ماذا نعنى بالتقليد فى الحركات المسكونية الكنسية3؟

كارت التعريف بالسؤال

البيانات التفاصيل
التصنيفات أسئلة وأجوبة, التقليد المقدس, عقيدة
آخر تحديث 11 أكتوبر 2021
تقييم السؤال من 5 بواسطة إدارة الكنوز القبطية

 من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ1 – مقدمات في الكاتيشيزم القبطي – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى

ماذا نعنى بالتقليد فى الحركات المسكونية الكنسية[249]

يواجه اللاهوتيون اليوم فى دراستهم للحركة المسكونية من أجل البلوغ إلى وحدة الكنيسة الجامعة فى العالم كله السؤال التالى: ما هو التقليد الحقيقى الذى استلمته الكنيسة لتعيش بأحكامه فى العالم كله؟ إن عدنا إلى العصر الرسولى نلمس "تقاليد كنسية محلية كثيرة"، تحمل ثقافات متنوعة، هذه التقاليد يربطها فكر واحد هو فكر المسيح، وروح واحد هو روح الرب، وغاية واحدة هى خلاصنا. لهذا لم يتردد أساقفة الإسكندرية فى الاشتراك مع أساقفة روما أو أنطاكية أو أورشليم فى خدمة واحدة، على مذبح واحد، حتى وإن اختلفوا فى تفصيلات طقوسهم وتقاليدهم، إذ استلم الجميع شكلاً واحداً للعبادة، بروح واحد بتقليد واحد. هكذا عاش الرسل جميعاً بهذا الروح الكرازى المُنفتح: "فإنى إذ كنت حراً من الجميع استعبدت نفسى للجميع لأربح الأكثرين..." (1كو9: 19). فعندما كرز مارمرقس فى مصر قدم لهم المسيح الواحد، فعبده المصريون بثقافة مصرية لكن بروح رسولى حق. وقد حملت هذه العبادة ذات الهيكل الذى للأسقفيات الأخرى. فكمثال جاءت الألحان القبطية تختلف عن السريانية واللاتينية... لكن الجميع يتسم بالروح الهادئ الوديع، روح التسبحة الجديدة السماوية، التى تشمل مفاهيم عقيدية وروحية صادقة وعميقة.

لنقدم مثلاً أخر وهو "الأنوار فى بيت الرب" فقد استخدمت الكنائس الرسولية جميعها الإضاءة أثناء العبادة فى النهار كما بالليل، خاصة عند قراءة الإنجيل. هذا هو روح التقليد الذى يُعلن أن "المسيح هو نور العالم". لكن برز الفن المصرى فى صنع السرج "القناديل" الخاصة بالكنيسة القبطية، بينما ظهر الفن السريانى واللاتينى واليونانى... فى السرج الخاص بهم.

وهكذا بالرغم مما اتسم به المسيحيون فى العالم من وحدة الإيمان وحفاظهم على التقليد كحقيقة حية، لكن كل كنيسة محلية عبّرت عن هذا الإيمان الواحد بلغتها الخاصة وطقسها الليتورجى وتسابيحها وملابسها الكهنوتية المقدسة، دون أن يفقد الإيمان وحدته. فلم تُخف محلية الكنائس شخصية الكنيسة الجامعة. بمعنى آخر: اختلاف التقليد فى تفاصيله لا فى جوهره لا يقف حائلاً دون تحقيق وحدة الكنيسة الجامعة، متى بُنيت على وحدة الإيمان والحياة.

أخيراً نختتم بهذه الملاحظات:

1 - الكنيسة الأرثوذكسية، خاصة كنيسة الإسكندرية، حافظت أكثر من غيرها على التقيد المقدس فى تفاصيله كما فى روحه. ولعل سرّ هذا ما تتمتع به كنيستنا من عدم التدخل فى السياسة، وعدم توليها أى سلطان زمنى. لقد عاشت الكنيسة بروحانيتها بعيدة عن روح العالم. وحفظت ظهور الحركة الرهبانية تقليد الكنيسة بروح خشوعى إنجيلى نسكى.

2 - قدمت وحدة الكنيسة الأرثوذكسية غير الخلقيدونية فى هذا العصر لعلماء اللاهوت المتخصصين فى دراسة "الحركات المسكونية" درساً عملياً غاية فى الدقة عن مفهوم الوحدة، فإن هذه الكنائس مع اختلافها فى تفاصيل بعض التقاليد فإنها تنعم جميعها بالإيمان الواحد والتقليد الواحد. ولقد شاهد العالم كله أكثر من مرة فى السنوات الأخيرة اشتراك بطاركة وأساقفة وكهنة وشمامسة وعلمانيين من هذه الكنائس فى خدمة واحدة، ويشتركون معاً فى تقدمة واحدة عن الجميع.

بقى لهذه الكنائس أن تقوم بدور فعّال مع أخواتها الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية لتتفرغ الكنيسة للعمل بكل طاقتها للكرازة على صعيد العالم كله.

3 - يليق بنا أن نفكر بصورة جادة عما نقدمه للعالم فى كرازتنا، فعندما يقبل الرجل الفرنسى مثلاً الإيمان الأرثوذكسى، فمن صميم رسالتنا أن نُقدم له عبادته بفكر أرثوذكسى إلهى آبائى، بالروح الواحد، لكن فى ثقافة تتناسب معه. فى هذا تحدث نيافة الأنبا غريغوريوس مطران نيودلهى بالهند مع قادة الكنيسة الأرثوذكسية بملبورن فى يونيو 1977، قائلاً بأنه يجب أن يلقى الأرثوذكس ببذار الأرثوذكس، فى التربة الأسترالية حتى تنتج شجرة أرثوذكسية أسترالية.

4 - إذ انفتحت كنيسة الإسكندرية على العالم الخارجى، وخرج الملايين إلى أرض المهجر، يليق بالكنيسة الأم أن تدرس رسالتها، إذ يلزمها أن تُرشدهم وتعينهم فى تقديم الفكر الأرثوذكسى للغير دون الانحراف عن روح التقليد أو الطقس، ويليق بها ألا تنغلق على جماعة محلية أو ترتبط بلغة دون سواها، بل تحمل مسئولية مسكونية. إنها مهمة غاية فى الدقة أن تُقدم التقليد الحى للمسكونة بانفتاح قلب، وفى نفس الوقت بغير انحراف ولا تهاون! هذا من أهم أعمال اللاهوتيين المعاصرين[250]1.


[250] 1 He visited Melbourne in 1977.

كيف نتمسك بالتقليد الكنسى فى الحياة المعاصرة؟