خمستلاف حمد الله على السلامة – الدكتور إبراهيم ساويرس

كارت التعريف بالمقال

تحميل المقال

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل المقال
1MB

خمستلاف حمد الله على السلامة.

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -.

- في أبريل عام 2018، سافرت على عجل بصحبة صديقي العزيز الدكتور عاطف نجيب Atif Naguib (مدير عام المتحف القبطي آنذاك) في مهمة عمل إلى واشنطن لفحص مجموعة من البرديات والمخطوطات (الرقوق) اليونانية والقبطية المحفوظة (بمخازن) متحف الكتاب المقدس في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن. كانت هذه السفرية بناء على طلب إدارة متحف الكتاب المقدس ممثلة في د. جيف كلوها، نائب مدير المتحف. تم تسهيل كل عقبات السفر، وحصلنا على الموافقات اللازمة من وزارة الآثار في حالة الدكتور عاطف، وجامعة سوهاج في حالتي.

- متحف الكتاب المقدس، لمن لا يعرفه، هو متحف نوعي متخصص في كل ما يتعلق بالكتاب المقدس، من نصوص ومخطوطات وآثار عن الشعوب المذكورة في الكتاب المقدس بعهديه. وفي رأيي أنه متحف رائع جدًا في عروضه، خاصة أنه يضم آثار من عصور مغرقة في القديم حتى طبعات للكتاب المقدس من العام الماضي في تناسق وسيمفونية مذهلة. هو أكثر متاحف العالم تطورًا تقنيا كما يصفونه، وقد كتبت عن ذلك في حينه، كما أنني أستخدمه في تدريس مادة المتاحف في جامعة سوهاج، وهو متحف بحسب القوانين الأمريكية له مجلس إدارة من شخصيات عامة مهمة ومؤثرة، وله ممولين من أكابر رجال الأعمال العالميين. في 2018 كان أحد أعضاء مجلس أمنائه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. على أية حال هذا هو موقع المتحف لمن أراد المزيد.

https://www.museumofthebible.org/.

- في واشنطن تم استقبالنا جيدًا، وكانت أيام عمل صعبة جدًا، لقاء صباحي باكر جدًا مع إدارة المتحف، ثم العمل بمخازن المتحف وغرفه الإدارية حتى موعد الغداء، ثم يتاح لنا زيارة أحد أجنحة المتحف، ثم لقاء عمل مسائي مع إدارة المتحف على العشاء. كانت أيام مزدحمة جدًا، منذ الاستيقاظ في السادسة صباحًا، حتى العودة في حوالي العاشرة مساءًا إلى الفندق، ومن ثم مراجعة بعض المراجع المتخصصة في المخطوطات (في حالتي) حتى حوالي الثالثة فجرًا، يضاف لذلك فرق التوقيت، وقلة النوم، وأننا عملنا حتى في الويك إند، وكان يُفتح لنا خصيصًا المدخل الجانبي للمتحف المخصص للعاملين فقط، ويفتح لنا مطعم المتحف الجميل لتناول وجباتنا على التوقيات المصرية.

- عندما وصلنا تم سريعًأ تكوين فريق عمل مصري أمريكي، يمثل الدكتور عاطف وأنا جانبه المصري، ويمثل الجانب الأمريكي العالم الكبير مايك هولمز، احد أهم أساتذة النقد النصي، والتلميذ المباشر لبروس ميتزجر العلامة الأشهر. وكان مقيم معنا بواشنطن. كما ضم الجانب الأمريكي عالمين آخرين كانا من حين لآخر تجمعنا بهم جلسات مناقشة عبر سكايب لأنهما يسكنان في ولاية بعيدة.

- هناك فوجئنا أن المتحف لا يمتلك فقط بردي يوناني وقبطي، بل يمتلك بردي هيراطيقي وديموطيقي، وليس من حصر لشيء، بل هناك أرشيف صور ضخم أتاحوه لنا، وقد كان الأمر برمته يحتاج لوقت طويل جدا. ومع اكتساب الثقة المتبادلة وبعض الاكتشافات الصغيرة في الأرشيف التي أتممناها عند العمل على القطع مباشرة، كشفت لنا إدارة المتحف أن هناك مئات القطع المصرية الأخرى التي لم تعرض بالمتحف أصلا، وليس لها علاقة بتخصصنا وهو الدراسات القبطية، ضمن هذه القطع عشرات من قطع التوابيت والبورتريهات والكرتوناج وغيرها الكثير نوعًا وكمًا.

- كان الأمر يشبه (لوت) من الآثار اقتناه المتحف، وخزّنه، ولم يعرضه، وكان عملنا يتناول شقين بحث وسائل عودة هذه القطع لمصر، وإدراك مدى أهميتها أثريا وعلميا. أتاحت لنا إدارة المتحف الاطلاع على صور كل شيء، والعمل الفعلي على البردي، ومن ثم نزلنا إلى مخازن المتحف السرية والمؤمنة، وطالعنا هذا الكنز المهول، وتم تخصيص غرفتي مكتب لنا لفحص القطع التي تهمنا بالأكثر. انتهت مناقشاتنا الطويلة والصعبة والمملوءة بالكر والفر واللف والدوران باقناع إدارة المتحف أن لا مفر من عودة هذه القطع لمصر بصورة طيبة تحافظ على العلاقات العميقة بين الولايات المتحدة ومصر، وبصورة تضمن رضا الطرفين. كانت إدارة المتحف تبحث عن مكسب ما، مثلًا حق عرض القطع لفترة ما، وفتح باب التعاون مع وزارة الآثار المصرية في مجالات أوسع.

- انتهت مدة اقامتنا في واشنطن بكسب ثقة إدارة المتحف، حتى أنهم قدمونا لمجلس الإدارة الذي يضم أسماء شهيرة وكبيرة جدًا في عالم البزنس بالولايات المتحدة، وقدموا لنا الشكر الرسمي على موقع المتحف، ثم عاد الدكتور عاطف إلى مصر، وقدم تقرير مفصل عما جرى لوزارة الآثار، وسافرت انا إلى نيويورك لفحص مخطوطة من مكتبة بييربونت مورجان. بعد العودة إلى مصر، انشغلت أنا في مشروعات نشر متنوعة، وغادر الدكتور عاطف العمل الحكومي بسبب وصوله السن القانونية، وتم رفع الأمر للجهات المعنية، وزارتي الآثار والخارجية، اللتين نخلع لهما القبعة على ما بذلوه من مجهود فريد، انتهى هذا الأسبوع بحصول مصر على الخمسة آلاف قطعة بالكامل، وهناك أجهزة وشخوص وإدارات كبيرة في هذا الوطن عملت بجد وجهد وكفاءة لا مثيل لها حتى عاد هذا الكنز الضخم لمصر هذا الأسبوع، وقد أحسنت وزارة الآثار جدًا بإيداعه المتحف القبطي. الشكر لهم جميعًا على المجهودات الكبيرة التي بذلوها.

https://tinyurl.com/yynaz4yb.

- لماذا يعد ذلك كنزًا كبيرا ومكسب ضخم لمصر.

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -.

- بحكم أنني الآن في سفر وبعيد عن مكتبي، وملاحظاتي المدونة على هذه القطع الثمينة ليست في حوزتي الآن، أحب أن أوضح أن مايلي كله من ذاكرتي، إلى أن أعود للكتابة التفصيلية عن الموضوع:

- مجموعة البرديات الدميوطيقية والهيراطيقية كلها من نوعيات معتادة، تعود للعصر المتأخر، أغلب ما شاهدناه يضم نصوص دينية معتادة، أتذكر أن أحدها ربما يعود لعصر الملك أوسركون. والبرديات المصرية ليست كثيرة عددًا، وفي أغلبها شذرات مقطوعة من لفائف بردي طويلة.

- المجموعة اليونانية كثيرة العدد، وتضم شذرات متنوعة الأحجام على بردي مبكر، أظن القرن الرابع وماقبله، بعضها يضم أجزاء من الأناجيل ورسائل القديس بولس، وليس فيها نص واحد مكتمل أو شبه مكتمل. بعضها من ناحية الباليوجرافي مبكر جدا. أغلب الظن أن هذه المجموعة جاءت من مصر الوسطى، غير بعيدة في الشكل والمحتوى عن بردي أوكسيرنيكوس.

- المجموعة القبطية مهمة وشديدة التنوع، تعرفت (شخصيًا) على نسخة شبه كاملة من مزمور 111 بالصعيدية على بردي، ربما من القرن الرابع، أو أنه مبكر عما هو متاح ومنشور، هناك شذرات بردية صغيرة جدا، شذرات كتابية يصعب التعرف على محتواها النصي لكنها تعود إلى فترة مبكرة، وتنتمي للصعيد، واليد التي كتبتها تشبه اليد التي كتبت بعض الشذرات المحفوظة في المكتبة البريطانية بلندن، وقد تم تأريخ بعضها بحوالي القرن الخامس.

- هناك قطع مختلفة من نصوص أدبية، على الرق، لم نتمكن من التعرف على محتواها لضيق الوقت وعدم توافر مكتبة متخصصة بالمتحف، لكنها تعود لفترة الزهو القبطية من القرن الثامن للعاشر، وهناك شذرات من نصوص ورسوم سحرية معتادة، ومنشور مثلها الكثير. النصوص القبط عربية كلها كتب مقدسة وكتب ليتورجيات متأخرة جدًا ما بعد القرن السادس عشر، بعضها صنعته جيدة جدًا وكامل وعلى ما أذكر جاء من كنيسة غير شهيرة من قرية جنوبي سوهاج. المجموعة العربية بها ميامر ونصوص ليتورجيات غير مكتملة ومتأخرة جدًا، وأيضا من الصعيد.

- القطع الأخرى كلها من العصر البطلمي وما بعده، فيما أتذكر، وهذا ليس مجالي بطبيعة الحال، ولكن بصورة عامة البرديات القبطية واليونانية المبكرة هو إضافة مهمة جدًا لمخزون المتحف القبطي من مخطوطات، وهذا النوع من المخطوطات وهو منتج مصري مهم وبالآلاف ولكن أغلبه تمتلكه مكتبات ومتاحف خارج مصر. اظن ان هذه المخطوطات قد عولجت من ناحية الترميم بالمتحف، ولكنها تحتاج لتدخل ربما هامشي للمرممين المصريين الأكفاء، ومن ثم اتاحتها للعرض والدراسة والنشر. وهي إضافة حقيقية لمخزون التراث المصري العريض.

- الدكتور عاطف وأنا أسعد ناس على سطح البسيطة بعودة هذه المخطوطات لموطنها الأصلي، فبعد أن أمسكناها وشممنا رائحة الزمن فيها في برد واشنطن، الآن هي في الحفظ والصون تحت شمس مصر المشرقة أبدا، ولن نحتاج للطيران مدة 18 ساعة لرؤيتها. وندرك جيدًا المجهود الكبير للجنود المجهولين خلف عودة هذا الكنز. شكرا لكل من ساهم في هذا العمل الجبار، ألف مبروك لمصر، وخمستلاف حمد الله على السلامة.

خمستلاف حمد الله على السلامة - الدكتور إبراهيم ساويرس 1
خمستلاف حمد الله على السلامة - الدكتور إبراهيم ساويرس 2
خمستلاف حمد الله على السلامة - الدكتور إبراهيم ساويرس 3
خمستلاف حمد الله على السلامة - الدكتور إبراهيم ساويرس 4
خمستلاف حمد الله على السلامة - الدكتور إبراهيم ساويرس 5
خمستلاف حمد الله على السلامة - الدكتور إبراهيم ساويرس 6
خمستلاف حمد الله على السلامة - الدكتور إبراهيم ساويرس 7
خمستلاف حمد الله على السلامة - الدكتور إبراهيم ساويرس 8
.