سلسلة مقالات في الكتاب المقدس – جزء 01 – البعد اللاهوتي لكلمة غُصن في العهد القديم – الشماس كيرلس

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الدكتور كيرلس بشرى
التصنيفات الكتاب المقدس, دراسات في العهد القديم
الأسفار سفر إرميا, سفر إشعياء, سفر زكريا
آخر تحديث 11 أكتوبر 2019

تحميل المقال

إنتبه: إضغط على زرار التحميل وانتظر ثوان ليبدأ التحميل.
الملفات الكبيرة تحتاج وقت طويل للتحميل.
رابط التحميل حجم الملف
إضغط هنا لتحميل المقال
1MB

البعد اللاهوتي لكلمة غُصن في العهد القديم - الشماس كيرلس بشرى

1.    المُقدمة

لكل نبوة في العهد القديم بُعدان، ,,بُعد تاريخي‘‘ يحمل الخلفية الزميِّنة والتاريِّخيِّة للنص، و,,بُعد مسيانيّ‘‘ كشفه لنَّا كَتَبة العهد الجديد بالروح القدس. إلاَّ أنْ في بعض الأحيان نكتشف قصر تفسيرنا للبُعد التاريخيّ لنبوات العهد القديم، ولا نجد أمامنا تفسير سوى من خلال البُعد المسيانيّ. هكذا كما من خلال النصوص التي سأكشف عنها وتناولت كلمة غُصن، للإشارة إلى بُعد آخر، غير تاريخي، يُصعب كشف عنه إلاَّ من خلال العهد الجديد.

كلمة غصن من الكلمات المحوريِّة في العهد الجديد التي تُشيِّر إلى المسيح (مت 2: 23)، فالمسيح في العهد الجديد هو ,,غصن‘‘. فما هي الخلفية الكتابيِّة في العهد القديم، وإلى من تُشير؟ هذا هو محور هذه المقالة.

2.   المعنى اللُّغوي لكلمة غصن في العهد القديم

كلمة ,,غصن‘‘ بالعبريِّة هي (צֶמַח) (ṣæmach)، وقد ذُكرت في العهد القديم أثنتى عشر مرة. وتُشير في معظم الحالات إلى معنى عام ومُباشر، الذي يُعني ,,نبات الأرض‘‘ وذُكرت في:

,,وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ وَكُلَّ الدَّائِرَةِ وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ وَنَبَاتَِ (וְצֶ֖מַח) (wə-ṣe-maḥ) الأَرْضِ.‘‘ (تك 19: 25)

,,أَرْوِ أَتْلاَمَهَا. مَهِّدْ أَخَادِيدَهَا. بِالْغُيُوثِ تُحَلِّلُهَا. تُبَارِكُ غَلَّتَهَا (צִמְחָ֥הּ) (ṣim-ḥāh)‘‘  (مز 65: 10)

ولكن لها معنى خاص أيضًا، ويُستخدم في ,,إعلان خلاص‘‘:

(إر 23: 5): ,, هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ (צֶ֣מַח) (ṣe-maḥ) بِرٍّ فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلًا فِي الأَرْضِ.‘‘

(إر 33: 15): ,,في تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أُنْبِتُ لِدَاوُدَ غُصْنَ (צֶ֣מַח) (ṣe-maḥ) الْبِرِّ فَيُجْرِي عَدْلًا وَبِرًّا فِي الأَرْضِ.‘‘

(زك 3: 8): ,,فَاسْمَعْ يَا يَهُوشَعُ الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ أَنْتَ وَرُفَقَاؤُكَ الْجَالِسُونَ أَمَامَكَ لأَنِّي هَئَنَذَا آتِي بِعَبْدِي الْغُصْنِ (צֶ֣מַח) (ṣe-maḥ).‘‘

(زك 6: 12): ,,وَقُلْ لَهُ: هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هُوَذَا الرَّجُلُ الْغُصْنُ (צֶ֣מַח) (ṣe-maḥ)  اسْمُهُ. وَمِنْ مَكَانِهِ يَنْبُتُ وَيَبْنِي هَيْكَلَ الرَّبِّ.‘‘

3.   البُعد اللَّاهوتي كلمة غُصن في سفري إرمياء وزكريا

في سفر إرمياء (إر 23: 5) و(إر 13: 15) نجد الإشارة إلى ,,إعلان خلاص‘‘ من نسل داود، حيث أنَّ الله سيُقيم لداود ,,غصن بر‘‘، سيكون هو الوريث الشرعي له.[1] في نفس الوقت، تُشيِّر الصفة إلى الطريقة التي سوف يحكم بها، حيث إنه سيحكم كملك بعدالة وبر.

وفي سفر زكريا (زك 3: 8) و(زك 6: 12) يلتقط هذا الإعلان الخلاصي،[2] ويرى إن تحقيقه قريب.

ويُفترض من بعض الباحثين، من حيث البُعد التاريخي للنص، أن ,,زرُبابل‘‘ (Serubbabel)  هو ,,الغصن‘‘،[3] الذي سيُحقق أحلام إسرائيل ويُعيد بناء بيت الرب.[4] وكلمة ,,زرُبابل‘‘ (זְרֻבָּבֶל) (Zərubāvæl) تُعني ,,غصن بابل‘‘ أو ,,زرع بابل‘‘ (zēr-bābili). فربما تكون الإشارة بالغصن في (زك 6: 9 – 14) هي إلى ,,زرُبابل‘‘.[5]

ويبدو في سفر زكريا أن الإعلان أكثر ثباتًا ووضوحًا مما في سفر إرمياء، الذي يُشير إلى إن الخلاص قادم من نسل داود، لكنه لم يشير صراحةً وبوضوح كما زكريا.[6]

ومن خلال (مز 132: 17)[7] توضح الرؤية أكثر،[8] حيث يُشير المزمور، أن الرب اختار صهيون، وأنه سينْبُت فيه قرنًا[9] لداود: ,,هُنَاكَ أُنْبِتُ قَرْنًا لِدَاوُدَ.‘‘. ونجد أن الفعل ,, أُنْبِتُ‘‘ هو في العبرية (אַצְמִ֣יחַ) (’aṣ-mî-aḥ)، وقد جاء من الفعل (צָמַח) (tsamach) بمعنى ينمو. وهذا الفعل يتشابه مع الكلمة العبرية (צֶמַח) (ṣæmach) أي ,,غُصن‘‘.

4.   البُعد اللاهوتي لكلمة غُصن في سفر إشعياء

ونجد في (إش 11: 1) يقول: ,,وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ.‘‘ وبمقارنة إشعياء مع إرمياء يكتشف القارئ بوضوح أن الغُصن سيأتي من ,,نسل داود‘‘.

ومن الإشارات المهمة لكلمة ,,غُصن‘‘ في العهد القديم والتي تحمل بُعدًا خلاصيًا، نص (إش 4: 2): ,,فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ (צֶ֣מַח יְהוָ֔ה) بَهَاءً وَمَجْدًا وَثَمَرُ الأَرْضِ فَخْرًا وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ.‘‘ إن تعبير (غصن الرب/ يهوه) هنا بمقارنة مع تعبير (ثمر الأرض) لا يُشير إلى قدوم ملك، ولكن إلى عمل الرب الخلاصي. أي أن الخلاص ليس من آخر (كملك أو مخلص أرضي) ولكن من الرب نفسه. وخصوصًا حينما نضع في الاعتبار تلك الكلمات القادمة:

,,هَئَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا.‘‘ (إش 43: 19).

,,اُقْطُرِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ وَلْيُنْزِلِ الْجَوُّ بِرًّا. لِتَنْفَتِحِ الأَرْضُ فَيُثْمِرَ الْخَلاَصُ وَلْتُنْبِتْ بِرًّا مَعًا. أَنَا الرَّبَّ قَدْ خَلَقْتُهُ.‘‘ (إش 49: 8).

لذلك من الواضح جدًا أن الإشارة هنا إلى شخص فريد قادم، وهو المسيح كما استوضح في العهد الجديد، وليس آخر، فليس لديا تفسير تاريخي واضح لذلك النص، منه يشير إلى مخلص ملك، بل أن البُعد المسياني وحده يلعب دوره هنا. فعلى غيِّر العادة، التي تقول أن كل نبوة في العهد القديم لها بُعد تاريخي وآخر مسياني، ومن إجله كُتبت النبوة، نجد أن نص (إش 4: 2) إشارة واضحة للبُعد المسياني، ومن الصعب أن نكتشف فيه البُعد التاريخي.

5.   الترجمة السبعينية والعهد الجديد

في الترجمة السبعينة نجد في (إر 23: 5) كلمة العبرية غُصْنَ (צֶ֣מַח) انتقلت إلى اليونانية (ἀνατολή) (اناتوليه) أي (مُشرِّق)، حيث تُشير إلى بزوغ الشمس، وانتقلت لتُعطي بُعد مسياني للنص.[10] ففي نشيد زكريا في العهد الجديد انتقلت الكلمة لتُشير للمسيح: ,,بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلَهِنَا الَّتِي بِهَا افْتَقَدَنَا الْمُشْرَقُ (ἀνατολή) مِنَ الْعَلاَءِ. ‘‘ (لو 1: 78).

6.   الخاتمة

تحمل النبوات التي بها كلمة ,,غصن‘‘ إشارة واضحة إلى شخص فريد. ففي بعض النبوات يُشير بوضوح إلى كونه ملك مُتصِف بالعدل والبرّ، ويأتي من نسل داود، كما في شاهديّ إرمياء. كما نجد في سفر زكريا أن الإشارة أقل وضوحًا -عن سفر إرمياء- إلى المسيا، إلاَّ أن النص يحمل بشكل ما بُعد مسياني، كما يحمل بُعد تاريخي. أما عن الإشارة الأكثر لمعانًا تأتي من سفر إشعياء على إن الشخص المُشار إليه، هو بعيدًا عن كونه ملك؛ ليفتح الطريق إلى البُعد المسياني، حيث أن الغصن هو الرب (يهوه) نفسه. وأخيرًا نجد أن السبعينية قد ترجمت كلمة غصن إلى مُشرَق؛ لتجد الأرض الخصبة في العهد الجديد للإشارة إلى المسيح في نشيد زكريا.

من الواضح أن النبوة في العهد القديم بخصوص كلمة ,,غضن‘‘، إذا جُمعت معًا، في الأغلب هي على شخص يأتي من نسل داود، ويحكم بالبر والعدل. ونجد أن العهد الجديد يكشف الستار عنه. وهو شخص الرب يسوع المسيح.

7.   المراجع

BENEDIKT, Hensel: Serubbabel. In: https://www.bibelwissenschaft.de/stichwort/28453/, (Bibelwissenschaft. de, Nov. 2013).

HANHART, Robert: Sacharja (1,1-8,23), Biblischer Kommentar Altes Testament, XIV/7, (Vandenhoeck, Ruprecht, 1998).

LUNDBOM, Jack R.: Jeremiah 21-36, The Anchor Bible Commentaries, B. 21, (New York u.a., 2004).

RÖSEL, Christoph: Spross (AT). In:  https://www.bibelwissenschaft.de/stichwort/30226/, (Bibelwissenschaft. de, März 2007).

WOUDE, Adam S. van der: Serubbabel und die messianischen Erwartungen des Propheten Sacharja, Zeitschrift für die Alttestamentliche Wissenschaft, (ZAW 100), (Supplement, 1988).

[1] See. LUNDBOM, Jack R.: Jeremiah 21-36, The Anchor Bible Commentaries, B. 21, (New York u.a., 2004), 172- 3.

[2] See. HANHART, Robert: Sacharja (1,1-8,23), Biblischer Kommentar Altes Testament, XIV/7, (Vandenhoeck, Ruprecht, 1998), 194-7 .223- 6.

[3] Vgl. WOUDE, Adam S. van der: Serubbabel und die messianischen Erwartungen des Propheten Sacharja, Zeitschrift für die Alttestamentliche Wissenschaft, (ZAW 100), (Supplement, 1988), 138-156

[4] وضع زربابل أساسات الهيكل باحتفال عظيم وشرع بالفعل في ذلك العمل الضخم (عز 3: 8-13، زك 4: 9).

[5] Vgl. BENEDIKT, Hensel: Serubbabel. In: https://www.bibelwissenschaft.de/stichwort/28453/, (Bibelwissenschaft. de, Nov. 2013).

[6] Vgl. RÖSEL, Christoph: Spross (AT). In:  https://www.bibelwissenschaft.de/stichwort/30226/, (Bibelwissenschaft. de, März 2007).

[7] مزمور 137 هو مزمور من ,,مزامير المصاعد‘‘؛ تخليدًا لذكري دخول التابوت أورشليم.

[8]  قارن مع عدد (2صم 23: 5): ,,أَلَيْسَ هَكَذَا بَيْتِي عِنْدَ اللَّهِ لأَنَّهُ وَضَعَ لِي عَهْدًا أَبَدِيًّا مُتْقَنًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَمَحْفُوظاً؟ أَفَلاَ يُثْبِتُ كُلَّ خَلاَصِي وَكُلَّ مَسَرَّتِي؟‘‘

[9] كلمة (قرنًا) هو تعبير يهودي متكرر كثيرًا يُعني (قوة)، أي أن الخلاص قادم بقوة لفتك الأعداء. ويُلاحظ هذا من خلال نص (لو 1: 69) في قوله: ,,وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ.‘‘ أي قوة خلاص في بيت داود.

[10] Vgl. RÖSEL, Christoph: Spross (AT).