38ـ ربنا موجود 10 11 2010 محاضرات يوم الأربعاء البابا شنودة الثالث

† كلمتكم الأسبوع الماضي عن عبارة “كله للخير” وأكلمكم هذه المرة عن عبارة “ربنا موجود”.

الذين ينكرون وجود الله:

† الذين ينكروا وجود الله إما الملحدين الذين يقولون أنه “لا يوجد ما يسمى الله” أو بعض الفلاسفة المخطئين الذين يقولون “لا يوجد ما يسمى الله”.

† وأيضاً الماركسيون الذين يقولون أن “الله موجود ولكنه لا يهتم بالناس”.

والوجوديون الذين يقولون أن “وصايا الرب تتعبنا في حياتنا، فمن الأفضل ألا يكون الله موجود حتى أوجد أنا”.

† أيضاً من ضمن الذين ينكرون وجود الله عملياً (ليس فكرياً إنما عملياً) الخطاة. فالخاطئ في وقت ارتكاب الخطيئة ينسى أن الله موجود وينسى الدينونة وينسى وصايا الله. أو الشيطان يجعله ينسى كل هذه الأشياء.

لذلك الخاطئ عندما يهدأ إلى نفسه بعيداً عن الجو الانفعالي الذي كان يعيش فيه يرجع ويبكت نفسه. ولكن ليس كل خاطئ يبكت نفسه  بالطبع. لكن الخاطئ عموماً أثناء الخطيئة ينسى أن الله موجود.

صفات جميلة للمؤمن بوجود الله:

يستحي من الخطية:

الإنسان المؤمن بوجود الله يستحي أن يخطئ، لأنه يرى الرب أمامه في كل حين ويعرف أن الرب يراه ويسمعه فيستحي أن يخطئ. لكن الذي لا يستحي يكون الله غير موجود في فكره.

يملأه السلام:

والذي يؤمن بوجود الله يطمئن ولا يخاف وله سلام في قلبه.

لا يتكبر:

أيضاً المؤمن بوجود الله لا يتكبر. فالذي يتكبر يشعر أنه شيء كبير وينسى أنه مجرد تراب ورماد. لو أنه متذكر أنه تراب ورماد لا يتكبر. والذي يتكبر لا يؤمن بوجود الله كما ينبغي.

عبارة ربنا موجود يسمعها الضعفاء فيطمئنون ويسمعها الطغاة فيرتعشون – لو كان عندهم ضمير.

الله موجود في السماء وأيضاً على الأرض:

† هناك نقطة هامة في وجود الله أن الرب ليس موجود في السماء فقط وإنما موجود أيضاً على الأرض. “الله خالق السموات والأرض”. إذاً عبارة “ربنا موجود” تعني أن الله موجود في السماء وموجود معنا على الأرض ويعمل في السماء ويعمل أيضاً على الأرض ويرعى السماء والأرض لذلك قلنا عنه “ضابط الكل” أي يضبط كل شيء لأنه موجود.

† هو موجود على الأرض أيضاً ويعمل في الأرض ويعمل معنا ويعمل بنا وقد قال لنا “هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ” (إنجيل متى 28: 20) وقال أيضاً “لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ»” (إنجيل متى 18: 20). معنا طول حياتنا على الأرض ومعنا في ساعة الموت ومعنا بعد الموت. قال للص اليمين: “الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ»” (إنجيل لوقا 23: 43). وآخر نصيب الأبرار في أورشليم السمائية التي قيل عنها أنها “مسكن الله مع الناس”

الله يرى ويسمع ويراقب كل شيء:

† الله موجود يسمع ويرى ويراقب ويقول لكل إنسان “أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ” (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 2، 13، 19؛ 3: 1، 8، 15). لا تظن أنك تستطيع أن تخفي شيئاً عن الله. وإلا تكون ممن لا يؤمنون بوجود الله. يقول: “ما يعمل في المخادع ينادى به فوق السطوح”، ونص الآية هو حسب نص الإنجيل هنا في موقع الأنبا تكلا: “اَلَّذِي أَقُولُهُ لَكُمْ فِي الظُّلْمَةِ قُولُوهُ فِي النُّورِ، وَالَّذِي تَسْمَعُونَهُ فِي الأُذُنِ نَادُوا بِهِ عَلَى السُّطُوحِ”، “لِذلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظُّلْمَةِ يُسْمَعُ فِي النُّورِ، وَمَا كَلَّمْتُمْ بِهِ الأُذْنَ فِي الْمَخَادِعِ يُنَادَى بِهِ عَلَى السُّطُوحِ.” (إنجيل متى 10: 27؛ إنجيل لوقا 12: 3). كله مكشوف ومعلن أمام الله.

† ليس فقط يرى ويعرف بل يكتب أمامه سفر تذكرة لكل ما يحدث. هناك سفر أعمال يكتب. وويل للإنسان في اليوم الأخير، اليوم الذي تفتح فيه الأسفار وتقرأ الأفكار ويصبح كل شيء معروف للكل. فكل شيء مكتوب: “وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ، وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ.” (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 20: 12).

ليس فقط الأفعال الشريرة بل أيضاً الأفعال الخيرة. فالله يقول لراعي كنيسة أفسس “أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ. وَتَعِبْتَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي وَلَمْ تَكِلَّ” (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 2، 3). الله يعلم الإنسان الصالح.

† هناك راهب كان يذهب لإحضار المياه لزملائه الرهبان وخاصة كبار السن منهم والمرضى. كان يذهب لمكان المياه ليأتي بها لأخوته الرهبان واستمر على هذا إلى أن تعب. فصلى وقال للرب “أنا أصبحت غير قادر على هذا العمل” وعندما نظر خلفه، وجد ملاك يكتب، فسأله عما يكتبه، قال له الملاك: أنا أسجل كل خطوة أنت تخطوها من أجل الآباء. وهذا أعطاه قوة للاستمرار في العمل.

فعندما تقول “ربنا موجود” تثق أن الله يعلم كل شيء خاص بك، سواء خير أو شر ويتذكر.

الله أيضاً موجود معنا في الضيقة:

كذلك عندما نقول “الله موجود” نؤمن بأن الرب موجود معنا في الضيقة. وموجود في أتون النار مع الثلاثة فتية، وموجود في جب الأسود مع دانيال. وموجود عند البحر الأحمر أمام الشعب الخائف، وموجود مع داود أمام جليات الجبار عندما قال له «أَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ بِسَيْفٍ وَبِرُمْحٍ وَبِتُرْسٍ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ” (سفر صموئيل الأول 17: 45).

الرب أيضاً كان يرقب الحصاة التي رماها داود حتى أصابت هدفها. والله أيضاً موجود في بطن الحوت مع يونان، حتى أخرجه من بطن الحوت.

† لذلك أولاد الله لا يخافون أبداً، ما دمت تشعر أن الله موجود لا تخف أبداً. لذلك الله يقول “لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ” (سفر التكوين 26: 24؛ سفر إشعياء 41: 10؛ سفر إرميا 46: 28). وداود يقول: “الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب عاضد حياتي ممن أرتعب، إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام علي قتال، ففي ذلك أنا مطمئن”، ونص الآيات هو: “اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟! عِنْدَمَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا. إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ” (سفر المزامير 27: 1-3) بل أكثر من هذا يقول: “إن سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي” (سفر المزامير 23: 4)، ويقول: “لا أخشى ماذا يفعل بي الإنسان”، ونص الآية هو: “الرَّبُّ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي الإِنْسَانُ؟” (سفر المزامير 118: 6).

† ومن أكثر مزامير داود عن الحب الإلهي “مزمور 121” و “مزمور 90”.

“مزمور 121” يقول: “الرب يحفظك، الرب يحفظ حياتك، الرب يحفظك من كل سوء، الرب يحفظ دخولك وخروجك من الآن وإلى الأبد”، والنص هو: “الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى.  لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ. الرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرّ. يَحْفَظُ نَفْسَكَ. الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ” (سفر المزامير 121: 5-8).

“مزمور 90” يقول: “يسقط عن يسارك ألوف وعن يمينك ربوات، أما أنت فلا يقتربون إليك، بل بعينيك تتأمل مجازاة الأشرار”، والنص هو: “يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ. إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ” (سفر المزامير 91: 7).

† أنا أعلم أنكم فرحين لأن كلمات الله معزية، لذلك داود يقول: “عند كثرة أحزاني في داخلي، كلماتك تلذذ نفسي”، والنص هو “عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي.” (سفر المزامير 94: 19). فالذي يؤمن بوجود الله يؤمن بحماية الله، كذلك يقول داود: “الله لا يترك عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين”، ونص المزمور هو “لأَنَّهُ لاَ تَسْتَقِرُّ عَصَا الأَشْرَارِ عَلَى نَصِيبِ الصِّدِّيقِينَ” (سفر المزامير 125: 3). الذي يؤمن بوجود الله يؤمن بقوة الله، ويؤمن بأن “ما دام الله معنا فمن علينا”، “إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟” (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 31)، إيمان بقوة الله وعمل الله، واشتراك الله في العمل معه.

داود غلب الدب والأسد بقوة الله:

† هناك مثل بسيط يوضح لنا قوة الله، فداود كان شاباً صغيراً ويرعى الغنم، وهجم عليه دب وأسد – من يستطيع أن يتغلب على دب وأسد؟!! – لكن الله أعطاه قوة عجيبة خلصته منهما الاثنين. وكان لا يزال فتى صغير أشقر مع حلاوة في العينين، لكنه استطاع أن يتخلص من الدب والأسد لأن قوة الله كانت معه.

أنت يا أخي تأتيك قوة من الله حتى دون أن تطلب.

الله مع شعب إسرائيل حتى عبروا البحر:

أثناء مذلة شعب إسرائيل من فرعون لم يطلبوا ولم يصلوا لكن الله قال: “أنا رأيت مذلة شعبي أنزل وأخلصهم”، ونص الآية حسب سفر التكوين هنا في موقع الأنبا تكلا هي «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً” (سفر الخروج 3: 7، 8).

الله مع أبونا إبراهيم وزوجته سارة:

سارة كانت امرأة جميلة جداً في الثمانين من عمرها، وعندما نزلوا إلى جرار اشتهاها أبيمالك ملك جرار، ولم يكن أمام إبراهيم أي تصرف أو حل. فكلم الله أبيمالك ومنعه عن أن يمسها – منعه أن يمسها – وقال له ارجع هذه المرأة إلى زوجها لأنه نبي يصلي عليك فيضيعك. فقال له لم أكن أعرف لأنه قال لي أنها أخته. فلم يمسها وأعادها لإبراهيم. وحدث ذلك دون أن يطلب إبراهيم ذلك من الرب أو دون أن يصلي من أجل هذا الأمر. لكن الله يحامي عن الناس دون أن يطلبوا.

يقول: “أَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ” (سفر إشعياء 61: 1).. الله يعرف احتياجات كل واحد.

الله موجود كراعي:

الله موجود أيضاً كراعي، يقول في “حزقيال 34”: “أنا أرعى غنمي وأربضها، وأعصب الجريح وأجبر الكسير وأرد المطرود”، والنص هو: أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْل” (سفر حزقيال 34: 15).

وفي يوحنا 10 يقول أنه: “أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ” (إنجيل يوحنا 10: 11).

ويقول: “نقشتكم على كفي”، والنص هو: “هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ” (سفر إشعياء 49: 16). أنتم موجودين في كفي ولا يستطيع أحد أن يخطف من يدي شيئاً. فإذا جاء أحد ليخطفك يجدك في يد الله فيرتعب ويهرب. هل يستطيع أحد أن يخطف شيئاً من يد الله؟! ولكن لا بد أن تؤمن أن الله موجود وتؤمن أنك في كف الله.

الله يعمل معنا بنعمته وبروح القدوس وبملائكته:

الله يعمل من أجلنا بثلاثة أشياء: يعمل بنعمته، ويعمل بروحه القدوس، ويعمل بخدمة ملائكته.

العمل معنا بنعمته:

يقول الرسول: “بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي”، “بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا”، “وَلكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أَنَا مَا أَنَا” (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 3، 6؛ رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 2: 9؛ رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 10).. النعمة العاملة معي، وأنا بدون نعمته لست شيء. أي أن الله يعمل بنعمته.

العمل معنا بروحه القدوس:

يعمل الله بروحه القدوس، الروح القدوس الذي يبكت على الخطية والذي يرشد إلى كل الحق، ويعمل لأجل خلاصنا.

العمل معنا بملائكته:

ويعمل بملائكته لأن الكتاب يقول على هؤلاء الملائكة، “أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!” (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 1: 14).

الله يعمل في الخدمة:

† بل يعمل أيضاً في الخدمة: بولس الرسول يقول عن خدمته هو وأبلوس: “أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى، لكِنَّ اللهَ هو الذي يُنْمِي” (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 3: 6).

ويقول: “نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ” (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 3: 9). وفي الكلام يقول: “صلوا لأجلي لكي أعطى كلمة عند افتتاح فمي”، والنص هو: “مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 6: 18، 19) أي حتى الذي يتكلم كلام الله، الله يعطيه كلمة عند افتتاح فمه. والسيد المسيح يقول: “لستم أنتم متكلمين بل روح أبيكم هو المتكلم فيكم”، والنص هو: “لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ” (إنجيل مرقس 13: 11).

أحب أن نثق جميعاً بروح الله العامل معنا وأن ربنا موجود.

1ـ أحداث نجع حمادى 13 01 2010 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

نحيي الآباء المطارنة والاساقفة والآباء الكهنة والرهبان الموجودين معنا.

أيضا نحيي ونعزي أبناءنا الحاضرين معنا من نجع حمادي والتي اصبحت مدينة الشهداء.

ولا شك أن أبناءنا الأحباء الذين قتلوا في هذا الحادث يمكن اعتبارهم بالحقيقة شهداء لانهم كانوا مؤمنين وأبرارا وتمتعوا بيوم صلاة وتناولوا من الأسرار المقدسة.
فهم وصلوا إلى الله في حالة بر والله لا يمكن أبدا أن ينسي دماءهم التي سفكت.

نتذكر قايين حين قتل هابيل. قال الرب صوت دم أخيك قادم من الرب.كذلك الشهداء.

وفيما نحيي هولاء نحيي أيضا المجند واختلط دماءه بدماءهم سمع صوت المتظاهرين في الخارج وقال مادام في مكان في الكنيسة ممكن يدخلوا.

من أجل الذين دخلوا من شعب نجي حمادي قلت أن نجع حمادي دخلت في التاريخ وأصبحت مدينة شهداء ودماء الشهداء قدسوا أراضيهم وفعلا نستطيع ان نسميهم
شهداء لانهم قتلوا في إيمان وهم ابرياء وصلوا طول الليل وتناولوا من الاسرار المقدسة وصاروا مستعدين للقاء الله.

كما نعزي اسر هولاء الذين استشهدوا ونعزي معهم أسرة المجند الذي كان معاهم واختلط دماءه بدماءهم
وأيضا في نفس الوقت لا بدَّ ان نيحي المصابين وقد وصلتني قايمة عن أسماء هولاء المصابين من مستشفى سوهاج وهم 18 يترواح سنهم من 16 إلى 21 ماعدا واحد وكلها إصابات صعبة. ربنا يكمل شفاءهم ويعطيهم صحة.

عايز أقول لنجع حمادي ان البلد كلها مهتمون بكم وجميع البلاد مهتمة أيضا. ويوجد اهتمام أيضا خارج نجع حمادي بل وخارج مصر أيضا والكل مشفقون على كل الذين قتلوا والذين اصيبوا واصبحت اسم نجع حمادي على كل لسان.

أنتم كلكم في قلوبنا نحس بإحساسكم ونشعر بشعوركم. أنا أقرأ عن هذه الاحداث وكأنني أنا الذي اصبت واطلق الرصاص عليا.

وقلت ان الكل مهتمون بكم واقول قبل الكل ان الله هو مهتم بكم واصوات صلاتكم صعدت إلى الله واخذ موقف والله دايما يحكم للضعفاء.

وفي المزمور يقول الرب يحكم للمظلومين قايين لما قتل اخاه هابيل قال الله صوت دم اخيك قادم إلى من الأرض وربنا اهتم بكل إنسان في حاجة اليه وقال لا اهملك ولا اتركك يقول الرب.

يوسف الصديق حينما اضطهد من اخوته ثم في بيت فوطيفار الله لم يتركه بل كان معه

وموسي أيضا لما تعب من فرعون لم يتركه الله واللي مايقدرش عليه البشر يقدر عليه ربنا.

وداود النبي لما تعب مع شاول الذي كان يطادره من مدينة إلى مدينة كان الله معه فأنتم اطمئنوا ربنا سوف لا يترككم وسوف لا ينسي دماء شهدائكم وإصابات المصابين منكم.

ونحن طلبنا ان التحقيق لا يأخذ مدة طويلة ولكن بسرعة ويحكم على الجناة لأن الجو متوتر وقلوب الناس تتقد نار في هذا الشأن. إن شاء الله يتم التحقيق والقضاء يأخذ موقفه من الجناة.

وأحب اقولكم إن إحنا كلنا دايما ننادي بالحق. كيف يمكن أن الحق يأخذ مجراه. وكل إنسان له حقوق تسمي بحقوق الإنسان مقدمتها حق الحياة.

وربنا قال في سفر التكوين سافك دماء الإنسان بيد الإنسان يسفك دمه وهكذا أعطي القضاء حق الحكم بالاعدام على قاتلي النفس. من حقوق الإنسان أيضا أن تراعى سمعته ويراعى إسمه. ومن حقوق الإنسان العبادة بحيث يعبد الله حسبما يؤمن. ومن حقوق الإنسان المعيشة والتي يتوفر فيها الاكل والشرب والمسكن.

واتذكر ان في امريكا يوجد إهتمام بجماعة يسمون الهوملس يعني المشردين كل واحد بيديله مرتب واكل كل شهر عشان يعرف يعيش.

واحنا بنشكر الهيئات التي تدافع عن حقوق الإنسان وإذا اتكلمنا عن الحق إنما نقول أن الحق له أكثر من معني.

كلمة حق يعني الصدق. وكلمة حق يعني ما لك من حقوق. وكلمة الحق هي اسم الله في المسيحية وفي الإسلام. ونحن نرجو أن العدل يأخذ مجراه وكل الذين اعتدي عليهم يؤخذ حقهم.

ليكن الله معكم جميعا ويجعل الأيام المقبلة تكون سبب بركة لأن من بشاعة الحادث الذي حدث في نجع حمادي أنه حدث في يوم عيد وكأنه عكنن على الناس في عيدهم وبدلا من أن يفرحوا بالعيد باتوا حزانى.

الحق يا اخواتي لا بدَّ ان يؤخذ سواء على الأرض أو في السماء.

ربنا يعطي عزاءا لكل أهل نجع حمادي بل عزاء لكل الاقباط في مصر بل عزاء للمصريين جميعا الذين يعتبرون القتلى أخوة لهم.

إتفضلوا نصلى.

39ـ مسيرها تنتهى 17 11 2010 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

† قلت لكم زمان أن في مواجهة كل مشكلة هناك 3 كلمات ممكن أن نقولها:

ربنا موجود

وكله للخير

ومسيرها تنتهي

وألقيت لكم محاضرتين فيما سبق عن ربنا موجود، وكله للخير، وموعدنا اليوم عن مسيرها تنتهي.

مسيرها تنتهي:

أريد أن أقول لكم أن كل مشكلة تأخذ شكلًا هرميًا حيث ترتفع حتى تصل إلى قمتها ثم تهبط إلى أسفل وتؤول إلى النهاية. لأن الله لا يسمح أبدًا أن المشاكل تستمر بلا نهاية وإلا الإنسان لا يستطيع الاحتمال. وسأعطيكم لهذا أمثلة كثيرة:

تجربة أيوب:

† بدأت المشكلة بحسد الشيطان وإذا برجال أيوب كل منهم يأتي له بخبر سيء فجاءه أحد رجاله قائلًا له: “لقد سرقوا الغنم، وآخر قائلًا: “لقد سرقوا الجمال”، وآخر قائلًا: “لقد هدم البيت”، وآخر قائلًا: “لقد مات أولادك”. وتوالت عليه المشاكل بطريقة متلاحقة وعجيبة.

المسيح – يوحنا 6

† ثم زاد حسد الشيطان عن هذا الحد فجاءت لأيوب ضربة في الجسد من قمة رأسه إلى أخمص قدميه فأصبح جسده كله مليء بالقروح، وتعبَ  لدرجة أنه قال: “رائحتي أصبحت غير مقبولة عند امرأتي”، ونص الآية هو: “نَكْهَتِي مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ امْرَأَتِي، وَخَمَمْتُ عِنْدَ أَبْنَاءِ أَحْشَائِي” (سفر أيوب 19: 17) وليس هذا فقط بل أن أصحابه الأحباء الذين أتوا ليعزوه والذين ظلوا أيام غير قادرين على فتح فيهم من هول المصيبة، ظلوا يوبخونه ويقولون له لا بد أنك أخطأت إلى الرب ومن أجل خطاياك صنع بك الرب هذا البلاء.

† وتعب أيوب جدًا من كلام أصحابه للدرجة التي قال لهم فيها: “لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً” (سفر أيوب 13: 5)، وقد عرضنا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت كتاب حول تجربة أيوب الصديق من كتب قداسة البابا شنوده الثالث. وأيضًا لم تنتهي تجربته إلى هذا الحد بل زادت حتى وصلت إلى أقصى درجاتها، ولكن جاء الوقت الذي انتهت فيه هذه التجربة والله تفاهم مع أيوب فيقول الكتاب:

† “ورد الرب سبي أيوب وقال لأليفاز التيماني من أصحاب أيوب الثلاثة: “غضبي عليك وعلى كلا صديقيك لأنكم لم تقولوا في الحق كما قال عبدي أيوب اذهبوا وقدموا ذبائح عن أنفسكم وهو يتوسط لكم” ثم جاء أقارب أيوب ومعارفه وأعطوه أموال يرده بها. ثم عوضه الرب عن البنات والأولاد بنفس العدد الذي مات ويقول الكتاب وكانت بنات أيوب أجمل النساء “لم يوجد نساء في جمال بنات أيوب” وعاش أيوب زمنًا طويلًا بعد التجربة.  ونص الآيات هو: “وَكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهذَا الْكَلاَمِ، أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لأَلِيفَازَ التَّيْمَانِيِّ: «قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. وَالآنَ فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَاذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ». فَذَهَبَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ، وَفَعَلُوا كَمَا قَالَ الرَّبُّ لَهُمْ. وَرَفَعَ الرَّبُّ وَجْهَ أَيُّوبَ. وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفًا. فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ، وَرَثَوْا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبَهُ الرَّبُّ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطًا مِنْ ذَهَبٍ. وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ الإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ. وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. وَسَمَّى اسْمَ الأُولَى يَمِيمَةَ، وَاسْمَ الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَاسْمَ الثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ، وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثًا بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ.

16 وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال. ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ” (سفر أيوب 42: 7-17).

† هناك بعض الناس ينظرون إلى التجربة أو إلى المشكلة كمشكلة ولكن لا ينظرون إلى أنها لابد ستنتهي ولا بد أن الله يتدخل ويعمل عملًا والله يبدل الأحوال فتختفي الأوضاع السيئة وتتبدل بأوضاع جديدة من قبل الرب.

يوسف الصديق:

† نفس الوضع بالنسبة ليوسف الصديق. فقد حسده إخوته وألقوه في البئر وكانوا يريدون أن يقتلوه وأخيرًا باعوه للإسماعيليين الذين باعوه لأرض مصر وأصبح خادم أو عبد في بيت فوطيفار. ولم تقف المشكلة عند هذا الحد، بل زادت حيث اشتهت امرأة فوطيفار يوسف، وعندما رفض صرخت واتهمته بأنه يريد أن يخطئ إليها فأخذوه وألقوه في السجن.  وبعدين يا رب؟! لا تخافوا مسيرها تنتهي.

وكيف انتهت تجربة يوسف؟

† كان يوسف يفسر أحلام زملائه في السجن، وكان من ضمن زملائه  اثنين من خدام فرعون. فقالوا لفرعون عن موهبة يوسف هذه, وسر فرعون من يوسف وسلمه خاتمه الخاص وأصبح الناس يأتون ليسجدون عند قدمي يوسف وصار يوسف هو المتسلط في المملكة. وخاف إخوته منه فقال لهم لا: “أنتم أردتم لي شرًا، والله أراد لي خيرًا” ونص الآية: “أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا” (سفر التكوين 50: 20). متى أراد الله به خيرًا؟ في الآخر وفي نهاية المشكلة، عندما وصلت إلى الحل.

مشاكل شاول مع داود:

† شاول سلط على داود امرأته وأولاده ولم يفلح، وسلط عليه خدامه ولم يفلح، أراد أن يضربه حتى في المائدة فلم يفلح، جري وراءه في كل بلد من مغارة لمغارة ومن بلد لبلد، لدرجة أن داود قال مسيري أن انتهي على يد شاول. ولكن في الحقيقة ليس داود الذي كان مسيره أن ينتهي، بل المشكلة هي التي مسيرها تنتهي. وفعلًا انتهت المشكلة ومات شاول الملك هو وابنه في الحرب وأصبح داود هو الملك الرسمي.

انتظر الرب في وقت التجربة:

† صحيح أن المشكلة قد تأخذ وقت ومسيرها تنتهي، لكن واجب الإنسان أنه وقت المشكلة ينتظر الرب وينتظره بإيمان. ويقول الكتاب: “انتظر الرب تقوى وليتشدد قلبك وانتظر الرب”، ونص الآية هو: “انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ” (سفر المزامير 27: 14).

مشاكل داود بعد أن أصبح ملكًا:

† داود مع إنه كان يحب الرب جدًا، والله قال عنه: “وجدت قلب داود حسب قلبي”، والنص هو: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي” (سفر أعمال الرسل 13: 22). إلا أن كانت له مشاكل حتى بعد أن أصبح الملك، حيث جاءت له مشكلة مع أخيتوفل. وأخيتوفل كان رجلًا حكيمًا ويستطيع تدبير الأمور بطريقة سليمة، ومع ذلك حكمته اتجهت إلى الشر فانضم إلى أبشالوم في حربه ضد داود. وكان داود خائفًا من أخيتوفل، أن يعطي مشورة لأبشالوم فتضيع داود والذين معه. وكان يصرخ قائلًا: “يا رب أبطل مشورة أخيتوفل” وتأزمت الأمور جدًا. لدرجة أن داود خرج من منزله ومشي حافي القدمين، وعيره بعض البنياميين في الطريق وقالوا له “يا سافك الدماء”، والنص هو: «اخْرُجِ! اخْرُجْ يَا رَجُلَ الدِّمَاءِ وَرَجُلَ بَلِيَّعَالَ!” (سفر صموئيل الثاني 16: 7) ووصفوه بصفات سيئة. ثم أخيرًا أبطل الله مشورة أخيتوفل، حيث لم يأخذ أبشالوم بمشورة أخيتوفل فمضى أخيتوفل وقتل نفسه وبذلك تخلص داود من أخيتوفل.

† لابد أن نؤمن بتدخل يد الله في الأمور وأنه ينهي المشكلة ويضع لها حل وحينما لا يكون الإنسان قادرًا على تخليص نفسه يدخل الرب ويخلصه.

سبي شعب إسرائيل:

أخطأ الشعب وعاقبه الله بأن سبي إلى بابل وفي بابل حدثت مشاكل كثيرة. وكان الناس يغنون فيها ويقولون: “على أنهار بابل هناك جلسنا، فبكينا حينما تذكرنا صهيون، الذين سبونا طلبوا منا أن نقول تسبحة، كيف نسبح تسبحة الرب في أرض غريبة”، والنص هو: “عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا، بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ. عَلَى الصَّفْصَافِ فِي وَسَطِهَا عَلَّقْنَا أَعْوَادَنَا. لأَنَّهُ هُنَاكَ سَأَلَنَا الَّذِينَ سَبَوْنَا كَلاَمَ تَرْنِيمَةٍ، وَمُعَذِّبُونَا سَأَلُونَا فَرَحًا قَائِلِينَ: «رَنِّمُوا لَنَا مِنْ تَرْنِيمَاتِ صِهْيَوْنَ». كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنِيمَةَ الرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ؟” (سفر المزامير 137: 1).

وفي أرض بابل الثلاثة فتية ألقوا في النار والرب أنقذهم.

ودانيال ألقي في جب الأسود والرب نجاه.

وجاءت الأخبار من بعيد، عن حالة أورشليم أنها في كرب عظيم وأسوارها مهدمة وأبوابها محروقة بالنار، ونص الآية هو: “فَقَالُوا لِي: «إِنَّ الْبَاقِينَ الَّذِينَ بَقُوا مِنَ السَّبْيِ هُنَاكَ فِي الْبِلاَدِ، هُمْ فِي شَرّ عَظِيمٍ وَعَارٍ. وَسُورُ أُورُشَلِيمَ مُنْهَدِمٌ، وَأَبْوَابُهَا مَحْرُوقَةٌ بِالنَّارِ».” (سفر نحميا 1: 3). وبعدين يا رب؟! لقد تعاظمت المشكلة! والرب يقول: لا تحزنوا مسيرها تنتهي.

وكيف انتهت المشكلة؟

الملك أرتحشستا أرسل نحميا فأعاد الأمور إلى نصابها والملك جالس أيضًا وانتهت فعلًا المشكلة، بعد 70 عامًا لكنها انتهت.

في المسيحية:

† منذ زمن بعيد وفي العهد القديم أهل السامرة خرجوا عن الدين، حيث اختلفوا مع رحبعام فأخذوا عشرة أسباط وساروا بعيدًا. وخافوا أن يشتاق الناس إلى الذهاب إلى أورشليم، فبدأوا يصنعوا أصنام يعبدونها. ولأنهم في خلاف مع رحبعام بن سليمان، قالوا يَكفي الأسفار الخمسة فقط، والباقي لا يؤمنوا به! وطالت المشكلة وطالت فترة الفساد وعبادة الأصنام ولكن بنفس المبدأ الروحاني مسيرها تنتهي. وكيف انتهت؟ جاء الرب يسوع المسيح وقابل المرأة السامرية ودخلت في الإيمان وقابل باقي الشعب ودخلوا في الإيمان. وبينما كان التلاميذ المحبين يقولون لهم يا رب لا تسكت عليهم، انزل نار من السماء فتحرقهم كما فعل إيليا. لكنه قال لا: “ما جئت لأهلك الناس بل لأخلص”. آمنوا بعض الشيء وبعد القيامة بشر الرسل أهل السامرة فآمنوا بالقيامة وانتهى الأمر كله على خير. ولو كان الرب غضب عليهم وأهلكهم كنا فقدنا كل هؤلاء ولكنهم أقتيدوا إلى الإيمان بطول أناة الله.

في المسيحية:

† حدثت اضطهادات كثيرة على المسيحية من أباطرة الرومان ومن أشد العصور كان عصر دقلديانوس. ففي عصر دقلديانوس أستشهد كثير من القديسين وماتوا على اسم المسيح، لدرجة أن جاء وقت قيل فيه أن دقلديانوس أصيب بالجنون من كثرة الدماء التي سكبها. وبعدين يا رب؟! لا تخافوا مسيرها تنتهي.

† وانتهت فعلًا في سنة 313 م صدر مرسوم ميلان بالحرية الدينية وإذا بالإمبراطور نفسه أصبح مسيحي وانتهى عصر الاستشهاد. وتحقق القول “مسيرها تنتهي”.

مشاكل الهراطقة:

† بعد عصر الاستشهاد ظهرت مشاكل الهراطقة، ولعل أشهر هرطوقي ظهر في ذلك الحين هو آريوس الذي قاومه القديس أثناسيوس. حيث قاومه في مجمع نيقية المقدس، وقاومه وهو بطريرك وكتب كتابه المشهور كونترا آريانوس ولكن الأريوسيون كانوا أشداء جدًا وقيل أن أخت الإمبراطور قسطنطين كان أب اعترافها أسقف أريوسي. وأصبح قسطنطين لا يعلم الأمور كما يجب، فأضطر أثناسيوس الرسولي أن يذهب إليه. فذهب بطريقة متنكرة إلى أن وصل للإمبراطور قسطنطين الذي كان راكبًا على فرسه فوقف أثناسيوس وأظهر وجهه وشد سرج الفرس وقال له لي كلمة معك يا قسطنطين. فترجل قسطنطين من على جواده واستمع إلى أثناسيوس الذي كان رجلًا قويًا يعمل له حساب. ولكن الذي حدث أن مؤامرات الأيروسيين جاءت ضد أثناسيوس، ونفي للمرة الأولى إلى الغرب. وبعد مدة توسط إمبراطور الغرب له مرة أخرى، ورجع بعد أن نشر الإيمان في الغرب ونفي للمرة الثانية، ونفي للمرة الثالثة، وللمرة الرابعة، وبعدين يا رب؟! لا تخافوا مسيرها تنتهي.

† في المرة الخامسة أصدر الإمبراطور قرار بنفي أثناسيوس وذهب قائد الجيش لكي يأخذ أثناسيوس إلى النفي. وهنا تجمع كل الشعب حول الكاتدرائية آلاف من الناس ازدحمت وقالوا له لا تأخذ أثناسيوس إلا على جثثنا جميعًا. ولم يستطع القائد أن ينفذ، فرجع للإمبراطور وقال له ليس هناك داعي. وقضى القديس أثناسيوس باقي أيامه في سلام حسب وعد الله أن المشكلة ستنتهي.

انتهاء حكم الموت:

† هناك أمور هامة جدًا في التاريخ، أخطأ الإنسان الأول وحكم عليه بالموت والرب أوقف واحدًا من الشاروبيم بسيف من النار ليحرس شجرة الحياة (سفر التكوين 3: 24). وبعدين يا رب؟! هل سوف لا نصل جميعًا إلى الحياة؟! وكلنا محكوم علينا بالموت؟! لا تخافوا فقط اصبروا مسيرها تنتهي. وفعلًا انتهت بالفداء وقال الرب لراعي كنيسة أفسس: “من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة” التي في وسط الجنة. نشكرك يا رب. والموت الذي حكم به على الإنسان مسيره ينتهي أيضًا ويقضى عليه لأن أول درجة من نهاية الموت هي القيامة فبالقيامة الرب داس على الموت وأوجد حياة. وثاني درجة للموت في الحياة الأبدية حيث يقول الرب في سفر الرؤيا “لا يكون موت فيما بعد”، ونص الآية هو: “وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ».” (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: 4)، فمشكلة الموت أيضًا مسيرها تنتهي ولا يكون موت فيما بعد.

هناك نهاية للشر:

† ونتيجة الأكل من الشجرة  عرفنا الشر وكنا قبل ذلك لا نعرف سوى الخير فعندما أكلنا من شجرة معرفة الخير والشر أصبحنا نعرف الشر، ومعرفة الشر قد تسببت لنا في كثير من الخطايا، وكثيرًا ما أتت إلينا بعثرات، وكثيرًا ما لوثت أفكارنا.  لكن الرب يقول في النهاية مسيرها تنتهي، وكيف تنتهي؟ في العالم الآخر لا يكون هناك شر، حيث سينتهي الشر.

نهاية هذه الأرض:

صدقوني حتى هذه الأرض التي تلوثت بالخطايا التي قلت فيها للرب بعض الأشعار وهي:

لي عتاب فاستمعني                 وأمل يا رب أذنًا

أرضك الفضلى التي                 ازدادت على الأفلاك حسنا

استذلت واستبيحت                  لم تعد أهلًا لسكنى

الرب يقول لا تحزنوا، مسيرها تنتهي. وكيف ستنتهي؟ يقول لنا في سفر الرؤيا أن هذه الأرض ستنتهي: “وأبصرت، فرأيت أرضًا جديدة لأن الأرض القديمة قد مضت ولم تعد توجد فيما بعد”، والنص هو: “ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ.” (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: 1). وهذه الأرض الجديدة هي أرض الأحياء.

19ـ كيف تربح الناس 26 05 2010 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

من جهة ربح الناس:

يقول بولس الرسول في كورونثوس الأولى  9:

“فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرًّا مِنَ الْجَمِيعِ، اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ.  فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ….  صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا”.

يقصد طبعًا ربحهم إلى الإيمان وإلى الله لذلك قال “إني كنت لليهود كيهودي لكي أربح اليهود كنت أكلمهم من العهد القديم الذي يؤمنون به وأكلمهم من جهة الذبائح والمحرقات والرموز وكلام الأنبياء لكي أربحهم. وللأمم الذين ليس لهم كتاب مقدس كان يربحهم عن طريق الفلسفة والمنطق فكان ينزل إلى مستوى الكل لكي يربح الكل دون أن يخالف ضميره.

أما من جهة إراحة الناس :

فالسيد المسيح يقول:

” 28تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.” (مت 11: 28)

وعملنا هو أن نتخذ السيد المسيح مثالًا ونريح الجميع ونحمل أثقالهم عنهم. أما الشخص الذي لا يريح غيره بل يتعب غيره فهذا سائر في طريق خاطئ لا يوافق عليه الله أبدًا. وسيسأله الله عن كل الذين يتعبهم. والإنسان الروحي الذي يريح الناس ويربح الناس يكون محبوبًا من الكل، ويكون إنسانًا روحيًا له قِيَم يُعْجَب بها الناس.

تعلموا فن معاملة الأطفال:

الأطفال يريدون من يحبهم. ليس حبًا شفويًا بل حبًا عمليًا. يحبهم ويعطيهم ويسليهم ويضحكهم.

أريد أن أروي لكم قصة حدثت منذ زمن في عام 1964 على حد ذاكرتي (في كتاب كيف نعامل الأطفال يسرد قداسة البابا هذه القصة بأنها سنة 1963)، حيث دعيت من مطران المنصورة لألقي محاضرات في المنصورة. وفي أحد المرات في وقت الفراغ وجدت أطفال كثيرين فقلت لهم: يا أولاد أريد أن أحكي لكم حكاية. فوجدتهم تجمعوا بسرعة والتفوا حولي لأحكي لهم الحكاية فالأولاد يحبون الحكايات بطبيعتهم.

سألوني: أي حكاية ستحكيها.

قلت لهم: الحكاية التي ليس لها نهاية.

وظللت أحكي لهم الحكاية التي ليس لها نهاية.  كانت الحكاية فعلًا ليس لها نهاية وكان الأولاد سعداء بها جدًا. وبعد ستة أشهر أخرى تقريبًا ذهبت للمنصورة مرة أخرى فوجدت كل الأطفال جاءوا بجانبي وقالوا لي: أنت قلت لنا السنة الماضية الحكاية التي ليس لها نهاية، فماذا ستحكي لنا هذه السنة؟ فالأولاد يحبون من يسليهم ويحكي لهم ويصاحبهم.  ولذلك نصيحتي للأمهات أن يحفظوا حكايات ليقولوها لأولادهم؛ فسيجدون الأولاد يحبونهم جدًا ولا يمكن أن يضايقوهم بشقاوتهم.  لأن هناك أمهات يتعبون من شقاوة أولادهم.

في أحد المرات زارتني أم ومعها ابنها في مكتبي بالبطرخانة وهو واسع جدًا فظل الولد يجري داخل حجرة مكتبي الواسعة. فقالت له أمه: أسكت حتى لا يتضايق سيدنا منك.

فقلت للولد: لا يا حبيبي أنا لا أتضايق من أحد اجري والعب كما تشاء.

الأم دائمًا تظن أن علاقتها بابنها مثل علاقة رجل البوليس مع إنسان خارج عن القانون. هذا خطأ. كونوا طيبين ورفقاء على الأولاد وقدموا لهم الحب والتسلية والحكايات.

هناك حكايات من الكتاب وأخرى من خارج الكتاب يمكن أن يستفيد منها الأولاد.

في أحد المرات كنت في برمنجهام في إنجلترا وقابلني نيافة الأنبا ميصائيل وقال لي: هل تعرف أن الطفل بيشوي الذي تحبه أنت زعلان، وقال لوالدته: “البابا لا يحبني لأننا عندما كنا نتزاحم في المعمودية قال لي:  اذهب يا ولد من هنا”. أخذت درس من هذا الموقف أنني يجب ألا أفعل هذا مرة أخرى. فعندما رأيته فيما بعد أخذته واحتضنته وقلت له أنا أحبك جدًا يا بيشوي والأولاد من بساطتهم يقبلون الكلام بسهولة.  فذهب إلى والدته وقال لها: “عندما قال لي البابا اذهب من هنا كان لا يوجه ليّ أنا هذا الكلام بل للأولاد الآخرين”.

هذا يعلمنا أنه عندما نتسبب في ضيق لأحد الأولاد يجب أن نعمل على إرضائه ومصالحته والأولاد في بساطتهم يقبلون الكلام الطيب بسهولة. وعندما ينشأ الأولاد في شبع من الحب لن ينحرفوا ولن يبحثوا عن حب آخر يضرهم. ليت كل أم تتعلم كيف تربح طفلها وتريحه نفسيًا وتكون صديقة له. كوني صديقة لابنك ولبنتك وفي جو الصداقة سيكونون صرحاء معكِ لأنهم لن يخافوا.

والأطفال أيضًا يحبون الأشياء الغريبة. لذلك يسروا جدًا بميكي ماوس وغيره لأنه يرى أشياء غريبة وصور حيوانات وغيره تتحرك وتتكلم كل هذا يجذبه ويبعث السرور في نفسه. لذلك قصة حمار بلعام تقال للطفل فيقبلها. من الجائز عندما تُقال لشخص كبير يتشكك فيها.

اهتموا بمجاملة الناس:

في إراحة الناس وربحهم يكون الأمر على مستوى إيجابي وسلبي. إيجابي أي تنفع الناس، وسلبي أي لا تضر الناس. لذلك من الأشياء الهامة في كسب الناس المجاملات التي يقول عنها الرسول “فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ، وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ” فيجب أن تتعلموا مجاملة الناس في أفراحهم وأحزانهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وفي كل مناسبة مثل مناسبات الزواج، عيد الزواج، نجاح الأطفال، زيارة المرضى حتى لو كانت المجاملة مجرد تليفون أو  برقية أو كلمة لطيفة تدل على المشاركة في الشعور كل هذه الوسائل تترك تأثير كبير في النفس.

كثيرًا أزور المرضى. وأشعر في كل مرة أزور مريض أني أزور المسيح نفسه. لأنه قال: “كنت مريضًا فزرتموني”، متى زرناك يا رب؟ فنجده يقول: “كل ما فعلتموه بهؤلاء فبي قد فعلتم”. فزيارة المرضى لا شك أنك تكسب بها ناس. والعكس نتيجته سيئة. فعندما لا تجامل الناس لا ينسون ذلك، سواء كنت شخص عادي أو من الآباء الكهنة. فتجد الشخص يعاتبك وعدم المجاملة تترك في نفسه تأثير سيء. يجب أن تتعلموا أن تهتموا بالمجاملات لأنه بقليل تستطيع أن تكسب الناس.

إهتموا بالعطاء:

هناك شيء آخر يمكن أن تكسب به الناس وهو العطاء. تعطي على قدر ما تستطيع. وسأقول لكم على شيء بسيط. أتذكر أنه في عام 1954 كنت سأسافر على الإسكندرية ومن الإسكندرية على الدير لأصبح راهبًا. فجلست في الاستراحة حتى يأتي موعد القطار. فجاءني رجل يبيع بعض الأشياء فأخذت منه أحد الأشياء التي كان يبيعها، وعندما سألته عن ثمنها قال لي: 18 قرش! والقرش زمان كان شيئًا كبيرًا وكان محترم للغاية ويقتدر كثيرًا في فعله كصلاة القديسين 🙂 فقلت له: هل من الممكن أن أعطيك ثمنها 20 قرش؟ فنظر إليَّ بسرور وأعطاني هذا الشيء وأعطاني أيضًا شيء آخر قد يزيد ثمنه عن الفرق الذي هو قرشين.

أود أن أقول لكم أنه قد تكون قيمة القرشين بالنسبة لك لا شيء، لكن عندما تتركها لهذا الرجل، يفرح بها جدًا ويشعر أن قلبك شفوق وتكسبه. لكن معظم الناس اعتادت أن تفاصل في السعر وتقلل من ثمن الأشياء بينما المثل يقول “الحسنة المخفية في البيع والشراء” هذا مثل بسيط من العطاء الذي يستطيعه أي شخص.

قصة أخرى أنني كنت مسافرًا في أحد المرات إلى أحد البلاد في أمريكا، وكان الناس يستقبلونني بحفاوة كبيرة وبعضهم أحضر باقات ورد وزهور. وكنت جالسًا في قاعة كبار الزوار لحين الذهاب، فأمسكت بباقة الورد وحللت رباطها ووزعت الورد على جميع الحاضرين من السفير حتى الشخص العادي حتى الأطفال فشعرت بسرور الجميع. لو كنت أخذت الورد معي كان سيذبل ويلقى في المهملات. لكنني استفدت به وتركت شعورًا بالسرور في نفس كل شخص عندما أهديت له وردة.  فيجب أن يكتسب الشخص فضيلة العطاء، حيث يربح الناس ويكسبهم.  إعطي على قدر استطاعتك وإذا لم تستطع إعطاء الكثير فأعطي على الأقل كلمة طيبة. فالكلمة الطيبة نوع من العطاء أيضًا يفرح بها الناس. أعطي ابتسامة، أعطي تشجيع، أعطي نصيحة، أي شيء. لكن من يستمع لشكوى الناس بلا مبالاة، أو الذي يستمع مثلًا لشخص وهو يشتكي مرضه دون أن يرد عليه ولو بكلمة طيبة أو كلمة دعاء أو كلمة بركة أو عطاء مادي إن أمكن (كأن تقول له خذ هذا الظرف واقرأه فيما بعد) كنوع من المشاركة الوجدانية.. لكن لا تعيش في جزيرة منفردة في المحيط لا علاقة لك بأي أرض أخرى.

ويا ليتك في العطاء يكون لك عنصر المبادرة ولا تنتظر شكوى الناس.  بل يجب أن تكون حساسًا تجاه احتياج الآخرين وتعطي من تلقاء نفسك.

تريح الناس وتربح الناس عن طريق الكلام حيث يقول الكتاب “بكلامك تتبرر”. فمجرد كلمة طيبة تكسب بها الناس. وهناك كلمة لطيفة قالها سليمان الحكيم في سفر الأمثال إصحاح 15:

“الكلام اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط”.  فأنت تستطيع كسب غيرك بمجرد كلمة وتجعله يهدأ عنك دون أن تخسر شيء. ولكن الكلام الموجع والشديد الذي تؤلم به غيرك يهيج السخط.

إبتعدوا عن الانتهار:

لكي تكسب الناس كن بعيدًا بقدر الإمكان عن الانتهار والتهكم. فهناك بعض الكلام يكون أكثر حدة من السيف وأكثر إيلامًا من  الحجارة. فابعدوا عن كل هذا. البعض يظن أن الشخصية القوية هي أن ينتهر غيره ويفتخر بأن يقول عن نفسه: “أنا أقول للأعور أنت أعور في عينه” هذا لا يجدي شيء بل يجعلك تخسر الناس.

كذلك ابتعدوا عن العتاب الشديد:

هناك شخص يعاتب برقة شديدة فيكسب غيره. وشخص آخر يعاتب بكلمة شديدة يخرج وهو في حالة أصعب من الأولى.

ابتعدوا أيضًا عن العقاب:

كذلك ليست القوة في العقاب إذا كنت صاحب سلطة. ما أكثر أصحاب السلطة الذين يعاقبون ويهددون ويتوعدون. ابتعدوا عن التهديد والوعيد والعقوبة. وإذا كان هناك خطأ يستحق العقوبة، نعاقب الشخص ولكن دون أن ندمره أو نحطمه.

أيضًا ابتعدوا عن الإحراج والتهكم:

فلا توجه كلمة أو سؤال لشخص آخر بغرض إحراجه فلا يستطيع الرد، فتكون بذلك قد خسرته. كذلك لا تدخل في مناقشة مع شخص بغرض إظهاره أمام الناس بأنه لا يفقه شيئًا، وتكون منتصرًا في المناقشة على طول الخط! اعرف أنك بذلك قد تكسب المناقشة ولكنك تخسر الشخص. فلا يعود إلى الكلام أو المناقشة معك. اهتم بأن تكسب الناس أكثر من اهتمامك بكسب المناقشات.

لا تكن لك قسوة في حياتك:

بالقسوة لن تخسر أحبائك فقط، بل أيضًا سيكون لك أعداء جدد. والشخص الذي يتصرف بقسوة أمام الآخرين تؤخذ عنه فكرة سيئة.

كن لطيفًا:

لكي تكسب الناس كن لطيفًا. واللطف من ثمار الروح، بل اللطف من صفات الله أيضًا. وباللطف تصير إنسانًا وديعًا وهادئًا كما قيل عن السيد المسيح: “لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ” ربما تمر الرياح على هذه الفتيلة المدخنة فتشعلها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ابعد عن الثورة والغضب فبهما تخسر الناس وتخسر أعصابك وتخسر سمعتك.

أنظر إلى النقاط البيضاء في حياة كل شخص:

أيضًا أحب أن أقول لكم نقطة أخرى. فبعض الأشخاص  ينظرون للآخرين نظرة مراقبة وترقب ويصدرون عليهم  أحكامًا. فتجد الشخص يراقب الآخر (كيف يتكلم؟ كيف ينظر؟ ماذا يفعل؟) ويشيع مذمة في الآخرين.

يجب أن تعلموا أن كل شخص يوجد بحياته نقاط بيضاء ونقاط سوداء. فإذا كنت تريد أن تخسر الناس أنظر للنقاط السوداء التي في حياتهم وركز عليها ولا تنظر للنقاط البيضاء التي في حياتهم. أما إذا كنت حليمًا ومسالمًا فأنظر إلى النقاط البيضاء وأنظر إلى الخير الذي في الناس وامتدحه. وبهذه الطريقة تكسب الناس.

أتذكر أنه كان هناك راهبًا في الدير وكان عندما يكلف بمهمة، كان يعمل في هذه المهمة بكل جهده وينجز 90% من المهمة ثم يوكل الـ10% المتبقية لشخص آخر ليساعده. ثم ينسب العمل كله للآخر وينكر نفسه. أي كان ينسب تعبه إلى غيره، لكي يفرح غيره.

عش في مستوى الناس لتكسبهم:

إذا كنت تريد أن تكسب الناس عش في مستواهم، ولا تطالبهم بمستوى أعلى. ولا تطالبهم فوق ما يطيقون.

كن نفسًا مريحة بشوشة. فالشخص العابس يخسر الناس.  لكن البشاشة تجعلك تكسب الناس. أيضًا الناس يحبون الشخص الخفيف الظل الذي يشعرون بالمتعة في صحبته. ويشعروا أنه سبب فرح لهم. فيسروا به ويستبشرون به. عكس الشخص العابس الذي يتجنبه الناس ويتلاشونه.

كل ما قلته لكم في إراحة الناس يجب ألا يكون على حساب الضمير. أي لا تخالف ضميرك حتى تريح غيرك. ولا يكون على حساب العقيدة

41ـ طول البال عندنا نحن البشر 01 12 2010 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

طول الروح سعة الروح  طول الأناة سعة  الصدر  الصبر  الحِلم

† لقد تكلمنا في الأسبوع الماضي عن طول بال الرب له المجد، وأود أن أكمل هذا الموضوع معكم اليوم بطول البال عندنا نحن البشر.

أسماء مختلفة لفضيلة طول البال:

† وفضيلة طول البال تسمى طول البال أو طول الروح أو سعة الروح أو طول الأناة أو سعة الصدر أو الصبر أو الحلم.

طول البال فضيلة لازمة للقائد:

† قيل عن موسى النبي “وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ” (سفر العدد 12: 3). موسى النبي كان قائداً للشعب فكان لا بد أن يكون طويل البال.

فالقائد يكون لديه سلطان فإذا كان لديه سلطان وليس لديه طول البال فمن الممكن أن يضر الكنيسة. فلابد أن يكون لكلٍ من الكاهن أو الأسقف أو المطران أو البطريرك طول البال حتى لا يتضايق أو يغضب سريعاً وحتى لا يعاقب سريعاً، بل يكون طويل البال.

طول البال فضيلة يجب أن يتصف بها كل مسيحي:

† ليس فقط القائد هو المحتاج لفضيلة طول البال، بل كل مسيحي المفروض أن يكون طويل البال. طويل البال في معاملة الناس، لأن طباع الناس تختلف من شخص إلى آخر. فهناك يستطيع التفاهم معه بسرعة، وهناك من يحتاج لمدة طويلة حتى يتفاهم معه. فلابد أن يكون المسيحي طويل البال.  وخصوصاً مع الضعفاء.

طول البال لازم في اتخاذ القرارات:

† طول البال لازم في اتخاذ القرار. فلا يجب أن يُتخذ قراراً بسرعة أو باندفاع أو في ساعة غضب. لابد أن ينتظر الإنسان ويأخذ فرصة للتفكير قبل اتخاذ أي قرار. لأنه لو اتخذ قرار بغير تفكير يتعرض للخطر ويضر نفسه ويضر غيره.

طول البال لازم في معاملة الأطفال:

† فالطفل يكون لم يصل إلى مرحلة النضوج ولم تتكون عنده بعد القيم والمبادئ والحقوق والواجبات لأنه ما زال صغيراً.  فلا بد أن نتصف بطول البال في معاملاتنا مع الأطفال ونأخذ في اعتبارنا مراحل النضج.

طول البال لازم في التعامل مع الشباب:

لا بد أن تكون طويل البال أيضاً في التعامل مع الشاب إلى أن ينتقل من مرحلة اللهو إلى مرحلة النضج.

طول البال لازم في التعامل مع قليلي الفهم:

أيضاً لا بد أن تكون طويل البال مع صغار العقول وقليلي الفهم، الشخص الذكي عندما تقول له كلمة يفهمها مباشرة ولا يحتاج إلى ترديدها عليه، ولكن هناك بعض الأشخاص لا يفهموا ما يقال لهم سريعاً، ويحتاجون أن تكرر لهم الأمر مرة أو مرتين أو ثلاثة وتشرح التفاصيل، وتطيل بالك عليهم.

طول البال صفة لازمة للمدرس:

وهكذا يكون طول البال من المدرس على التلميذ مع التلميذ حتى يتعلم  ويحفظ ولا ينسى تحتاج وقت ليس كل واحد مثل الآخر، فلا بد أن يطيل المدرس باله على قليل الفهم وعلى قليلي الذكاء. المدرس لا بد أن يطيل باله على التلميذ، حتى في نظام الدولة عموماً التلميذ ممكن يفشل في الدور الأول فيعطوه فرصة أخرى في الدور الثاني.

لذلك عندما يوبخ المدرس التلميذ الذي لا يفهم يقولون على هذا المدرس إنسان عصبي لأنه لا بد أن يكون طويل البال.

† أيضاً في التعليم ليس المطلوب فقط طول البال حتى يستوعب التلاميذ ما يجب أن يتعلموه، بل يجب على الأساتذة تبسيط العلوم لهم وتحويل كل ما هو صعب إلى سهل. أنا أؤمن بهذا المبدأ باستمرار في في العليم. لابد للأساتذة أن يتعلموا كيفية تبسيط العلوم حتى اللاهوتيات يجب أن تبسط حتى يفهمها الناس. فلا بد للمعلم أن يكون هادئ الأعصاب وطويل البال.

طول البال صفة لازمة للأب أو المرشد الروحي:

† نفس الوضع في المجال الروحي لا بد أن أب الاعتراف يكون طويل البال، ومن الممكن أن ينصح نصيحة ولا ينفذها الشخص الذي أمامه وجائز الشخص الذي أمامه عنده عادة خاطئة فلكي يكف عنها يحتاج وقت وقد لا يستطيع التخلص من أخطائه سريعاً أو بمجرد أن يأمره مرشده الروحي بذلك.

فالكثير من المدخنين نشرح لهم مضار التدخين ومع ذلك لا يستطيعون التخلص من التدخين بسهولة لأن العادة مسيطرة عليهم ولكي يتخلص من هذه العادة يحتاج لوقت فلا بد أن يكون أب الاعتراف والمرشد الروحي طويل البال عليه.

الأنبا إيسوذوروس مثالاً في طول البال:

† في تاريخ الرهبنة قيل عن القديس الأنبا إيسوزوروس أنه كان يحتضن كل راهب يرفضه الآباء ويطيل باله عليه إلى أن يصل للمستوى الروحي المطلوب..  وموسى الأسود في بداية رهبنته تردد على الأنبا إيسيزيروس عشر مرات في يوم واحد فقال له: يا ابني اذهب إلى قلايتك واجلس فيها. فقال له لا أستطيع يا معلم (غير قادر) فأطال باله عليه إلى أن أصبح القديس العظيم الأنبا موسى الأسود. الموضوع محتاج إلى طول بال.

فكل إنسان قد يكون له الكثير من الأخطاء، ولكي يتخلص من أخطائه هذه يحتاج إلى وقت وطول بال لأنه لا يستطيع التخلص منها دفعة واحدة. فمثلاً لو إنسان متسرع في الكلام وأمرته أن يكف عن ذلك، فلن يكف عن التسرع في الكلام فوراً بل يحتاج إلى طول بال ووقت حتى يعتاد على عدم التسرع في الكلام.

لذلك أقول لآباء الاعتراف والكهنة لابد أن تقتنوا فضيلة طول البال في سماع الاعترافات وفي إعطاء النصائح للمعترفين لأنه حتى يتغلب  المخطئين على أخطائهم يحتاجون إلى وقت وطول بال.

† الرب أعطانا مثل على ذلك من الطبيعة، فأحياناً شتلة من نوع معين تكبر سريعاً وأحياناً شتلة من نوع آخر تأخذ سنوات كثيرة حتى تكبر، فليس كل الزرع يكبر وينضج بنفس الدرجة أو السرعة فالكثير من الأشجار تحتاج لسنوات حتى تعطي ثمر. وهذا عكس الجرجير مثلاً الذي عند زراعته يكبر سريعاً حتى أن المثل العامي يقول: “حلف الجرجير بالدين إنه ما يبات في الطين”. فلا تطلب من كل واحد أن يكون مثل الجرجير.  بعض الناس تحتاج إلى وقت.

حتى الجنين يحتاج طول بال حتى يخرج للحياه:

الجنين الذي يحييه الرب في بطن المرأة يحتاج أيضاً إلى وقت حتى يخرج للحياة. الزمن الافتراضي له تسعة أشهر تقريباً. فلابد من طول البال حتى يخرج هذا الجنين للحياة.

طول البال لازم قبل الحكم على الآخرين:

† يجب أن تطيل البال في الحكم على الآخرين. لا يصح أنه بمجرد صدور تصرف معين من شخص ولا يعجبك هذا التصرف تتهم هذا الشخص اتهامات قد تكون باطلة. لا يا أخوتي لا تتبعوا هذا الأسلوب. بل يجب أن تطيل بالك في الحكم على الآخرين لكي تكون عادلاً لأن الحكم بدون تحقيق يكون خاطئ. قد يكون الأمر واضح، ولكن الظروف التي أحاطت بهذا الأمر ربما لا تكون واضحة. فلا بد أن تدرس الخطأ وتدرس الظروف الدافعة إليه وتدرس نفسية المخطئ، وتكون عادلاً في حكمك إذا سُمِح لك أن تحكم. وبطول البال تصل إلى العدل.

† وأيضاً في طول البال لابد أن يكون لديك فضيلة العطف على الناس وليس فقط العدل. لابد أن يسير العدل والعطف معاً. وكقاعدة الإنسان الذي لديه طول البال يكون دائماً بطيء الغضب. لأن الغضب غالباً ما يأتي نتيجة السرعة وعدم طول البال. ولذلك الكتاب يقول “إن الغضب يستقر في حضن الجهال، وفي رسالة معلمنا يعقوب الرسول يقول: “إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ، لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ” (رسالة يعقوب 1: 19) مبطئاً في الغضب أي طويل البال ولا تتسرع في التكلم ولا تتسرع في الغضب، فلا يصح أن تكون سريع الغضب أو الانفعال.  بل يجب أن تحتمل وتصبر.

طول البال لازم في الحياة الزوجية:

† طول البال أيضاً لازم في الحياة الزوجية. فلا يصح أن تغضب المرأة من زوجها على أقل الأسباب. فالمرأة التي ليس لديها طول بال قد لا تستطيع الاحتفاظ بسلامة بيتها.

وأيضاً الرجل لابد أن يتمتع بفضيلة طول البال، فإذا أخطأت امرأته يطيل أناته عليها، ولا يتسرع في الحكم عليها قائلاً: أنا سيء الحظ، كنت أحسبها “راحيل” وإذا بها “ليئة”. حتى لو كانت امرأتك “ليئة”، لقد دلت الأمور على أن “ليئة” أفضل من “راحيل”. فمن نسل “ليئة” جاء يهوذا وجاء السيد المسيح. ومن “ليئة” جاء سبط لاوي سبط الكهنوت. أعاظم الناس جاءوا من ليئة. أيضاً أبونا يعقوب صبر على “ليئة” وهي ضعيفة العينين.

† فطول البال في الحياة الزوجية لابد أن يكون متبادل بين الزوجين وأيضاً لا بد أن يكون الزوجين طويلا البال على أولادهما حتى ينضجوا. فلا يصح انتهار الأولاد على كل صغيرة وكبيرة لأن ذلك يتعب نفسيتهم.

طول البال لازم للحصول على ما نطلبه:

† طول البال أيضاً ضروري في الطلب. سواء في الحياة الزوجية أو خارجها. فقد تطلب الزوجة من زوجها طلباً وإذا لم يحضره لها فوراً تغضب! يا بنتي صبرك عليه ربما الاستجابة لهذا الطلب يحتاج إلى وقت.

الشخص الغير طويل البال يتعب إذا لم تحدث استجابة سريعة ووقتية وفورية لطلبه.

† أيضاً فيما نطلبه من الرب، لا بد ألا نتعجل في تنفيذ طلباتنا. لأن الرب لا ينفذ طلباتنا إلا في الوقت المناسب. البعض إذا تأخر الرب في الاستجابة يقول: “إلى متى يا رب تنساني إلى الانقضاء حتى متى تحجب وجهك عني”!!، عن الآية القائلة: “إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟” (سفر المزامير 13: 1)، “لماذا تقف يا رب بعيداً ولماذا تختفي في وقت الضيق؟”!! عن مزمور: “يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟” (سفر المزامير 10: 1).. صبرك أيها القديس العظيم، صبرك أرجوك. لا يجب أن تكون هذه طريقتنا في الطلب من الرب. وبالرغم من ذلك الله  يحتمل منا هذا الكلام لأنه طويل البال ويحتمل أولاده عندما يغضبون لما يعتبروه عدم استجابة لصلاتهم.

أيضاً لابد أن نطيل بالنا على الآخرين كما يطيل الرب باله علينا.

طول البال لازم في التجارب والضيقات:

أيضاً يجب أن تطيل بالك في التجارب والضيقات. وسبق أن قلت لكم مرات عديدة أن كل تجربة تأخذ منظر هرمي ترتفع حتى تصل للقمة ثم تهبط. لا يوجد تجربة تستمر على طول. أصبر على التجربة وخذ بركتها إلى أن تنتهي. فكل تجربة لها مدى زمني لكي تنتهي فيه ولا يوجد تجربة دائمة الارتفاع.

طول البال لازم في أوقات المرض:

نفس الوضع في الأمراض. الأمراض أيضاً تحتاج طول بال. طول بال من كل من المريض والطبيب أيضاً. فالمريض لو يئس تنهار معنوياته ويقوى عليه المرض. وأيضاً لا بد من طول بال الطبيب مهما طال المرض لأن يأس الطبيب يحطم المريض.

طول البال لازم للتوبة:

طول البال أيضاً لازم حتى يصل الإنسان إلى التوبة وهذا واجب الخدام وآباء الاعتراف والمرشدين الروحيين. فلا بد أن يطيلوا بالهم على الخاطئ حتى يصل إلى التوبة. كثيراً ما صبر السيد المسيح على تلاميذه في أخطائهم.

طول البال لازم في الحياة العملية:

† حتى في الحياة العملية ففي مجال الصناعة مثلاً، المعلم لابد أن يطيل باله على صبيه الذي يساعده حتى يتعلم منه الصنعة ويتقنها.

† كذلك من يدخل في مشروع يحتاج إلى طول البال حتى ينجح المشروع. فكل مشروع يمر بصعوبات في البداية حتى يتعرف صاحب المشروع على السوق ويتخذ خبرة تمكنه من إنجاح مشروعه.

† أيضاً طول الأناة لازمة للحصول على عمل.

وطول الأناة لازمة في حل المشاكل. لأن هناك مشاكل تأخذ وقت حتى تحل.

كلمة منفعة:

إلى هنا وأقول لكم أطيلوا بالكم ولكن راعوا أن هناك أشياء لا يصلح معها طول البال بل تحتاج سرعة. فمعونة إنسان محتاج يلزمها السرعة، لا يصح أن تطيل بالك في هذه الحالة.

وكذلك إنقاذ من هو في خطر تحتاج إلى سرعة ولا تحتمل أي طول بال.

الرب يعطينا فضيلة طول البال.

3ـ الضمير 27 01 2010 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

بسم الاب والابن والروح القدس الاله الواحد امين

ربنا اوجد فى الانسان منذ البدء الضمير الذى يميز به الخير و الشر و الضمير موجود قبل الشريعة المكتوبه و اول شريعة مكتوبه ايام موسى النبى لكن الضمير كان قبل كدة بدليل ان قايين لما قتل هابيل ربنا عاقبه و بدليل ان يوسف الصديق لما عرض عليه الزنى من امرأة سيده قال كيف اخطئ و افعل هذا الشر العظيم امام الله منين عرف ان دة شر عظيم ؟ من الضمير

و بدليل ان يعقوب اب الاباء لما امه قالت له اذهب لابوك اسحق و كان لا يرى فى ذلك الحين و قل له انى ابنك عيسو فقال لها ازاى بدال ما اخد بركة هاخد لعنة ؟ قالت له ان غش ابيك دى حاجة ترضى الضمير

فالضمير كان موجود قبل الانسان و لكن لان الضمير يمكن ان يخطئ كما سأقول لكم فيما بعد فربنا اوجد الشريعة كشئ ثابت و الضمير ايها الابناء و الاخوة على ثلاث انواع : فيه ضمير واسع يبلع الجمل ( يبرر كل شئ ) و فيه ضمير ضيق ( ضمير موسوس ) يظن الشر حيث لايوجد شر و يرى الخطأ حيث لا يوجد خطأ او يكبر من قيمة الاخطاء فوق حجمها فاسمه ضمير ضيق و احيانا يسمونه ضمير موسوس و فيه ضمير صالح ( مضبوط لا يزود و لا ينقص ) و لذلك بولس الرسول احيانا كان يقول ( انا بضمير صالح امام الله بعمل كذااا )

دول اناع الضمي و الضمير اعلى من القانون او اوسع مجالا من القانون ليييه ؟ لان الضمير يمكن على الفكر لككن القانون لا يحكم على الفكر ؛ الضمير يمكن ان يحكم على النيه ( نيه الانسان الداخليه ) لكن القانون لا يحكم على ذلك : الضمير يحكم ايضا على الشهوة او الرغبه (رغبة القلب او شهوته ) لكن القانون لا يحكم على الشهوة او الرغبه لان القانون لا يحكم الا على العمل الذى تم لكن العمل الذى لم يتم لا يحكم عليه القانون .

و الضمير يحكم ايضا على خطأ الحواس ( اذا الانسان نظر نظرة شريرة يحاكمه عليها ؛ او اذا سمع اشياء لا يليق بيه ان يسمعها مثل الفكاهات البذيئه او اغانى رديئه او يسمع شرور ) كل دى ضميره يعاتبه عليها

و الضمير ايضا يأخذ منطقه اوسع من ذلك بمعنى ان القانون يحكم على الاخطاء التى تتم . اما الضمير له اتجاه اكبر فأنه يحاكم على عدم فعل الخير

ايضا القانون يحتاج الى ادله يثبت بها حكمه و يوجد الكثير من الناس حكم عليهم بالبراءة لعدم كفايه الادله لكن الضمير يعرف كل شئ فالضمير مجاله اوسع بكثير من القانون من اجل هذا نحاول بأستمرار ننمى ضمائر الناس و نجعلها اكثر حساسيه حتى يفعلوا الخير ؛ ايضا حينما نتكلم بين الضمير و القانون هناك امور لا ينص عليها القانون و لكن يحاكم عليها الضمير مثل امور العبادة فالقانون لا يحاسبك على الصلاة و الصوم و لكن الضمير يحاسبك على هذا و هكذااا 00000

لذلك فالانسان يفكر دائما فى راحة ضميره لان ايضا الضمير يمكن ان يوبخ و يبكت على خطأ معين و ربما اخطاء فادحة لا يستطيع الانسان ان يحتملها من اجل توبيخ ضميره له ( القاتل الذى يبكته ضميره على ضحيته و لا يستريح الى ان يعترف امام القضاء )

و لكن ممكن ان الناس يخالفون ضمائرهم و يتعرضون الى توبيخ الضمير و كما قيل ان الضمير قاضى عادل و لكنه يعجز كثيرا عن تنفيذ احكامه و لكن كلمه عادل لا نقدر ان نأخذها بمعنى مطلق لمااذا ؟ لان من الممكن ان الضمير يخطئ كيييف ؟ مثل الناس الذين يأخذون بالثأر لا يستريح ضمائرهم الا اذا قتلوا و اخذوا بالثأر

و هكذا ايضا فى كثير من الامور التى تدخل فيها الناحيه القبليه مثل الذى يدافع عن قريب له مهما كانت خطيته فبذلك قد خالف ضميره

و أنه لا ينظر الى تأنيب الضمير و لكن الدفاع عن قريبه بينما الكتاب المقدس يقول “مبرئ المذنب و مذنب البرئ كلاهما مكرها للرب”

و كثيرا من الناس يكون لهم هدف طيب و وسيله خاطئه و ضميرهم يشجعهم من اجل الهدف الطيب مهما كانت الوسيله خاطئه

و مدام الامر هكذا يجب ان نرى ماهى العوامل المؤثرة على الضمير ؟

فالعوامل المؤثرة على الضمير هى : المعرفة ( فتوجد خطايا الجهل التى نرتكبها من غير معرفة و حينما نكتشفها نبتعد عن هذة الخطيه ) فالمعرفة يمكن ان تنمى الضمير و تزيد من حساسيته و ايضا الثقافة لانها لون من المعرفة و ايضا التعليم (حسبما يعلم الانسان يؤثر هذا الامر على ضميره و خصوصا اذا كان التعليم منذ الصغر )

و يزداد التعليم خطورةاذا كان التعليم من المرشد الروحى او الاب الروحى فأنه يمكن ان يغير و يحور ضمائر تلاميذه اذا فأن ذلك يؤثر على الضمير و لهذا الكتاب المقدس يقول ( لا تكونوا معلمين كثيرين يا اخوتى لاننا فى اشياء كثيرة نعثر جميعنا )

و من ضمن الاشياء المؤترة على الضمير نوع العقل فيوجد عقل يناقش كل فكرة تعرض عليه و يوجد نوع اخر بسيط يأخد كل شئ مسلما به دون ان يدرى فيتعب الضمير و ذلك فكلما كان العقل ذكيا و حكيما حينئذ يكمن ان الضمير يدرك الخير بطريقة جادة و الشر بطريقة جادة

كذلك من مصادر الضمير الاولى الدين و وصايا الله فالدين يغذى الضمير بالصواب و الخطأ كما قال الرب فى اخر سفر التثنيه ( هوذا قد جعلت امامكم الخير و الحياة و الشر و الموت فأختر الحياة لكى تحيا )

و احيانا ايضا يؤثر على الضمير البيئه المحيطة بالانسان و كثيرا من الناس ينجرفون وراء التيار العام السائد لهذة البيئه المحيطة بهم و هنا الضمير لا يكون مصدره مبادئ ثابته و لكنه يمشى مع التيار و كما قال الشاعر ( كريشة فى مهب الريح طائرة لا تستقر على حال من القلق )

لكن من اهم الاشياء التى تؤثر على الضمير هى الذااات ( الايجو ) اى ضميرى يحاول ان يبرر رغباتى هنا الذات تحكم و المثل تختفى و الوصايا تختفى و الضمير يظل حائرا

20ـ بولس الرسول 02 06 2010 – عظات يوم الأربعاء فيديو – البابا شنودة الثالث

بمناسبة صوم الرسل كنت في الإسكندرية يوم الأحد الماضي 30 مايو 2010 وتكلمت عن الآباء الرسل بصفة عامة. أريد اليوم أن أكلمكم عن واحد من هؤلاء الآباء الرسل أحبه جداً وهو في نظري من أعظم الآباء الرسل بلا قياس. وهو بولس الرسول. أريد أن أكلمكم اليوم عن بولس الرسول.

بولس الرسول كان مثقفاً إلى أبعد الحدود:

غالبية الرسل كانوا أشخاص غير مثقفين قال عنهم بولس نفسه “بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ”. (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 27 ) وكانوا غالبيتهم من الصيادين. وعندما عمل بطرس ويوحنا بالكرازة في أول العصر الرسولي وقبض عليهم يقول الإنجيل “وجدوا أنهما إنسانان عاميان”: “فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا. فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ” (سفر أعمال الرسل 4: 13) أي غير مثقفين. أما بولس فكان رجلاً مثقفاً إلى أبعد الحدود.

من الناحية العلمانية درس في جامعة طرسوس. وكان اسمه شاول الطرسوسي. ومن الناحية الدينية تتلمذ عند قدمي غمالائيل أعظم أساتذة الناموس في عهده. ففي الماضي كان الأساتذة أو المعلمين يجلسون على كراسي والتلاميذ يجلسون على الأرض عند قدميهم. لذلك يقول الإنجيل عن بولس الرسول أنه تتلمذ عند قدمي غمالائيل.

وأيضاً كان من الناحية الدينية من المدققين جداً في الشريعة ولذلك قال عن نفسه “كنت فريسياً ابن فريسي” (أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ) (سفر أعمال الرسل 23: 6)، والفريسيين كانوا أكثر الناس مدققين -ولو نظرياً- في مسألة العقيدة.

بولس الرسول تحوَّل من القوة في اضطهاد المسيحية إلى القوة في الدفاع عن المسيحية:

بولس نشأ هذه النشأة الطيبة، ولذلك حسب حماسته الدينية كيهودي اضطهد المسيحية أكبر اضطهاد وكان يقود رجالاً ونساءً إلى السجن، إلى أن ظهر له السيد المسيح في الطريق إلى دمشق. فعندما كان ضد المسيحية كان قوياً في اضطهاده للمسيحية، وعندما تحوَّل إلى المسيحية صار قوياً في الدفاع عن المسيحية. فالسيد المسيح لم يلغي قوة شاول الطرسوسي، إنما حوّل هذه القوة تحويلاً إيجابياً طيباً.  كان اسمه شاول الطرسوسي وبعد أن آمن سُميَ بولس الرسول.

دُعيَ بولس الرسول إلى الإيمان والخدمة من الثلاثة أقانيم:

بولس هذا دعي إلى الإيمان والخدمة من الثلاثة أقانيم:-

من الله الآب

كما ورد في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 1: 15، 16: ” وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْمًا وَدَمًا”.

واختير من الابن:

في الطريق إلى دمشق (سفر أعمال الرسل 9).

وأختير من الروح القدس:

عندما قال الروح القدس للكنيسة: “وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ. (سفر أعمال الرسل 13: 2).

وبما إنه أختير من الأقانيم الثلاثة كلٍ على حدة، قبل أن توضع عليه اليد. كما يقول الإنجيل “فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا” (سفر أعمال الرسل 13: 3)

أي بولس الرسول وضع عليه الأيادي. فلا يجب أن يقول أحدهم: “أنا ربنا إختارني” أو “الروح القدس إختارني”. لا. بل لابد أن تخرج من تحت يد الكنيسة.

بولس الذي أختير من الآب والابن والروح القدس كل على حده . اختير من الكنيسة لكي يأخذ قانونية الوضع.

خدمة بولس الرسول لا تعرف الحدود:

بولس كان رجلاً قوياً فعندما دخل في الخدمة لم تكن هناك حدود لخدمته؛ خدم في أورشليم ثم أنطاكيا ثم قبرص ثم آسيا الصغرى، وذهب إلى بلاد اليونان ووصل إلى روما.. وظل يخدم بطريقة لا تعرف حدوداً ولا سدوداً في الخدمة. بل صدقوني فيما بعد كان يخدم ويبشر حتى وهو في السجن، ارجعوا في ذلك إلى أعمال 16 عندما سجن في فيلبي وعمل الله معه معجزة بشر سجان فيلبي ثم سأله سجان فيلبي: “مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟” (سفر أعمال الرسل 16: 30).

فأجابه بولس الرسول: “آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ”.

وذهب إلى بيته وعمده، هو وكل الذين معه. فكان يخدم في كل مكان. حتى في السجن.

بولس الرسول أسس كنيسة روما:

الأهم من ذلك أنه بشر كنيسة روما وبمعنى آخر أن بولس الرسول هو الذي أسس كنيسة روما. هو الوحيد الذي كتب رسالة إلى روما. وقال لهم فيها: “سآتي لأمنحكم نعمة” (لأَنِّي مُشْتَاقٌ أَنْ أَرَاكُمْ، لِكَيْ أَمْنَحَكُمْ هِبَةً رُوحِيَّةً لِثَبَاتِكُمْ) (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 1: 11). وهو أيضاً الذي كان مسئولاً عن هؤلاء ففي الرسالة إلى غلاطية يقول: “أن الله استأمن بطرس لخدمة اليهود وأستأمن بولس لخدمة الأمم” (أَنِّي اؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ الْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ الْخِتَانِ) (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 2: 7). ورومية كانت من الأمم.

وبعد ذلك السيد المسيح نفسه دعاه في أعمال الرسل إصحاح 23 وقال له: “كَمَا شَهِدْتَ بِمَا لِي فِي أُورُشَلِيمَ، هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَشْهَدَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا” وفعلاً ذهب إلى رومية. وعندما ذهب إلى رومية في إصحاح 28 وجد أنهم لا يعرفون شيئاً عن المسيحية، حيث قالوا له: “لا نعرف عن هذا المذهب إلا إنه مضطهد في كل مكان” (لأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَنَا مِنْ جِهَةِ هذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَاوَمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ) (سفر أعمال الرسل 28: 22). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فكلمهم، وعندما لم يقبلوا يقول الكتاب في آخر آيتين في سفر أعمال الرسل: “وَأَقَامَ بُولُسُ سَنَتَيْنِ كَامِلَتَينِ فِي بَيْتٍ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ يَقْبَلُ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ إِلَيْهِ، كَارِزًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمُعَلِّمًا بِأَمْرِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ، بِلاَ مَانِعٍ” (سفر أعمال الرسل 28: 30، 31)

اتذكر عندما زرت الفاتيكان Vatican سنة 1973 أي منذ 37 سنة وزرت الكنيسة الكبرى الكاتدرائية (كنيسة سانت بيتر The Papal Basilica of Saint Peter، وبالإيطالية: Basilica Papale di San Pietro in Vaticano بازيليكا سان بيترو) فقلت للكاردينال cardinal الذي كان معي:

– “I know quite well that The Church of Rome was established by St. Paul and not by St. Peter”.

– but he replied: “by both”.

أى: إني أعرف أن كنيسة روما تم تأسيسها بواسطة القديس بولس وليس القديس بطرس. فأجابني: بل بواسطة كليهما. لكن لا توجد آية في الكتاب المقدس تقول أن بطرس أسس كنيسة روما.  ليس موضوعنا الآن ولكن نشكر الله أنه تم تأسيسها على أي حال.

لكن الحقيقة أن الذي أسس كنيسة رومية هو القديس بولس، ونتيجة تبشيره في كل موضع قيل أن “كلمة الرب كانت تنمو وتزداد”.

كان بولس الرسول يبشر بإرشاد الروح:

فقد أراد مرتين أن يبشر في آسيا ولكن منعه الروح القدس. ثم في رؤيا جاءه رجل من مكدونيا يقول له “أسرع إلينا وأعنا” (اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا) (سفر أعمال الرسل 16: 9) فذهب إلى هناك.

بولس الرسول تعب أكثر من جميع الرسل:

بولس الرسول هذا تعب أكثر من جميع الرسل وهو نفسه قال: “أنا الذي تعبت أكثر من جميعهم ولكن لست أنا بل نعمة الله العاملة معي” (أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتِي مَعِي) (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 10).

بولس الرسول كتب 14 رسالة ولكن باقي الرسل كتبوا رسالة أو اثنين ويوحنا كتب ثلاثة رسائل (الرسالة الثالثة إصحاح واحد) كل الرسل الباقين (رسالة يعقوب ورسائل بطرس ورسائل يوحنا ورسالة يهوذا غير الاسخريوطي) مجموع ما كتبوه 21 إصحاح. أما بولس الرسول فكتب 14 رسالة مجموعها 104 إصحاح أي مثل ما كتبه باقي الرسل جميعاً خمس مرات.

وبولس الرسول لاقى اضطهادات وعذابات كثيرة. فاليهود كانوا يهيجون عليه الشعب في كل مكان.

وأحياناً المتاعب كانت تأتي عليه من الوثنيين كما حدث في افسس حيث تضايق الوثنيون عندما كان يتكلم عن المسيح فقالوا عظيمة هي أرطاميس إلهة أفسس وقاموا بأعمال شغب أثناء صياحهم عظيمة هي أرطاميس. وتعب بولس الرسول في أفسس لدرجة أنه قال في أحد المرات “حاربت وحوشاً في أفسس”.

بولس الرسول سجل عذاباته ومتاعبه في رسالة كورنثوس الثانية إصحاح 11 (23-27) حيث يقول “فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ، فِي الْمِيتَاتِ مِرَارًا كَثِيرَةً.  مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً.  ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ، مَرَّةً رُجِمْتُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ، لَيْلاً وَنَهَارًا قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ.  بِأَسْفَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ ِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ”.

صعوبات وصعوبات وعلى الرغم من تعبه الكثير في الكرازة والتعليم لاقى تعباً أكثر وعذابات أكثر وسجون أكثر.  الله لم يمنع عنه التعب لكي يأخذ بركة التعب.

في أحد المرات 40 شخص من اليهود نذروا أنفسهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا شيئاً حتى يقتلوا بولس!  مَنْ مِنْ الخدام حدث له حادث كهذا..؟! ولكن الله نجاه..

ووقف أمام ولاه وأمام حكام، أمام فيلكس الوالي وأمام فستوس الوالي وأمام أغريباس الملك، وأمام ولاه في كثير من البلاد.

بولس ومواهب الروح القدس المتعددة:

ومع ذلك الله أعطاه مواهب كثيرة، لدرجة كانوا يأخذون المناديل التي على جسده وربما التي على قروحه ويضعوها على الناس فيشفون وتخرج منهم الأرواح الشريرة كما ورد في أعمال الرسل إصحاح 19.

وكانت مواهب الروح القدس تعمل معه والنعمة تعمل معه ومن جهة التكلم بألسنة كان يتكلم بألسنة أكثر من الجميع.

ومن بركة بولس الرسول وعظمته أنه في أحد الأوقات أصعده الله إلى السماء الثالثة أي إلى الفردوس وسمع أشياءً لا ينطق بها.. لم يحدث مثل هذا مع باقي الرسل.

ولهذا الله أعطاه موهبة المعجزات؛ فكان يشفي الأمراض، وكان يخرج الأرواح الشريرة وأقام ميتاً. هو أفتيخوس حيث كان بولس يعظ وأطال في العظة حتى نصف الليل.  وكان أفتيخوس جالساً بجوار الطاقة ونام فوقع من ثالث دور. وتوقع الجميع أنه مات فنزل إليه بولس وحمله واحتضنه وقال للجميع “لا زالت روحه فيه” (لاَ تَضْطَرِبُوا! لأَنَّ نَفْسَهُ فِيهِ) وقدمه لهم حياً (سفر أعمال الرسل 20: 9-12).  أي أنه أقام موتى.

بولس الرسول كلمه الرب 4 مرات:

من ضمن الأشياء العظيمة في حياة بولس أن الله كلمه 4 مرات.

أول مرة: في أعمال 9 كلمه في الطريق إلى دمشق وقال له: “لماذا تضطهدني وأرسله”.

ثاني مرة: كلمه وهو في كورنثوس وقال له: “لاَ تَخَفْ، بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ (مدينة كورنثوس)” (سفر أعمال الرسل 18: 9، 10).

ثالث مرة: كلمه في أعمال 22 وقال له: “ها أنا مرسلك بعيداً إلى الأمم” (اذْهَبْ، فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى الأُمَمِ بَعِيدًا).

المرة الرابعة: في أعمال 23 وقال له : “كما شهدت لي في أورشليم ينبغي أن تشهد لي في رومية أيضاً” (كَمَا شَهِدْتَ بِمَا لِي فِي أُورُشَلِيمَ، هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَشْهَدَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا).

أى الله كلمه أربع مرات. لا يوجد رسول كلمه الله كما كلم بولس 4 مرات.

بولس الرسول يجمع بين الشدة والوداعة:

ومع ذلك نجد بولس الرسول أحياناً شخص قوي يتكلم بسلطان. وبالنسبة لخاطئ كورنثوس كما ورد في الإصحاح الخامس من كورنثوس الأولى: قال لهم وأنا غائب عنكم أتكلم كأني حاضر (فَإِنِّي أَنَا كَأَنِّي غَائِبٌ بِالْجَسَدِ، وَلكِنْ حَاضِرٌ بِالرُّوحِ، قَدْ حَكَمْتُ كَأَنِّي حَاضِرٌ فِي الَّذِي فَعَلَ هذَا). “أأمر أن يسلم هذا الإنسان للشيطان لإهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب” (أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ، لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ) (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 5: 3، 5). فنجد بولس الرسول يتكلم بشدة وبسُلطة.

وفي مرة أخرى ضرب بولس الرسول عليم الساحر الذي كان يسمونه باريشوع بالعمى فلم يبصر شيئاً وتم تسليمه لمن يقود خطواته.

وعلى الرغم من هذا كان شخصاً وديعاً جداً كما حدث في مرات عديدة.

ففي سفر أعمال الرسل إصحاح عشرين “ومن ميليتس أرسل إلى أفسس وإستدعى شيوخ الكنيسة وقال لهم ثلاث سنين قضيتها بينكم لم أفتر أن أنذر بدموع كل أحد” (ثَلاَثَ سِنِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا، لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ) (سفر أعمال الرسل 20: 31). ينذر بدموع؟! أين السلطان في هذا الموقف؟

وفي أحد المرات قال في رسالته “أنا بولس الذي في الحضر ذليل، وفي الغيبة متجاسر عليكم” (أَنَا نَفْسِي بُولُسُ الَّذِي فِي الْحَضْرَةِ ذَلِيلٌ بَيْنَكُمْ، وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ فَمُتَجَاسِرٌ عَلَيْكُمْ) (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 10: 1)؛ أي وهو موجود معهم ذليل.  هل بولس العظيم هذا يكون ذليل؟! وفي الغيبة متجاسر عليكم؟ من هذا نتعلم من بولس الرسول أن لكل شيء تحت السموات وقت: للوداعة والطيبة وقت، وللشدة وقت.

فبولس الرسول كان طيباً جداً.  ولكن عند اللزوم يكون جبار بأس.

وسأعطيكم مثل آخر على ذلك.

والمثل الذي سأقوله من الأمثلة القليلة في الكتاب المقدس التي يدافع فيها بولس الرسول عن حقه.

وأنا أقول هذا المثل لمن يسألني:

هل من الممكن أن أقيم دعوى أمام المحكمة للمطالبة بحقي؟ أم يعتبر هذا خطيئة؟

فأرد عليه قائلاً: لا يا حبيبي، ارفع دعوى وأحصل على حقك.

ففي أحد المرات أخذوا بولس الرسول وربطوه وكانوا سيجلدونه، وكان هذا بأمر الوالي الروماني، فقال لهم بولس الرسول: أيجوز لكم أن تجلدوا رجلاً رومانياً غير مقضي عليه؟ “أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَانًا رُومَانِيًّا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟” (سفر أعمال الرسل 22: 25) (أي لم يُصْدَر حكم قضائي عليه). فذهبوا سريعاً للأمير فسأل بولس: هل أنت روماني؟ (قُلْ لِي: أَنْتَ رُومَانِيٌّ؟) فرد عليه بولس بالإيجاب. فقال الأمير: أما أنا فأخذت هذه الجنسية بأموال كثيرة. وأنت كيف أخذتها؟ فرد عليه بولس: أنا ولدت فيها (فَأَجَابَ الأَمِيرُ: «أَمَّا أَنَا فَبِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ اقْتَنَيْتُ هذِهِ الرَّعَوِيَّةَ». فَقَالَ بُولُسُ: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا»). أي وُلِدَ في بلد روماني فأخذ الجنسية الرومانية. فأمر بفكه سريعاً والاعتذار له.

ومرة أخرى في أفسس قبضوا عليه وألقوه في السجن، وعندما علموا أنه رجلاً رومانياً أرادوا إخراجه من السجن فقال لهم: “تضربون وتسجنون علناً وتريدون إطلاق سراحي في السر؟ لا بل يجب أن تعتذروا لي هنا (ضَرَبُونَا جَهْرًا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ. أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرًّا؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا) (سفر أعمال الرسل 16: 37). فجاءوا إليه واعتذروا وتضرعوا إليه لأنه لو قدم شكواه للحاكم الروماني سيضارون.  فكان يتكلم عن حقه ويُطاِلب به.

وفي أحد المرات أراد الحاكم أن يسلمه لليهود ليتخلصوا منه. واليهود كانوا ينتظرون هذه الفرصة. فعندما قال الحاكم ذلك، نظر إليه بولس وقال له: “أمام كرسي ولاية قيصر أنا واقف، إلى قيصر رفعت دعواي.” (أَنَا وَاقِفٌ لَدَى كُرْسِيِّ وِلاَيَةِ قَيْصَرَ.. إِلَى قَيْصَرَ أَنَا رَافِعٌ دَعْوَايَ!) (سفر أعمال الرسل 25: 10، 11)؛ أي: هل تُسَلِّمني لهؤلاء؟! لا بل ولايتك هذه ولاية قيصر، وإلى قيصر أنا رافع دعواي. فقالوا له: “إِلَى قَيْصَرَ رَفَعْتَ دَعْوَاكَ. إِلَى قَيْصَرَ تَذْهَبُ”. وأعدوا العدة لسفره مع حراس. كان يريد أن يذهب إلى روما للتبشير فطلب أن يحاكم أمام قيصر روما.  كان بولس الرسول رجلاً يدافع عن حقوقه ولا يرى في هذا أي شيء ضد الروحانية.

بولس الرسول كان كثير التعليم:

وكان إنساناً كثير التعليم، ونطاق تعليمه في الناحية اللاهوتية.. تكلَّم عن خطية آدم وقال في الرسالة إلى رومية إصحاح 5: “مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 12).

وهو أكثر الرسل الذين تكلموا عن الفداء والخلاص..

وتكلم عن القيامة خصوصاً في رسالة كورنثوس.

وتكلم عن المجيء الثاني وما يسبقه من الارتداد العام apostasy ومن ظهور إنسان الخطية مدعي الإلوهية في تسالونيكي الثانية إصحاح 2.

وتكلم عن سر الافخارستيا (التناول) وقال فيه كلمة عجيبة حيث قال “تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا” (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 11: 23).  متى تسلمت يا بولس من الرب؟! من المؤكد أن هذا كان في لقاء آخر خلاف ما قلناه.

وتكلم عن التناول باستحقاق والتناول بدون استحقاق في كورنثوس الأولى أصحاح 11.

وتكلم عن قضية الاختيار والرفض  في الرسالة إلى رومية إصحاح 9. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وتكلم عن موضوع ما ذبح للأوثان بالنسبة لِمَنْ تشككوا في اللحم أنه قد يكون من اللحم الذي ذبح للأوثان، وقال: “إن كان أكل اللحم يعثر أخي لا آكل لحم طوال حياتي” (لِذلِكَ إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إِلَى الأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي) (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 8: 13).

وتكلم عن المواهب في كورنثوس الأولى إصحاح 12.

وتكلم عن “التكلم بألسنة” في كورنثوس الأولى إصحاح 14.

ومن جهة الروحيات تكلم عن المحبة بتفاصيل لم يذكرها رسول آخر في كورنثوس الأولى 13.  “الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ.. َلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا.. إلخ” (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 13: 4، 5).

تكلم عن الشذوذ الجنسي باستفاضة في أول رسالة رومية وفي كورنثوس الإصحاح السادس.

وكلام بولس كان كلاماً مؤثراً حتى في الحكام:

وكلام بولس عموماً كان له تأثير، ليس فقط من جهة الذين قبلوا الإيمان وساروا وراءه: وكانت كلمة الرب تنمو وتزداد “كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ تَنْمُو وَتَقْوَى بِشِدَّةٍ” (سفر أعمال الرسل 19: 20)، ولكنه أثر أيضاً في الحكام.

فعندما وقف أمام فيلكس الوالي يقول الكتاب: أن بولس لما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة ارتعب فيلكس الوالي! تصوَّروا رجلاً مُقيّداً بسلاسل أمام حاكِم، وهذا الحاكم يرتعب من كلامه!

وعندما تكلم مع أغريباس الملك.  نظر إلى أغريباس الملك وقال له: أَتُؤْمِنُ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ بِالأَنْبِيَاءِ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُؤْمِنُ. فقال له أغريباس: “بِقَلِيل تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا” (سفر أعمال الرسل 26: 28).

بولس الرسول كان رجلاً له تأثير.  نحن نريد أشخاصاً بنفس قوة شخصية بولس. قوة الشخصية في التعليم وفي التأثير وفي مواجهة المواقف.

وكان رغم تواضعه يلجأ للشدة عند اللزوم:

وكان متواضعاً كما قلت لكم.  فقد قال لهم: “أَنَا نَفْسِي بُولُسُ الَّذِي فِي الْحَضْرَةِ ذَلِيلٌ بَيْنَكُمْ، وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ فَمُتَجَاسِرٌ عَلَيْكُمْ) (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 10: 1) ومع ذلك جاء عليه وقت قال فيه: “ألزمتموني أن أغير صوتي” (أُغَيِّرَ صَوْتِي) (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 4: 20) وقال لهم “أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3: 1).

وأيضاً جرأته في توبيخ بطرس الرسول؛ عندما وجد بطرس يأكل مع الأمم، وكل شيء يسير طبقاً لنتائج المجمع، ولكن أمام اليهود يستحي ولا يأكل! قال: “وبخته مواجهة لأنه كان ملوما”ً (قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُومًا) (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 2: 11)، فقال له: “إذا كنت وأنت يهودي تفعل كالأمم فلماذا تطلب من الأمم أن يتهودوا؟” (إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمَمِيًّا لاَ يَهُودِيًّا، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الأُمَمَ أَنْ يَتَهَوَّدُوا؟!) (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 2: 14). وإذا سألناه هل تقول هذا لأحد الذين أخذت منهم الموافقة على الرسولية؟ يرد ويقول: “هناك وقت للجد. في وقت الجد يمكن أن أقول هذا”.

وأيضاً من تواضعه عدم قبوله التأله في لسترة؛ حيث كان هناك شخص مُقْعَد من بطن أمه لا يستطيع أن يتحرك، قال له بولس الرسول: قف وتشدد فقام الرجل وظل يقفز (قُمْ عَلَى رِجْلَيْكَ مُنْتَصِبًا!. فَوَثَبَ وَصَارَ يَمْشِي) (سفر أعمال الرسل 14: 10).  فقال الناس عن بولس إنه إله. وبدأوا يذبحون له ذبائح!! فقال لهم لا أنا مجرد إنسان (نَحْنُ أَيْضًا بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ مِثْلُكُمْ).  فإنقلب الموقف حيث ضربوه وجرّوه!! (إما أن يكون إله أو يُضْرَب؟!) هذا لا يُعقَل! شخص يعرضوا عليه الألوهية ويرفض! هذا يدل على مدى إيمانه بالإله الواحد الذي لا يوجد أحد غيره.