ما هي غاية التأمل فى الخليقة؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, الحياة الروحية المسيحية - اللاهوت الروحي, الخلوة الروحية والتأمل, الوسائط الروحية
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ2 – العقائد المسيحية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ما هي غاية التأمل فى الخليقة؟

أولاً: الإيمان بالله، ورعايته للخليقة، وتحقيق إرادته الحكيمة المملوءة حباً وصلاحاً. يترنم المرتل، قائلاً: "السماوات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه" (مز19: 1). يقول القديس باسيليوس الكبير: [إذا ما تطلَّعتَ إلى السماوات، ولاحظت نظامها، فأنت على الطريق نحو الإيمان، فهي تُعلِنُ لك ذاك الذي صنعها. وإن فتحتَ عينيك على جمال الأرض من جديد، فبدورها تتحوَّل إلى براهين على الإيمان بالله. إيماننا به لا يعتمد على معرفة تأتي من عيوننا الجسدية المُجرَّدة، إنما على قوة العقل التي تجعل الأمور التي لا يمكننا رؤيتها منظورة لنا خلال المنظورات. إن نظرت إلى صخرة، فهى تكشف لك عن مظهر من مظاهر قدْرَة صانعها، وهكذا النملة والذبابة والنحلة. كثيرّاً ما تكشف لك أصغر المخلوقات عن حكمة الخالق. بالحقيقة الذي نشر السماء، وملأ مساحات البحر اللانهائية، هو بذاته الذي غرس للنحلة شوكة رقيقة، مثل الأنبوبة ليسري داخلها سُمَّها... لا تسمَح لعدم الإيمان بالتسرُّب إليك أبداً، ولا تقل أبداً إنها الصدفة، أو هكذا وُجِدَتْ. إذ لا وجود لشيءٍ بلا نظامٍ، ولا وجود لشيء غير مُحدَّد. ولا وجود للصدفة، ولا وجود لأحداث وقعت مصادفة للكائنات[130].].

ويقول القدِّيس إيرينيؤس: [تنبع كل الأشياء من الله. وحيث أن المخلوقات عديدة ومتنوِّعة، فهي قد تثَّبتَ وتتناغم مع الخليقة كلها. ومع ذلك فحينما نلاحظها على إنفراد نجدها متناغمة في تقابلها، كالقيثارة التى تتكوَّن من العديد من المقاطع المتقابلة. لكنها في النهاية تعطي نغمة متَّصلة من خلال المقاطع التي تفصل الواحد عن الآخر. لكن يجب ألاَّ ينخدع الباحث عن الحقيقة بالفواصل التي تفصل بين المقطع والآخر أو يتصوَّر أن السبب في ذلك يرجع إلى مُلحن أو آخر، بل عليه أن يثق أنه يوجد كائن واحد قد صنعا جميعاً ليثبت المهارة والجودة وجمال العمل بأكمله.

أولئك الذين يستمعون إلى النغمة يلزمهم أن يُسبحوا الصانع ويمجِّدوه وليظهروا عجبهم بعمله. فتارة يقدِّم لهم مقطوعة عالية، ومرَّة أخرى ناعمة. ليدركوا الفرق بين هذه النغمات المتباينة. وليدركوا الطبيعة الخاصة للبعض الاخر، وحينئذٍ يتساءلون عما يهدف كل منها، وعن سبب التباين.

فلا نيأس أبداً من تطبيق دورنا في الحياة، ولا نحبط الخالق. ولا نلقي إيماننا بالله الواحد الذي خلق الموجودات ولا نجدف على الخالق[131].].

ثانياً: الرد على بعض الأخطاء التي سقط فيها بعض الفلاسفة مثل الادعاء أن السماء والأرض وُجدا عفوياً أو مصادفةً أو تلقائياً[132]. وادعى البعض أن العالم مساوي لله، وُجد معه منذ الأزل، ونادى أتباع ماني بأن الأرض والسماء المنظورة المادية هما من صنع الشياطين وقوات الظلمة، فهي شريرة بطبيعتها. ونادى بعض الغنوصيين بأن العالم من صُنْعِ الإله الخالق Demiurge وهو في نظرهم إن لم يكن إلهاً شريراً فهو أقل من الكائن الأعظم خالق الروح لا المادة.

ثالثاً: الانطلاق في رحلة إلى أعماق النفس: يؤكد القّدِيس باسيليوس أنه فى دراسة الخليقة يلزم الانطلاق في رحلة إلى أعماق النفس، ليكتشف المؤمن العالم المُصَغْر الأروع بكثير من العالم الخارجي. يؤكد القّدِيس أن التعرَّف على السماء غير المنظورة أسهل من تعرَّف الإنسان على أعماقه. الإنسان الداخلي هو عالم خاص وثمين يلزم الدخول فيه بروح الله القدوس، فنعرف أنفسنا وننمو في معرفة الله. كثيراً ما تحدَّث القدِّيس عن الحاجة إلى تعرُّف الشخص على حقيقة نفسه، لا على ما هو حَوْلَه، أو ما يملكه. يقول القدِّيس باسيليوس: [لا تبحث عن الخارج... إنما اعبرْ إلى الداخل، إلى الأماكن المَخْفِيَّة فى نفسك، وهنا تتعلَّم: "في البدء كان الله" في نفسك، كما في عالم مُصَغْرٍ، فستكتشف الحكمة العظيمة لذاك الذي خلقك[133].].

كثيراً ما يُكَرِّر القدِّيس باسيليوس أن الإنسان مَرْكَز المسكونة، يجد في العالم احتياجاته المادية[134]، كما يقيم من العالم مدرسة تُهَذِّب سلوكه. نذكر على سبيل المثال الآتي[135]:

1 - كما تُعطِي الشمس نوراً، هكذا بَدَّدَ القديسون في العصور القديمة ظلمة الجهالة[136].

2 - كما ينمو القمر فيصير بدراً ويضمحل، هكذا ينجح البشر في الفضيلة كما يفشلون بالتتابع[137].

3 - تكتشف بعض الحيوانات بالغريزة الفصول المقبِلة وتستعد لها، هكذا يليق بالمسيحيين أن يترقَّبوا الأبدية ويتعجَّلوها[138].

4 - تسير الحيوانات مَحْنِية الظهر، تتطلع إلى الأرض وإلى بطنها، أما الإنسان فخُلِقَّت رأسه إلى فوق ليهتم بالسماويات لا الأرضيات[139].

5 - يجد الإنسان فى الخليقة مدرسة تُدَرِّبه على سلوكه مع إخوته البشر خلال تطلُعه لتصرُفات الخليقة غير العاقلة[140]. من الأمثلة التي أشار إليها القديس باسيليوس الآتي:

أ. سلوك الغربان مع اللقلق باستضافة الغرباء[141].

ب. تصرُف اللقلق بنبلٍ مع والديه اللقلق العجوز، يُعَلِّم التزام الأبناء بآبائهم في شيخوختهم[142].

ج. يتعلَّق الخفّاش ببعضه البعض كسلسلة، يُقَدِم حباً طبيعياً.

د. لا تتعدَّى حيتان السمك حدود المنطقة البحرية التى تُلزِمها بها الطبيعة، فتُقَّدِم مثالاً للذين يُحَرِّكون العلامات ليغتصبوا جزءاً من حقل جارهم[143].

ه. لملكة النحل حُمة، لا تستخدمها للانتقام لنفسها، فتُعلِّمنا أن نكون لطفاء مع الغير[144].

و. تبقى اليمامة أرملة بعد موت الذكر، كمثال يلزم أن يقتدي به الذين يطلبون الزواج الثاني بعد موت الطرف الآخر[145].


[130] Homily on Psalm 32 (33): 3.

[131] Adv. Haer. 25: 2. ترجمة دكتورة إيفا إدوارد بدمياط.

[132] St. Basil Hexamaeron, homily 1: 1.

[133] Hom. In illud, 4 PG 481: 31 B.

[134] Hom. In martyrem Julittam, 6.

[135] Cf. Philip Rousseau: Basil of Caesarea, University of California, 1994, p. 324.

[136] St. Basil Hexamaeron, homily 1: 1.

[137] St. Basil Hexamaeron, homily 2: 6.

[138] St. Basil Hexamaeron, homily 10: 6 f.

[139] St. Basil Hexamaeron, homily 3: 9.

[140] Hom quod rebus mundanis adhaerendum non, 5.

[141] St. Basil Hexamaeron, homily 5: 8.

[142] St. Basil Hexamaeron, homily 5: 8.

[143] St. Basil Hexamaeron, homily 4: 8.

[144] St. Basil Hexamaeron, homily 4: 8.

[145] St. Basil Hexamaeron, homily 5: 8.

هل تجاهل الآباء الدراسات العملية المعاصرة لهم؟

متى خلقت الطغمات السماوية؟