لماذا لم يكتفِ الله بأن يُقدِّم الإنسان توبةً عن خطيته؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الشر والخطية, علاقة الله بالإنسان, مفاهيم في الحياة الروحية
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ2 – العقائد المسيحية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

لماذا لم يكتفِ الله بأن يُقدِّم الإنسان توبةً عن خطيته؟ [370]

إن كان الله رؤوف وكثير الرحمة، إلاَّ إنه صادقً أيضاً فى أحكامه ووعوده وكلامه حيث يقول الكتاب المقدس: "ليكن الله صادقاً، وكل إنسانٍ كاذباً" (رو3: 4)، كما يتكرَّر مراراً فى الكتاب تعبير "صادقةً هى الكلمة" (1تي3: 8؛ 2تي2: 11) أى كلمة الله. لذلك لم يكن يليق بالله أن يتراجع عن الحكم الذى سبق أن حذَّر آدم منه إذا أكل من شجرة معرفة الخير والشر. ويقول القديس أثناسيوس: [لأن الموت أيضاً، وكما قلتُ سابقاً، صارت له سيادة شرعية علينا (بسبب التعدِّى)، منذ ذلك الوقت فصاعداً، وكان من المستحيل التهرُّب من حكم الناموس، لأن الله هو الذى وضعه بسبب التعدِّى، فلو حدث هذا لأصبحت النتيجة مرعبة حقاً وغير لائقة فى نفس الوقت. لأنه من غير اللائق طبعاً أن الله بعدما تكلَّم بشيءٍ مرَّةً يتَّضح أنه فيما بعد كاذبً، أى أن الله بعد أن أمَرَ أن الإنسان يموت موتاً، أن يتعدَّى الوصية ولا يموت، بل تَبطُل كلمة الله. وسيكون الله غير صادق إن كان الإنسان لا يموت بعد أن قال الله إنه سيموت[371].].

ويضيف القديس أثناسيوس أن الندم على فعل الخطية أو التوبة عنها لم تكن كافيةً لرفع حكم الموت: [لكن إن كان هذا هو ما يجب أن يحدث، فمن الناحية الأخرى نجد أنه لا يتفق مع صدق الله الذى يقتضى أن يكون الله أميناً من جهة حكم الموت الذى وَضَعَه، لأنه كان من غير اللائق أن يظهر الله أبو الحق كاذباً من أجلنا. إذاً، ماذا كان يجب أن يُفعَل حيال هذا؟ أو ما الذى كان يجب على الله أن يعمله؟ أيطلب من البشر التوبة عن تعدِّياتهم؟ ويمكن أن يرى المرء أن هذا يليق بالله ويقول: كما أن البشر صاروا إلى الفساد بسبب التعدِّى، فإنهم بسبب التوبة يمكن أن يعودوا إلى عدم الفساد وللخلود. لكن التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله لأنه لن يكون الله صادقاً إن لم يظل الإنسان فى قبضة الموت (لأنه تعدَّى فحُكِمَ عليه بالموت كقول الله الصادق). ولا تقدر التوبة أن تُغيِّر طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعه عن أعمال الخطية. فلو كان تعدِّى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أما الآن بعد أن حدث التعدِّى، فقد تورَّط البشر فى ذلك الفساد الذى كان هو طبيعتهم ونُزِعَت منهم نعمة مماثَلة صورة الله، فما هى الخطوة التى يحتاجها الأمر بعد ذلك؟ أو مَنْ ذا الذى يستطيع أن يُعيد للإنسان تلك النعمة ويرده إلى حالته الأولى إلاَّ كلمة الله الذى خلق فى البدء كل شيءٍ من العدم؟ [372]] يؤكِّد هنا القديس أثناسيوس نفس النقطة السابقة عن أن قبول الله لتوبة الإنسان يتعارض مع صدق أقواله "التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله".

ويضيف القديس أثناسيوس: "ولا تقدر التوبة أن تُغيِّر طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعه عن أعمال الخطية. فلو كان تعدِّى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية". أى أن التوبة لا يمكن وحدها أن تعيد الإنسان إلى حالة النقاوة التى كان عليها أولاً، كما لا تستطيع التوبة أن تشفى طبيعة الإنسان التى أصابها الفساد نتيجة الخطية.

ويمكن تشبيه هذا الأمر بمريض مصاب بنزلة برد لتعرُّضه للبرد الشديد دون أن يستعد بالملابس الثقيلة المناسبة، فيذهب إلى الطبيب للعلاج. فهل يمكن أن يكتفى الطبيب بأن ينصحه بألا يفعل ذلك ثانيةً وأن يلبس الملابس الثقيلة المناسبة للجو البارد؟! بالطبع لا، بل عليه أن يقدِّم له العلاج أولاً ثم تأتى النصيحة بعد ذلك.

لكن وإن كان الله لم يتراجع عن الحكم على الإنسان بالموت، ولم يكتف بتوبته لأنها غير كافية لشفاء طبيعته من الفساد، إلا أنه بمقتضى رحمته أخذ طبيعتنا البشرية بالتجسُّد لكى يُجدِّدها، ويأخذ عنِّا حكم الموت الذى كان محكوماً به علينا عن استحقاقٍ.

ومن ذلك نفهم أن الله لم يسامح الإنسان، ولم يتراجع عن الحكم عليه لأن هذا يتعارض مع صدق أقوال الله وأحكامه. ومن جهةٍ أخرى لم يكتفِ الله بأن يقدِّم الإنسان توبةً لأن التوبة لا تستطيع نزع الفساد من طبيعته وتجديدها.


[371] تجسُّد الكلمة ف 6 / 3، 2.

[372] تجسُّد الكلمة ف 7 / 1 - 4.

ما هو التدبير الإلهى لخلاصنا؟

ما هو موقف الله من الإنسان بعد عصيانه للوصية الإلهية؟