6- ما هى أنواع الميتات التى حلَّت على الرسول بولس؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الروح والجسد, مفاهيم في الحياة الروحية
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

6 - ما هى أنواع الميتات التى حلَّت على الرسول بولس؟

يُقَدِّم لنا الكتاب المقدس مثالاً رائعاً للاقتداء بالسيد المسيح ألا وهو الرسول بولس الذى اضطر أن يتحدث عن نفسه، ليؤكد لأهل كورنثوس صدق رسوليته، ولكى يقتدوا هم أيضاً بالمسيح يسوع المصلوب، قائلاً: "أهُم خدام المسيح، أقول كمختل العقل فأنا أفضل، فى الأتعاب أكثر، فى الضربات أوفر، فى السجون أكثر، فى الميتات مراراً كثيرة" (2كو 11: 23).

إنه يعتزّ بنعمة الله التى قادته وسندته لكى يحتمل أتعاب فى الرسولية أكثر منهم. كرسولٍ للأمم أبغضه اليهود جداً، وكالوا له متاعب واضطهادات أكثر مما فعلوه مع غيره من الرسل. كلما حانت الفرصة لمقاومته بذلوا كل الجهد لتعذيبه ومحاولة قتله.

أولاً: من جهة الأتعاب كان كثير الترحال من بلدٍ إلى بلدٍ، من مقاطعةٍ إلى أخرى. وكثيراً ما كان يضطر إلى الانطلاق للكرازة فى بلاد أخرى تحت ضغط المقاومين له والمصممين على قتله. كان يلمس يد الله التى تحول المتاعب لانتشار الكرازة وإقامة مملكة النور عوض الظلمة فى مواضع كثيرة.

ثانياً: من جهة الضربات فهى أوفر، فقد تعرض لضربات الوثنيين الذين لا يحكمهم قانون معيَّن فى وضع العقوبات، فضربوه بلا رحمة بجلدات كثيرة (أع 16: 23).

ثالثاً: "فى السجون أكثر": تاريخ الرسول بولس كله مملوء بالسجون (أع 21: 11)، سُجِن على الأقل لمدة عامين فى روما (أع 28)، لكن لم يسمعوا عن رسول كاذب قد سُجِن.

رابعاً: "فى الميتات مراراً كثيرة" (أع 14: 19). كان يترقَّب الموت كل يوم بسبب كثرة ما تعرَّض له من متاعب واضطهادات. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ليس من أحد آخر وُهِب له مثل هذا الحُبّ للرب مثل هذه الروح الطوباوية. أقصد كأنه قد تحرَّر من الجسد وارتفع فى الأعالى، قل أحسبه كمن وطأ الأرض وخلص نفسه من كل هذه العلامات. أنتم ترون أن شوقه لله وحُبَّه الملتهب رفع فكره من الأمور المادية إلى الروحية، من الحاضر إلى المستقبل، من المنظورات إلى غير المنظورات. هذا ما يجلبه الإيمان، الحب لله فوق كل شيء. لكى تبرهن هذا الاتجاه السليم تطلعوا إلى هذا الرجل بحُبِّه العظيم للرب، ورغبته المتقدة نحوه. كان مُطارَداً ومُضطهَداً وتحت العقوبة، وتحت آلام لا حصر لها... وإذ كان يعانى من كل هذه الأمور فرح وابتهج. ها أنتم ترون كيف كان مقتنعاً تماماً بأن أتعاب الحياة الحاضرة هى فرصة لينال مكافأة عظيمة. وأن الأخطار هى مصدر الإكليل. أضف إلى هذا إن كان بدافع الحب لراحيل، حسب يعقوب فترة السبع سنين كأيامٍ قليلةٍ، كم بالأكثر هذا الطوباوى حسب كل هذه الأمور كلا شيء بسبب التهابه بحب الله واستعداده لاحتمال كل شيء من أجل محبته للمسيح. أسألكم أيضاً اهتموا بمحبة المسيح. فالمسيح لا يطلب منكم شيئاً، سوى أن تحبوه من كل قلوبكم وتقبلوا وصاياه كما يقول الكتاب المقدس[341].].

[تقول: نجد فى الكتاب إعجاباً بيعقوب بن اسحق وذلك لقوته (تك 32: 24). لكن أية نفس مهما بلغت صلابتها تعادل قوة احتمال بولس؟! لقد احتمل العبودية ليس فقط لمدة أربعة عشر عاماً (تك 29: 18، 27) بل كل أيام حياته من أجل عروس المسيح. احتمل ليس حر النهار وبرد الليل فحسب، بل عواصف من التجارب لا تُحصى، من جلدٍ ورجمٍ ومصارعة وحوشٍ مفترسة وأخطارٍ فى البحر وأصوامٍ متواصلة نهاراً وليلاً وعُرىٍ وأخطارٍ فى كل موضع (2كو 11: 23 الخ) حتى يتفادى الشباك ويخطف الحملان من بين أنياب الشيطان[342].].

[إنه يعرف حسناً أن يُصَحِّح تلاميذه فى الوقت المناسب، بطريقة جادة ولطيفة. بالتأكيد لديه مصادر أخرى كأن يوضح بها الحق الخاص بكرازته بآيات وعجائب، مع مخاطرٍ وسجونٍ، وميتاتٍ يومية، وجوعٍ وعطشٍ، وعرىٍ وما أشبه ذلك. الآن لا يتحدث عن الرسل الكذبة بل عن الرسل الحقيقيين الذين اشتركوا فى ذات المخاطر، مستخدماً وسيلة أخرى. فإنه عندما أشار إلى الرسل وضع مقارنة معهم مظهراً احتماله للخطر، قائلاً: "أهم خدام المسيح؟... فأنا أفضل أكثر، فى الضربات أوفر، فى الميتات مراراً كثيرة" [343].].

خامساً: الجلدات. يقول الرسول: "من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة" (2كو 11: 24). جُلِد خمس مرات من اليهود هؤلاء الذين لا تسمح لهم الشريعة بالجلد سوى أربعين جلدة (تث 25: 3). فمن أجل تنفيذ الناموس جلدوه 39 جلدة حتى لا يخطئوا فى العدد فيكسروا الناموس.

حسب ما ورد فى المشناة الإنسان الذى لا يحتمل الأربعين جلدة، يُجلَد 18 جلدة، ويُحسَب أنه قد وفى كل العقوبة[344]. وكان المحكوم عليه بالجلد تُربَط يداه فى عمود، ويقوم خادم المجمع بنزع ثيابه أو تمزيقها حتى يصير ظهره وصدره عريانين. يوضع حجر خلفه يجلس عليه الخادم منفذ الحكم ويمسك بالسوط الذى من الجلد غالباً به ثلاثة فروع. ثلث الجلدات على صدر المجرم، والثلث على كتفه الأيمن والثلث الباقى على كتفه الأيسر. يضرب الخادم بكل قوته، أما المجرم فينحنى، لا يكون جالساً أو واقفاً. ولم يكن يُسمَح بالجلد أكثر من مرة إلا بالنسبة للمجرمين العتاة جداً.

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [انظروا كيف لا يفتخر فى أى موضع بصنعه الآيات بل باضطهاداته وتجاربه!... فى كل موضع نجده فى اضطراب وفى ثورة مما يحل عليه من ذويه ومن الغرباء. هذه شخصية رسولية؛ بهذه الأمور يُنسج الإنجيل[345].].

سادساً: يُعَدِّد كثرة من المتاعب الخطيرة. يقول "ثلاث مرات ضُربت بالعصى، مرة رجمت، ثلاث مرات انكسرت بى السفينة، ليلاً ونهاراً قضيت فى العمق" (2كو 11: 25). َضُرِب بالعصي وذلك حسب القانون الرومانى، وقد حدث ذلك فى فيلبى (أع 16: 22)، أو تكرر ذلك مرتين أخريتين فى مناطق أخرى، ورُجِم فى لسترة (اع 14: 19)، وانكسرت به السفينة، وقضى فى العمق، ربما يقصد أنه وُضع فى زنزانة فى السجن الداخلى كسجين نهاراً وليلاً. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [يعجب الناس من اسحق فى أمور كثيرة، خاصة صبره. فقد حفر آباراً (تك 26: 18)، وحين نُزِعت عنه أملاكه لم يتشاجر بل سمح بردم آباره، وكان دائم الترحال من مكان إلى آخر. لم يحشد قواته ضد العدو، بل كان يرحل تاركاً وراءه مملتكاته حتى يُشبِع عدوه رغبته فى الظلم. أما بولس فحين رأى ليس آباره تُردَم بالتراب بل جسده يُرجَم بالحجارة لم يرحل من مكانه كما فعل هذا الرجل (اسحق)، بل جرى وراء راجميه وجاهد، حتى يقودهم إلى السماء. كلما سُدَّت الآبار كلما فجَّر بالأكثر فيه أنهار الاحتمال[346].].

كما يقول الرسول: "بأسفار مراراً كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار من جنسي، بأخطار من الأمم، بأخطار فى المدينة، بأخطار فى البرية، بأخطار فى البحر، بأخطار من إخوة كذبة" (2كو 11: 25). يتحدث هنا عن أسفاره من أجل الكرازة والاهتمام بالكنائس. بقوله "بأخطار سيول"، يفهم من الكلمة اليونانية Potamoon أنها أنهار. وكما يقول أمبروسياستر كان الرسول فى خطر من الأنهار فى الشتاء حيث كان المطر ينهمر، دائماً والأنهار تفيض على شواطئها. وبقوله "بأخطار لصوص" غالباً ما هوجم من لصوص وقطاع طرق، ولكنه كشخص فقير لا يملك شيئاً لم يصبه ضرر فى شيء، لكنه كان فى خطر عظيم. وبقوله "بأخطار من جنسي": تطلع إليه اليهود كأخطر مرتدٍ عن الإيمان وكمقاومٍ للناموس الموسوي، حتى دبروا مؤامرة لقتله (أع 23: 12). وبقوله "بأخطار من الأمم". التى انطلق ليكرز بينهم. وبقوله "بأخطار فى المدينة": فقد وضعت فتن مختلفة ضده خاصة فى أورشليم وأفسس ودمشق. وبقوله "بأخطار فى البرية" التزم أن يعبر بها أثناء رحيله من مدينة إلى أخرى، وكان يتعرض إلى قطاع الطرق والوحوش المفترسة كما إلى البرد القارص ليلاً والحر الشديد فى الظهيرة، وربما إلى جوعٍ وعطشٍ. وبقوله "بأخطار فى البحر" حيث يتعرض لقراصنة البحار أو الزوابع الشديدة. يشير هنا إلى خطر انكسار السفينة حين أراد الجند أن يقتلوا المسجونين الذين على السفينة لئلا يهربوا أن تركوهم يسبحون، لكنه وهو الأسير، كان القائد الذى ينفذ الكل ما يقوله (أع 27: 42 - 44). وبقوله "بأخطار من إخوة كذبة": هؤلاء الذين تظاهروا بالإيمان بالمسيح وانضموا إلى الكنيسة، لا لبنيانها بل لهدمها، ولكى يجدوا علة على الرسول بولس، فيثيروا الكنيسة فى كورنثوس ضده. كما عانى أيضاً من المرتدين.

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [تقول: يُعجَب كل بشرٍ بأيوب، وهو بحق يستحق ذلك، فإنه حارب فى معركة عظمى، ويمكن أن يقف فى مقارنة مع بولس فى صبره، وفى طهارة حياته، وشهادته لله، وصراعه الشجاع مع الشيطان، ونصرته التى أنهى بها صراعه. لكن صراع بولس استمر ليس بضعة أشهر فحسب بل سنوات طويلة. كان دائماً يندفع في فم الأسد، ويصارع في مواجهة تجاربٍ بلا عدد، مثبتاً أنه أكثر قوة من أية صخرة. لم يلعنه ثلاثة من الأصدقاء أو اربعة بل كل الإخوة الكذبة الخائنين، أفتري عليه، تُفل عليه وشُتم[347].] [بالحقيقة إن غيرته الزائدة لم تُشعِرُه بالآلام المصاحبة لحياته فى الفضيلة. ولم يكن ذلك الأمر هو الوحيد العظيم فى حياته، وإنما أيضاً لم يكن له دافع خفيّ وراء سعيه نحو الفضيلة. إننا نتخاذل فى تَحمّل الآلام من أجل الفضيلة حتى لو عُرضت علينا المكافأة مُقدّماً، لكن بولس احتضن الآلام بمحبة بلا مُقابل، وتحْمَل بكل فرح ما اعترضه من صعوبات وعوائق فى طريق الفضيلة. فلم يتضايق من ضعف الجسد أو ضغوط المسئولية أو بطش العادات ولا من أى شيء آخر. عِلاوة على ذلك فاقت مسئولياته كل مهام القادة والملوك، لكنه كان يزداد فى الفضيلة يومياً. وصار ازدياد المخاطر سبباً فى التهاب غيرته بالأكثر، فقال "أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام" (في 3: 13) [348].].

ويقول القديس أغسطينوس: [يقتني البعض وظيفة الرعاة المكرمة لكى يرعوا قطيع المسيح، وآخرون يحتلون هذا لمركز لكى يتمتعوا بكرامات زمنية ومكاسب عالمية ترتبط بهذه الوظيفة. بالضرورة يوجد هذان النوعان من الرعاة، بعض منهم يموت والآخرون يخلفونهم، وهم مستمرون فى الكنيسة الجامعة وحتى نهاية الزمن ويوم الرب للدينونة. إن كان فى عصر الرسل وُجد أناس هكذا عانى الرسول من سلوكهم وأحصاهم ضمن التجارب التى حلت به: "بأخطارٍ من اخوة كذبة"، ومع هذا لم يطردهم بغطرسة بل بطول أناة احتملهم، فكم بالأكثر يقومون فى أيامنا حيث يقول المسيح بكل وضوح عن عصرنا الذى قارب إلى النهاية: "بسبب الشر تبرد محبة الكثيرين" (مت 24: 12 - 13). ما جاء بعد ذلك يعزينا ويرشدنا: "من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص[349].] [يا لعظم الشكاوى التى أثارها الرسول بولس ضد الأخوة الكذبة. ومع هذا فإنه لم يتدنس بصحبتهم الجسدية، بل اعتزلهم خلال نقاوة قلبه التى تميزه[350].].

يرى القديس أغسطينوس أن الرسول بولس هنا فى دحضه للرسل الكذبة استخدم الحكمة مع البلاغة مع أنه يقول بأنه يتكلم "كأنه فى غباوة" الحكمة هى قائدة له، والبلاغة هى رفيقة له، تبع الأولى والثانية هى التى تبعته، ومع ذلك لم يستخف بها عندما تبعته[351].

سابعاً: أتعابه التى اختارها بإرادته. "فى تعبٍ وكدٍّ، فى أسهارٍ مراراً كثيرة، فى جوعٍ وعطشٍ، فى أصوامٍ مراراً كثيرة، فى بردٍ وعرىٍ" (2كو 11: 27). كانت المتاعب رفيقة له أينما حلّ. قضى الرسول بولس ليالٍ كثيرة فى أسهارٍ، تارة بإرادته مصلياً من أجل الخدمة أو كارزاً مبشراً، وتارة بغير إرادته أثناء اضطهاده. عانى الرسول أيضاً من البرد عندما انكسرت السفينة عند جزيرة مالطة وجاء الشعب لينقذه (أع 28: 1 - 10). يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [تقول: أكل يوحنا المعمدان جراداً وعسلاً برياً (مت 3: 4)، أما بولس فمع أنه عاش فى العالم ولم يسكن البرية ولم يأكل جراداً ولا عسلاً برياً لكنه كان مكتفياً بمائدة أكثر بساطة ونسكاً، متجاهلاً حتى الضرورات من أجل غيرته للكرازة[352].].


[341] In Gen. Hom 55.

[342] فى مديح القديس بولس، عظة 1.

[343] In Galat. , hom. 1.

[344] Mishna, Maccoth, Fol 20,10.

[345] In 2 Cor. hom 25. PG 61: 614 – 615.

[346] - فى مديح القديس بولس، عظة 1.

[347] - فى مديح القديس بولس، عظة 1.

[348] - فى مديح القديس بولس، عظة 2.

[349] Letter 208 to Felicia.

[350] Letter 108 to Macrobius.

[351] On Christian Doctrine, 7: 4 (12).

[352] - فى مديح القديس بولس، عظة1.

7- ماذا يقصد الرسول بقوله "حاملين فى الجسد كل حين إماتة الرب يسوع" (2كو 10:4)؟

5- كيف نقتدي بالمسيح المصلوب؟