15- من يقدر أن ينزع الخوف عنا؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الخوف والقلق, معوقات الحياة الروحية
آخر تحديث 13 يناير 2022
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ4 – العبادة المسيحية أنطلاقة نحو السماء – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

15 - من يقدر أن ينزع الخوف عنا؟

يقول القديس أغسطينوس: [لماذا تخافون أيها المسيحيون؟ المسيح يقول: "أنا هو لا تخافوا" (مت 14: 27). لماذا تنزعجون لهذه الأمور؟ لقد سبق فأخبرتكم بهذه الأمور أنها ستحدث حتماً... "أنا هو لا تخافوا. فرضوا أن يقبلوه فى السفينة". إذ عرفوه وفرحوا تحرروا من مخاوفهم. "وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التى كانوا ذاهبين إليها". وُجدت نهاية عند الأرض، من المنطقة المائية إلى المنطقة الصلدة، من الاضطراب إلى الثبات، من الطريق إلى الهدف[266].].

كما يقول: إنه يُدخل اسم "أحباء" بطريقة يسحب بها اسم "عبيد"، وليس كمن يضم كليهما فى تعبيرٍ واحدٍ، وإنما الواحد يحتل الموضع الذى يتخلَّى عنه الآخر. ماذا يعنى هذا؟... إنه يوجد نوعان من الخوف، يُنتجان نوعين من الخائفين، هكذا يوجد نوعان من الخدمة، يُنتجان نوعين من الخدم. يوجد خوف يطرده الحب الكامل (1يو 4: 28) ويوجد خوف آخر طاهر يبقى إلى الأبد (مز 19: 9). الخوف الذى ليس فيه حب، يشير إليه الرسول عندما يقول: "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف" (رو 8: 15). لكنه أشار إلى الخوف الطاهر عندما قال: "لا تستكبر بل خف!" (رو 11: 20). فى ذلك الخوف الذى يطرده الحب خارجاً توجد أيضاً الخدمة المرتبطة به، فإن الرسول يربط الاثنين معاً، أى الخدمة والخوف، إذ يقول: "إذ لم تأخذوا روح العبودية (الخدمة) للخوف". مثل هذا الخادم يرتبط بهذا النوع من الخدمة هذا الذى كان أمام عينى الرب عندما قال: "لا أعود أسميكم عبيداً، لأن العبد لا يعلم ما يعمله سيده". بالتأكيد ليس العبد المتسم بالخوف الطاهر، الذى يُقال عنه: "أيها العبد الصالح، أدخل إلى فرح سيدك" (مت 25: 23)، وإنما العبد الذى يتسم بالخوف الذى يطرده الحب خارجاً، والذى قيل عنه فى موضع آخر: "العبد لا يبقى فى البيت إلى الأبد، أما الابن فيبقى إلى الأبد" (يو 8: 35). إذن حيث أعطانا سلطاناً أن نكون أبناء الله (يو 1: 12)، ليتنا لا نكون عبيداً بل أبناء. فبرطيقٍ حقيقىٍ عجيبٍ لا يوصف يكون لنا نحن العبيد السلطان ألا نكون عبيداً[267].

ويقول القديس كيرلس الكبير: [المسيح هو نجاتنا من كل خطر، وهو يحقق الإنجازات بما يفوق توقع الذين يقبلونه. تلاميذه وحدهم وبأنفسهم كنموذج للمعلمين الكنسيين بالتتابع عبر الأزمان كلها، يسبحون خلال أمواج هذه الحياة الحاضرة كنموذج للبحر، يواجهون تجارب عديدة وشديدة، ويتحملون مخاطر لا يُستهان بها عند التعليم، وذلك على أيدى أولئك الذين يعارضون الإيمان ويحاربون الكرازة بالإنجيل. لكنهم سيتحررون من خوفهم ومن كل خطرٍ، وسوف يستريحون من أتعابهم وبؤسهم حينما يظهر المسيح لهم بعد موته أيضاً بقدرته الإلهية، إذ قد وضع العالم كله تحت قدميه. هذا ما يشير إليه سيره على البحر، مادام البحر غالباً ما يُعتبر رمزاً للعالم فى الكتب المقدسة... فحينما يأتى المسيح فى مجد أبيه كما هو مكتوب (مت 16: 27) حينئذ سفينة الرسل القديسين، أى الكنيسة، والذين يبحرون فيها، أى الذين بالإيمان والمحبة نحو الله يرتفعون فوق أمور العالم، دون تأخير وبدون أى تعبٍ، يربحون الأرض التى كانوا ذاهبين إليها، إذ غايتهم هى بلوغ ملكوت السماوات، كما إلى مرفأ هادئ.].

كما يقول: [إننا كأحبَّاء له يلزمنا ألا نخاف الموت بل بالحرى نتمثَّل بالآباء القدِّيسين. فعندما جُرِّب الأب إبراهيم قدَّم ابنه الوحيد اسحق، حاسباُ ان الله قادر أن يقيمه من الأموات (عب 11: 19). أى رعب من الخوف يمكن أن يهاجمنا وقد أبطل "الحياة (المسيح)" الموت، لأن المسيح هو القيامة والحياة (يو 11: 25). ولنضع أيضاً فى ذهننا أن الأكاليل تُقتنَى بالجهاد. فإن المصارعين الأقوياء فى الحلقات ينالون الكمال بالجهاد العنيف مع الخبرة. الشجاعة والذهن الشهم هما اللذان يخدمان أصحاب المهارة فى المعارك. أما من يلقى عنه درعه يحتقره العدو، وإن عاش الهارب من المعركة، يحيا كذليلٍ. أما الذى ثبُت فى المعركة، ووقف ببسالة وشهامة بكل قوَّته ضد العدو، فيُكرم بنواله النصرة، وإن سقط (جريحاً) فيكون موضع إعجابٍ[268].].

[لقد ظن الفرِّيسيُّون أن سلطان هيرودس يرعبه فتذله المخاوف، لكنه هو رب القوات الذى يُوَلِّد فينا الشجاعة الروحيَّة بكلماته: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها" (مت 10: 28). إنه لم يعطِ اهتماماً للعنف البشرى، بل يقول: "بل ينبغى أن أسير اليوم وغداً وما يليه" (لو 13: 33). بقوله "ينبغى" لا يعنى الإلزمام قسراً، وإنما التزام به بكمال حريته، فبدون خطر يذهب أينما شاء ويتنقل فى اليهوديَّة دون أن يقاومه أحد أو يخطط ضده حتى يتقبل الألم بإرادته خلال الصليب الثمين... بإرادته قبل الألم لكى يموت جسده يبطل الموت ويقوم. وإذ قام من الأموات يقيم معه الطبيعة البشريَّة كلها، ويجددها واهباً لها الحياة التى بلا فساد[269].].

ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [يلزمنا أن نخاف عذاب النفس لا قتل الجسد، فالموت يمثل نهاية طبيعيَّة للعذاب الجسدى لكن ليس نهاية للعقاب. فهو يضع نهاية لآلام الجسد (الزمنيَّة)، أما عقاب النفس فأبدى. يلزمنا أن نخاف الله وحده! [270]].

إنه يسمح بالتجربة، مطالباً إيّانا ألا نقلق ولا نهتم كيف نتصرّف ولا بماذا ننطق، إنّما روحه القدّوس هو الذى يعمل فى المتضايقين معلناً مجد المسيح، شاهداً ببهائه فينا ككرازة وشهادة أمام الأخرين. يقول القدّيس أغسطينوس: [إنه يحرّركم من الخوف ويهبكم الحب الذى يشعل غيرتكم بالكرازة بى فتنبعث فيكم رائحة مجدى فى العالم وتمتدحونه[271].] ويتحدّث القدّيس جيروم عن عمل الله فى هذه اللحظات الصعبة، قائلاً: [ها أنتم ترون أنه ليس لدينا مخازن نخزن فيها، لكننا ننال فيضاً فى اللحظة المطلوبة[272].].

يقول القديس يوحنا سابا: [إن كنت غريباً عن كل اضطراب خارجى تسمع داخلك الروح ينطق بالممجدات[273].]، [إن نفسك هى أورشليم المفرحة للمسيح فلماذا لا تزال تتردد فى أسواق البابليون (المتبلبلين)؟ [274]].


[266] St. Augustine: On the Gospel of St. John. tractate 7: 25.

[267] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 2: 85.

[268] In Luc Ser 87.

[269] In Luc Ser 100.

[270] In Luc 1: 12 - 7.

[271] In Matt hom. 6: 33.

[272] On Ps. hom 54.

[273] - مقال2.

[274] - رسالة 35.

16- ما هو الفرق بين الخوف الذى تطرحه المحبة إلى خارج، والخوف النقى الثابت إلى الأبد؟

14- كيف نقاوم الخوف؟