ما هي خبرات آباؤنا الأولين في الشرب من هذا الينبوع الذي أعلن عنه السيد المسيح حاسباً نفسه الينبوع الذي يروي العطاش؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, اللاهوت العقيدي, عقيدة, لاهوت الروح القدس
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ2 – العقائد المسيحية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ما هي خبرات آباؤنا الأولين في الشرب من هذا الينبوع الذي أعلن عنه السيد المسيح حاسباً نفسه الينبوع الذي يروي العطاش؟

أولاً: يشار إلى الرب أنه نهر يفيض بنعمته ليروي ظمأ بني البشر، إذ يقول المرتل: يروون من دسم بيتك ومن نهر نعمك تسقيهم. لأن عندك ينبوع الحياة بنورك نرى نوراً "(مز36: 8 - 9) يفيض على الأمم بالسلام والمجد (إش66: 12LXX). من يؤمن بى ويقبلنى بكونى المسيا الذى تنبأت عنه الأسفار المقدسة، فإنه يسكن فى قلبه أو فى أحشائه الروح القدس الذى يفيض حياة. يصير ينبوعاً يفيض بثمار الروح من حب وفرح وسلام وحرية واستنارة. وقد أعتاد اليهود ان يشبهوا عمل الروح القدس بالمطر المبكر والمتأخر والينابيع والآبار والأنهار الخ (مز36: 8 - 9؛ إش44: 3 - 4؛ يوئيل2: 23). بقوله" إن عطش "يعني من يشعر بفقره إلى البرّ أو احتياجه إلى البركات الروحية أو بالفراغ الداخلى." فليقبل إليّ ويشرب "، لا يقف بعد عند رئيس الكهنة ويُعجب بالإناء الذهبى الذى يسكب منه قليلاً من ماء بركة سلوام، ولا يذهب إلى الفلسفات الوثنية الكثيرة والمتضاربة التى لها جاذبية تخدع الإنسان، بل ليأتى إلى السيد المسيح كما قدمه لنا الكتاب المقدس بعهديه. يقول القديس كيرلس الكبير: [مجازاة الإيمان عظيمة وبلا نهاية، يقول من يؤمن ينعم بأغنى نعم الله، لأنه سيمتلئ بعطايا الروح، فلا يسمن ذهنه فقط، بل يصبح قادراً على أن يفيض على قلوب الآخرين، كتيار النهر المتدفق الذى يفيض بالخير المُعطى من الله على جاره أيضاً.] ويقول القديس أغطسينوس: [ما هو الينبوع، وما هو النهر الذى يفيض من بطن الإنسان الداخلى؟ الميل إلى عمل الخير، الذى به يراعي الإنسان الاهتمام بأخيه. فإن تصوّر أن ما يشربه يلزم أن يكون لشبعه هو وحده لن يكون فيض من المياه الحيّة من بطنه، لكنه إن أسرع إلى الاهتمام بصالح قريبه لا يكون جافاً بل كون فيه فيض[490].].

فى بيت الرب، الكنيسة، ينتعش المؤمنون الحقيقيون بخمر الحب الإلهي؛ يمتلئون فرحاً وبهجة، ويرتوون، فلا يعطشون بعد إلى ينابيع الشهوات الأرضية والملذات الزمنية ومباهج الحياة. يجدون فى المخلص سرّ فرحهم الحقيقى وبهجتهم وارتوائهم!

يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [الذين يشربون من غنى بيت الله ومجرى مسرته يرتوون، كما يخبرنا النبي (مز36: 8). بهذه الوسيلة سكر داود ولم يدر بنفسه؛ وإذ كان فى دهش عاين ذلك الجمال الإلهي الذى لا يقدر مائت على معاينته[491].].

ثانياً: يدعونا القديس جيروم أن نكون جادين فى الشرب من هذا الينبوع، إذ يقول: [إنه لا يقول: "يجب أن تشربوا... بل من كان راغباً وقادراً على الجري والشرب، فسيغلب ويرتوي[492].] ويقول الأب قيصريوس أسقف آرل: [ما هو هذا الينبوع إلا ربنا يسوع المسيح...؟! إنه الينبوع الصالح الذى يعطينا بروده بعد نيران هذه الحياة وحرارتها، وبفيضه يلطف جفاف قلوبنا[493].].

ثالثاً: يدعونا القديس أغسطينوس أن نتحرك نحو الينبوع بحبٍ: [إن كنا عطشى فلنأتي، لا بأقدامنا بل بعواطفنا. نأتى لا بالتحرك من موضعنا بل بالحب[494].].

رابعاً: يدعونا القديس كيرلس الكبير أن نشرب منه بفرحٍ: [على المرء أن يأخذ كل شيءٍ من داخل النهر أو الوادي وهو متهلل بذلك. يُقارن ربنا يسوع المسيح بنهرٍ، فيه نجد كل مسرة وتمتع فى الرجاء، وفيه نفرح فرحاً روحياً إلهياً.].

خامساً: يرى القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن نفس المؤمن أو روحه تشتهي أن تشرب من ينبوع عريسها السماوي أى من كلمات فمه بمسرةٍ وبلا توقفٍ، إذ يقول: [إن الروح بالرغم من اتحادها مع الله فهى لا تشعر بملء السعادة بطريقة مطلقة، بل كلما تمتعت بجماله يزداد اشتياقها إليه. إن كلمات العريس روح وحياة (يو5: 24)، وكل من التصق بالروح يصير روحاً. كل من التصق بالحياة ينتقل من الموت إلى الحياة كما قال الرب. وهكذا تشتاق الروح البكر دائماً للدنو من نبع الحياة الروحية. النبع هو فم العريس الذى تخرج منه كلمات الحياة الأبدية. إنه يملأ الفم الذى يقترب منه مثل داود النبى الذى اجتذب روحاً خلال فمه (مز118: 131). لما كان لزاماً على الشخص الذى يشرب من النبع أن يضع فمه على فم النبع، وحيث أن الرب ذاته هو النبع كما يقول: "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب" (يو7: 37)؛ لذلك فإن الأرواح العطشانة تشتهي إن تضع فمها على الفم الذى ينبع بالحياة، ويقول: "ليقبلنى بقبلات فمه" (نش1: 2). من يهب الجميع الحياة ويريد إن الجميع يخلصون يشتهى أن يتمتع كل واحدٍ بنصيب من هذه القبلات، لأنها تطَّهر من كل دنس[495].].

كما يقول: [يلزمنا أن نفكر بعمقٍ فى الكلمات المقدسة بالنشيد: "هلمي معي من لبنان، هلمي معي من لبنان انظري من رأس أمانة، من رأس شنير وحرمون، من خدور الأسود من جبال النمور" (نش4: 8). ماذا نفهم إذن من هذه الكلمات؟ يجذب ينبوع النعمة إليه كل العطشى. وكما يقول الينبوع فى الإنجيل: "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب" (يو7: 37). لا يضع المسيح لهذه الكلمات حدوداً لعطشنا ولا لتحركنا نحوه، ولارتوائنا من الشرب، ولكن يمتد أمره إلى مدى الزمن، ويحثنا أن نعطش وأن نذهب إليه. وإلى هؤلاء الذين ذاقوا وتعلموا بالتجربة أن الله عظيم وحلو (مز34: 8)، فإن حاسة التذوق عندهم تُصبح حافزاً لزيادة التقدم. لذلك فالشخص الذى يسير باستمرار نحو الله لا ينقصه هذا الحافز نحو التقدم[496].].

ويقول أيضاً: [إذا أردنا أن نسوق شاهداً أعظم من الكتاب المقدس نسجل ما قاله السيد المسيح إلى هؤلاء الذين آمنوا به: أنهار ماء حيّ ستفيض من كل من يؤمن به "من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو7: 38). وتٌضيف أن القلب النقى يُشار إليه بالتعبير "بطن". ويصبح لوح للشريعة المقدسة (رو2: 15) كما يقول الرسول. يوضح تأثير الشريعة المكتوبة فى القلب ليس بحبرٍ (2كو3: 3)، ولكن بروح الله الحيّ الذى يرسم هذه الحروف فى النفس، وليس على ألواح حجرية كما يقول الرسول، ولكن على لوح القلب النقى، الخفيف والمضئ. يلزم أن تُنقش الكلمات المقدسة الموجودة فى الذاكرة النقية الصافية، على القدرة القائدة للنفس، بحروف بارزة واضحة. تُشير الزفير فى الحقيقة إلى تمجيد بطن العريس فقط باللوح الذى يشع نوراً بلون السماء. ترشدنا هذه الصورة لكى نكون متنبهين للأشياء السماوية، مكان كنزنا (مت6: 21). فإذا ثبتنا فى حفظ وصايا الله تتكون لدينا آمال مقدسة تنعش عيون نفوسنا[497].].

أيضاً يقول: [بعد ذلك يرفع النشيد العروس إلى أعلى قمة للمجد، مُضفياً عليها اسم ينبوع المياه الحيّة المتدفقة من لبنان. لقد تعلمنا من الكتاب المقدس عن طبيعة الله المعطية الحياة كنبوة من شخص الله تقول: "تركونى أنا ينبوع المياه الحيّة" (إر2: 13). ثم يقول السيد المسيح للمرأة السامرية: "لو كنتِ تعلمين عطية الله، ومن هو الذى يقول لكِ أعطينى لأشرب، لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماء حياً" (يو4: 10). ثم قال: "إن عطش أحد فليقبل إلىّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حيّ. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو7: 37 - 39). تقول كل من هذه الفقرات أن الماء الحى هو الطبيعة المقدسة، لذلك جاز للنشيد أن يسمى العروس بصدق بئر ماء حي يفيض من لبنان. هذا فى الحقيقة يتعارض مع ما هو معروف، فجميع الآبار تحتوى على مياه راكدة، والعروس وحدها عندها مياه جارية فى بئر عميق، ومياهها تفيض باستمرار. من يستحق أن يفهم العجائب الممنوحة للعروس؟ يتضح أنها قد وصلت إلى أقصى ما تتمناه، فقد قورنت بالجمال الأبدى الذى منه نشأ كل جمال. وفى نبعها تشبه نبع عريسها تماماً، وحياتها بحياته، وماؤها بمائه. إن كلمته حية، وبها تحيا كل نفسٍ وتستقبله. هذه المياه تفيض من الله كما يقول ينبوع المياه الحيّة: "لأنى خرجت من قبل الله وأتيت" (يو8: 42). تحفظ العروس فيض مائه الحي فى بئر نفسها، وتصبح بيتاً يكنز هذه المياه الحيّة التى تفيض من لبنان، أى التى تكوّن سيولاً من لبنان. لقد أصبحنا فى شركة مع الله باقتنائنا هذه البئر، حتى نحقق وصية الحكمة (أمثال5: 17، 18)، ونشرب مياها من بئرنا، وليست من بئرٍ آخر. نتمتع بهذا فى المسيح ربنا له المجد والعظمة إلى الأبد، آمين[498].].


[490] St Augustine: On the Gospel of. John, tractate 4: 32.

[491] Comm. On Canticle, sermon 10.

[492] Against Jovinianus, 12: 1.

[493] Sermon 3: 170.

[494] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 2: 32.

[495] نشيد الأناشيد للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، تعريب الدكتور جورج نوّار، 1993، عظة 1.

[496] نشيد الأناشيد للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، تعريب الدكتور جورج نَوّار، عظة 8.

[497] نشيد الأناشيد للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، تعريب الدكتور جورج نوّار، عظة 14.

[498] نشيد الأناشيد للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، تعريب الدكتور جورج نوّار، عظة 9.

ماذا يعني: من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي (يو38:7)؟

لماذا حلّ الروح القدس على الكنيسة بعد أن تمَجد السيد بآلامه وصلبه وموته ودفنه وقيامته وصعوده إلى السماء؟