2- ما هى المناسبات التى وردت فى الكتاب المقدس بخصوص الدموع التى سكبها السيد المسيح؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الفضائل الروحية, حياة التوبة والإستعداد
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

2 - ما هى المناسبات التى وردت فى الكتاب المقدس بخصوص الدموع التى سكبها السيد المسيح؟

شاركنا كلمة الله بتجسده فى كل شيءٍ ما عدا الخطية. إذ صار طفلاً قدَّس الأطفال، ودعاهم إليه، كما دعانا أن نقتدى بهم، قائلاً: "لأن مثل هؤلاء يدخلون ملكوت السماوات" (مت 19: 14). وصام لكى يُقَدِّس أصوامنا، وصلى وهو قابل الصلوات مع أبيه لكى يُقَدِّس صلواتنا. وتألم وصُلِب ومات وقام من الأموات لكى نترنَّم مع الرسول: "مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا، بل يحيا المسيح فيّ" (غل 2: 20). وصعد إلى السماوات لكى بحقٍ نقول: "أقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات" (أف 2: 6).

والآن، بالنسبة للبكاء والدموع، بكى لكى يُقَدِّس دموعنا التى نسكبها، مقتدين به.

أشار الكتاب المقدس إلى موقفين بكى فيهما السيد المسيح، هما:

أولاً: سَكَبَ الدموع على أورشليم المقاومة للحق الإلهى. مُعَلِّمنا لوقا البشير: "وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها، قائلاً: إنك لو علمتِ أنت أيضاً، حتى فى يومك هذا، ما هو لسلامك! ولكن الآن قد أُخفى عن عينيك. فإنه ستأتى أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمونكِ وبنيكِ فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجرٍ، لأنكِ لم تعرفى زمان افتقادك" (لو 19: 41 - 44) إنه يطلب بدموعٍ توبة أهل أورشليم حتى العاملين فى الهيكل. إنه يدعو كل مؤمنٍ أن يصلى باكياً من أجل كل رافضي الحق الإلهى، والمتهاونين فى التمتُع بالخلاص، سواء من الشعب أو رجال الكهنوت. بهذا يستطيع المؤمن أن يُصَلِّى ويبكى، وهو فى مخدعه كما وهو على سرير الموت، بروح الحب لا الإدانة من أجل كل الساقطين فى العالم. إن كان ابن سيراخ دعانا ألاَّ نعرف الخمول حتى فى شيخوختنا وفى أمراضنا، فقد علَّمنا السيد المسيح بدموعه ان نُمارِس الحب والصلاة عن كل البشرية، كما نطلب صلوات الآخرين حتى الذين رحلوا عن العالم لشعورنا بالحاجة إلى مساندة الآخرين لنا نحن الضعفاء.

ثانياً: إذ كان السيد قادماً للقاء مع أختي الميت لعازر، الذى له أربعة أيام فى القبر، وأن يقيمه من الموت وهو مربوط بملابس الدفن، لم يحتمل أن يرى الأختين تبكيان، فبكى هو أيضاً (يو 11: 35) ليُعلِن مدى حُبِّه للبشرية. إنه يشاركنا مشاعرنا! وهو عجيب فى حُبِّه لبنى البشر، لا يحتمل دموعنا، بل يقول: "حوِّلى عنى عينيكِ فإنهما قد غلبتانى" (نش 6: 5).

يقول القديس أغسطينوس أن إقامة لعازر من الأموات ليست موضوع دهشتنا بل موضوع فرحنا. فليس من المدهش أن ذاك الذى يخلق بقوته أناساً يأتى بهم إلى العالم أن يقيم ميتاً، لكنه أمر مُفرِح أنه يهبنا القيامة ويمتعنا بالخلاص[368].

جاء الفعل "بكي" (يو 11: 35) هنا فى اليونانية مختلفاً عما ورد عن بكاء مريم وجمهور المحيطين بها (يو 11: 33)، إذ بكاؤه ليس فيه عويل مرتفع مثلهم، بل انسابت الدموع من عينيه. إنها مُجَرَّد شهادة عملية لمشاعره العميقة، ومشاركة للمتألمين أمام الجموع التى لم تدرك بعد كيف تواجه الموت. وقد وجدت الجموع فى هذه الدموع شهادة حية عن محبته للعازر (يو 11: 36).

يرى القديس يوحنا الذهبى الفم أن كل ما صنعه السيد المسيح كان بحكمته الإلهية لكى تنتفع الجموع بصنع المعجزة، فمن جانب لم يتحدث مع مريم أمام الجموع بما قاله لمرثا حين التقت به منفردة، إذ تحدث عن إقامته للعازر. فلو سمعت الجموع ذلك حيث يحمل كثيرون له عداوة، لتركوه ورجعوا إلى أورشليم، ولم يروا إقامة لعازر. من جانب آخر أكد ناسوته فى تلك اللحظات، حتى لا تنفر الجموع، إن تحدث عما يخص لاهوته.

بكى فى صمتٍ، واضطراب ثم تنهَّد، وسأل عن موضع القبر. كل هذا أثار تساؤلات فى أذهان اليهود، ورغبة فى معرفة ما سيفعله دون نفورٍ من جانبهم[369].

ويقول القديس أغسطينوس: [بكى الرب نفسه أيضاً من أجل لعازر الذى سيُقِيمه إلى الحياة، بلا شك لكى يسمح لنا بمثاله أن نبكى على موتانا، وإن كان لم يعطنا وصيته بذلك، هذا مع إيماننا بأنهم يقومون إلى الحياة الحقيقية[370].] ويقول القديس جيروم: [لكى يُظهِر المُخَلِّص نفسه أن لديه مشاعر بشرية حقيقية حزن من أجل ذاك الذى سيُقيمه من الأموات[371].].

يطلب القدِّيس أمبروسيوس منا أن نسأل السيد المسيح أن يبكى علينا، قائلاً:

[لتهب لى يا رب أن تأتى إلى قبري، فتسكب الدموع عليّ، حيث جفّت عيناى ولم تعودا قادرتين على سكب دموعٍ كهذه من أجل معاصي. إن بكيت يا رب عليّ (كما على لعازر) فسأُنقذ... أنت تدعونى من قبر جسدى هذا، قائلاً: "هلم خارجاً" (يو 11: 43)، حتى لا يعود تفكيرى ينحصر فى حدود جسدى هذا الضيق، بل يخرج نحو المسيح ويحيا فى النور، فلا أعود أُفَكِّر فى أعمال الظلمة بل فى أعمال النور...

ناد يا رب خادمك، رغم ربطه بسلسلة الخطايا، وتقييد قدميه ويديه، فإنه الآن مدفون فى قبر الأفكار والأعمال الميتة. لكن عندما تدعونى أقوم حراً، وأصير أحد الجالسين فى وليمتك وتفوح فى بيتك رائحة طيب ذكية.

إن كنت قد وهبت لأحد أن يخلص، فإنك تحافظ عليه أيضاً، فيقال عنى: "أنظر! إنه لم يحضر وسط الكنيسة، ولا تأدَّب منذ طفولته، بل كان هارباً من الحكم. فجُذِب من أباطيل العالم، ودخل فى صفوف المرتلين، بدلاً من أن يكون بين المولولين، وقد ثابر فى كهنوته لا بقوته الخاصة بل بنعمة المسيح، وصار جالساً بين المدعوين فى الوليمة السمائية".

احفظ أيها الرب عملك، واحرس عطاياك التى وهبتها حتى لذاك الذى هرب منها. فإننى أعلم إننى لم أكن مستحقاً أن أدعَى أسقفاً، لأننى انشغلت بهذا العالم، لكن نعمتك جعلتنى على ما أنا عليه. وفى الحقيقة إننى أصغر جميع الأساقفة، وأقلهم استحقاقاً. ومع ذلك فقد تعهَّدت ببعض الأعمال الخاصة بكنيستك المقدسة، وسهرت على هذه الثمرة، وإذ اخترتنى للكهنوت وأنا مفقود، لا تسمح بعد أن أكون مفقوداً وأنا كاهن. إن أول عطية هى أن أعرف كيف أحزن حزناً عميقاً مع أولئك الذين يخطئون، لأن هذه هى أعظم فضيلة.].


[368] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate cf. 1: 49.

[369] Cf. Homilies on St. John, 1: 63.

[370] Letters, 263.

[371] Letter 7: 60.

3- ما هى غاية البكاء والدموع عند أناس الله الباكين؟

1- عن ماذا تُعَبِر دموع المؤمن؟