8- ماذا يعنى المرتل بقوله: “الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج، الذَّاهِبُ ذهاباً بِالْبُكَاِء، حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئاً يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ، حَامِلاً حُزَمَهُ” (مز 5:126-6)؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الفضائل الروحية, حياة التوبة والإستعداد
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

8 - ماذا يعنى المرتل بقوله: "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج، الذَّاهِبُ ذهاباً بِالْبُكَاِء، حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئاً يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ، حَامِلاً حُزَمَهُ" (مز 126: 5 - 6)؟

يقف المؤمن فى دهشة، يمتلئ قلبه بالفرح السماوى، فيشعر كأن السماء قد احتلت قلبه، أو ارتفع إلى السماء. وتنهار الدموع فى أعماقه لا لتُحَطِّم الفرح أو تحجبه، بل لترويه وتغذيه. تُرَى هل تحوَّل القلب إلى سماء متهللة أم نهر دموع يسقي مدينة الله التى فى داخله. إن ضحك العالم يتعارض مع الدموع، أما الضحك الروحى، فيتناغم مع الدموع الروحية، يعملان معاً كأختين شقيقتين!

مسيحنا مصدر الفرح الحقيقى يقودنا فى طريق الدموع ليعبر بنا إلى فرحه السماوى. لقد بكى السيد المسيح على لعازر كما على أورشليم وأيضاً فى بستان جثسيمانى. لقد وعدنا: "ستحزنون، ولكن حزنكم سيتحوَّل إلى فرحٍ" (يو 16: 20). هذا هو حصاد الدموع المقدسة. يقول إرميا النبى: "يا ليت رأسي ماءً، وعينيَّ ينبوع دموع، فأبكى نهاراً وليلاً" (إر 9: 1).

يقول القديس غريغوريوس النزينزى: [هذه الدموع هى مجارى المياه التى تفرح مدينة الله (مز 46: 4).] كما يقول: [لنزرع بالدموع كى نحصد بالفرح. لنظهر أنفسنا شعب نينوى، لا شعب سدوم (تك 19: 17، 23). لنصلح شرنا حتى لا نهلك. لننصت إلى كرازة يونان لئلا تكتنفنا النار والكبريت[383].].

ويقول القديس باسيليوس الكبير: "وعند المساء يبيت البكاء... وفى الصباح ترنم" (مز 30: 6). تذكر أوقات الآم الرب... لتفهم ما أقول... فى المساء بكى تلاميذ الرب عندما رأوه معلقاً على الصليب... وفى الصباح تعالت أصوات الفرح بعد القيامة... ركضوا فى فرح يبشرون بعضهم البعض بالبشارة المفرحة... لقد رأوا الرب. وإذ تكلمنا بصفة عامة... يشير المساء إلى الحياة فى هذا العالم... فالذين يبكون... بالفرح يتعزون حينما يأتى الصباح "طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون" (مت 5: 4). طوباكم أيها الباكون الآن، لأنكم ستضحكون "(لو 6: 21) والذين أمضوا حياتهم... التى اقتربت من نهايتها... واقترب غروب شمسها... يقاومون الخطية بدموعٍ... سيفرحون عندما يأتى الصباح الحقيقى..." الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج "(مز 126: 5) فى المستقبل[384].].

ويقول القدِّيس أغسطينوس: [هذا المزمور الذى يتحدث إلى روح المصممين على الاستمرار فى الرحلة الروحية إلى الله، يناسب تماماً ليعيننا فى أوقات الحزن والكآبة. هذا العالم هو دون شك وادى الدموع الذى فيه يزرع الإنسان وهو باكٍ. إنه يسندك لتستمر فى إيمانك. على أى الأحوال، إن شرحت ما يعنيه هذا السفر بالبذور التى نزرعها الآن. هذه البذور هى الأعمال الصالحة التى خلقها الله لكل واحدٍ منا أن يفعلها (أف 2: 10). وقد خطَّط لنا أن نقمها بقوة روحه فى وسط أتعاب هذه الحياة المضطربة. من يتعلَّم أن يمارس عمل الله فى هذا العالم – وادى الدموع والأتعاب هذا – يصير متهللاً مثل المزارع المُجِدْ الذى يزرع البذار حتى فى موت الشتاء، فهل تقدر الرياح الباردة والجو القاسى أن يمنعه عن العمل؟ حتماً لا! هكذا يليق بنا أن نتطلع إلى متاعب هذه الحياة. تُلقى الملاهى فى طريقنا بواسطة الشرير، بقصد أن نَحِد عن الأعمال الصالحة التى خُلقنا لكى نعملها. تطلعوا ماذا يقول المرتل: "من يخرج باكياً..." بالحق يجد علة للبكاء، يجد كل واحدٍ منا ذلك. ومع هذا يلزمنا أن نسير، ممارسين أعمال الله الصالحة فى طريقنا. كم نكون بائسين إن كنا قد دُعِينا للعمل بجديةٍ لكى نبكى فقط دون التطلع إلى أية ثمرة لعملنا. يا لنا من بائسين إن كنا لا نجد أحداً يمسح دموعنا. لكننا نعرف أن الروح القدس يعمل لكى نستمر فى الغرس وسط دموعنا. لأن الروح يعدنا خلال المرتل أننا نعود مندهشين بالفرح! نحمل ثمر تعبنا كتقدمة له[385].] كما يقول: [إن هذه الدموع تسقى بذرة الإيمان التى فى قلوبنا.] كما يقول: [فى هذه الحياة المملوءة بالدموع، لنزرع. ماذا نزرع؟ الأعمال الصالحة. أعمال الرحمة هى بذورنا. عن أية بذور يتحدث الرسول؟ "فلا نفشل فى عمل الخير لأننا سنحصد فى وقته إن كنا لا نكل" (غل 6: 9)... ليس من حقلٍ متسعٍ أكثر من المسيح، يمكننا أن نزرع فيه، هذا الذى أراد منا أن نُغرس فيه. تُربتك هى الكنيسة، اغرس فيها قدر ما تستطيع. لكن ليس لديك القدرة الكافية لتحقيق ذلك. هل لك الإرادة الصالحة؟ فإن كل ما تفعله يُحسَب كلا شيء ما لم يكن لديك الإرادة الصالحة، لا تكتئب إن كان ليس لديك ما تود أن تفعله مادام لك الإرادة الصالحة. ما هو الذى تغرسه؟ الرحمة! وما الذى تحصده؟ السلام! هل قالت الملائكة: "وعلى الأرض السلام للأغنياء"؟ لا، بل قالت: "على الأرض السلام للناس الذين لهم إرادة صالحة" (راجع لو 2: 14). كان لزكا إرادة صالحة، وكانت له محبة عظيمة (لو 19: 8) [386].] يرى القديس أغسطينوس فى مثل السامرى الصالح الذى يرمز للسيد المسيح بكونه الحارس الصالح، صورة واقعية للمؤمن الذى كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوصٍ، عروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حيّ وميت (لو 10: 30 الخ). لقد تحنَّن عليه السامرى الصالح وصعد به إلى الفندق (غالباً فى أورشليم) واعتنى به. يطالبنا القديس أغسطينوس ألا نرتبك بسبب نزولنا وسقوطنا بين أيدى اللصوص، فإن مسيحنا يود أن يحملنا ويصعد بنا إلى كنيسته المقدسة. فى صعودنا معه ننسى جراحاتنا وتتهلل نفوسنا وتُسَبِّح وتشكر، وتتقدَّم روحياً، وتستقر فى الفندق السماوى! كما يقول [ليتنا لا نفشل فى غرس بذورنا وسط المتاعب. فإننا وإن كنا نزرع بالدموعٍ فسنحصد بالفرح... إن كنا قد نزلنا وجُرِحنا، فلنصعد (مع السامرى الصالح)، ولنغنِ، ونتقدَّم، حتى نصل إلى الموقع (أورشليم) [387].].

ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [يلزمنا أولاً أن نتعب ونجاهد وعندئذ نطلب الراحة. إنكم تجدون هذا يحدث فى كل موضعٍ حتى فى أمور هذه الحياة. لذلك يركز المرتل على هذه الأمور: الغرس ثم الحصاد. فكما أن الغارس يحتاج أن يبذل جهداً وعرقاً ودموعاً... هكذا من يمارس الفضيلة. ليس شيء غير لائقٍ مثل التهاون بالنسبة للإنسان. لذلك جعل الله هذا الطريق ضيقاً وكرباً، ليس فقط فى ممارسة الفضيلة، بل وحتى فى شئون هذه الحياة، فقد جعلها متعبة، بل فى الواقع أكثر من هذا. أقصد أن الغارس والبناء والمسافر والنجَّار والفنان، كل شخص فى ذهنه يود أن يقتنى ربحاً، يلزمه أن يتعب ويقدم جهداً. كما تحتاج البذور إلى مطرٍ، هكذا نحتاج نحن إلى دموعٍ، وكما أن الأرض تحتاج إل حرثٍ وحفر هكذا تحتاج النفس إلى متاعب، عوض المجرفة التى تُعزق بها التربة، حتى لا يوجد بها أعشاب مؤذية، ويتحول جمود الأرض إلى اللين... التربة التى لا تُعامل بالتعب لا تقدم شيئاً صالحاً[388].] كما يقول: [هل ترون أيها الأعزاء المحبوبون عظمة المنفعة الصادرة عن التجارب التى تحل (بالبار)؟ ألا ترون عظمة مكافأة احتماله؟ ألا ترون الرجل وزوجته المتقدمين فى العمر، فمع كونهما هكذا يشهدان عن احساسهما الصالح، وشجاعتهما ومحبتهما الواحد للآخر. ما هو مثل هذا الرباط من الحب؟ لنتمثل نحن جميعاً بهذا ولن يحل بنا إثباط الهمة أو نحسب أن حلول الضيقات علامة على ترك الله لنا أو دليل على الاستخفاف بنا. بالحري ليتنا نتعامل معها كأوضح دليل على العناية الإلهية من نحونا[389].].

يقول القديس مار اسحق السريانى: [اَلام الزمان الحاضر التى تحدث من أجل الحق، لا يمكن أن تُقاس بالمجد العتيد المهيأ للذين يجتهدون فى الأعمال الصالحة (رو 8: 18). وكما إن حزم الفرح (أشبه بحزم القمح) هى من نصيب الذين يزرعون بالدموع، هكذا الفرح يتبع الذين يتألمون من أجل الله. كما أن الخبز الذى يُقتنَى بعرقٍ كثيرٍ يبدو حلواً للزارع، هكذا عذبة هى الأعمال من أجل البرَ فى قلوب الذين نالوا معرفة المسيح[390].].

ويقول القديس ديديموس الضرير: [حينما ترون نفساً نُفلَّح حسناً، فتزرع بالدموع وتستعد للحصاد بصرخات الفرح (مز 126: 5)، فإن هذا الحقل المُفلَّح له ملك، اللوغوس، الذى يقود ويحكم ويملك[391].].

يقول القديس أمبروسيوس: [حقاً أشرقت نعمة الله على يُوسفَ حتى فى صباه. لأنه حَلَم حُلماً: أنه بينما كان يحزم حُزماً مع إخوته (فى الحقل). قد رأى فى الرؤيا أن حزمته قامت فانتصبت بينما انحنت حُزَمُ إخوته وسجدت لها (تك 37: 5 - 8). وهكذا استعلنت له قيامةُ المسيح العتيدة، فعندما رأوه فى أورشليم، انحنى له الأحدُ عشر تلميذاً وكل القديسين، وحينما يقومون، ينحنون حاملين ثمار أعمالهم الصالحة، كما هو مكتوب "مجيئاً يجيئون بالفرح (الترنم) حاملين حُزمَهم" (مز 126: 6). وبالرغم من أن إخوته ازدروا بالحلم، وأنكروا واقعيته، بدافعٍ من حسدهم، إلا أنهم عبَّروا عن تفسيره له بكلامهم حينما أجابوا: "ألعلك تملك علينا ملكاً؟" (تك 37: 8)؛ لأن تلك الرؤيا حدَّدت الملِكَ الآتى، وقداّمه يسجد كلُ ذى جسدٍ بشرىٍ بركبٍ منحنيةٍ (راجع في 2: 10) [392].].

ويقول الأب قيصريوس أسقف آرل: [ليته لا يخدع أحد نفسه يا إخوة ليس من وقت للضحك فى هذا العالم. أنا أعلم أن كل أحدٍ بالحقيقة يريد أن يفرح، لكن ليس الكل يطلب الفرح فى الموضع الذى يليق به[393].] ويقول [ "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالفرح". قد يقول قائل: من المجحف أن نبكى، ومن الصعب تحمل الحزن. إن قيل هذا فى وسطكم، فإنكم تدركون بصبر القلب الجمال الباهر الناتج عن الحقول تماماً. فإن تأملتم بما فيه الكفاية فى هذا لبدا لكم أنه ينشىء قبحاً، لكنه يثمر فيما بعد ثماراً كثيرة. لهذا يليق بنا أن نراعى باجتهاد ألا نذرف دموعنا على الخسائر الأرضية، بل فى اشتياق إلى الحياة الأبدية[394].] كما يقول [إذ نفكر فى حال ضعفنا وكثرة التجارب وزحف الخطايا ومقاومة الشهوة وقوة الشهوات المدمرة التى تثور دائماً ضد الأفكار الصالحة، نحزن على الدوام ونتأوَّه. حينئذ نتأهَّل أن نتهلل إلى الأبد فى زمن الفرح والراحة والسعادة والحياة الأبدية القادمة[395].].


[383] On His Father's Silence, Oration 14: 16,.

[384] - مز 30.

[385] Homilies on Ps. 2.

[386] On Psalm 126 (125).

[387] On Psalm 126 (125).

[388] On Ps. 126.

[389] Homilies on Genesis, 24: 32 - 25.

[390] Ascetic Homilies, 4.

[391] Commentary on Ecclesiastes 2: 145.

[392] Joseph 7: 2.

[393] Sermon 2: 215.

[394] Sermon 2: 162.

[395] Sermon 5: 162.

9- ماذا يقول الآباء عن الدموع المقدسة ودموع المتألمين؟

7- ماذا يعنى المرتل بقوله: "إنى قد أكلت الرماد مثل الخبز، ومزجت شرابى بدموع (مز 9:102)؟