ما هو سرّ اهتمام الكثير من الآباء وليتورجيات العماد بجحد الشيطان؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, أسرار الكنيسة السبعة, سر المعمودية, طقوس الكنيسة القبطية - اللاهوت الطقسي
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ما هو سرّ اهتمام الكثير من الآباء وليتورجيات العماد بجحد الشيطان؟

إذ يخلع طالب العماد ثوبه يتجه نحو الغرب، أو تقف الأم أو الأب أو الإشبين حاملاً على ذراعه الأيسر الطفل، ويبسط طالب العماد أو إشبينه يده اليمنى كأنما يحدث الشيطان معلناً جحده له ورفضه مملكة الظلمة بجسارة وعلانية. هذا الرفض كما يقول العلامة ترتليان يتم داخل جرن المعمودية ([444])، أما حسب التقليد الرسولى للقديس هيبوليتس فيتم قبل دخول المياه ([445]). أما مصدر هذا الطقس فكما يقول القديس باسيليوس الكبير هو التقليد، إذ يقول:

[إننا نبارك مياه المعمودية وزيت المسحة، كما نبارك المُعمد نفسه أيضاً.

أية وصايا مكتوبة علمتنا أن نفعل هذا؟! ألم نتعلم هذا من التقليد السرى المقدس؟!

وأيضاً الدهن بالزيت، أية كلمة فى الإنجيل علمت به؟! أين ورد تغطيس الإنسان ثلاث مرات؟

أى كتاب جاء بكل الأمور اللازمة للعماد وجحد الشيطان وملائكته؟ ألم يأت إلينا من التعليم السرّى الذى حافظ عليه آباؤنا فى صمت دون أن (يكتب) كتعليم عام؟... إذن لا تبحثوا الأمر بتطفل... لأنه كيف يحق تعميم تعليم الأسرار كتابة، هذه التى لا يُسمح لغير المعمدين حتى يتطلعوا عليها؟ ([446])].

يُعتبر هذا الأمر جزءاً أساسياً فى طقس العماد، أشارت إليه كثير من كتابات الكنيسة الأولى وكشفت أيضاً عن مفهومه اللاهوتى الروحى. يقول العلامة ترتليان: [فى الكنيسة تحت يد الأسقف نشهد أننا نجحد الشيطان وكل موكبه Pomp وكل ملائكته ([447])]. وجاء فى التقليد الرسولى للقديس هيبوليتس: [عندما يمسك الكاهن بمن يتقدم للعماد يأمره ان يجحد قائلاً: أجحدك أيها الشيطان وكل خدمتك وكل أعمالك ([448])]. ويرى جنجمان J. Jungmann أن كلمة "Pomp" تشير إلى الموكب الخاص بأعياد الآلهة فى القرون الأولى حيث كانت الأصنام تُحمل فى موكب نصرة، فيظهر إبليس كغالب للعالم، وكأن الذين يعيشون فى الخطيئة يسيرون فى هذا الموكب كجنود له، وكأن طالب العماد يعلن تركه هذا المعسكر الشيطانى مجنداً لخدمة ملكوت الله ([449]).

ويترجم البعض كلمة "Pomp" "بالمناظر الفخمة والمجد الزمنى"، أو "وقد شرح القديس يوحنا الذهبى الفم هذه الكلمة بقوله: [إذا قلت من كل قلبك أجحدك أيها الشيطان وكل مجدك الباطل، فإنك سوف تعطى حساباً عن ذلك فى يوم الدينونة... والأمجاد الباطلة الخاصة بالشيطان التى هى المسارح والملذات الشريرة، والتفاؤل بالأيام وبالفرص، وبالكلمات العفوية التى تقال للغير، وهى فى الأصل لا تخصنا، وأيضاً التشاؤم من النذير. واننى أسألكم ماذا يُعد فى العالم فالاً (تفاؤلاً) أحياناً عندما يترك إنسان منزله يرى رجلاً بعين واحدة أو أعرج يتشاءم. هذه هى أمجاد الشيطان الباطل لأنها ألاعيبه، فإن لقاء البشر لا يجعل يومنا سيئاً، وإنما ارتكاب الخطيئة يجعله هكذا ([450])].

لقد امتنع المسيحيون عن كل أنواع اللهو، إذ قدمت فى ذلك العصر تكريماً للآلهة الوثنية، حتى الألعاب الرياضية كان أبطالها يتوجون باسم الآلهة.

أما كلمة "ملائكته"، فتعنى رفضنا للشيطان وكل أتباعه: "هؤلاء الملائكة ليسوا شياطين بل أناس يخضعون للشيطان الذى يستخدمه آلات له، إذ يجعلهم يُسقطون الآخرين ([451])".

يشرح القديس كيرلس الأورشليمى هذا الطقس للمعمدين حديثاً، قائلاً: [ومع ذلك تؤمرون بالقول وذراعكم ممدود نحوه كأنه حاضر، قائلين: نجحدك أيها الشيطان. أريد أن أقول لكم إنكم تقفون ووجوهكم نحو الغرب فهذا أمر ضرورى، مادام الغرب منطقة الظلام المحسوس، ومادام هو فى الظلمة فتكون سيطرته على الظلمة... لقد وقف كل واحد منكم وقال: "أجحدك أيها الشيطان"، أيها الظالم القاسى الشرير. بمعنى إنى لا أخاف قوتك بعد الآن، فقد قهرك المسيح، إذ شاركنى فى اللحم والدم. بالموت داس الموت، حتى لا أكون تحت العبودية إلى الأبد. أجحدك أيتها الحية الخبيثة الماكرة. أجحدك بمؤامراتك التى تختفى تحت قناع الصداقة، إذ اخترعت كل مخالفة وكل عمل مارق لأبوينا الأولين. أجحدك أيها الشيطان الصانع لكل شر والمحرض عليه. وفى عبارة ثانية تقول: "وكل أعمالك"، لأن كل أعمال الشيطان هى خطيئة، يلزمنا أن ننبذها كمن يهرب من الظالم وأسلحته... ثم نقول: "وكل قوتك"، والآن فكل قوة الشيطان هى جنون المسارح وسباق الخيل والصيد وكل أمثال هذه الأمور الباطلة... بعد هذا نقول: "وكل خدماتك"، فخدمات الشيطان هى الصلاة فى هياكل الأصنام وما يقدم من كرامات للأوثان التى بلا حياة... ([452])].

ويرى الأب ثيؤدور المصيصى أن طالب العماد إذ يقف هكذا ليجحد الشيطان فى حضرة الأسقف يكون كالمتهم الذى يعلن براءته أمام القاضى. فالشيطان يحاول أن يقيم الدليل ضدنا مدعياً أنه ليس من حقنا أن نهرب من مملكته، مدعياً أننا ملك له، ننتمى إليه لأننا نسل آدم الذى سقط تحت سلطانه. [لهذا يليق بنا أن نسرع ونقف أمام القاضى ونقيم دعوانا أنه من حقنا ألا ننتمى للشيطان بل لله الذى خلقنا منذ البداية على صورته ([453])].

لعله الهذا السبب وضعت الكنيسة إنجيل الأحد الثانى من الصوم الكبير عن "تجربة السيد المسيح" (مت4: 1 - 11)، يحضره طالبو العماد فى الصوم الكبير فى قداس الموعوظين. إنه أول درس لهم عن المعمودية كغلبة على إبليس وتحرر من سلطانه. ولهذا السبب أيضاً كان طالبو العماد يُمسحون بالزيت بعد جحدهم الشيطان وقبل دخولهم مياه المعمودية، كعلامة على أنهم قد مُسحوا جنوداً ومحاربين ضد عدو الخير إبليس. إن كان الاعتراف بالإيمان هو دخول مع الله فى ميثاق أو عهد جديد، فإنه يلزم أولاً جحد الشيطان، أى تمزيق العهد الذى أقمناه مع إبليس خلال الخطيئة.

ومما يجدر ملاحظته أن حربنا مع الشيطان لا تقف بجحدنا إياه وكل موكبه وجنوده وأعماله، وإنما نُمسح بالزيت المقدس لننال قوة ضده، وبعد المعمودية مباشرة نتمتع بمسحة الميرون لكى نحمل فى داخلنا الروح القدس روح المسيح الغالب، يسندنا فى جهادنا كل أيام غربتنا ضد الشيطان.


[444] [] The Chaplet 3; The Shows 4.

[445] [] E. C. Whitaker, p. X111.

[446] [] St. Basil: The Holy Spirit 27.

[447] [] Chaplet 3.

[448] [] Dix 34. V9.

[449] [] The Early Litturgy, P 80.

[450] [] To The Catach. Hom 2.

[451] [] Theodore of Mops: Hom. Cat. 7: 13.

[452] [] Myst. Hom. 4: 1 - 8.

[453] [] Hom. Cat. 19: 12.

ما هو سرّ الانفتاح؟

لماذا يُدهن طالبى العماد بالزيت؟