5ـ لتكن مشئيتك 23 03 2011 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

عظات مكتوبة لقداسة البابا شنودة الثالث – التاريخ: عظة يوم الأربعاء الموافق 23/3/2011 بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة

في وسط هذا العالم المضطرب، والذي فيه كل واحد لا يعلم ماذا سيحدث غدًا، أحب أن أكلمكم عن عبارة وردت في الصلاة الربانية تقول: “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”.

نؤمن بمشيئة الله الصالحة:

فنحن نقول في الصلاة الربانية: “أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ” (إنجيل متى 6: 9). نحن يا رب لا نعلم ماذا يأتي به الغد، وأنت قلت لنا “لا تهتموا بما للغد” ونص الآية “فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ” (إنجيل متى 6: 34). ولكننا نعرف تمامًا أن الغد هو في يدك أنت، وليس في أيدي الناس، والناس أيضا في يدك، وأنت يا رب ضابط الكل. كل شيء في العالم تحت ضبطك. فأنت تعمل كنترول على كل شيء في الدنيا، ونحن نثق بمشيئتك لأن مشيئة الله دائمًا هي مشيئة صالحة، ومشيئة حكيمة، ومشيئة مملوءة محبة، وفيها رعاية وعناية. لذلك في كل شيء نقول لربنا “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”.

مشيئة الله الصالحة في الخلق:

أول مشيئة من الله بالنسبة لنا كانت مشيئة الخلق، حيث خلق الله العالم كله بمشيئته. قال: ليكن نور، فكان نور. “وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ” (سفر التكوين 1: 3).

+ قال: لتفض المياه كائنات حية، فكان كذلك ونص الآية: “وَقَالَ اللهُ: «لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ” (سفر التكوين 1: 20).

+ وبعد أن أكمل الرب مشيئته في الخلق، نظر الله إلى كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا، ونص الآية: “وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا” (سفر التكوين 1: 31).

مشيئة الله الصالحة في الغفران:

مشيئة الله أيضًا بالنسبة لنا هي مشيئة الغفران. “لأنه لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع و يحيا”.

أنا أريد أن أكلمكم على موضوع الغفران هذا في وقت آخر.

مشيئة الله الصالحة في الحفظ:

مشيئة الله في الحفظ شيء يطمئن جدا، وأنا أتذكر أني أعطيتكم مرة محاضرة كامله عن الحفظ. الله يحفظك في دخولك وخروجك. الله يحفظك من كل سوء ويحفظ نفسك. ونص الآيات: “الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ” (سفر المزامير 121: 8).

وهناك في الكتاب المقدس أمثله كثيرة لمشيئة الله الصالحة التي تحفظ البشر:

مشيئة الرب الصالحة حفظت يعقوب من عيسو:

يعقوب كان هاربا من أخيه عيسو، الذي قال: أقوم واقتل أخي يعقوب، ونص الآية هو: “فَحَقَدَ عِيسُو عَلَى يَعْقُوبَ مِنْ أَجْلِ الْبَرَكَةِ الَّتِي بَارَكَهُ بِهَا أَبُوهُ. وَقَالَ عِيسُو فِي قَلْبِهِ: «قَرُبَتْ أَيَّامُ مَنَاحَةِ أَبِي، فَأَقْتُلُ يَعْقُوبَ أَخِي»” (سفر التكوين 27: 41).

ثم ظهر الرب ليعقوب في الطريق وقال له: “وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ” (سفر التكوين 28: 15). هذه العبارة جميله ممكن كل إنسان يأخذها على نفسه، فالله لا يقول هذه الكلمة ليعقوب فقط كمعامله خاصة به، لا بل هذه الكلمة لنا جميعا.

مشيئة الرب الصالحة حفظت يشوع:

أيضًا قال الله ليشوع كلمات عن الحفظ أكثر من ذلك، فقد قال له: “لاَ يَقِفُ إنسان فِي وَجْهِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ. لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ” (سفر يشوع 1: 5).

مشيئة الرب الصالحة حفظت بولس الرسول:

وأيضا قال الرب في هذا المجال لبولس الرسول عندما كان في كورنثوس: “«لاَ تَخَفْ، بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ” (سفر أعمال الرسل 18: 9،10).

كل هذه أشياء جميله.

مشيئة الرب الصالحة أنقذت بطرس من السجن:

ربنا كان موجود وسمح أن يلقى بطرس في السجن. ثم خرج بطرس من السجن بمعجزة، وتساءل الناس: أليس هذا بطرس؟! نعم هو بطرس. أليس هو الآن ملقى في السجن؟! نعم في السجن. أذن كيف يكون في المجمع؟!

الذي يحل هذه المشكلة أنه يوجد نقطة لم يذكرها القديس لوقا الإنجيلي عندما كتب سفر أعمال الرسل وتركنا نحن نستنتجها، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وهذه النقطة هي أن بطرس لما ألقى في السجن كان موجود معه في السجن مشيئة الله الصالحة، وموجود معه النعمة وهو موجود في السجن. ثم قالت له مشيئة الله: أخرج يا بطرس وتراءى للناس في المجمع.

نحن أيضا لابد أن نعرف هذه الحكاية: أي إنسان حتى لو ألقى في السجن سيكون معه في السجن مشيئة الله الصالحة.

مشيئة الرب الصالحة حفظت التلاميذ في السفينة:

بقية تلاميذ المسيح كانوا موجودين في السفينة في وسط البحر الهائج و الأمواج ترتفع عليهم، وكانوا خائفين لئلا يضيعوا. لكن نسوا آية مشهورة هي: “الله يدوس على كبرياء البحر عند ارتفاع لججه هو يسكتها” – ونص الآية “أَنْتَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى كِبْرِيَاءِ الْبَحْرِ. عِنْدَ ارْتِفَاعِ لُجَجِهِ أَنْتَ تُسَكِّنُهَا” (سفر المزامير 89: 9). وجاء إليهم الرب وأخضع الأمواج وقال للبحر المتكبر أسكت، فسكت. ونجا التلاميذ. كل هذه الأشياء كتبت من أجل طمأنتنا حتى لا نخاف أبدًا.

مشيئة الله الصالحة تعمل منذ البدء:

كل شيء صدقوني وراءه مشيئة الله الصالحة منذ البدء، أي منذ أن طرد الرب آدم وحواء من الجنة. فمشيئة الله الصالحة كانت خلف هذا، لأن لولا طرد آدم وحواء من الجنة ما كان وجودنا نحن، وما اجتمعنا الآن، لأنه لم يكن من الممكن حدوث إنجاب في الجنة، وقد تكون العالم الحاضر بخروج آدم وحواء من الجنة، فكانت بركة.

مشيئة الرب الصالحة استخدمت خيانة يهوذا في فداء البشرية:

حتى خيانة يهوذا كان من نتائجها القبض على يسوع والفداء.

مشيئة الرب الصالحة حفظتنا من أفكار الهراطقة:

حتى الهراطقة فمثلًا آريوس عندما هرطق، كان من مشيئة الله الصالحة أنها تكلمت في قلب وعقل أثناسيوس الرسولي. فكتب كتابه المشهور Contra Arianos (أي ضد الأفكار الأريوسية)، ووقف في مجمع نيقية ورد على كل فهم خاطئ لكل آية، وأصبح عندنا كنز من المفاهيم السليمة التي لولا هذا الذي حدث في القديم لتعبنا منها حاليًا. كل شيء فهم خطأ شرح لنا معناه. حتى أن القديس أوغسطينوس قال ذات مرة: “أشكر الهراطقة لأنهم لما أساءوا فهم الكتاب، جعلونا نتعمق في الكتاب أكثر فأكثر لكي نفهم الوضع المضبوط”.

المهم أن كل مشكله نعمة الله تغطى المشكلة و نخرج منها بنتيجة لطيفة.

+ مشيئة الرب الصالحة تنقذنا من الاعتداءات:

تقول لي وما هو رأيك في الاعتداءات؟ فأقول لك: اعتداءات إيه؟! لا قيمة لهذه الاعتداءات فما أجمل قول المزمور: “نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين الفخ انكسر ونحن نجونا” ونص الآية: “انْفَلَتَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ، الْفَخُّ انْكَسَرَ، وَنَحْنُ انْفَلَتْنَا” (سفر المزامير 124: 7). ونلاحظ هنا أنا الآية لا تتكلم على صيادًا واحدًا، بل تتكلم عن صيادين كثيرين، بينما العصفور كائن صغير وضعيف.

كيف حدث هذا، بمشيئة الله الصالحة، لذلك إذا وجدنا فخ نقول للرب، “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”.

+ مشيئة الرب الصالحة حفظت داود:

داود وقع تحت اضطهادات شاول، فقد طارده شاول من مدينة إلى مدينة، ومن جبل إلى جبل، ولكن مشيئة الله الصالحة أخضعت شاول كما أخضعت أبشالوم. كما أن مشيئة الله الصالحة استطاعت أن تخضع مشورة أخيتوفل. لذلك يقول داود يقول في المزمور الثاني: “قامت ملوك الأرض، وتآمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه قائلين: لنقطع أغلالهم ونطرح عنا نيرهم”. ولكن مشيئة الله ماذا تقول؟ “الساكن في السموات يضحك بهم”. ونص الآيات: “قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: «لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا». اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ” (سفر المزامير 2: 2-4)

مشيئة الرب الصالحة كانت ترعى يعقوب حتى من قبل ولادته:

عندما نتأمل في حياة أبينا يعقوب نرى كيف أن مشيئة الله تعمل، منذ أن كانت أمة حبلى به وقبل أن يولد. الرب قال لها: “فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ: شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ” (سفر التكوين 25: 23). أي قبل أن يولد يعقوب أخذ وعد أن الكبير يستعبد له. وفعلًا قرءنا في رومية أصحاح 9 أن يعقوب وعيسو قبل أن يولدا وقبل أن يفعلا شرًا، قال الرب: “أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ” (رساله بولس الرسول إلى أهل رومية 9: 13). فربنا أحبة قبل أن يولد ثم استمر معه.

أيضا يعقوب أحب راحيل وقد كانت جميله، فذهب إلى أبيها (خاله) وقال له: أنا أريد أن أتزوج راحيل، فوافق بشرط أن يعمل سبعة سنوات بها. وجاء يوم الفرح – لم يكن هناك كهرباء مثل هذه الأيام – وعندما دخل على البنت التي سيتزوجها، وجدها ليئة وليست راحيل، ليئة الضعيفة العينيين، التي ليست في حلاوة راحيل أبدًا.

مشيئة الله الصالحة قالت له: لا تستهن بليئة، فليئة هي التي ستلد لك كل الأولاد الممتازين في العالم كله. ليئه هي التي ستلد لك يهوذا، الذي سيكون سبط الملوك ومنه يأتي المسيح. من ليئة وليس من راحيل. وليئه هي التي ستلد لك لاوي، الذي هو سبط الكهنوت ومنه يأتي هارون وأولاد هارون. وليئه هي التي ستلد لك ستة أولاد على بعض.

أنت يا حبيبي لا تعرف ما هو الخير لك. الخير لك سيكون في ليئة، وراحيل ستظل فترة طويله لا تنجب. لدرجة أن في أحد المرات قالت راحيل ليعقوب أعطني أولاد وألا أموت. فانتهرها – ولأول مرة يفعل يعقوب هذا – قائلًا: هل أنا مكان الله؟ ونص الآية: “أَلَعَلِّي مَكَانَ اللهِ الَّذِي مَنَعَ عَنْكِ ثَمْرَةَ الْبَطْنِ؟” (سفر التكوين 30: 2).

نحن لا نعرف مشيئة الله، قد تأتي مشيئة الله من ليئة وليست من راحيل. نحن ننظر إلى الله باستمرار ونقول له: “يا رب لا تكن مشيئتي بل لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ. أنت تعرف الخير لي أكثر مما أعرف الخير لنفسي، المر الذي يختاره الرب لي خير من الشهد الذي أختاره لنفسي. هذه هي الطريقة التي نتمسك بها بمشيئة الله.

نحن تكلمنا على ربنا وكيف يعمل مشيئة صالحة، وأريد أن أكلمكم عن موقفنا نحن من مشيئة الله.

1- أبونا إبراهيم وتمسكه بكلمة “لتكن مشيئتك”:

قال الرب لإبراهيم: “اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ” (سفر التكوين 12: 1). وذهب أبينا إبراهيم وهو لا يعلم إلى أين يذهب. والرب أرشده في الطريق إلى بيت إيل. قال للرب لتكن مشيئتك وخرج فعلًا.

في المرة الثانية طلب منه الرب طلب أصعب حيث قال له: “خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ” (سفر التكوين 22: 2).

أبني، وحيدي، حبيبي الذي تحبه نفسي، أقدمه بنفسي محرقة؟! هذا يا رب شيء صعب. ومع ذلك يا رب. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ.

ويقول الكتاب المقدس: “فَبَكَّرَ إبراهيم صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبًا لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ. 4وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إبراهيم عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ الْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ، فَقَالَ إبراهيم لِغُلاَمَيْهِ: «اجْلِسَا أَنْتُمَا ههُنَا مَعَ الْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجعُ إليكما»”(سفر التكوين 22: 3-5).

وكلمة نرجع إليكما تدل على إيمان إبراهيم. لأنه يعلم أنه سيقدم ابنه محرقة فكيف يقول سنرجع؟! وفي الساعة الحرجة قال الرب لإبراهيم: “أرفع يدك عن الغلام، ولا تفعل به شرًا”. ونص الآيات: “ثُمَّ مَدَّ إبراهيم يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «إبراهيم! إبراهيم!». فَقَالَ: «هأَنَذَا» فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي” (سفر التكوين 22: 10-12).

أي الرب يقول له: أنا لما رأيت نقاوة قلبك، ولما رأيت طاعتك، ولما رأيتك تقول لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ حتى في ذبح ابنك، بالنسل أكثر نسلك، فإن استطاعوا أن يحصوا نجوم السماء يستطيعون أن يحصوا أولادك. ونص الآيات بالكتاب المقدس: “وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إبراهيم ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي»”( سفر التكوين 22: 15-18).

هذه كلمة “لتكن مشيئتك” عندما نقولها ويتدخل الربَ.

2- يوسف الصديق وتمسكه بكلمة “لتكن مشيئتك”:

مثال آخر يوسف الصديق. يوسف الصديق كان ابنًا محبوبًا جدًا جدًا، وقد ظهر له الله في رؤى وأشياء، وأعطاه أبية قميص ملون (حاجة آخر تمام). ثم ماذا حدث معه؟

أخذه إخوته وألقوه في البئر، وباعوه كعبد في بيت فوطيفار. فبذل كل جهده في الإخلاص إلى أن أنجح الرب كل شيء على يديه، ثم تعرض إلى مؤامرة من امرأة أقل ما يقال عنها أنها امرأة شريرة. وسببت له إشكالات وألقى في السجن، كل هذا ويوسف ساكت ويطيع الرب قائلًا: ” لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”.

ويقول الرب ليوسف: “شوف يا يوسف، أنا سأقول لك الحقيقة في هذه المشيئة الصالحة، أنا أريدك أن تكون رئيس أرض مصر كلها، والمتصرف فيها، وأب روحي لفرعون. لكن سأجعلك تصل إلى ذلك بأن تلقى في السجن، وفى السجن تقابل أثنين من خدام فرعون وتفسر لهم الأحلام، ثم تتحقق الأحلام، وعندما يحلم فرعون حلم ولا يستطيع أحد تفسيره حتى بعد أن لجأ بكل الحكماء والعرافين وغيره وغيره. ثم واحد من الذين أنت فسرت لهم الحلم وكنت معه في السجن، يقول أنا أعرف واحد كان معنا في السجن ويحضرك إلى فرعون.

إذًا دخولك السجن كان جزء من مشيئة الله الصالحة، لان هذه الطريقة هي التي وصلتك لفرعون وأصبحت ثاني واحد في المملكة.

لكن لكي تصل للسجن، أنا سأسمح بأن تتهمك هذه المرأة الفاجرة بتهمة باطله، ولكي تفكر فيك هذه المرأة بهذا الشكل، جعلتك شاب جميل ولطيف وأفضل من زوجها. ولكي تدخل هذا المكان، تباع كعبد في بيت فوطيفار المتزوج من هذه المرأة. هكذا عملت مشيئة الله الصالحة مع يوسف حتى وصل إلى قصر فرعون.

ولو لم يتعرض يوسف لكل هذه المشاكل، كان سيظل راعيًا للغنم في البرية. فقط لا غير، وتنتهي حياته كراعي غنم.

مشيئة الله الصالحة تعمل الخير بطرق متنوعة. الله يستخدم كل طريق لكي يصل إليك الخير.

وهكذا حدث مع يوسف، لأن يوسف كان يقول باستمرار “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”. وأكثر من يوسف العذراء مريم.

3- العذراء مريم أكثر من تمسك بكلمة “لتكن مشيئتك”:

العذراء مريم كان نفسها أن تظل في الهيكل باستمرار، لكن جاء الوقت الذي لزم فيه أن تخرج من الهيكل، فقالت: “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ” وخرجت من الهيكل. وكانت تريد أن تعيش بتول باستمرار. وفعلًا عاشت بتول، ولكن جاءها الملاك قائلًا: “سيكون لك ابن!”. قالت له: “كيف وأنا لست أعرف رجلًا.” فأجابها بأن الروح القدس سيحل عليها. فقالت: “ليكن لي كقولك”.

ونص الآيات: “وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ:«سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ:«مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ!» فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ» فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ (سفر التكوين 22: 15-38).

أي تمسكت العذراء مريم بكلمة “لتكن مشيئتك”.

4- أليصابات أيضًا تمسكت بكلمة “لتكن مشيئتك”:

أليصابات كانت تحب أن يكون لها ابن، وظلت عاقرًا إلى أن صارت عجوز وصارت عارًا وسط أهلها. ولكن الرب يقول لها: لا تحزني فإرادتي الصالحة هي التي جعلتني أتأخر عليك، فهذا حتى يكون ميلاد ابنك معاصرًا لميلاد السيد المسيح. ويكون ابنك هو الملاك الذي يهيئ الطريق قدام السيد المسيح، ويصبح ابنك أعظم من ولدته النساء. ونص الآيات: “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي، الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً»” (إنجيل مرقس 1: 2). صحيح يا رب “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”.

أما يونان فقد خالف مشيئة الرب:

أما الذي يخالف مشيئة الله على طول مثل يونان النبي فينتهي أمره إلى بطن الحوت، وظل يونان في بطن الحوت إلى أن ألقاه الحوت خارجا لكي يذهب وينفذ مشيئة الله.

الطبيعة تنفذ مشيئة الله بكل دقة:

والعجيب أنه في الوقت الذي كان فيه يونان لا ينفذ مشيئة الله، كانت كل الطبيعة تنفذ مشيئة الله.

1- الحوت:

فالله يقول للحوت: تعالى يا حوت خذ يونان، فيطيع “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”.

ثم، طلعه بره، فيطيع”لتكن مشيئتك”.

لا تأكل يونان، فيطيع “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”.

ونص الآيات: “وَأَمَّا الرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ” ( سفر يونان 1: 17)، “وَأَمَرَ الرَّبُّ الْحُوتَ فَقَذَفَ يُونَانَ إِلَى الْبَرِّ” (سفر يونان 2: 10).

2- اليقطينة:

“فَأَعَدَّ الرَّبُّ الإِلهُ يَقْطِينَةً فَارْتَفَعَتْ فَوْقَ يُونَانَ لِتَكُونَ ظِلاُ عَلَى رَأْسِهِ، لِكَيْ يُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. فَفَرِحَ يُونَانُ مِنْ أَجْلِ الْيَقْطِينَةِ فَرَحًا عَظِيمًا” (يو6:4).

3- الشمس:

تعالي أيتها الشمس واخبطي اليقطينة فتحترق.. فتطيع”لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”.

الطبيعة تنفذ مشيئة الله باستمرار. الوحيد اللي مخه ناشف هو الإنسان. ولكن ليس كل إنسان، فالإنسان القديس ينفذ مشيئة الله.

الملائكة تنفذ مشيئة الله:

وأكثر من الإنسان القديس هناك الملائكة الذين ينفذون مشيئة الله بلا تأخير، أو إبطاء، أو مناقشة، أو فحص. الكتاب المقدس يقول عن الملائكة: “الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ” (سفر المزامير 103: 20).

الملاك لا ينفذ فقط الأشياء اللطيفة مثل تبشير الناس بالخير، فهذه الأشياء محبوبة من الكل، بل ينفذ أوامر الله الصعبة مثل: “تذهب وتقتل جميع الأبكار من ابن فرعون إلى ابن الجارية التي على الرحى” فيطيع الملاك قائلًا: حاضر يا مولاي “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”، نقتلهم.

أو: “تذهب وتضرب جيش سنحاريب مائة وخمس وثمانين ألف” فيطيع قائلًا: حاضر، “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”. لا يناقش.

أو: “تذهب تبشر بالخير” فيطيع أيضًا، “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”.

تدريب:

هذا هو أسلوب الملائكة. فإن كنتم تريدون أن تعيشوا كالملائكة تقولون للرب: “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ”. ولا تفعلوا مثل امرأة أيوب التي قال لها أيوب: تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات.

6ـ قوة الله - الله القادر على كل شئ 30 03 2011 - عظات يوم الأربعاء فيديو - البابا شنودة الثالث

4ـ الرجاء 23 02 2011 - عظات يوم الأربعاء فيديو - البابا شنودة الثالث

عظات يوم الأربعاء - 2011 - البابا شنودة الثالث
عظات يوم الأربعاء - 2011 - البابا شنودة الثالث