9- ماذا يقول الآباء عن الدموع المقدسة ودموع المتألمين؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الفضائل الروحية, حياة التوبة والإستعداد
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

9 - ماذا يقول الآباء عن الدموع المقدسة ودموع المتألمين؟

أولاً: الدموع هبة إلهية لمحبى القداسة. يقول القديس أغسطينوس: [بالحقيقة كلما كان الإنسان مقدساً ومملوءً بالرغبة المقدسة تزداد بالأكثر دموع طلبته. أليس هذا هو قول مواطن أورشليم السماوية: "صارت دموعى طعاماً نهاراً وليلاً" (مز 42: 3)، "وأعوم سريرى، وأبلل مضجعى"، و "تنهداتى لا تتوقَّف" (مز 6: 6) [396].] ويقول القديس يوحنا التبايسي: [كثرة حزن الدموع هى موهبة من الله، تُعطِى باجتهاد طلبات السائل[397].].

ثانياً: من يبكى بحكمة يقتنى الفرح العظيم والمجد الأبدى. يقول القديس أمبروسيوس: [من يقتنى فرحاً عظيماً إلا ذاك الذى يبكى كثيراً، وكأنه ينال نعمة المجد العتيد بثمن دموعه؟! [398]] كما يقول: [من أجلى حوَّلت نوحى إلى فرحٍ لى، مزقت مسحي، ومنطقتني بالفرح "(مز 30: 11). فرح الله لا يستقر فى كل النفوس، بل فى تلك النفوس التى بكت على خطاياها بدموعٍ مستمرةٍ، كمن مات لها عزيز لديها. مثل تلك النفس يُحَوِّل الله نوحها إلى فرح، والحزن نافع هنا... يبكى الأنبياء علينا، ويدعوننا لنبكى حتى نكتشف أخطاءنا فى ضوء كلماتهم النبوية، عندئذ نبكى على هلاكنا، ونقمع جسدنا بالجهاد والتأديب. الإنسان الذى يسلك مثل هذا الطريق، تُمَزَّق مسوحه، ويلبس لباس العُرْس المُزيَّنة حتى لا يخرج خارج العُرْسِ (مت 22: 11 - 13) [399].].

ثالثاً: الفرح المُطّوب عطية للباكين. يقول العلامة أوريجينوس: [البكاء وحده يقود للضحك المطوّب! [400].] ويقول القدّيس يوحنا الدرجى: [الشخص الذى يطوى طريقه فى حزن وأنين مستمر من أجل حب الله، هذا لا ينقطع عن السعادة والفرح كل يوم[401].].

رابعاً: الدموع المقدسة هى الخبز السماوى. يقول القديس مقاريوس الكبير: [الدموع التى تسكب حقاً من حزنٍ شديدٍ، وكآبة قلب، وبمعرفة للحق، واحتراق فى الداخل، إنما هى طعام للنفس، يأتيها من الخبز السماوى الذى سبقت مريم وأخذت منه، عندما جلست عند قدميّ الرب، وسكبت بحسب ما شهد لها المخلص نفسه. إذ قال: "لقد اختارت مريم النصيب الصالح الذى لن يُنزع منها" (لو 10: 42). فما أثمن الدرر التى تتساقط مع انسكاب وفيض الدموع المغبوطه! [402]].

خاًمساً: الدموع تقودنا إلى مدينة السلام. يقول القديس مقاريوس الكبير: [اجتهد للسير فى الطريق الضيق لتدخل مدينة السلام، أورشليم المهيَّأة كعروسٍ لعريسها! ولكن الطريق إليها تعوزه دموع تُذرف ليلاً ونهاراً.

  • أعوّم كل ليلة سريرى بدموعى أبل فراشى! (مز 6: 6).
  • صارت لى دموعى خبزاً نهاراً وليلاً! (مز 42: 3).
  • قد أكلت الرماد مثل الخبز، ومزجت شرابى بدموعٍ! (مز 102: 9).
  • يا رب لا تسكت عن دموعى، لأنى أنا غريب عندك! (مز 39: 12).
  • يا رب اجعل دموعى فى زق عندك، أما هى فى سِفْرِك؟ (مز 56: 8).].

سادساً: الدموع مصدر تعزيات. يقول الأب أنسيمُس الأورشليمى: [أنت ترى دموعى كأنها تجاه عينيك، يا من تَعْلَم الخفيات، وحققت ما قد وعدت به قائلاً: "طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون" (مت 5: 4).] ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ما من شيءٍ أحلى من تلك الدموع. أنها أحلى من الضحك، إن الذين يعترضون عليه لا يعرفون مدى التعزية التى لها، لا تظنوا أننا نزعم أن هذا الأمر مستنكر، بل هو أمر يجب الصلاة لأجله كثيراً، لا لكى يخطىء الآخرون، بل، لكى حينما يخطئون، نحزن بانكسار قلب لأجلهم.] كما يقول القدّيس أغسطينوس: [إن من يبكى ههنا يلقى تعزيته حيث يخشى أن يبكى من جديد!] أيضاً يقول: [لتكن الدموع نصيبى الآن حتى تتعرَّى نفسى من أوهامها ويلبس جسمى الصحّة الحقّة التى هى الخلود. ولا يقل لى أحد: أنت سعيد؛ لأن من يقول لى أنت سعيد يريد أن يغوينى! [403]] [سفر طويل بدون دموع لا يكشف عن الرغبة فى رؤية الوطن. إن كنت ترغب فيما لست فيه فأسكب دموعك. وإنى أسألك أن تقول لله: لقد وضعت دموعى أمام وجهك (راجع مز 56: 8). وقول له: أصبح دمعى خبزى ليلاً ونهاراً! أصبح دمعى خبزاً لى: تعزّيت به حين انتحبت، وغتذيت منه حين جُعتُ. وأى بار خلا من هذه الدموع؟ إن من لم تكن له هذه الدموع لا يكتئب على غربته.].

يقول القدِّيس أمبروسيوس: [أدرك إرميا أن الندامة علاج عظيم، فاستخدمها لأجل أورشليم فى مراثيه، وتقدم بأورشليم كتائبهٍ: عندما قال: "تبكى فى الليل بكاءً، ودموعها على خديها. ليس لها معزٍ من كل محبيها... طرق صهيون نائحة" (مرا 1: 2، 4). بل وأكثر من هذا قال: "على هذه أنا باكية، ليت عينى تسكب مياهاً، لأنه قد ابتعد عن المُعزى، رادُّ نفسى" (مرا 1: 16). فكر إرميا أن يضيف هذه العبارة المُرَّة، لأنه وجد أن من يُعَزِّي الحزانى قد أُبعد عنه. فكيف تستطيع أن تنال راحة برفضك للتوبة رجاء الغفران؟

لكن ليت هؤلاء الذين يتوبون، يعرفون كيف يُقَدِّمون التوبة، بأية غيرة، وبأية مشاعر، وكيف تبتلع كل تفكيره، وتهز أحشاءه الداخلية، وتخترق أعماق قلبه، إذ يقول إرميا النبى: "انظر يارب فإنى فى ضيق. أحشائى غلت، ارتد قلبى فى باطنى" (مرا 1: 20)... ويقول: "شيوخ بنت صهيون يجلسون على الأرض ساكتين، يرفعون التراب على رؤوسهم، يتنطقون بالمسوح. تحنى عذارى أورشليم رؤوسهن إلى الأرض. كلت من الدموع عيناى، غلت أحشائى، انسكبت على الأرض كبدى" (مرا 2: 10، 11).].

سابعاً: الينبوع الداخلى يفيض بالدموع المقدسة. يقول ابن سيراخ: "من ينخس عينه يسيل الدموع، ومن ينخس القلب يبرز مشاعره (سيراخ 22: 24). جاءت هذه العبارة فى كتابات العلامة أوريجينوس أن العين والقلب هنا الحياة الداخلية. يليق بالمؤمن أن يشرب من ينابيعه الداخلية، أى من بصيرته وعواطفه. إن كان كلمة الله بتجسده حلّ فى وسطنا، ليُقيم ملكوته فينا (لو 17: 21)، فقد وجَّه أنظارنا إلى أعماقنا، لنراه عاملاً فينا. جاء لا مستخَفاً بنا، بل مكرّماً إيَّانا باتحادنا، وتمتُعنا بأعماله الفائقة. ويدعونا أوريجينوس[404] أن نضرب العين والقلب بالصلاة بإيمان؛ نطلب عمل الله فينا، كما نطلب المزيد من عطاياه. وكما جاء فى المزامير:" افتح فاك وأنا أملأه "(مز 81: 10).

فى حديث العلامة أوريجينوس عن عمل الروح القدس فى الإنسان، يسألنا أن نشرب المياه الحية من ينابيعنا وآبارنا الداخلية. إنه يقول: [دعونا نعمل حسب نصيحة الحكمة لنا القائلة: "اشرب مياهاً من جبَّك، ومياهاً جارية من بئرك. ولتكن لك..." (أم 5: 15، 17). تأكد أيها القارئ أن لك بئرك وينبوعك، حتى إذ تمسك الكتاب المقدس، تبدأ تعبِّر خلال تعليمك النص، وذلك بانسجام مع ما تعلَّمته من الكنيسة، وأيضاً تحاول أن تشرب من مصدرك الداخلى الروحى. فى داخلك ينبوع مياه حيّة (تك 26: 19)، شرايين دائمة، وفيض غزير جارٍ، مع فهم عقلى مادام لا يصطدم بالأرض ومخلفات الصخور. لتستمر عاملاً لحفر أرضك وتنقيتها من الدنس، فتزيل الكسل عن نفسك، وتطرد الخمول من قلبك. اسمع ماذا يقول الكتاب المقدس: "اضرب العين فتسيل الدموع، واضرب القلب فينتج فهماً" [19]. يلزمك أيضاً أن تُطَهِّر روحك، فتشرب من ينابيعك الحيّة. بالحقيقة إن قبلت كلمة الله فى داخلك، يصير فيك ينبوع مياه يفيض حياة أبدية[405].].

ثامناً: يتطلَّع الرب إلى دموع الفئات المظلومة وصراخهم. أبرز ابن سيراخ اهتمام الله برعاية الفئات المظلومة. أُذناً الرب تنصتان إلى تضرَّعات الأيتام والأرامل ودموعهم وصرخاتهم. "أليست دموع الأرملة تسيل على خديها، وتصرخ ضد من تسبَّب فيها؟ (سى 35: 18). يقول الأب فلجنتيوس: [هكذا نغلب الخصم، إن كنا نحارب بالدموع والصلوات والقلب المنكسر على الدوام. مكتوب:" صلاة المتواضع تخترق السحب... ولا يكف حتى يفتقده العليّ ". لذلك بكاء المتواضع يساهم بقوة عظيمة فى تدمير الشهوة الجسدانية. الدموع الصادرة من وخز القلب تهزم العدو وتقتنى لحسابنا عطية السعادة الغالبة[406].].

تاسعاً: الدموع تُعد ملابس العُرْس. يقول القدّيس يوحنا الدرجى: [الإنسان المتسربل بثوب الأنين المقدّس الذى أنعم به الله عليه، يكون كمن ارتدى ملابس العُرْس ويعرف فرح النفس الروحى.].

عاشراً: الدموع المقدسة لا تبعث الكبرياء فينا. يقول الأب نيلس السينائى: [عندما تسكب فيضاً من الدموع أثناء الصلاة لا تفتخر بذلك، ظاناً فى فكرك أنك أفضل من آخرين، بل إن اعترافك بخطاياك وهبك دموعاً استجلبت حنان الله[407].].

حادى عشر: دموع الحكمة السماوية. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [حينما نعامل إنساناً خاطئاً، يجب أن نبكى حزانى ومتنهدين، وإذا ما نصحنا أحداً ولم يستجب، بل يمضى إلى الهلاك، يجب أن نبكى. فهذه هى دموع الحكمة السماوية، وحينما يكون إنسان فى فقرٍ، أو فى مرض جسمانى، أو ميتاً، لا نبكى، لأن تلك أمور لا تستحق الدموع.].

ثانى عشر: تنسكب الدموع من العينين الجسديتين لكنها تُحسَب بنت النفس. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ما من شيء أحلى من الدموع، لأنها هى أشرف عضو تعرفه وأجمل الأعضاء وهى بنت النفس. لهذا ننحنى لها، كأننا رأينا النفس ذاتها تنوح[408].].

ثالث عشر: حاجتنا أن يتطلع الرب إلينا فنتمتع بالدموع المقبولة. يقول القديس أمبروسيوس: [أنظر إلينا يا ربنا يسوع لنعرف البكاء على خطايانا[409].] كما يقول: [حسنة هى الدموع التى تغسل الخطية! من يلتفت إليهم الرب وينظرهم يبكون، فإن بطرس أنكر أولاً ولم يبكِ، لأن الرب لم يلتفت ولا نظر إليه. أنكر للمرة الثانية ومع هذا لم يبكِ... وفى المرة الثالثة أنكر أيضاً، وإذ التفت إليه يسوع ونظره عندئذ بكى بمرارة... لا نستطيع القول بأنه (مجرد) التفت إليه بعينيه الجسديتين ونظر إليه فى عتاب منظور واضح، إنما تحقق هذا داخلياً فى الذهن والإرادة... تلامس معه الرب برحمته فى صمت وسرية. فذكره بنعمته الداخلية، مفتقداً بطرس وحاثاً إياه، مقدماً له دموعاً ظاهرة تُعَبِّر عن مشاعر الإنسان الداخلى. أنظر بأية طريقة الله حاضر بمعونته ليسندنا فى الإرادة والعمل، يعمل فينا أن نريد وأن نعمل[410].].

رابع عشر: حاجتنا إلى دموع الكنيسة. يقول القدِّيس أمبروسيوس: [نؤمن أن الأحشاء الإلهيّة تُحَرِّكها دموع أم أرملة أضناها الألم لموت وحيدها وهى أرملة. مشاركة الجموع لها فى آلامها لم يسد الفراغ الذى تركه موت ابنها وحرمانها من الأمومة... لكنها ببكائها نالت قيامة ابنها الشاب، الابن الوحيد[411].] يرى القدِّيس أمبروسيوس فى هذا المنظر صورة حيّة للكنيسة الأم التى لا تتوقَّف عن البكاء من أجلنا متضرِّعة إلى مسيحها ليردّ لها وحيدها ينطق بكلمة الحياة، إذ قيل "فجلس الميِّت، وابتدأ يتكلَّم، فدفعه إلى أُمّه" (لو 7: 15).

يقول القدِّيس أمبروسيوس: [إن أخطأت خطيّة مُميتة لا تستطيع أن تغسلها بدموعك، فاجعل أمَّك تبكى عليك، التى هى الكنيسة، فإنَّها تشفع فى كل ابن لها كما كانت الأرملة تبكى من أجل ابنها الوحيد. إنها تشترك فى الألم بالروح، وهذا أمر طبيعى بالنسبة لها حينما ترى أولادها يدفعهم الموت فى الرذائل المُهلكة، فإنَّنا نحن أحشاء رأفتها. حقاً توجد أحشاء روحيّة كتلك التى لبولس القائل: "نعم أيها الأخ ليكن لى فرح بك فى الرب، أرحْ أحشائى فى الرب" (فل 20). نحن أحشاء الكنيسة، لأننا أعضاء جسدها من لحمها وعظامها. لتبكِ إذن هذه الأم الحنون ولتشاركها الجموع لا الجمع وحده، حينئذ تقوم أنت من الموت وتخرج من القبر. يتوقَّف حاملوا الموت الذى فيك وتنطق بكلمات الحياة، عندئذ يخاف الجميع ويرجع الكل وهم يباركون الله الذى قدَّم لنا مثل هذا الدواء الذى يخلصنا من وطأة الموت[412].].

خامس عشر: الدموع والثمر الروحى. يقول القدّيس مقاريوس الكبير: [كما أنه إذا سقط المطر على الأرض أنبتت وأنتجت الثمار، وفى ذلك راحة وفرح للناس، كذلك الدموع إذا ما وقعت على قلب أثمرت ثماراً روحيّة وراحة للنفس والجسد معاً[413].].


[396] City of God 20 - 17.

[397] - الآباء الحاذقون فى العبادة ج 2، ص 186.

[398] Concerning Widows, 6.

[399] - تفسير المزمور 30 (29).

[400] In Jeremiah, homily 49: 3.

[401] Ladder 40: 7, 36, 37.

[402] - عظة 8: 25.

[403] - خواطر فيلسوف فى الحياة الروحيّة (الخورى يوحنا الحلو)، المطبعة الكاثوليكية بيروت، 1970، ص 279 – 281.

[404] Cf. Homilies on Exodus 5: 4.

[405] Cf. Homilies on Genesis 5: 12.

[406] Selected Works, FOTC, vol. 95, p. 337 - 338.

[407] - الفيلوكاليا عن الصلاة.

[408] Homilies on Col. , Hom. 12.

[409] In Luc 54: 22 - 62.

[410] On the Grace of Christ 49.

[411] In Luc 11: 7 - 17.

[412] In Luc 11: 7 - 17.

[413] - بستان الرهبان طبعة مطرانية بنىّ سويف 1968م، ص 280 - 281.

10- هل لدموع الحزانى على ميت حدود معينة؟

8- ماذا يعنى المرتل بقوله: "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج، الذَّاهِبُ ذهاباً بِالْبُكَاِء، حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئاً يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ، حَامِلاً حُزَمَهُ" (مز 5:126-6)؟