هل من حاجة إلى بناء بيت الرب؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الكنيسة, عقيدة
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

هل من حاجة إلى بناء بيت الرب؟

يقول المرتل: "مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات، تشتاق وتذوب نفسى للدخول إلى ديار الرب، قلبى وجسمى قد ابتهاجا بالإله الحى، لأن العصفور قد وجد له بيتاً، واليمامة عشاً لتضع فيه فراخها، مذابحك يا رب إله القوات ملكى وإلهى، طوبى لكل الساكنين فى بيتك... لأن يوماً صالحاً فى ديارك خير من آلاف..." (مزمور84).

وسط تيارات العالم العنيفة وتحت ثقل التجارب المتوالية رفع المرتل عينيه ليرى العصفور، قد وجد له بيتاً يستقر فيه، واليمامة عشاً تجتمع فيه مع فراخها، أما هو فإلى أين يذهب؟ إلى أين يلتجئ؟ لم يجد المرتل مثل مذابح الرب إله القوات، فهى سرّ بهجة قلبه وراحة نفسه! هناك تنطلق نفسه إلى السماء كى تستقر فيها، حيث تهرب الأرض من تحت قدميه، ويختفى العالم بمادياته عن بصيرته. ينطلق كما بأجنحة الروح إلى العرش الإلهى حيث يتراءى قدامه إلهه بل وحبيبه الشخصى. هناك يرتمى فى أحضانه ويتكئ على صدره، ويلقى عليه همومه، ويروى له أسراره الخفية، يناجيه ويعاتبه، يسمع صوته ويدخل أمجاده. لقد عبر العلامة ترتليان عن عظمة هذه الدالة التى ينعم بها المجتمعون فى بيت الرب فقال: [نجتمع معاً... لكى نحوط الله بصلواتنا بقوة الأذرع، فإنه يسر بعنف كهذا!].

فى بيت الله أيضاً المؤمنون عبادتهم للرب، لا كفرض أو روتين يؤدونه، إنما هو حق لهم يمارسونه متقبلين مواهب الروح القدس المجانية. عبادتهم للرب هى الدخول فى مراعى الرب الخضراء، يغطسون فى ينبوع المياه واهبة الحياة، ويأكلون من دسم السماء، ويشربون كاس الخلاص، ويتنعمون بأسرار حب الله اللانهائية. يعطيهم الروح شبعاً فلا يعودون يطلبون شيئاً إلا أن يبقوا فى حضرته، يمتلئون بفيض فلا يطلبون من أجلهم بقدر ما يطلبون عن الآخرين، الرؤساء والوزراء والمشيرين والأساقفة والكهنة والشمامسة وكل الخدام والرهبان والراهبات والمحتاجين والمرضى والمسافرين والمسجونين والمتضايقين والمنتقلين. بل ويطلبون حتى من أجل الحيوانات والزروع وأهوية السماء! كأنهم وهم فى بيت الرب إذ تنسحب قلوبهم إلى السماء لا تنغلق عند احتياجات الإنسان الخاصة به فقط بل تتسع بالحب فتشتهى خلاص الخليقة جميعها وسلامها وتجديدها!

وفى الكنيسة أيضاً يجتمع المؤمنون كما فى "بيت الملائكة"، يشتركون مع الملائكة فى ليتورجياتهم السماوية وصلواتهم وتسابيحهم، ويكونون فى صحبتهم على الدوام، يتدربون على تسبيح "الترنيمة الجديدة" بلغة ملائكية! هنا كما رأى هرماس فى كتابه الراعى ([285]) تفرح الملائكة إذ يرون برج الله السماوى يكتمل بناؤه فينا، ممجدين الله على بنيان الكنيسة الروحى المستمر.

أما سر عظمة بيت الله فهو قيادة الروح القدس الفعالة فى حياة شعب الله! هو روح الكنيسة، كما يقول القديس أغسطينوس، يفيض بكل نعمة على الأعضاء. لقد عبر القديس إيرينيؤس عن ذلك بقوله: [حيث تكون الكنيسة يوجد روح الله، وحيث يوجد روح الله توجد الكنيسة وتقوم كل نعمة! ([286])] ويقول القديس كيرلس الإسكندرى: [الروح القدس هو رائحة المسيح واهب الحياة، رائحة حية وفعالة، تجتذب إليه الخليقة لتشاركه طبيعته التى هى فوق الكل! ([287])].

هكذا فى بيت يشرق المسيح شمس البرّ بروحه علينا فنضئ لنكون كواكب حية وفعالة تسكب حباً على العالم، نخدمه فى تواضع ونشتهى خلاصه! يدخل بنا الروح فى دائرة الصليب فيشتهى كل منا أن يموت مع مسيحه من أجل الكل!

فى بيت الرب يعطينا الخالق فكراً جديداً حتى تجاه المادة غير العاقلة، فنرى كل ما هو حولنا مقدساً ومباركاً. فالقمح (الخبز) يصير بالروح القدس جسد الرب، ويتحول عصير الكرمة إلى دمه الأقدس. والبخور يرفع صلوات نقية تحملها الملائكة إلى العرش الإلهى، والزيت يحل فيه روح الرب. وماذا أقول؟ فإن الذهب والفضة والحجارة الكريمة والأخشاب والورق ولأقمشة بل حتى الحجارة والتراب يتقدس هذا كله باستخدامه كمواد فى بناء بيت الرب المقدس وأثاثه وفى العبادة... وهكذا تخضع المادة الجامدة لخدمة السماويات!

دراساتنا للمبنى الكنسى ليست دراسة مجردة فى الطقس وشرحه، ولا فى المعمار الكنسى وتطوره، بقدر ما هى رغبة فى إدراك مفاهيمنا الروحية الأصيلة لبيت الله، لنمارسها فى حياتنا اليومية.


[285] [] Hermas: Shepherd vis 4: 3 2: 4.

[286] [] Adv. Hear 24: 3: 1.

[287] [] St. Cyril of Alexandria: Thesaurus 34. PG 609: 75; In Joan. 2: 11 PG 452: 74, 3.

ما هو مفهومنا للمبنى الكنسى؟

هل يُمكن أن تجد كنيسة كاملة فى طهارتها؟