيكل... إنه لأمر عجيب! يسكن فى الأعالى وهو قريب من المتواضعين. إنه "يرى المتواضع، أما المتكبر فيعرفه من بعيد" (مز138: 6)... إذن هل تطلب جبلاً؟ انزل لكى تقترب إليه. هل تصعد؟ اصعد، ولكن لا تطلب جبلاً. قيل: "الصاعدون فى قلبه، فى وادى البكاء" (مز84: 6). الوادى هو التواضع. لتفعل هذا كله فى داخلك. حتى إن أردت أن تطلب مكاناً مرتفعاً، موضعاً مقدساً، اجعل لك هيكلاً فى داخلك. "لأن هيكل الله مقدس، الذى أنتم هو" (1كو3: 17). أتريد أن تصلي فى هيكلٍ؟ الجبل في داخلك، إن كنت أنت أولاً هيكل الله، لأنه في هيكله يسمع من يصلي [5].].
[2] Hom. On John, 33.
[3] Letter 3: 58.
[4] Commentary on John, Book 98: 13 - 99.
[5] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 24: 15 - 25.