يونان وضعفات الخادم – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
الشخصيات يونان النبي
التصنيفات الخادم الأرثوذكسي, الخدمة الكنسية - اللاهوت الرعوي, مبادئ الخدمة الروحية
آخر تحديث 19 يونيو 2021


يــونــان وضعفــات الخادم

(1) الخادم وخدمة الأماكن السهلة:

"فَقَامَ يُونَانُ لِيَهْرُبَ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، فَنَزَلَ إِلَى يَافَا وَوَجَدَ سَفِينَةً ذَاهِبَةً إِلَى تَرْشِيشَ، فَدَفَعَ أُجْرَتَهَا وَنَزَلَ فِيهَا، لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ." (يون 1: 3).

لله شعوب في كل مكان حتى أصعب الأماكن، ويختار خدام للكرازة في أصعب وأبعد البلاد... وبركة الخدمة الحقيقية هى وسط الشوك، ولو عاند الخادم عن خدمة الأماكن الصعبة خسر بركة العمل مع الله ورؤية يد الله تغير القلوب الحجرية إلى قلب لحم يشعر بنبضات حبه!

كان الله يريد خلاص نينوى... بينما كان يونان يرفض خدمة المدينة الشريرة، الصعبة – بحسب ظنه - لكنه كان لا يعلم أنها ستتوب بخمس كلمات فقط: «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى». (يون3: 4).

لقد كان يونان يُفضِّل خدمة "ترشيش"، بينما لو كان ذهب لها ما كنا نسمع عنه، بل ربما هلك فيها!

وكانت ترشيش مدينة غنية وتشتهر بالكبرياء... ويظن الخادم أحيانًا أن راحته في الماديات التي تدبر أحتياجات الخدمة... بينما الخدمة تحتاج خادم يُفضّل تعبه تابعًا المدبر الحقيقي الذي ليس له أين يسند رأسه!

من ضعفات الخدام أن يهرب من الخدمة الصعبة ويهرب إلى ترشيش حيث أن: "سُفُنُ تَرْشِيشَ حَامِلَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعَاجًا وَقُرُودًا وَطَوَاوِيسَ." (1مل 10: 22).

والذهب والفضة.... رمز الغنى والطمع في ماديات العالم.

القرود... حيث جبلاية الشهوات الجسدية.

الطواويس... رمز الزهو والكبرياء.

ماذا لو هرب مارمرقس من خدمة مصر الصعبة بفلسفتها اليونانية وعبادتها الفرعونية!

أو لو عاند بولس عن الذهاب لروما... وأفسس!

أو لو استمر يونان في هروبة من نينوى إلى ترشيش؟

لو أغلق الخادم أذنيه عن دعوته إلى الخدمة في الأماكن الصعبة، وظل يشتهي الخدمة في ترشيش.. لتعثر خلاصه!

درس يونان... "يَا ابْنِي، اذْهَب الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي" (مت 21: 28) حتى لو كان صعبًا!

لقد كان بولس مُنصتًا لصوت الله ودعوته حتى للخدمة في أصعب الأماكن، وكان هذا سر عظمته:

- "هَا أَنَا أَذْهَبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّدًا بِالرُّوحِ، لاَ أَعْلَمُ مَاذَا يُصَادِفُنِي هُنَاكَ" (أع20: 22).

- "فَقُلْتُ: مَاذَا أَفْعَلُ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لِي الرَّبُّ: قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ، وَهُنَاكَ يُقَالُ لَكَ عَنْ جَمِيعِ مَا تَرَتَّبَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ" (أع 22: 10).

- "فَقَالَ لِي: اذْهَبْ، فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى الأُمَمِ بَعِيدًا" (أع 22: 21).

تذكر... هناك في الأماكن الصعبة أحتياج لخادم ينقذهم من الهلاك، ومن بين الفئات الصعبة عطش لخادم يرفض الخدمة السهلة، لعلك تكون أنت يونان لهم!

(2) الخـادم والنـوم

"مَا لَكَ نَائِمًا؟" (يون1: 6).

النوم أحتياج طبيعي، لكن ما هو غير طبيعي وغير مقبول أن يصير النوم منهج وأسلوب حياة...

والنوم في مفهومه هو غياب الوعي بالبيئة المحيطة وعدم الإستجابة الفورية لأي مؤثرات خارجية.. بعكس اليقظة التي فيها الإنسان يتفاعل ويشعر ويلاحظ ويقوم بواجبات وردود أفعال.

ومن الناس من يهرب إلى النوم هربًا من مسؤلية أو دور أو به يعزل نفسه..

"وَأَمَّا يُونَانُ فَكَانَ قَدْ نَزَلَ إِلَى جَوْفِ السَّفِينَةِ وَاضْطَجَعَ وَنَامَ نَوْمًا ثَقِيلًا." (يون 1: 5)، فهو في ضعف النوم الهارب من المسؤلية والدعوة التي كلفه بها الله...

كانت الأمواج مضطربه.. والسفينة كادت تغرق.... والملاحون يصرخون كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى إِلهِهِ... كانت نينوي تهلك.. وكل الظروف تدعو لليقظة... بينما كان يونان نائم!

كان على يونان أن يُصلي ويصرخ لإلهه "... قُمِ اصْرُخْ إِلَى إِلهِكَ عَسَى أَنْ يَفْتَكِرَ الإِلهُ فِينَا فَلاَ نَهْلِكَ»." (يون 1: 6)... لكنه نام!

أنه يريد أن يغيب عن الوعى، وأعتبر أن القصة ليست قصته ولا تعنيه في شئ؛ بينما نومه كان هو سبب الكارثة!

وهكذا... خدام يسقطون تحت ضعف النوم، فلا تأكلهم غيرة ولا يستيقظ ضميرهم الروحي أمام الحصاد المنتظر فعله حقيقيون!

بينما الحكيم يقول: «إِلَى مَتَى تَنَامُ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ؟ مَتَى تَنْهَضُ مِنْ نَوْمِكَ؟ (أم6: 9)، ".. وَمَنْ يَنَامُ فِي الْحَصَادِ فَهُوَ ابْنٌ مُخْزٍ» (أم10: 5).

والنوم في الكتاب المقدس يشير غالبًا إلى السلبية والكسل، وعدم الإستعداد... وقدّم نماذج من "النيام"، كان نومهم ضعف سقطوا فيه!

• سِيسَرَا... قتلته يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ، وهو مُتَثَقِّلٌ فِي النَّوْمِ (قض4: 21 و22). وهو ما يفعله الشيطان إذ يستغل غفلتنا وعدم استعدادنا ليميتنا بالخطية!

• شمشون: ".. أَنَامَتْهُ - دليلة - عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَدَعَتْ رَجُلاً وَحَلَقَتْ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِهِ، وَابْتَدَأَتْ بِإِذْلاَلِهِ، وَفَارَقَتْهُ قُّوَتُهُ.." (قض16: 18 - 20)... فالغفلة تفقدنا قوتنا، والهروب من المسؤلية يذلنا، ويفارقنا روح الله عندما نتكاسل عن دعوة الله لنا للخدمة والخلاص!

• التلاميذ: عاتبهم الرب يسوع بلطف ألا يستسلوا للنوم، ويبقوا أطول فترة ممكنة معه ليتمتعوا بشركته ويحفظوا أنفسهم من التجربة "فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (لو22: 44 - 46).

• حافظ سجن فيليبي: نام وفات عليه رؤية معجزة خروج بولس من السجن... ولأنه غاب عن الوعى بالنوم أعتقد أن المساجين هربوا وعزم على قتل نفسه، فالنوم يمنعنا عن رؤية معجزات وتتصاغر أنفسنا أمام أنفسنا لأننا لم نقم بدورنا وفضلنا النوم!.. لكن لما استيقظ من نومه نال الخلاص: وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟ » فَقَالاَ: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أع16: 25 - 31)!..

• أَفْتِيخُوسُ: "... جَالِساً فِي الطَّاقَةِ مُتَثَقِّلاً بِنَوْمٍ عَمِيقٍ. وَإِذْ كَانَ بُولُسُ يُخَاطِبُ خِطَاباً طَوِيلاً غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ فَسَقَطَ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ إِلَى أَسْفَلُ وَحُمِلَ مَيِّتاً".. فالنوم يحرمنا من التمتع بخطاب كلمة الله، ولأن كلام الله روح وحياة فالذي ينام ويعزل نفسه عن الكلمة يموت روحيًا...

لكن الله الحنون... يحب ألا يكون خدامه نائمين،.

ييقظهم ولو بحوت...

يقيمهم ولو ماتوا...

يسمع صراخهم ولو نزلوا الهاوية...

وينتظر صلواتهم ولو جاءت في الضيقة بعد نوم ثقيل...

يعمل بهم وفيهم ويثمر خدمتهم حتى لو بعد هروب ونوم!

ولما قام يونان من النوم اختبر حماية الله وحفظه في الحوت، ورحمته لشعب نينوي وشفقته على الكل!... هذه بركة اليقظة: «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أف5: 14)؛ "... فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ." (لو 9: 32).

تذكر... «هَذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ لاَ بِالْبَطَرِ والسُّكْرِ لاَ بِالْمَضَاجِعِ والْعَهَرِ لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ» (رو13: 11 - 14).

(3) الخادم والتعصب

"أَنَا عِبْرَانِيٌّ" (يون 1: 9).

المتعصب هو من يضع العصابة على عينيه فتتشوه رؤيته عن الصواب والتميي، وكانت عصابة يونان أنه "عبراني".. من شعب الله.. وبينما من المفترض أن يكون انتماؤه لشعب الله هو الدافع لمحبة وخدمة الكل ورغبته في خلاصهم؛ كانت عبرانيته هى العصابة التي جعلت البحارة في نظره وثنيين لم يجلس حتى معهم بل فضّل النوم في السفينة عن كرازتهم أو حتى الكلام معهم...

ونينوي في نظره تستحق الهلاك، ولا تستحق رحمة الله...

وهناك بعض الخدام – للأسف - من تصير خدمتهم "عصابة" تجعلهم يميلون لفئة على حساب فئة أخرى... ويفضلون خدمة على خدمة.... ويرون في أنفسهم الصفوة والأفضل لأنهم بحسب تعبير يونان "أَنَا عِبْرَانِيٌّ"، وبتعبير الخدمة "أنا الخادم المسؤل"!

لكن سلطة الخدمة هى سلطة المحبة، وصفة الخادم هى صفة ذا القلب المتسع للكل "قَلْبُنَا مُتَّسِعٌ" (2كو6: 11).

لو كان يونان أكمل في طريق التعصب وذهب إلى ترشيش بدل من نينوي، لكان مصيره الهلاك... لأن التعصب طريق الظلمة ونهايته ظلمة!

الخادم لو له جماعة مُختارة، وقلبه مغلق تجاه فئة معينة، لو تعصب لخدمته وكنيسته ورفض الآخر والآخر المختلف... فأن مصيره مهدد.

أن خلاص الخادم مرتبط بخلاص الآخر، وكل تعصب هو علامة أننا لازلنا لم نعرف الله المحبة الذي يحب الكل بلا تمييز!

تذكر... إن الذين تعصب يونان ضدهم، تابوا أسرع منه، ونالوا تطويب ربنا يسوع.... فلماذا تتعصب!!

(4) الخادم والصرامة دون الرحمة

"أَفَلاَ أَشْفَقُ أَنَا" (يون4: 11).

نادى يونان بدينونة آتية وبأن غضب الله ورجزه سيحل على نينوى بعد أربعين يومًا، ولعل ذلك من فكرة سابقة أن هذا الشعب قاسي سيقابل مناداته بالتمرد واللامبالاة... وأخفى جانب الرحمة الإلهية من حساباته وأخفاها في مناداته.

لم يكن له قلب بولس الذي مزج لطف الله بصرامته: "فَهُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُهُ: أَمَّا الصَّرَامَةُ فَعَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا، وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ، إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ، وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضًا سَتُقْطَعُ" (رو11: 22).

لم يُظهِر "أَحْشَاءٌ وَرَأْفَةٌ" (في2: 1)، لشعب "لا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ" (يون4: 11).

لم يكرز بإله "لا يُسر بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا" (حز22: 11).

لم يُظهر طول أناة الله وإمهاله لعلها تنشئ توبة، ويعبدوا الله بحب بدل من رهبة الدينونة!

هو في ضعف الخادم الذي يجلجل المنابر بوعيد الله وعقوبات الجحيم والنار الأبدية التي لا تُطفأ والدود الذي لا يموت، يتمسك بالعدل والقضاء ويغفل الشفقة والرحمة!

بينما ربنا يسوع كرز بالملكوت والتطوبيات، كما بالويلات والتحذيرات، لأن الصرامة بدون لطف تؤدي إلى قساوة، واللطف بدون صرامة يؤدي إلى التهاون!

لقد كان الفريسيين يكرزون بصرامة الناموس وحرفيته، حتى أنهم رأوا المسيح معطى الناموس «هذَا الإِنْسَانُ لَيْسَ مِنَ اللهِ، لأَنَّهُ لاَ يَحْفَظُ السَّبْتَ» (يو9: 16)، ولم يكرزون بروح الناموس الّذي وُضع من أجل الإنسان! هؤلاء الخدام الذين لا يوازون الرحمة مع العدل واللطف مع الصرامة هم العميان... بينما الأعمى وأهل نينوى نالوا الخلاص بالنور!

وفي المجمع أعترضوا على شفاء المرآة المنحنية أن الشفاء لَيْسَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ! (لو13: 14).

بينما ربنا يسوع "وَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ" (لو13: 13) وشفاها...

فالخادم الذي ينادي بالصرامة يعترض على المحبة والتسامح باسم النظام، بينما الخادم الذي ينادي بالرحمة يضع يده على المرض ليستره ويعالجه فيشفيه!

تذكر... أن الخادم مثل الراعي الصالح يستخدم كل الأدوية المؤدية إلى الحياة، ولا يغلب الصرامة على الرحمة، والنظام على الإنسان، والقانون على الحب!

صوم يونان 2021م.